قراءة في كتاب “مشكلتنا الجنسية” لمبارك النقاشي.

بقلم: فاطمة الإدريسي

من بين الهدايا التي تلقيتها يوم مناقشة بحثي لنيل شهادة الماستر كتابا بعنوان “المشكلة الجنسية” لمبارك النقاشي. لم تكن تستهويني القراءة في هذا المجال من قبل، كان هدية من عزيز، فقررت أن أطلع عليه.

استطاع الكتاب أن يثير إعجابي بمجرد قراءتي لمقدمته. إذ يرى الكاتب ان سبب المشكلة الجنسية تكمن في كثرة التفكير في الجنس، لكن ما يدفع الإنسان إلى التفكير في الجنس هو اعتقاد الأغلبية الساحقة من البشر أن المتعة الجنسية هي نعمة من أكبر النعم، وبالتالي هو دائم السعي نحو تحقيق هذه المتعة، وهذا السعي له ما يبرره، ألا وهي “نسيان الأنا”.

هنا وقفت مستغربة، لماذا كل هذه الرغبة في التخلص من “الأنا”؟ أليس الإنسان في الأصل يسعى لتقوية امتداد “الأنا”؟ كيف تفسر يا سيدي هذا التناقض بين إظهار الأنا على الساحة، على كل المستويات سواء الشعوري أو البنية الاجتماعية وبين إلغائه والتخلص منه؟

جذور المشكلة الجنسية

انتابني فضول كبير لمعرف سر هذا التناقض. استرسلت في القراءة أفتش عن الجواب. وجدته بعد تحليله لمعان كثيرة كالحب والجمال والعاطفة والنفس…، يفصح أخيرا عن جذور المشكلة الجنسية التي يرى أنها نابعة من الفراغ العاطفي أو النفسي الذي يعيشه إنسان العصر، هذا الفراغ يسقطه في الآلام والمعانات، وهذا الشعور هو نفسه “الأنا” ، موضحا أن “الأنا” هو العقل المشحون بتراكمات معرفية (مستثنيا منها ما يتعلق بالمجال العملي والتكنولوجي).

الإحساس بالفراغ

بمعنى أن الإحساس بالفراغ نابع من العقل المثقل بصياغات إيديولوجية وإملاءات اجتماعية ، لهذا هو يريد التخلص من هذا العقل  (والذي يقصد به “الأنا” في ذات الوقت) عن طريق البحث عن الملذات التي تسكت العقل (باعتباره أذات التفكير) ، ويلقي بنفسه في أحضان المخدرات والمسكرات وكذلك الجنس لأنه يحقق أكبر لذة، وبهذا لم يكن الجنس رغبة بحد ذاته، إنما هو مجرد وسيلة للهروب من الأنا.

ومن جهة أخرى يرى أن الفراغ قد يكون نابع من الفردانية التي يعيشها إنسان العصر، أي الفرد المنعزل عن المجتمع، حيث أن الفرد اليوم صار يعيش وحيد بدون حب وحميمية وعطف وعطاء وخلق وإبداع…، فلا يجد سوى الرياء والنفاق والمجاملات الأدبية والمداهنات الأخلاقية، علاقات تشبه العلاقة الميكانيكية، يخيم عليها الروتين والرتابة إلى حد الملل والسأم والضجر.

حلول للتخلص من الفراغ والتفكير في الجنس

لكن الكاتب لم يكن أبدا عدميا، بل حاول أن يقترح حلولا يرى فيها الخلاص من مشكلة الفراغ الذي أفرز المشكلة الجنسية وهي التالي:

  • أولها: التحرر التام من الإشراطات بمختلف أنواعها، والتخلي عن الأفكار الجاهزة والخلفيات المسبقة والنيات المبيتة، حتى يمكننا إتاحة مجال لإمكانية التجديد الموازي للعودة إلى نقطة الصفر. بمعني إفراغ العقل من محتواه الفاسد.
  • ثانيها: معرفة النفس والوعي بالذات، إذ يرى أنه على كل فرد أن يغوص داخل أعماقه محاولة فهم ذاته، وهذه العملية تحتاج إلى العلم والمعرفة.

وقبل هذا انتقل بنا لنطرق باب بيت الزوجية، بسؤال هل استطاع الزواج أن يشبع هذه الرغبة ويسد هذا الفراغ ؟ فيجيب: طبعاً لا، فالنفور الجنسي والخيانة الجنسية والمشاكل بين الجنسين والطلاق من الأدلة الدامغة على ذلك، والسبب في ذلك أنه كان مبنيا على حسابات مغلوطة التي تفرضها العادات والتقاليد، مثقلة بالواجبات والمسؤوليات بعيدا عن التواصل الروحي بين الزوجين.

هل المشاكل الزوجية تؤدي إلى الخيانة؟

بنفس الهالة والكثافة، مؤكدا أنه لب المشكل، أنتج أفراد مكبوتين دائمي البحث عن هذا الشعور مع شركاء آخرين خارج بيت الزوجية، يقول: “كيف يكون اتصال جنسي إذا لم يكن اتصال روحي، في ظل علاقة ميكانيكية خالية من أي نكهة وجدانية حميمية روحية؟” . وفي ذلك يشبه العلاقة بين الرجل والمرأة بذرتي الأوكسجين والهيدروجين اللذين ينتج عنهما الماء عند تفاعلهما، في علاقة يسودها الانسجام والتناسب والتناغم والتوافق الروحي وذوبان كل طرف في الأخر لحظات العلاقة الحميمية. يرى في كل زواج يعاني من الفقر الروحي والمادي والجهل والمرض لا يهدف إلا للإشباع الجنسي وإنجاب الأطفال، مصيره التشتت والخيانة والكبت.

الفرق بين الحب والجنس

 أما فيما يتعلق بالحب فإنه يرفض رفضا قاطعا بأن يكون له أي علاقة بالجنس، فهو يرى أن الجنس نداء بيولوجي للغريزة الجنسية والذي تلعب فيه الإثارة دورا كبيرا في التعلق به. أما الحب فهو إحساس بريء تجاه الإنسانية، مثل شعلة يستنير بها حاملها ويستنير بها ممن حوله. هذا الإحساس من شأنه أن يكون صادقاً.

وفي الحب المتعلق بالأشخاص، يرى أن المغالطة المتعلقة به نابعة من فهم معظم الناس للحب، إذ يعد ميل الإنسان لما يحقق الاطمئنان الداخلي. وبما أن الغالبية العظمى من الناس ترى في القيم المادية والحسية ما يحقق لها الاطمئنان الداخلي، فقد بات الحب مقرونا بها. وعلى هذا الأساس ارتبط الحب بغريزة التملك. وعندما نقول بأننا نحب شخص ما، فإنه يفهم منها أننا نمتلك ذلك الشخص، وذلك يستدعي الغيرة . وحين نفقده نحس بالفراغ والضياع والتشرد والتمزق. وهذا أيضا لا علاقة له بالحب. 

بقلم: فاطمة الإدريسي

 

أضف تعليقك هنا