أطفالنا والصيام؟

بقلم: د.وفاء بنت محمد الطجل

نستقبل شهر الصّيام بفرحةٍ عظيمةٍ لأننا نعرف ما يحمله من رحمةٍ وخيرٍ ومغفرةٍ وأجور، ولكنّ أطفالنا الذين يجهلون هذا، لا يستقبلونه بنفس الفرحة.. بل نسمعهم يتذمرون ويردّدون ..”أوووه بكره صيام.. صعب ..أبي…أمّي… أنا جائعٌ جدًّا، أشعر بعطشٍ شديد، ولا أستطيع أن أُكمل صومي ، سأمضي الوقت بالنوم أو اللعب كي لا أشعر بالجوع”.في مثل هذه المواقف كيف يتصرف الآباء والأمهات؟ هل يوافقون أبناءهم على النوم ؟هل صحيح أن نشغلهم عن العبادة كي لا يشعروا بالجوع؟

كيف نحث أبناءنا على أداء واجبات رمضان؟

تُرى ما التصرف الصحيح مع هذا السلوك؟ وكيف نحث أبناءنا على أداء واجبات رمضان من صومٍ وصلاةٍ وقراءة قرآنٍ بوعيٍ وهمّة؟ بل كيف نجعلهم يحبون رمضان؟الصّوم هو نهجٌ ربانيٌّ فُرض منذ القدم، ولم يُفرض على أمّة الإسلام وحدها، بل مارسته كثيرٌ من الأمم، و قد صام الناس من مختلف المعتقدات والثقافات وبطرقٍ شتى، ولكن حين جاء الإسلام جعله ركنًا يكمل الدين، وفرضه على المسلم البالغ، وخصّ له شهرًا في العام، لكنه لم يوجبه على الصّغار.

فلم يَفرض ولم يُحدد وقتًا للصوم ولا تعليم الصوم للطفل مثلما حدَّد السبع سنواتٍ للصلاة، وأعطى فرصًا حتى العاشرة، ورغم عدم الفرض على الصّغار، إلا أنّ المسلمين الأوائل اجتهدوا لتعليم أطفالهم الصّوم، وهذا جليٌّ في قصص الصحابة والتابعين، فقضيَّتهم كانت دومًا بناء شخصية قوية العزيمة، قادرة متمكنة تعرف كيف تعبد الله وماهو طريق الفلاح.

وبنظرةٍ سريعةٍ على التربية الرمضانية عبر عصور الإسلام، نجدهم يبكّرون في تعليم أطفالهم الصّيام وهم متأكدون من قدرتهم، ويمارسون ذلك بوعيٍ وصبرٍ، فيحفِّزون الصغار ويعوِّدونهم على مقاومة شعور الجوع والعطش وبالتدريج، قياساً على نصيحة النبيّ صلى الله عليه وسلم في تعليم الصلاة، فرغم أنّ الصلاة تتكرّر كل يوم، إلا أنها تحتاج لزمنٍ طويلٍ ليعتادها الطفل، وتدخل نظامه اليومي، وكذلك الصوم وباقي العبادات تحتاج لدربةٍ ومران ووقت للفهم والتعوّد، فلا يأتي وقت فرض الصوم إلّا وقد أصبح عادة سهلة الأداء.

أهم ما يجب أن يتعلّمه الطفل في رمضان

إنّ من الأولويّات في التربية الرمضانية إزالة الجهل ورفع الوعي بما هو رمضان والصوم، ولِمَ فُرض علينا، كي تنشأ عاطفة وذكريات بين الطفل ورمضان، ومن أهم ما يجب أن يتعلمه أطفالنا أمرين:

أوّلاً

أننا نحن مسلمون، وهذا يعني أننا مستسلمون لله تعالى، نمتنع عن كل ما نهى عنه، ونطيع كل ما أمر به، وهو القائل “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” فنحن نطيع ربنا ولا نسأل لماذا ؟وكيف؟ وما الهدف؟ فنقوم بما يأمرنا ربنا بخضوعٍ وثقةٍ بأنه الأفضل لنا، وهذا معنى أننا عبيد الله، أخبر طفلك أننا لا نصوم لأجل مكافأة أو إرضاء لأحد غير الله ربنا، بل نخلص النية له تعالى وحده، وهو سيجزينا بالأجر العظيم ، وقد قال:”الصوم لي وأنا أجزي به”، فنحن نحقق العبادة بالسمع والطاعة للرب المعبود سبحانه وتعالى، وهو سبب خلقنا لعبادته سبحانه؛ لذا نحن نصوم ونطلب منه الأجر.

ثانياً

لابد أن يعرف الطفل أنّ الصوم وُجد كي يقوينا ويجعلنا قادرين على التحكم بشهواتنا وغرائزنا، لأن الفالح الفائز هو من يقوى على مجاهدة نفسه وتقويمها وتطويعها، والصّوم هو التدريب الأهم كي نقوّي عضلات التحكم لدينا، ونقاوم ضعفنا أمام ما نشتهي حتى لو كان مباحًا وحلالاً، لأننا حين نكون قادرين على ذلك فيسهل علينا ترك المعاصي، فحين نقوى على الصوم، ونتمكن من مقاومة الجوع والعطش، فنحن من الموفقين لطاعة الله.

