بين التناص والتخميس في الشعر العربي

بقلم: سمر محمد خليف الزيود 

يرتيط الشعر بالهوية الثقافية للمجتمع ارتباطًا وثيقًا، ويتطور ويتغير تبعا لهذا المجتمع؛ لذا نجد الشعراء العرب يطورون ويجددون في البنى الموسيقية للشعر استجابة لتطورات العصر، فأول ما نطالع الشعر الجاهلي نجد أمامنا نظام الشطرين والقصيدة العمودية واستمر نظم الشعر على هذا المنوال إلى بدايات العصر الذهبي( العصر العباسي)الذي دخل عليه تطورات في المعاني والأساليب والألفاظ والأوزان مما أثر على نظم الشعر وظهر عليه تطورات جديدة تفنن الشعراء في نظمه ضمن أسس تميزه عن المألوف.ومن هذه التغيرات (فن التخميس)

والتخميس في أبسط تعريف له: أن يأخذ الشاعر بيتًا لسواه، فيجعل صدره بعد ثلاثة أشطر ملائمة له في الوزن والقافية؛ أي يجعله عجز بيت ثانٍ، ثم يأتي بعجز ذلك البيت بعد البيتين؛ فيحصل على خمسة أشطر، ومن هنا جاءت التسمية

 فائدة التخميس في الشعر 

لا يخفى على القارئ أن فن التخميس ليس سهلا ولا يتمكن منه إلا من امتلك الأدوات اللازمة لخوض غماره ، فالشاعر المخمس يجاري فحول الشعراء  والتخميس يعطيه الفرصة الكاملة لإثبات قدرته على مجاراتهم ويظهر ما لديه من موهبة شعرية ، دون تكلف وصنعة واضحة ، فالتخميس متعة ويضفي على البيت المخمس جمالية تجذب االقارئ لسماعه وقراءته ويسارع في حفظه لا سيما إذا كان هذا البيت مشهورا  وسُبك سبكا قويا وجاء الشاعر المخمس وزاد عليه إبداعا هنا سيظهر فن التخميس .

وللتخميس آثار عظيمة في التراث الأدبي

  1. تجاوز الشعر فيه مرحلة التقليد ، وانطلق الشعراء إلى سياق الإبداع والابتكار .
  2. إذكاء روح التنافس بين الشعراء لعرض قدراتهم في ميادين الشعر .
  3. المحافظة على التراث الشعري القديم عبر مر العصور

التناص والتخميس 

تعد (جوليا كريستيفا) بإجماع النقاد الغربيين بأنها أول ناقد أسس لمفهوم التناص نظريًا وعمليَا ، وهي أول من طرح ” هذا المصطلح تأسيسًا على مفهوم ميخائيل باختين عن (الحوارية) ويشير هذا المفهوم إلى تداخل النصوص الشعرية بحيث:يحيل المدلول الشعري إلى مدلولات خطابية مغايرة،بشكل يمكن معه قراءة خطابات عديدة داخل القول الشعري. وتمكنت من تعريف (التناص)بأنه: ترحال للنصوص وتداخل نصي ،ففي فضاء نص معين تتقاطع وتتنافى ملفوظات عديدة مقتطعة من نصوص أخرى ؛ فالتناص هو تعالق النصوص وتداخلها  وتكاد تجمع كل التعريفات للتناص :بأنه قراءة لنصوص سابقة غائبة وتأويلها وإعادة كتابتها بطرائق عدة،على أن يتضمن النص الجديد زيادة في المعنى على كل النصوص السابقة التي يتكون منها ، وهذا يلتقي مع مصطلح التخميس في الشعر       .

تعريف التخميس

فالتخميس ما هو إلا تناص شعري وتعالق بين النص القديم الغائب والنص الحديث الحاضر مع تغيير المعنى والمراد؛  لأنّ الشاعر يكتب لزمانه وعصره ، ومثال ذلك تخميس الشاعر المعاصر تميم البرغوثي لقصيدة المتنبي ( على قدر أهل العزم)حيث عبر صراحة في مقدمتها بأنه (يسرق المتنبي) أي يتناص معه.

حيث قال:”وقد كانت العادة من قبل ،أن يكون التخميس كالمعارضة ،أي تأكيدًا لمعنى القصيدة القديمة،وألا يخرج بها عن سياقها .وأنا حاولت ،على غير تلك العادة ،في تخميسي لقصيدة المتنبي (على قدر أهل العزم)،أن أغير معناها تمامًا وأقلبه عمدًا رأسًا على عقب .وأنا أكتب تخميسي للقصيدة الجليلة السابقة في هذا الزمان غير الجليل ،متعمدًا قلب معانيها لانقلاب زمانها وأن أغير ما تعود عليه ضمائر أبي الطيب، فبدلًا من أن يكون موضوع قصيدة أبي الطيب موقعة بين سيف الدولة ،يكون موضوعها بعد التخميس وصفًا لذاتنا جمعًا وأفرادًا في هذه الزمان ، فأنا بصراحة أسرق أبا الطيب ،لكنه جد سمح وذو كف ندية،ونحن ناسه شئنا أم أبينا، بل شاء هو أم أبى”

هل كان التخميس موجوداً في الشعر العربي القديم؟

التخميس ظاهرة شعرية  لم تكن موجودة في الشعر العربي القديم وهي ظاهرة مستحدثة من الشعراء المولدين.ظهر وازدهر في العصر العباسي نتيجة تطور المعاني والأفكار والأساليب والسعي إلى التجديد والخروج عن المألوف بإبداع وابتكار. ونلاحظ عدم انتشار ظاهرة التخميس انتشارًا واسعًا ؛لأنها ليست بالأمر السهل وتحتاج إلى موهبة وامتلاك أدوات الشعر وصياغته قبل خوض غماره؛ ولأن البعض رأى فيها تكلفًا وتصنّعا أخرج الشعر عن سليقته وغرضه.

آثار الشعر المخمس على المتلقي

ولكن بعد قراءتي للشعر المخمس وجدت أنه ظاهرة تؤثر إيجابا في المتلقي أو القارئ حيث يستحضر النص الغائب ولا يخلو من متعة المقارنة والإبداع كما يثري الأدب العربي ويحيي النصوص التراثية القديمة . وما التخمبس إلا تناص وتعالق بين النص الغائب والنص الحاضر .ولفهم التخميس وتذوقه  في العصر الحديث يمكنك قراءة المثال الرائع للشاعر المُلهِم المُلهَم ( تميم البرغوثي ) وتخميسه لقصيدة المتنبي ( على قدر أهل العزم ) .

بقلم: سمر محمد خليف الزيود 

 

أضف تعليقك هنا