القيادة الناعمة

بقلم: صفاء جمال صبحي عبد القادر

مقدمة:

القيادة الناعمة في الإسلام هي التي وسعت دائرة المنتمين إلى الإسلام تاريخياً، فالملايين من المسلمين دخلوا الإسلام وتعرفوا عليه من خلال قيم الرحمة والرأفة والأخلاق الفاضلة وحسن الجوار وحرمة الدم والعرض والمال والبر بالآخرين، ولو تأملنا في التجربة الإسلامية التاريخية، لاكتشفنا بوضوح موقع ما يسمى اليوم بالقيادة الناعمة في انتشار الدين الإسلامي ودخول الناس أفواجا في دين الله، بدون فرض وقهر، وإنما بفعل الجاذبية الأخلاقية والسلوكية.. وثمة نصوص قرآنية عديدة، تؤكد هذا المعنى، وتحث عليه، بوصفه الوسيلة الفعالة لنقل الآخرين من موقع الخصومة والعداء إلى موقع الصديق والمؤمن والمنتمي إلى ذات المنظومة العقدية والأخلاقية.. قال الله تعالى: }وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ (سورة الحشر الآية 9).

فالقيادة الناعمة ليست قيادة مستسلمة أو بطيئة أو عمياء، ولكنها قيادة حازمة، حيث يعتمد فيها القادة على سهولة الاتصالات بثقة عالية، ومتعاونين معاً لتنفيذ المهام وصولاً للأهداف المرجوة.

مفهوم القيادة الناعمة:

هي عملية تحديد الأهداف والتأثير على الأفراد من خلال الإقناع وبناء مجموعات عمل قوية، والتفاوض معهم في حالة تضمن الراحة والربح للجميع، واحترام اخفاقاتهم، والأخذ بأيديهم، وتحفيزهم باستمرار، وتنظيم طاقاتهم وجهودهم، والاعتراف بمساهماتهم في تحقيق الأهداف والغايات التنظيمية، مع التركيز على المهارات الشخصية. وأيضا تعرف القيادة الناعمة بأنها قيادة مشاركة اتخاذ القرارات، وممارسة السلطة بالرجوع إلى مشاورة الآخرين.

أهمية القيادة الناعمة:

  • تساعد في تحويل شخصية الأفراد ومواقفهم وسلوكياتهم.
  • توازن بين مقدرات الأفراد والمهام الموكلة إليهم بشكل متناسب دون المساس بالأهداف.
  • تركز على التعاطف (معرفة الغير) الذي يتمثل في القدرة على فهم وإدراك شؤون الشركاء الآخرين والنظر في القضايا بموضوعية.
  • تعمل على الحد من الصراعات وتقلل من استخدام السياسة التنظيمية.
  • تعمل على تحقيق التوازن بين حياتهم الشخصية والمهنية.
  • تقلل من مستويات التوتر وتحافظ على استدامة الموظفين.

أبعاد القيادة الناعمة:

ترتكز القيادة الناعمة على وجود ثلاثة أبعاد رئيسية تتمثل فيما يأتي:

  • الرؤية: وهي تلك الصورة الملهمة للمستقبل والقادة الناعمين ذو رؤى واضحة تهدف للصالح العام لجميع موظفي المنظمة، وتسعى لتحقيق رؤية مستدامة.
  • الاتصالات: يجب أن يكون لدى القادة القدرة على التواصل بشكل فعال سواء عن طريق الكلمات أو الرموز أو المهارات التي يمتلكها القائد.
  • الذكاء العاطفي: ويعني التمكن الذاتي والانضباط والقدرة على التعاطف الذي يسمح للقائد لتوجيه العواطف الشخصية، وجذب الآخرين، ويجب أن يكون الذكاء العاطفي أصيل ودائم، وليس متصنع لبعض الوقت.

سمات القيادة الناعمة:

توجد عدة سمات يتمثل فيها القائد في القيادة الناعمة ومنها ما يأتي:

الشخصية:

هي أحد المكونات الرئيسية للقياديين الناعمين من خلال شخصيتهم القوية، حيث يقودون الأفراد من خلال التأثير عليهم وتوجيههم، إذ إن الناس بالعادة يقتدون بالقادة الذين يتمتعون بنزاهة لا تشوبها نائبة والذين يستطيعون إدارة حديثة…. كقائد أنت دائما أنت تحت الأعين، فأنت بحاجة لأن تكون قدوة صحيحة من خلال شخصية مستقيمة لكي تتطور كقائد، فالناس يميلون إلى النظر لنقاط الضعف بدلاً من نقاط القوة لدى الآخرين، وبالتالي من الضروري إظهار شخصية قوية للقيادة من المقدمة للتأثير بالآخرين.

الجاذبية:

وكما تقول ماريان وليا مسون الكاريزما بريقة في الناس لا يمكن للمال شراؤها، حيث إنها طاقة غير مرئية ذات تأثيرات مرئية.

فواحدة من أعظم خصائص القيادة الناعمة هي جاذبية القياديين، فالقادة الناعمون يصنعون من الآخرين أناسا أكثر أهمية وقيمة من خلال الجاذبية التي يتمتعون بها، حيث إن هذه الجاذبية تساعد القادة في التواصل مع الآخرين.

الضمير:

هو أحد المكونات الرئيسية للقادة الناعمين، لأن الضمير الحي يجعلهم متميزين عن القادة الآخرين، حيث يتوقع الناس من القادة أن يكونوا أخلاقيين ومسئولين كما أنهم يتطلعون إلى القادة أصحاب الضمائر اليقظة.

