اسْتِخْدَام الْإشْرَاف الْمُدْمَجِ فِي الْمَدَارِسِ الْحُكُومِيَّة

بقلم: إسلام نعيم مجمد بصل

مقدمة:

إن أهمية الإشراف التربوي تتبلور في كونه يعمل على تطوير عملية التعلم والتعليم ، من خلال تحسين العوامل المؤثرة عليها، ومعالجة الصعوبات التي تواجهها في ضوء أهداف المؤسسات التربوية وفلسفتها، وتمثل الأساليب المعتمدة في الإشراف التربوي لأداء وظائفه وتحقيق أهدافه وفلسفته التربوية محور عمليات التواصل والاتصال التي تربط المشرف بالمؤسسات التعليمية وإدارتها والمعلمين العاملين في إطارها (حسين، والقثامي، ٢٠١٩: ٢٢٣).

والإشراف التربوي ليس بمعزل عن هذه التطورات، كونه يمثل جانباً أساسياً من جوانب النظام التربوي، فهو الركيزة الأهم في هذه الجوانب، إذ يقوم على تحسين عناصر العمل التربوي، وكل ما يحيط بالعملية التربوية؛ لأنه يُعنى بالعمليات والأنشطة والبرامج التي يستخدمها المشرفون التربويون بعد تصميمها وتنفيذها لتحسين وتسهيل أداء المعلمين) صلاح الدين، 2020، 28).

ويعد الاشراف المدمج أحد المداخل الحديثة القائمة على الاستفادة القصوى من تطبيقات تكنولوجيا المعلومات في تصميم مواقف تعليمية جديدة تمزج بين التدريس داخل الفصول الدراسية والتدريس عبر الإنترنت وتفعيل استخدام استراتيجيات الاشراف النشط والتعلم فرد لفرد، واستراتيجيات التعلم المتمركز حول المتعلم، وذلك لما يتميز به من الجمع بين مميزات التعلم الإلكتروني بأنماطه المختلفة وبين مميزات التعلم وجهاً لوجه في حجرات الدراسة تحت إشراف وتوجيه المعلم (عبد المجيد، 2009: 26).

أن الاشراف التربوي المدمج يعمل على حل مشكلة الاشراف التقليدية المتمثلة بصعوبات الحركة، والتنقل، وزيادة أعداد المعلمين، وصعوبة الاتصال المباشر معهم، ويضيف الى ذلك الهجران، أن نموذج الاشراف التربوي الالكتروني يوفر الوقت والجهد، والكلفة لكل من المشرف والمعلم، وأن هذا النموذج سيكون الاكثر شيوعاً في المستقبل(السوالمه، والقطيش، 2015: 171 – 172).

فالإشراف التربوي المدمج هو:” طريقة مبتكرة لتقديم تصميم تفاعلي جيد متمركز حول المتعلم، وإتاحة التعلم لأي شخص في أي مكان، وفي أي وقت من خلال الاستفادة من سمات ومصادر التقنيات الرقمية المختلفـة، والتي تعمل بجانب أشكال أخرى من المواد التعليمية الملائمة لتوفير بيئة تعليمية مفتوحة، ومرنة (السبيعي، والقباطي، 2019: 558).

نشأة الإشراف التربوي المدمج:

نشأ الإشراف التربوي ليكون ذراعًا أو عينًا للسلطة التربوية في الرقابـة علـى المـدارس وضـبط
الأمور فيها فكان عملية تفتيش تنطلق من هرمية سلطوية تؤدي وظائفها بأسلوب يعتمد على تـسقط العثرات لا إقالة العثار، وتوجيه العقوبة دون الإثابة، وكان يقوم بهذه العمليـة عـادة معلمـون قـدامى أو موظفون إداريون تدرجوا في الوظيفة حتى وصلوا إلى رتبة مفـتش، وكـان هـؤلاء متكبـرون مستبدون وفي زياراتهم للصفوف ينفثون جوًّا من الكبرياء والغرور وهمهـم البحـث عـن الأخطـاء وإملاء ملاحظاتهم للمدرسين ولا يقبلون مناقشة (مصلح، 2011: 31).

ونشأ الإشراف التربوي مع بداية وجود التربية متأثرًا بالتغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها الحضارة خلال العصور المتعاقبة، والمتتبع لتطور الإشراف التربوي يرى أن مفهومه بمعناه وممارساته المتعارف عليها الآن لم يتبلور في التربية والتعليم إلا حديثًا، حيث نشأ الإشراف التربوي في أول أشكاله في القرن السادس عشر في مدينة بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نظمت لجان من الآباء لزيارة المدارس، ومراقبة أعمال المعلمين.

