أقدارٌ على كفِ الغُموض

بينما هم مجتمعين هو وزوجته و وحيدهما يتناولون الفاكهة بعد الغداء كعادتهم بادر الابن أباه بسؤالٍ عن سبب إنشائه مستشفى القلب المجاني؟!

سؤال الابن أباه عن سبب فتح مستشفى القلب المجاني

– تلك قصة طويلة بدأت منذ أكثر من خمس وثلاثين عاماً, عندما كان جدك يرحمهُ الله يعاني من تصلب في الشرايين. ومات على إثر ذلك المرض.

–  ألم يكن العلم قد توصل إلى العلاج في ذلك الوقت؟

–  بلى كان العلاج موجوداً ولكنه مكلِفٌ جداً في حين كنا فقراء ولا نقدر على دفع تكاليفه ومنذ ذلك الحين نذرت حياتي لبناء مستشفى خاص بالقلب للفقراء , حتى لا يعاني أحد ما عانيتهُ في ريعان شبابي , وبما أنك قد فتحت هذا الموضوع أريدك أن تعاهدني .

–  على ماذا يا أبى؟

–  على أن تكمل مشواري الذي بدأته .

–  أعاهدكَ يا أبي .

تَخصصَ الابنُ بجراحةِ القلب كأبيهِ وعمل بالمستشفى

و بالفعل تَخصصَ الابنُ بجراحةِ القلب كأبيهِ وعمل بالمستشفى إلى أن توفي والده فأدار المستشفى ..

كان شديد النهم للمال, في حين أن ذلك المستشفى المجاني لم يحقق آماله ولم يُشبع نهمه .

وفي أحد الأيام عرض على والدته أن يحوله من مستشفى مجاني إلى مستشفى خاص كباقي المستشفيات فصرخت الأمُ في وجهه:- أنسيت ما عاهدت والدكَ عليه؟!.

– لم أنس ولكن…..

– لكن ماذا؟ إذا كنت تريد مشفاً خاصاً فابنهِ بنفسك…. وتركته ودخلت غرفتها خرج إلى المستشفى كالعادة وفي مكتبه ظل يفكرُ إلى أن توصل لحيلةٍ, وعندما عاد إلى المنزل كانت والدته ما تزال غاضبةً منه فقبل رأسها قائلاً لها:-

– يا أمي أنتِ تعلمين أننا لا نستفيد من هذا المستشفى في شيء….

فقاطعته قائلتهً:- تلك وصيةُ والدك.

– إذاً ما رأيكِ بحلٍ وسط سيحقق وصيه والدي ولا يحرمنا من دخلٍ مشروعٍ أيضاً

– ما هو ؟

– أن نجعل هذا المستشفى مستشفى عام .

– وكيف ذلك ؟

اقتراح الابن على أمه أن يكون المشتشفى خاصاً

– نجعله مستشفى يعالجُ كل الأمراض, بحيث يبقى قسم القلب مجاني وبذلك نكون قد حافظنا على وصيه والدي واستفدنا أيضاً.

افعل ما تراه مناسباً, غير أن قسم القلب سيظل مجاناً.

وبالفعل أدخل  للمستشفى أقسام جديدة فأصبح المستشفى متكاملاً, ولم يُؤَثر ذلك في سمعه المستشفى التي كانت في الآفاق وظل ذلك المستشفى مضرب الأمثال في الرعاية والإستطباب .

وفي ذات يوم زارهُ أحد كبار الأغنياء وفي مكتب السكرتارية.

– المدير موجود؟!

– نعم

– أيمكن أن أقابله ؟

– بخصوصِ ماذا ؟! أيوجد سابقُ موعد ؟

– لا …  لكن أرجو أن تخبريه أني هنا .

– من حضرتُك ؟

– المهندس أحمد شكري.

طرقت الباب ودخلت.

– دكتور أحمد …

– نعم …

وصول المهندس أحمد شكري إلى المستشفى

– المهندس أحمد شكري يريدُ مُقابلتك .

– أحمد شكري….. أحمد شكري- محاولاً الاستذكار- أهو صاحبُ الشركات الوطنية للمقاولات؟!

– لا أدري .

– حسناً دعيه يدخل.

خرجت إليه

– مهندس أحمد  تفضل بالدخول.

– شكراً

وفي الداخل

– أهلاً وسهلاً مهندس أحمد … تفضل .

– شكراً… سمعتُ الكثير من الإطراءِ والمدح عن هذا المستشفى فأحببتُ زيارتهُ .

– أهلاً بك .

ماذا يريد المهندس أحمد من مدير المستشفى؟

– في الحقيقة ولدي مصابٌ بفشلٍ كلوي و بحاجة لزراعة كليةٍ هل تقومون بمثل هذه العمليات هنا؟! .

