لا تكتمل الحكمة إلا بمعرفة العزلة

بقلم: د. سناء أبو شرار

حواسنا تتواصل مع الكون

وقلوبنا تتواصل مع الأرواح

والأرواح تتواصل مع خالقها

والروح فقط هي التواقة لخالقها

نحن على اتصال دائم مع الكون حولنا، سواء بحواسنا أو بكلماتنا أو بأفكارنا، فقط النوم يفصلنا – رُغماً عنا – إلى السكون والهدوء وأن تتوقف الحواس أو البعض منها عن التواصل مع ما حولنا؛ فيأخذنا النوم إلى سكون الجسد والفكر والعاطفة، ولكن تأتي الأحلام أيضاً كي تُعيدنا من جديد للتواصل ولكن ليس مع الكون الخارجي بل مع الكون الداخلي لكلٍ منا.

فالعابد يرى في أحلامه الملائكة، والفقيه يرى حل لمسائل فقهية عجز عنها في يقظته، وطالب العلم يرى أنه ينسى أو يحفظ ما يتوجب عليه دراسته، والسارق يرى أنه سوف يسرق ذهباً أو أنه تم القبض عليه؛ ففي كل تفاصيل حياتنا الواقعية هناك مرآة شفافة تنعكس على ذواتنا الداخلية.

الفرق بين العالَم الداخلي والخارجي

فالعالم الخارجي يدور حسب قوانين الحياة المعروفة لكل البشر، أما عالمنا الداخلي والذاتي فلا يخضع لأي قانون بل يتجاوز حدود معرفة البشر، فكم من الأحلام غيرت مجرى حياة أمة كاملة، وكم من الأحلام رسمت صور المستقبل بوضوح، وكم من الأحلام كانت مبشرة أو مُنذرة.

الحكمة من الخلوة مع الذات

ولكننا سواء في تواصلنا مع الكون من حولنا أو بأعماقنا الصامتة والدفينة، لا يمكن أن نحصل على الحكمة دون معرفة الخلوة مع الذات، ودون التوقف عن تتبع ما يدور حولنا، وأن نترك هذا المركب الصغير أو الكبير الذي يُسمى حيواتنا إلى خالقها الذي يُسيره حيث يشاء، أن نتوقف لدقائق، لساعات وربما لأيام فقط مع وحدتنا مع أنفسنا، فلا يمكن أن نُعيد ترتيب أوراق حياتنا دون هذه العزلة عن الآخرين، وهو الخطأ الذي يقع به كثير من البشر،

أن يبحثوا عن الحلول مع من حولهم، أن ينثروا الأسئلة والإحباطات والأحزان حولهم بكل مكان في انتظار الإجابة أو الخلاص من المشكلة؛ والقلة من الناس من يدركون أن العزلة هي أيضاً حل، لأنها راحة للجسد والروح، وهي أيضاً وسيلة لإيجاد الحلول، فإن لم نجد الحل فيمكننا أن نستعيد بعضاً من أنفاسنا اللاهثة في حياة نركض بها ويركض الآخرون بها من حولنا.

الحكمة ليس كلمة يتغنى بها الشعراء ويمدحها الأدباء، إنها نهج حياة، وسلوك منطقي منظم، وقبول غير مشروط بما يأتي به القدر من خير أو شر، إنها مجاهدة النفس على ما تكره، وصونها عما تحب، لأنه ربما يكمن الضرر بما نحب أيضاً؛ فهي تمنى الخير الذي يعلمه الله فقط حتى ولو كرهنا ما أرسله الله لنا، لأنه لا يعلم الخير المطلق سوى الله تعالى.

ما هي العُزلة وكيف نتمتع بها؟

وهناك أيضاً من لا يعرف ما هي العزلة، ولا كيفية التمتع بها، لأنه عاش ويعيش ويريد أن يعيش مع الآخرين، ولا يدرك أن أقصى حدود سعادة الإنسان هو إتقانه للعزلة، هو الوصول لمرحلة لا يحتاج بها للحديث مع أحد ليصبح همه أخف، ولا يحتاج للشكوى لينسى، ولا يحتاج إلى أن يؤنسه مخلوق مثله يضعف ويحزن ويغضب.

حين يعرف الإنسان كيف يعتني بزراعة بذور الوحدة ويصبر على مرارتها سوف يذوق حلاوة طعم ثمارها، بأن يكون الله أنيسه وأن يكون هو أحب إليه من أي مخلوق من المخلوقات، وأن تتحول همومه كلها إلى خالق هذا الكون وأن يعلم ويؤمن بأن كل ما يأتي من الله هو خير حتى ولو لم يحبه، وأنه ربما فيما يحبه يكمن ضرره. ولا يمكن أن تتحقق الحكمة دون هذه العزلة ودون الصبر عليها، لأنها بلا صوت، بلا إطراء، بلا مكافآت مالية، بلا طموح، إنها الحالة الفطرية المجردة للإنسان في حالة صفاءه الروحي مع الله وفي رحلته إلى الله.

بقلم: د. سناء أبو شرار

 

أضف تعليقك هنا