تأملات عائشة جلال الدين في سورة الكهف

بقلم: عائشة جلال الدين

مظاهر تجلي وعد الله الحق لأصحاب الكهف

قال الله سبحانه وتعالى(وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ) إلى آخر الآية
و هذه تأملات في وعد الله الحق لأصحاب الكهف و لمن عثروا عليهم لمستها حينما كنت أغوص في ذلك الموقف المعجز وهذا الوعد الحق ومن ذلك ما يلي:

أولا: وعد الله الحق بأن يحفظ أولئك المؤمنين به من كل شر يتربص بهم مثل حفظهم من الأعداء الطغاة الظالمين الذين يتربصون بهم ليغيروا دينهم فحفظ لهم دينهم وثبتهم عليه فقال سبحانه وتعالى:(وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ) وأكثر من ذلك وعدهم بنشر رحمته لهم و أنه سيلطف بهم( فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا) فحفظهم في الكهف وهيأ لهم أسباب النوم الطويل وليس هو الموت بل نوم له صفات فكأنهم أيقاظ إلى حين تنقضي أيامهم التي هي مناط الإعجاز.

وكذلك حفظهم من البلى والمرض أثناء النوم الطويل ووقاهم الحشرات والآفات والسباع الموجودة حولهم في كل مكان على الأرض، وحفظهم من الجوع والعطش وما يسببه من وهن للعظام والجسم كله فقد ظلوا نائمين لسنوات؛ لم يستيقظوا لطلب الطعام أو الشراب أو قضاء حاجتهم وحفظ عقولهم من الخرف بدليل أنهم عندما اسنيقظوا كانوا يتساءلون(كم لبثنا)، وكان هناك جواب عقلي( لبثنا يوما أو بعض يوم)، ثم رد عقلاني منطقي إيماني آخر (ربكم أعلم بما لبثتم) فكلمة ربكم تدل على بقاء إيمانهم و مشاعرهم وذاكرتهم سليمة وهم يتذكرون سبب خروجهم من بلدهم و يخططون لسياسة يتبعونها في سبيل بحثهم عن الطعام بعد إفاقتهم ويحددون نتائج الخطأ و كيفية تدارك تلك النتائج قبل حدوث الخطا؛ وهذه كلها أدلة على عدم إصابتهم بالخرف بعد كل هذه السنوات الطويلة. أما أجسادهم فالله وحده يعلم كيف حفظها فهل هي كانت شابة أم هرمت وهذا لا يعلمه إلا الله ومن عثر عليهم وشاهدهم بعينه، وكلها مظاهر تدل على وعد الله لهم بالرحمة وبالرشد.

ثانيا: وعد الله الحق بأن دينه ووجوده و معجزته تلك سيعرفها الناس وستنتشر فقد تم حفظ القصة نفسها في كتابه الحكيم وكانت تاريخا يتم قراءته وحكايته و الاعتبار منه وسينتقل هذا الحفظ إلى المستقبل أيضا.

ثالثا: وعد الله الحق يظهر في حفظهم لهم بتهيئة آياته الموجودة في الطبيعة و الكون فكانت فعالة لتعمل على بقاءهم بصحة جيدة (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17). فسخر لهم ما في الفضاء وما في الأرض
رابعا : إن وعد الله حق للبشرية كلها بأنه سيبعثهم من القبور و أنه قادر على تغيير ما تعارف الناس عليه من الخصائص البشرية بأن النائم يستيقظ خلال اليوم أو ربما بعد أيام ولكن الفتية ناموا قرونا من الدهر وهذا مخالف للخصائص الإنسانية المتعارف عليها وهنا يظهر وعد الله للناس بالبعث عن طريق تغيير صفات و خصائص وسلوكات إنسانية ثابتة ليتفاجأ الناس بحدوثها ويعدونها آية وعبرة فهم لم يألفوها و لم يتوقعوا حدوثها و عنصر المفاجأة يجعل العقول تحتفظ بها و تعيها فيتغير السلوك فگان ذلك طريقة ربانية من طرق التعليم الفعالة؛ فالنوم كان لسنوات أعقبه استبقاظ من أجل أن يؤمن الناس بالساعة و أنها آتية لا ريب فيها فهذا وعد الله الحق الذي عاينته الانسانية و هو واقع لمن حضر وماضي مؤكد الحدوث لمن غاب عنه ولم يره .

النتائج:

إن القرآن الكريم فيه كنوز اللغة والمعاني فربما كلمة أو كلمتين أو ثلاثة تأخذك إلى دروب المعرفة فتغير الفكر وتنشطه وتحثه ليتعرف على المزيد من أسراره.

إن وعد الله حق وعلينا أن نعتبر من قصة أهل الكهف فنخشى من الله لأننا سنموت و سنبعث و سنواجه مصيرنا الخالد و في نفس الوقت نأمل من الله أن يجعلنا في رحمته و أن يؤتينا الرشد.

من النتائج أن امتلاك زخارف الحياة ليست دليلا على حب الله للعبد فلقد اختار الله لأولىك الفتية كهفا حجريا فارغا من الزينة و المتاع و الجمال ليكون مقرا لمن أحب يعيشون فيه قرونا من الدهر ثم عندما استيقظوا عادوا بسرعة إلى الأرض فسكنوها كقبر و لا ينقص منهم شيئا فهم رغم السنوات الطوال مجرد عابرون في الدنيا و لكنهم متجهون إلى جنات الخلد.

المقترح:

الغوص في تأمل آيات القرآن الكريم للمساهمة في تحقيق غاياته وليستدل من لا يملك القدرة على التأمل على الطريق فيشاركنا التأمل و التفكر و الفهم العميق، وختاما فهذا غيض من فيض من التأملات والتي لم توصلني بعد إلى أبعد من ذلك فما زال هناك الكثير من المعاني الجميلة وعقلي ما يزال محدودا أمام كلمات الله سبحانه وتعالى، وجزاكم الله خيرا أن شاركتموني هذا القليل.. أختكم الفقيرة إلى المعرفة عائشة. (يمكنك مشاهدة بعض مقاطع فيديو موقع مقال على اليوتيوب).

بقلم: عائشة جلال الدين

 

أضف تعليقك هنا