التهرب الضريبي أنواعه وأسبابه

الضرائب ونشأة ظاهرة التهرب الضريبي

تُعد الضّرائب أحد أهم أدوات السّياسة المالية التي تُمكن الدولة من خلال سياستها الضّريبية توفير الإيرادات المالية اللازمة لتمويل الموازنة العامّة للدولة لتغطية نفقاتها، فضلاً عن إستخدامها لتوجيه الإقتصاد بالشّكل الذي تبتغيه الدولة بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتوازنه، ويلاحظ أن المُكلفين بدفع الضرائب لم يصلوا إلى مستوى التَجرد من أنانيتهم بصورة نهائية، بحيث يُنظر الى ان الضرائببأنها واجب مقدس، وبالتالي فمن الطبيعي توقع رد الفعل من جانب المُكلفين بدفع الضريبة يتخذ شكل الدفاع عن مصالحهم، إما عن طريق التهرب التام من الضريبة أو على الأقل عن طريق تقليص نطاق الاستقطاع الضريبي المفروض عليهم، ومن هنا نشأت ظاهرة التهرب الضريبي . ومن خلال تجارب الشعوب تبين أن كل مُكلف سواء في الدول النامية أو المتطورة يعمل جاهداً للتخلص من العبء الضريبي بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة

لكل ظاهرة سلبية أسباب تؤدي إلى ظهورها وانتشارها، والتهرب الضريبي شأنه شأن أي ظاهرة سلبية، له أضرار وآثار بالمجتمع سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وللوقوف على تلك الأسباب نجد أن هناك العديد من الأسباب منها ما يتعلق بالمُكلف ذاته، وأخرى تتعلق بالتشريعات الضريبية، فضلاً عن ضعف أو انعدام الوعي الضريبي لشريحة كبيرة منالمُكلفين بدفع الضريبة، وتختلف مجالات التهرب بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة، كما تختلف أسباب التهرب الضريبيبين الدول النامية والمتقدمة تبعاً لمستوى الوعي الضريبي، وسلامة التشريع الضريبي وعدالته، ومستوى الدخل القومي وتوزيعه. بداية سنتعرف على التهرب الضريبي، ثم بعد ذلك سوف نتطرق الى أشكاله وإلى الأسباب التي تؤديلى انتشار هذه الظاهرة السلبية التي تنخر باقتصاد الدولة والمجتمع.

ما معنى التهرب الضريبي ؟

فالتهرب الضريبي هو إمتناع المُكلف عن دفع الضريبة الواجبة كُليّاً أو جُزئياً، أو عدم الإقرار بدفع الضريبة المترتبة عليه، ذلك بإخفاء جُزء من الوعاء الضريبي وتقديم بيانات مغايرة للواقع، ممّا يؤثر على حصيلة الدولة وحرمان خزينتها من الإيراداتالضريبية، ويُعد هذا التصرف من الظواهر الخطيرة والسيئة التي انتشرت في أغلب الدول، نامية كانت أم متقدمة، فهو جريمة اقتصادية لها آثارها السلبية بكافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والمالية.

ما هي أشكال وأنواع التهرب الضريبي؟

نظراً لخطورة التهرب الضريبي وأهميته قسم عُلماء المالية العامة التهرب الضريبي إلى عدة أنواع وعلى أُسس مختلفة وكما يأتي:

التهرب من حيث مشروعيته ينقسم إلى تهرب ضريبي مشروع وغير مشروع

فيقصد بالتهرب الضّريبي المشروع: هو استفادة المُكلف من بعض الثّغرات القانونّية بغية عدم تحقق الضّريبة عليه بصورةصحيحة، ولا يكون مُلزماً بدفعها، بمعنى أنّ الفرد يتمكّن من التخلص من الالتزام بدفع الضّريبة من دون أن يكون مُخالفاًللقانون، ويحدث التهرب المشروع بتجنب الواقعة المنشئة للضريبة، فيقوم المُكلف بالاستعانة بأشخاص من أصحاب الخبرةلمعرفة طرق التخلص من الضّريبة، مُستندين في ذلك إلى ثغرات أو خلل بالتشريع الضريبي. أما التهرب الضريبي غيرالمشروع فيتمثل بقيام المُكلف ببعض الأفعال والأساليب المخالفة للقانون، لتخفيض مقدار الضّريبة المستحقة عليه، ومنأساليب التهرب غير المشروع التي قد يلجأ اليها المُكلف لتخفيض مقدار الضّريبة المفروضة عليه قيام المُكلف بتزوير الدفاتروالسجلات من أجل التلاعب بمصادر دخله ونفقاته.