– نعم بالتأكيد… هل المتبرع موجود؟

–  ليس بعد,.. لكني سأعلن في جميع الجرائد عن ذلك وأتمنى أن تبحثوا كذلك عن متبرعٍ وسأدفع له ما يريد.

– إن شاء الله .

– شكراً لتعاونك, هذا ملفٌ بهِ تقريرٌ طبي عن حالة ابني… وهذا كرتٌ به جميع تلفوناتي . إلى اللقاء .

– مع السلامة .

استدعاء مدير المستشفى أخصائي الكلى

وبعد خروج رجل الأعمال أبحر الدكتور في تفكير عميق وخطرت في باله فكره فاستدعى أخصائي الكلى .

– طلبتني دكتور .

– نعم تفضل .

– شكراً .

– أنت متزوج؟

– لماذا؟

– مجرد دردشة .

– لا لست متزوجاً .

– ولا خاطب؟

– بلى .

– ولماذا لم تتزوج؟

– ظروف .

– ظروف مادية . أليس كذلك؟

– بلى ولكن لمَ هذه الأسئلة؟

– لأني قررت رفع راتبك .

– شكراً جزيلاً لك .

– لكن ذلك مقابل عمل إضافي طبعا ً .

– ما هو ؟

طلب منه أن ينقل الكلىة من مريض إلى آخر

– أن تنقل الكلية من شخص لآخر.

– لكن هذا هو عملي, أعالج الكلى و انقل الكلية من المتبرع إلى المريض .

– نعم ولكنك ستنقل الكلية من شخص ليس متبرع ولا يعرف ذلك أيضا .

– ماذا تقول ؟!!.

– لا تخف لن  يعرف ذلك أحد .

– ولكن هذه مسؤولية … ماذا لو كُشفَ الأمر ؟

– ومن الذي سيكشفنا, نحن سنأخذ الكلى من مرضى القلب الفقراء, وذلك بمثابة الأجر لأنهم لا يستطيعون الدفع, وأنت تعلم كم يحصل المتبرع بكليته… مئات الآلاف!!

– نعم لكن ذلك مقابل كليته!!

– ونحن مقابل عملنا, ألا تريد أن تتزوج وتشتري سياره و…. و…. و….

– ولكن إذا كـُشفنا؟

– قلتُ لكَ لن يكشفنا أحد .

– أفكر في الأمر.

هل يعرف المريض أن الطبيب سيأخذ كليته دون علمه؟

– ليس هناك وقت للتفكير, ألا تريد أن تتزوج وتفتحُ بيتاً بل ستصبح غنياً أيضاً!.

– لكن …

– لكن ماذا؟!

– موافق , على أن لي النصف من كل عمليه ..

– ماذا؟ النصف !.

– نعم أنت تعلم أن تلك مخاطره .

– موافق…اطلع على هذهِ الكشفياتِ والفحوص.. نريدُ شخصاً يتوافق مع هذا… و سنبدأ من اليوم, تستطيع أن تذهب الآن .

وعلى الفور اتصل بالمهندس أحمد .

– الو … المهندس أحمد .

– نعم .

– الدكتور أحمد جابر يُهاتفك .

– أهلا ومرحباً بك .

– أرجو أن أراك بالغد بالمستشفى .

– حسناً .

وفي الغد وصل أحمد شكري ..

سأل المهندس أحمد عن وجود المتبرع

– هل وجدتم مُتبرع ؟

– نعم.

– هل أستطيع أن أراه ؟

– لا .. فقد طلب  ألا يراه أو يعرفه أحد .

– لكن لماذا ؟.

– لا أدري , يقول أن ظروفهُ تمنعه من ذلك .

تحديد موعد العملية

– على العموم شكراً له , ومتى العملية ؟.

– في الوقت الذي يُناسبك .

– اليوم .

– لا يمكن ذلك فلا  بد من بعض الفحوصات و الكشافات قبل العميلة .

– إذاً سأُحضِرُ ابني الآن والمال سأوصلهُ لك لتوصله  للمتبرع بمعرفتك .

– وهو كذلك…..

نشر مجلة إعلان عن المستشفى

وبعد خمسة أعوام كثَّـفتْ إحدى المجلات الدعاية للمستشفى دون طلب منها فذهب مدير المتشفى ليشكر رئيس تحرير تلك المجلة على ذلك  وعند ما وصل لمقر المجلة طلب مقابلة مدير التحرير فدخلت السكرتيرة للاستئذان لهُ بالدخول:-

– أستاذ سامي .

– نعم .

– الدكتور أحمد جابر يريد مقابلتك .

