التجارة في القرآن الكريم

الآيات التي وردت فيها كلمة التجارة في القرآن الكريم

وردت كلمة تجارة في آيات قرآنية قال الله عز وجل “إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ” ﴿البقرة 282﴾، و “إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ” ﴿النساء 29﴾، و “رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ” ﴿النور 37﴾، و “يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ” ﴿فاطر 29).

أحكام البيع والشراء في القرآن الكريم

البيع هو مقابلة شيء بشيء آخر وهو الأقرب إلى العقد، ومنه جاءت المبايعة أي العهد. والقرآن الكريم أوضح في آيات أحكام البيع والشراء بحيث لا يحصل فيه ربا وسرقة واحتكار وغش والذي سماه القرآن أكل الأموال بالباطل كما قال الله تبارك وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ” (النساء 29) و “الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا” (البقرة 275). والبيع عكس الربا فالأول محلل والثاني محرم كما قال الله تعالى “وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا” (البقرة 275). وتأكيدا على أحلية التجارة أنها تقام خلال الأشهر الحرم وخلال الحج وأن يكون الحج عند الاستطاعة كما قال عز من قائل “لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ” (الحج 28). ويتطلب توثيق القروض والديون التجارية حتى لا تحصل خصومة بين بين الاطراف المتعاملة تجاريا ومنها التبادل التجاري وهذا ما اكده القرآن الكريم قال الله جل جلاله “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ” (البقرة 282).

النبي محمد والمعاملات التجارية  

قبل البعثة النبوية تعامل الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالتجارة وهو المعروف بصدقه وامانته في المعاملة. وقد تاجر نيابة عن السيدة خديجة رضي الله عنها الى الشام وكانت تجارته ناجحة وكان لا يرائي ولا يخاصم. ورد ان النبي صلى الله عليه و سلم التجارة لم يعمل بالتجارة لانشغاله بالدعوة ولو أنه أنجز معاملات في البيع والشراء و اخذ القروض ورهن الحاجيات. روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يتعامل بالبيع الحرام والسرقة والغش. وقد شجع رسول الله على البيع والشراء وعدم مد اليد والعبد يستطيع العمل بكد يده وهو القائل (إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع).

التجارة في مكة المكرمة وتطورها

احتلت مكة المكرمة مركزاً دينياً وتجارياً بارزاً في القرن السادس الميلادي بسيطرتها على طرق التجارة المارة في غربي الجزيرة العربية وتعاملها الفعال مع بقية مناطق الجزيرة، وبعدها أصبحت مكة تتعامل تجاريا مع اليمن والشام كما قال الله تعالى “لإِيْلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهم رحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْف” (قريش 1-2). وخاطب القرآن الكريم بمصطلحات التجارة لأن اهل مكة كانوا يمارسونها فهي الأقرب إلى الفهم لديهم من أعمال أخرى كالصناعة كما قال عز من قائل “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ” (الصف 10). وكانت التجارة بالنقد والمقايضة. وعند انتشار الاسلام أصبحت المدن الإسلامية المعروفة مراكز تبادل تجارية مثل دمشق والبصرة والكوفة. وتطورت تجارة العرب، ثم تطورت التجارة في القرنين الثالث والرابع الهجريين التجارة مع الصين في منتجات الحرير والورق، ومع شرق افريقيا في تجارة الذهب والرقيق، وتجارة السيوف والفرو والدروع من بلاد الترك واوربا الشرقية، والمسك من التبت.

المراكز التي تحتلها الدول في التجارة 

تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة 95% من إجمالي الشركات في العالم وتوفر نحو 45% من فرص العمل وتساهم في 33% من الناتج المحلي الاجمالي في العالم، وتمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية 85%. انشأ اتحاد الغرف التجارية العربية عام 1951. واعلى الامم المتاجرة في مجموع الصادرات و الواردات لسنة 2009: الاتحاد الاوربي 3.2 ترليون دولار، الولايات المتحدة 2.4 ترليون دولار، الصين 2.2 ترليون دولار، المانيا 2 ترليون دولار، اليابان 1 ترليون دولار، فرنسا 1 ترليون دولار، المملكة المتحدة 800 مليار دولار، هولندا 750 مليار دولار، ايطاليا 700 مليار دولار، هونك كونك 700 مليار دولار. وتأتي دولة الامارات العربية بالمرتبة الاولى عربيا 315 مليار دولار. في كثير من المعاملات التجارية يتم التعامل بنقود الدول التي يشترون منها السلع فالذي يشتري سلعًا من المصدر البريطاني بالجنيه الأسترليني. في عام 2018، بلغ إجمالي التجارة في السلع والخدمات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي حوالي 1.3 تريليون دولار. تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري مع الاتحاد الأوربي، إذ تبلغ قيمة الصادرات الأمريكية إلى أوربا 575 مليار دولار، في مقابل 684 مليار دولار هي قيمة الصادرات الأوربية إلى الولايات المتحدة. بينما تميل كفة التجارة في السلع لصالح الاتحاد الأوربي فإن الولايات المتحدة تتفوق في تجارة الخدمات مع الاتحاد الأوربي.