القناعة:

هي عنصر أساسي آخر للقيادة الناعمة والتي بدونها لا يستطيع القادة الناعمون القيادة بنجاح، إن قناعتهم هي التي تدفع بهم إلى الأمام، وتجعل موظفيهم يتقدمون نحو تحقيق الأهداف.

الشجاعة:

هي الفضيلة الأولى، لأنها تجعل كل الفضائل الأخرى ممكنة، فالشجاعة ضرورية للجميع، وأيضاً عنصر رئيسي للقادة الناعمين، حيث إنها تتطلب ثقة الموظفين.

القدرة على التواصل:

يعتمد نجاح القيادة الناعمة على التواصل أكثر من أي شيء آخر، فبدون الاتصال الفعال لن يستطيع القادة التعبير عن أفكارهم وآرائهم وإقناع الآخرين باتباعهم، فالاتصال هو العمل الحقيقي للقيادة.

التعاطف:

عندما ننظر إلى القادة الناعمين نجدهم ممتلئين بالعطف والرحمة بالآخرين، فلقد غيروا وجه العالم من خلال شفقتهم وتعاطفهم، فالتعاطف يعني أن تهتم حقا بمن هم تحت مسئوليتك دون انتظار أي عوائد.

الالتزام:

يتمتع القادة الناعمون بخاصية عظيمة وهي خاصة الالتزام، إذ أن التزامهم الراسخ بقضايا الآخرين هو الذي يحظى بالإشادة، والالتزام هو مفتاح النجاح لأي أمر قد يبدأ به الإنسان.

مهارات القيادة الناعمة:

يوجد عدة مهارات للقيادة الناعمة تتمثل فيما يأتي:

  • التواصل الفعال.
  • المبادرة.
  • تنمية الموظفين والحرص على تدريبهم.
  • إيجاد رؤية مشتركة مع الموظفين.
  • إدارة الأزمات.
  • الذكاء العاطفي.

القيادة الناعمة في المجال التربوي:

لكي تكون قيادتنا ناعمة في المجال التربوي على مستوى الإدارات أو مكاتب التعليم أو المدارس علينا أن نخلص إلى معرفة بعض من مواصفات القيادة في المجال التربوي كما يأتي:

ضرورة اختيار القادة ممن تتوفر فيهم مواصفات القيادة الناعمة، وممكن يمتلكون الخبرة والصفات والخصائص التي تؤثر على المرؤوسين لمواكبة التطورات في دول العالم خاصة المتقدمة منها، وممن يدركون بأن القيادة ليست إصدار أوامر بل إنها تنطوي أيضاً على القيادة بالقدوة واجتذاب الآخرين لتحقيق الغايات والرؤى المشتركة، كما نحتاج لممارسة قيادة تساهلية غير متشددة في جوانب متعددة في إدارة العمليات التربوية المختلفة وفي مختلف المستويات.

الفرق بين القيادة الناعمة والقيادة الصارمة:

تتمتع القيادة الناعمة بسمات ومهارات مختلفة بشكل كبير عن القيادة الصارمة، وتتمثل هذه الفروقات فيما يأتي:

  • القيادة الناعمة موجهة نحو الناس، في حين أن القيادة الصارمة موجهة نحو القيام بالمهام.
  • تتضمن القيادة الناعمة استخدام أسلوب تكاملي وتشاركي، بينما تتضمن القيادة الصارمة سياسة الترغيب والترهيب.
  • تمزج القيادة الناعمة بين المهارات الناعمة والصارمة مع التركيز على المهارات اللينة، فلا يوجد قائد فعال بدون مهارات صارمة، كما تؤكد القيادة الناعمة على المواقف السلوكية لباقي أعضاء الفريق.
  • يتبنى القادة في أسلوب القيادة الناعمة طريقة ديمقراطية وحقيقية، وتركز على مدى اهتمام الأشخاص بمهامهم، في حين يتبنى القادة الصارمون أسلوب التعامل الاستبدادي، وتركز على مدى معرفتهم بواجباتهم.

الخاتمة:

يمكن أن نجمل القول بأن القيادة والسيطرة الهرمية لم تعد تعمل هذه الأيام، فهذه هي أيام التواصل والتفاوض والتيسير والتنسيق والتعاون والتقدير والاعتراف بإنجاز المهام بنجاح، فالقيادة لا ينبغي أن تتمحور حول الذات بل يجب أن تركز على الآخرين، فهي ليست وسام شرف، لكنها وظيفة تنطوي على مسئولية اتجاه الآخرين. (شاهد بعض مقاطع فيديو موقع مقال على اليوتيوب)

المراجع:

  • أبو حاطوم، رولا. (2022م). درجة ممارسة المهارات القيادية الناعمة من قبل رؤساء الأقسام في الجامعات الأردنية الخاصة بمحافظة العاصمة عمان من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس (رسالة ماجستير)، قسم الإدارة والمناهج، كلية علوم التربية، جامعة الشرق الأوسط، عمان، الأردن.
  • الحدراوي، رافد؛ محمد، جلال. (2020م). استثمار مهارات القيادة الناعمة لتحقيق التطوير التنظيمي – دراسة تحليلية لآراء عينة من منتسبي المعهد التقني في السليمانية، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الاقتصادية والإدارية، 28 (3)، ص ص 206 – 233.
  • موقع الأمة برس، (2020م)، الفرق بين القيادة الناعمة والصارمة، بتاريخ 21/11/2020م، موقع الأمة برس الإلكتروني: https://thenationpress.net/news-78510.html
  • Rao, M. S. (2017). Soft Leadership: An innovative leadership perspective. The Journal of Values-Based Leadership, 10(1), 9.‏

بقلم: صفاء جمال صبحي عبد القادر

 

أضف تعليقك هنا