– دعيه يتفضل .

خرجت إليه .

– دكتور أحمد تفضل .

– شكراً .

وفي الداخل …

– أهلاً وسهلا بفاعلِ الخيرِ وصاحب المروءة  والمبادئ .

– أشكرك جزيل الشكر, في الحقيقة أتيتُ لأشكركم على كتابات مجلتكم عن المستشفى .

– العفو هذا اقل واجب تجاهكم  ثم إني كنت  في أحد الأيام أحد مرضاكم عندما كنت في بداية حياتي العملية حينها كنت صحفياً مبتدأً و أجريتم لي عمليه القلب المفتوح مجاناً لذلك من يستحق الشكر هو انتم  سيدي .

– العفو فتلك هي مهمة الطبيب واجبنا يحتم علينا تخفيف آلام المرضى دون النظر إلى العائد المادي .

هل كان صاحب المجلة هو نفسه الذي أخذ الطبيب كليته دون علمه؟

– نعم ولأنكم ممن أدركوا أن مهنة  الطب إنسانية أكتب عن مشفاكم العظيم ولن أنس أنني كنت ذات يوم أحد مرضاكم… ويعلم الله أيُّ حال كنت فيه الآن لولا إدراككم لمعنى الطب وإنسانيته.

– أشكرك ويشرفني أن نكون أصدقاء.

– هذا شرف لي.

– تشرفت بمعرفتك أستاذ سامي والآن اسمح لي.

– لم نشرب شيئاً.

– مره أخرى …  إلي اللقاء .

– إلى اللقاء .

`  `  `  `

الصداقة التي نشبت بين الطبيب وصاحب المجلة

تعمقت صداقتهما و اصبح الدكتور أحمد جابر من أعز أصدقاء الأستاذ سامي وفي ذات يوم ذهب الأستاذ سامي لزيارة الدكتور أحمد في المستشفى و أثناء الحديث شعر الأستاذ سامي بألمٍ مفاجئ .

– آه . امسك على بطنهِ وقد بدأ العرق يتصبب .

– ما بك  ؟!

الألم الذي ظهر فجأة على صاحب المجلة

– لا شيء ألمٌ بسيط .

– يجب الفحصُ عليك وعمل بعض الكشافات أيضاً.. هيا.

– ليس الآن .

– لماذا ليس الآن؟!

– لأني مسافرٌ حالاً لحضورِ مؤتمرٍ صحفي خارج المدينة .

– لكن لن استغرق وقتاً طويلاً .

– فيما بعد أنا مستعجل الآن بإذنك…. إلى اللقاء.

– حسناً كما تُريد .. إلى اللقاء .

وسافر الأستاذ سامي لمدينةٍ في أقصى الجنوب واشتد عليه الألم هناك وذهب للطبيب وبعد أن أجرى فحوصاتٍ وكشافات.

الدكتور- تبرعت بكليتك أليس كذلك.

– لا لم أتبرع بها .

اكتشاف صاحب المجلة وجود كلية واحدة عنده وتذكر ما حدث معه في عملية القلب المفتوح

– وكيف ذلك لا يوجد لديكَ سوى كليةٍ واحدةٍ فقط والأخرى يبدو انك تبرعت بها قبل خمس أو ستُ سنوات… لا بد أنك نسيت!!

– أنا لم أنس ولم أتبرع بها أبداً ولم أجرِ سوى عمليةِ القلب المفتوح وكان ذلك منذُ….. وسكت أبحر في الذكريات وقد بدأ عليه الذهول و الدهشة وهو يقول أيمكن ذلك؟!!!.

لم يستوعب الموقف!!. أيمكن أن يكون الدكتور أحمد جابر لِصاً وتاجرَ أعضاء بشرية  أيتسترُ بالعمل  الإنساني  المتمثل بإجراء عمليات  القلب  المجانية؟!! إذن فهي لم تكن مجانيةً البتة!!

رفع الأستاذ سامي على الطبيب قضية اتهمهُ فيها بالمتاجرة بالأعضاء البشرية

بل إن الثمن غالٍ جداً.. عاد الأستاذ سامي رفع على الدكتور أحمد قضيةً اتهمهُ فيها بالمتاجرة بالأعضاء البشرية وأصبح الموضوع قضية رأيٍ عام خصوصا والجميع يشيد ويشهد بنزاهة الدكتور أحمد…. كانت المفاجأة كبيرة عندما استطاع الأستاذ سامي إثبات دعواه… و كسب تلك القضيةُ وأُغــُلِقَ المستشفى وزج بالدكتور سامي ومن تعاون معه في السجن…

فيديو مقال أقدارٌ على كفِ الغُموض

أضف تعليقك هنا