تحذير الله من أكل أموال الناس في البيع والشراء

قال الله تبارك وتعالى “الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ” (المطففين 2-3) اي اذا اشتروا من الناس يأخذون حقهم ويطلبون زيادة عليه، واذا باعوا الى الناس ينقصون الميزان وحقهم، وهذا شأن المطففين الذين وعدهم الله بالويل “وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ” (المطففين 1) فهؤلاء لم يوفوا الكيل والميزان بالقسط كما قال الله جل وعلا “وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ” (الانعام 152) و “أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ” (الشعراء 181) و “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ” (النساء 29).

الأدلة الواردة عن تحريم الغش في القرآن والسنة النبوية 

والغش في التجارة من الاثم الذي يزداد درجة مع الحلف الكاذب. ومن الغش بيع السلعة بحيث تبدو للمشتري افضل من الواقع. جاء في الرواية ان الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟) قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني) وكما قال الله تبارك وتعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا” (النساء 29). والغش من الخبائث قال عز من قائل “قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (المائدة 100). فعلى البائع توضيح عيب البضاعة للمشتري. قال الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم (المسلم أخو المسلم، لا يحلُّ لمسلمٍ باعَ من أخيه بيعًا فيه عيبٌ إلا بيَّنه له) و (لا يحلّ لامرئ مسلم يبيع سلعة يعلَم أنّ بها داء إلاّ أخبر به) و (الحلف مَنْفَقَةٌ للسلعة مَمْحَقَة للبركة).

والسماحة مطلوبة في المعاملات التجارية حيث جاء في الحديث الشريف (رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا اقتضى). واعتبرت الشريعة الغش من المحرمات حتى اعتبرها البعض كبيرة من الكبائر، وفاعله فاسق، وتُردّ شهادته، وقد علّلوا ذلك لأنّ الغش من أكل أموال النّاس بالباطل. وفي التشريعات الحديثة عرف الغشّ التجاري بأنّه أيّ عمل تجاري يتم بشكل مناف للقوانين والعادات والشّرف، وينجم عنه ضرر للغير، ملزم لمَن ارتكبه بالتّعويض لإصلاح الضرر فحسب، ولكن لمنع وقوعه مستقبلاً، ويتمثّل الغشّ في التّحايل على المواصفات والمقاييس والأنظمة الصحية، والتّعدي على حقوق الملكية الفكرية للأفراد والشركات والمؤسسات، وطرح سلعة أو خدمة مغشوشة في السوق مخالفة للسلع والخدمات الأصلية. وقد شدد الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم على عقوبة الغش وهو القائل: ما من عبد يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. والغش يؤدي الى التباغض بين الافراد حيث جاء في الحديث الشريف (لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا).

المراكز التجارية وتطورها

أنشأ مركز التجارة الدولية عام 1964 و يعتبر المركز أداة التعاون التقني بين كل من منظمة التجارة العالمية ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) لمظاهر تشغيل وتوجيه الاستثمارات بهدف تطوير التجارة العالمية. والتجارة الخارجية يرجع تأريخها الى قرنين من الزمن عندما بدأت قدرة الدول على التصدير. وتطور الحال على بروز الدول المتطورة تكنولوجيا التي تربعت على عرش التجارة. ثم اصبحت الثروة الطبيعية عاملا اخرا مهما في التجارة الدولية. التجارة المحلية تتم كلية داخل البلد الواحد. بينما التجارة الدولية هي عملية تبادل السلع والخدمات بين الدول. يعمل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) الذي تأسس عام 1964 على دمج الدول النامية مع الاقتصاد العالمي. ومن خططه عمل المنتديات وتبادل الخبرات وانجاز البحوث وجمع البيانات وتحليل السياسات وتقديم المساعدة الفنية ونشر المطبوعات والاصلاح الضريبي والكمركي ونظام التشريعات الالكترونية. وهنالك لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الاونسيترال) هي الهيئة القانونية الرئيسة لمنظمة الأمم المتحدة في مجال القانون التجاري الدولي. ومن اعمالها انجاز نصوص قانونية بشأن استخدام الاتصالات الإلكترونية والتوقيعات الإليكتروني، و إقامة صلات وثيقة مع المنظمات الدولية والإقليمية الحكومية وغير الحكومية التي تشارك بنشاط في برنامج عمل اللجنة وفي ميدان التجارة الدولية والقانون التجاري الدولي.

أوقات التجارة وأقات العبادة

وأوقات العبادة عند الله لها حرمة فعند حصول تزاحم بين العبادة والتجارة فتقدم العبادة على التجارة كما ورد في قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” (الجمعة 9) ذروا البيع اي اتركوا البيع خلال وقت صلاة الجمعة. وبعد انتهاء الصلاة يمكن الرجوع إلى أعمالكم التجارية من بيع وشراء وهذا دليل على إباحة المعاملات التجارية تحت الأحكام الشرعية حتى يوم الجمعة كما قال الله جلت قدرته “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (الجمعة 10). وقال الله سبحانه وتعالى كذلك “فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ” (النور 36-37) و “وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” (الجمعة 11).

المعنى المجازي للبيع والشراء

والشراء والبيع فقد ورد لهما معنى مجازي معنوي أخروي وآخر مادي دنيوي متعارف عليه في الأسواق كما قال الله جل جلاله “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ” (التوبة 111) و “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ” (البقرة 207).

فيديو مقال التجارة في القرآن الكريم

 

أضف تعليقك هنا