ثم تزايدت أعداد المدارس، فتم تفريغ أحد المعلمين ليقوم جزئيا بمهام الإشراف على المعلمين، إلى أن تولدت القناعة بأن يقوم بهذه العملية شخص معين هو مدير التربية في المنطقة، وقد مارس المدير أعماله في التفتيش على المعلمين، مركزًا على النواحي الإدارية، حيث كان يمارس أعماله في مراقبة المدارس والمعلمين من أجل ضبط عملية التعليم، وبقي هذا الشكل مستمرا حتى الربع الأول من القرن العشرين (محمود، 1997: 12-13).

أهداف الإشراف التربوي المدمج :

تنبع أهمية الإشراف التربوي من المركز الذي يحتله المشرف التربـوي والأهـداف التي يعمل على تحقيقها، وذلك بحكم وجوده في موقع حساس يؤهله للعب دور ريـادي فـي ميدان التربية، ومما يزيد من أهميته عدد الوظائف المكلف بأدائهـا والمسـؤوليات والأدوار المنوطة به، فبالإضافة إلى كونه قائدًا تربويًا، تقع على عاتقه عملية تحقيق أهـداف العمليـة الإشرافية، فهو مسؤول عن تطوير المناهج، وتحسين التعليم والتعلم عن طريق تحسـين أداء المعلمين، وتقويمهم، والمواظبة على تدريبهم، وإطلاق طاقاتهم البشـرية الكامنـة، وتنشـيط حركة التطوير التربوي والإسهام في البحث التربوي (أبو شرار، 2009: 18-20).

ويسعى الإشراف التربوي المدمج إلى تحقيق عدة أهداف يمكن تلخيصها فيما يلي ( الصاعدي ، ٤٩،٢٠١٥ ):

  • دمج متوازن بين الإشراف المباشر وغير المباشر.
  • إتاحة مبدأ الاتصال والتعاون المستمر بين المشرف التربوي، والمعلم، والطالب؛ لتحسين العملية التعليمية.
  • سد حاجات المعلمين، والطلاب من خلال المساعدة المباشرة وغير المباشرة .
  • تنويع أساليب التقويم لأداء المعلم وتصرفات الطالب.
  • توظيف الإمكانيات التقنية المعاصرة لمتابعة سير العمل.
  • تنفيذ التوصيات والاقتراحات التي تم الاتفاق عليها أثناء الزيارة الميدانية.
  • تزويد المعلم والطالب بمصادر المعلومات المختلفة التي يحتاجها لتحسين أدائه.
  • إتاحة المجال لمزيد من الأساليب الوقائية والعلاجية سواء تتم بشكل مباشر أو عبر الوسائط التقنية والدروس المسجل.

خصائص الإشراف التربوي المدمج:

  1. إن نموذج الإشراف التربوي المدمج يتميز بعدة خصائص تميزه عن بقية النماذج الحديثة في الإشراف التربوي، وهي كما يلي:
  2. الإشراف عملية قيادية ديمقراطية تعاونية مخططة، تقوم على التحليل والاستقصاء والتقويم التشاركي.
  3. إنه يشمل جميع عناصر الموقف التعليمي من معلم ومتعلم ومنهاج وطرائق تدريس وبيئة
    تعليمية، ويعمل على تحسينها والارتقاء بها في الاتجاه المرغوب.
  4. إنه يستعين بوسائل وأساليب فردية وجماعية كالزيارات الصفية والندوات التربوية والورش
    التدريبية والدروس التوضيحية والقراءات الموجهة وغيرها.
  5. يقوم على الاحترام المتبادل بين سائر العاملين التربويين، وتقبل الفروق الفردية والعمل الجماعي التشاركي.
  6. يتطلب عملية تقييم مستمرة للأهداف والخطط والبرامج (أبو شرار، 2009: 43).

مزايا الإشراف التربوي المدمج:

هناك العديد من المزايا للإشراف التربوي المدمج، وهو يجمع بين مزايا الإشراف التقليدي والإلكتروني :(المقطرن، 2016: 317)

  • يتيح لقاء المشرف مع الطلاب وجها لوجه ويحقق التفاعل العاطفي.
  • تلمس الاحتياجات الفعلية في الميدان التربوي بواقعها المتشعب.
  • تعزيز العلاقات الإنسانية بينهم عن قرب، مما يحقق القدوة.
  • يتيح تدعيم استمرار التواصل بين المشرف والمعلم والطالب .
  • يتيح متابعة نتائج تنفيذ المقترحات العلاجية أو الوقائية عبر وسائل التواصل التقنية الحديثة.
  • التزويد بكل جديد سواء على المستوى العالمي أم المحلي، ومواكبة التطور والتحسين.
  • توفير الزمن واختصار المسافات، والسرعة في الإنجاز، وتحسين الأداء الإداري .
  • التحفيز للعمل وإثارة الدافعية لما يمكن استخدامه من أساليب جديدة.
  • تحسین وسائل الاتصال ترغيب المعلمين بالنمو المهني من خلال استخدام أساليب إشرافية حديثة تأكيد أهمية التعلم الفردي والذاتي.
  • مساعدة المشرف والمعلمين على تبادل المعرفة من خلال الاستفادة من المواقع العالمية والمحلية.
  • حفز المعلمين وباستمرار لاستخدام البرامج ومحركات البحث المتوفرة مع مواكبة كل جديد.