كيف نعوِّد أطفالنا على الصيام؟

والتربية عملية مستمرة وطويلة المدى، ولرمضان نوع خاص من التربية ، حيث يجب أن نشرك صغارنا مبكرًا في جوّ رمضان وعالم الصّيام ولا نتأخر أبداً، فخبراء التربية وتكوين العادات وتوجيه السلوك، جميعهم يؤكدون على أنّ البدء مبكرًا أساسٌ مهمٌ للمربّي، فلا نترك الطفل بعيدًا عن الصّيام والصّلاة والقيام بحجة أنّه لا زال صغيراً… ثم فجأةً! نُقحمه ونطلب منه أن يصوم ويقوم ويقرأ.

هي مراحل وخطواتٌ تبدأ باكرًا؛ كي نعطي فرصًا للصواب والخطأ والتجارب التي تساعد على فهم الواجبات واستيعاب المطلوب، إن استخدام أساليب التّرغيب والتّحبيب والدّعم والتّشجيع أساس النجاح بعد وضوح الضوابط والقواعد، والتمييز بين الفروض والواجبات وتعلّم كيف يؤدون الطاعات، وهكذا كان السلف الصالح مع صغارهم.

كيف تتكوّن العادات والمعارف عند البشر؟

فتكوين العادات عند البشر يبدأ أولًا بالمعرفة و بإعطاء المعلومات والتوجيه المباشر كما فعل صلى الله عليه وسلم “ياغلام سمِّ الله، كُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك”، فهو بذلك شَرَح ووجَّه وقدَّم المعلومة، وقول لقمان كذلك “يابني أقم الصلاة، وأمر بالمعروف، وانهَ عن المنكر..” هو يعرِّف ابنه المطلوب ويوجّهه، وهذه بداية التربية والتعلم، ثم يأتي بعد عملية التوجيه النقاش والمحاورة ليس من باب الاقناع فحسب، بل للتعمق والتفكر وتفهم المغازي والمنافع والأهداف المباشرة وغير المباشرة،

فأوضِح له لِمَ يجب أن نأكل من أمامنا؟ لِمَ نسمِّ الله؟ لماذا وكيف نأمر بالمعروف؟ ….وهكذا، ولأننا متباينون ولكل منا نمطه الخاص في التعلم، فالتكرار وتنويع الأسلوب مهم، فمرة نستخدم القصة، وأخرى النشيد، وثالثة الممارسة العملية، ورابعة نحل مسابقة، أونشاهد فيلما وثائقيا، أو نقرأ كتابًا، التكرار يكون بأساليب مختلفة؛ كي تصل المعلومة وفق نمط الطفل التعليمي، وتثبت عنده ليس فقط بالأساليب بل أيضا بأنواع المنافع، اجتماعية وصحية وغيرها،

ثم يأتي دور القدوة فالمحاكاة والتقليد أمر مشاهد، وكثير من العادات التي يقوم بها المربون نرى الأبناء يقلدونها، وبالعودة لموضوع الصوم نجد أنه مثل كل العادات التي يعتادها الإنسان، يحتاج لنفس المراحل كي يثبت و يدخل النظام الاجتماعي والفكري للفرد، وعليه نوجّه الطفل ونحدثه ونناقشه ونكرر عليه بأكثر من طريقة، ونقدم له القدوة التي نريده أن يكون عليها، إنّ ما نفعله أمام أولادنا أقوى أثرا مما نقول، ومهم أن يشاهدك طفلك وأنت تقوم بالطاعات من صوم وصلاة و قراءة القرآن؛ ليقلدوك.

أرشدوا أبناءكم مبكراً إلى الغاية العُظمى من شهر رمضان

ولن يستقبل الصغار رمضان بفرح إلا إذا عرفوا فضله، وأدركوا أنه شهر تدريبٍ وتربيةٍ لكل المسلمين كباراً وصغاراً، هو فرصة نرفع قدرتنا على الصبر والتحمل؛ لنكون أذكياء ونجمع الأجور ونغتم موسم الخير ، ونتذكر أن ما قام به آباؤنا جزاهم الله عنّا خيرًا، له دورٌ كبيرٌ فيما يظهر على سلوكنا في رمضان، وينعكس على أدائنا فيه، وما سنقوم به نحن بدورنا مع أبنائنا سيبقى معهم وينعكس على شخصياتهم أيضا، فهيّا أيّها المربّون… أرشدوا أبناءكم مبكراً إلى الغاية العظمى من هذه المدرسة الرّبانية.

بقلم: د.وفاء بنت محمد الطجل

 

أضف تعليقك هنا