مراحل تطبيق الإشراف التربوي المدمج:

أشار صلاح الدين (2020: 28) إلى أن توظيف نموذج الإشراف التربوي المدمج في البيئة التعليمية يمر بمراحل محددة، وهي كالتالي:

مرحلة الاتصال المباشر: وتتم في هذه المرحلة زيارة المشرف للمعلمين في الميدان التربوي، والالتقاء بهم وجها لوجه ، وتقويم مستوى أدائهم من خلال الزيارة الصفية، ومن ثم التعاون في وضع الأساليب المناسبة لتحسين أداء المعلمين، والاتفاق حول طرق الاتصال والمتابعة المستمرة من خلال الشبكات في ضوء إمكانياتهم.

مرحلة الاتصال غير المباشر: وفي هذه المرحلة يتم الاتصال بين المشرف والمعلمين عبر شبكات الإنترنت بشكل متزامن (المنصة الافتراضية)، أو بشكل غير متزامن (البريد الإلكتروني(، وتزويد المعلمين بمصادر معلومات إلكترونية، وإلحاقهم بدورات عبر الانترنت، بالإضافة إلى تكرار عملية تقويم أداء المعلم من خلال التسجيل الإلكتروني.

ومن ثم يتضح أن الاشراف التربوي المدمج يجمع بين الاتصال المباشر وغير المباشر للاستفادة من مزايا كلا منهما وتلافي عيوب كلا منهما.

متطلبات تطبيق الإشراف التربوي المدمج:

إن نموذج الإشراف التربوي المدمج يحتاج في تطبيقه إلى العديد من المتطلبات المهمة التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار؛ والتي تضمن تحقيق أهدافه بما يتناسب مع الظروف الاجتماعية والثقافية في النظام التعليمي، وهناك مجموعة من المتطلبات التي يجب توافرها، كما أشار إليها (حمدان والعاجز، 2015: 7)، و(الشهري، 2018: 38-43)، و(صلاح الدين،2020: 42-43)، وهي كالآتي:

1) المتطلبات التشريعية: والتي تتمثل في الأنظمة، واللوائح، والتعميمات المهمة التي تصدرها وزارة التربية والتعليم بشكل رسمي لتدعيم تطبيق الاشراف التربوي المدمج.

2) المتطلبات الإدارية: تشكل المتطلبات الإدارية أهمية كبرى في تطبيق أي نظام إشرافي فعال، لذا لابد من وجود بيئة عمل منظمة تعمل على توفير المناخ التعليمي المناسب لتطبيق الإشراف التربوي المدمج، وتحتاج إلى مقومات قيادية فاعلة لتحقيق أهدافه.

3) المتطلبات البشرية: يعد العنصر البشري هو أساس العملية الإشرافية المراد تدعيمها بالكفايات اللازمة لتطبيق الإشراف التربوي المدمج، وهذا يتطلب ما يلي:

  • إدراك مفهوم الإشراف التربوي المدمج وأهميته في تحسين العمل الإشرافي .
  • القدرة على تلافي سلبيات تقنية المعلومات في أداء العمل الإشرافي .
  • القدرة على التوفيق بين تطبيقات المعلومات الإشرافية، والجوانب الإنسانية في العمل الإشرافي.
  • الإلمام بالأنظمة واللوائح التي تحكم التعاملات الإلكترونية.

4) المتطلبات الفنية: يقصد بها تهيئة الظروف المناسبة للكوادر الإدارية والفنية والإشرافية وتأهيلهم وتدريبيهم على تطبيق الإشراف التربوي المدمج في المدارس، ووجود مجموعة من الكوادر القادرة على تنظيم العمل في النموذج، فمن الضروري وضع استراتيجيات لتأهيل الكوادر البشرية (مدير المدرسة، المشرف، المعلم،) وذلك لتحسين مهاراتهم المهنية والأدائية لتطبيق الإشراف التربوي المدمج.

5) المتطلبات المادية والتقنية: يقصد بها المخصصات المالية والتجهيزات والوسائل التعليمية التي تسهل عملية تطبيق الإشراف التربوي المدمج؛ حيث إنه لابد لكل نظام إشرافي من توفر بيئة عمل مادية محفزة على الإبداع والتميز والعطاء، وكذلك توفير المصادر العلمية والحقائب التعليمية الخاصة بالإشراف التربوي المدمج، وتهيئة الظروف والإمكانات المادية لتحقيق أهدافه. (شاهد مقاطع فيديو موقع مقال على اليوتيوب).

بقلم: إسلام نعيم مجمد بصل

 

أضف تعليقك هنا