التهرب الضريبي من حيث معيار الحجم أو المقدار فيكون إما كُلي أو جزئي

فيتمثل التهرب الكُليّ بتخلص المُكلف من أداء مبلغ الضّريبة كلّه، فإذا استطاع الشخص المُكلف بأساليبه الملتوية ووسائله الاحتيالية أن يُضيّع على الخزينة العامة كلّ ضريبة مُستحقة على نوع معين من النشاط الذي يمارسونه كتهرب السماسرة أصحاب الحرف والمهن الحرة وغيرهم من الذين لا تكون لديهم تصاريح بمزاولة عملهم ولم يتم إدراجهم في السجلات الضّريبة، ومن الأمثلة أيضاً إخفاء الدخل الخاضع للضريبة لسنة معينة عن الدائرة الضّريبية وعدم دفع المُكلف كامل المبلغ المقرر عليه قانوناً كضريبة الدّخل.

 أما التهرب الجزئيّ فيقصد به تخلّص المُكلف من أداء جزء من مبلغ الضّريبة التي بذمته، باتباع أحد وسائل الاحتيالوالغُش التي تُشكل مُخالفة لأحكام القانون الضريبي، التي يُعاقب عليها القانون، ومن أمثلته: تسجيل المبيعات بأسعار تقلعن سعر بيعها الحقيقي، أو إخفاء المُكلف لجزء من مبيعاته، أو قيام المُكلف بتقديم بيانات غير صحيحة.

التهرب الضريبي من حيث حدود الإقليم ويقسم الى داخلي وخارجي

فالتهرب الضريبي الدّاخلي هو الذي يقع داخل حدود الدولة ذاتها ويتميز هذا النوع من التهرب بأنه سهل المتابعة والمكافحة؛لأن حدوثه داخل حدود الدولة يجعله خاضعا للسيادة الإقليميّة للدّولة، وبالتالي يكون من حق السلطة اللجوء لجميع الوسائلالتشريعية والفنية والإدارية، التي بحوزتها في سبيل مجابهة هذا النوع من التهرب وكشف ومعاقبة المتهربين

أما الخارجي أو ما يعرف التهرب الضريبي بالدولي فيتم عن طريقه الاحتفاظ بمبالغ كبيرة من الأموال خارج البلد، وتصبحبذلك غير خاضعة للضّريبة حينما يفشل دافعو الضّرائب بامتثالهم للالتزامات الضّريبية في أماكن إقامتهم.

ما هي الأسباب التي تدفع المُكلفين أن يتهربوا ضريبياً؟

إنّ أسباب التهرب الضريبي متعددة وكثيرة ويصعب حصرها في إطار عام، لكون هذه الأسباب تختلف بطبيعة حالها من بلدلآخر باختلاف الأوضاع الاقتصادية والماليّة والسياسيّة والتّشريعات الضّريبية السّائدة فيها، ومستوى الوعي العام وكفاءةالأجهزة وفعالية الإجراءات، ويمكن تقسيمها على جزئيين مهمين:

  • الأولّ يعود لإرادة الشخص المُكلف بدفع الضّريبة.
  • والثّاني تهرب خارج عن إرادته.

أسباب التهرب العائدة للمُكلف

تكون هذه الأسباب إما سياسية تعود إلى ردة فعل المُكلفين على ظلم وقع عليهم من قبل الحُكام وشعورهم السلبي تجاه سياسة البلد في الإنفاق الحكومي، أو أسباب أخلاقية ترجع للمستوى الأخلاقي ودرجة الوعي الوطني السائد في البلد.

أسباب سياسية

فالأسباب السّياسية تتمثل سياسة الإنفاق العام التي يتبعها نظام الدّولة حيث تلعب دوراً اساسياً في التهرب الضريبي، فكُلما كانت الدولة كفؤة في إستخدام الأموال، تنخفض ميول المُكلفين نحو التهرب من الضّريبة، فيؤدي ذلك إلى شعور المكلفينبأنّ ما تم دفعه عاد عليهم بفائدة عامة مما يزيد  ثقتهم بالحكومة، أي ثقتهم تجاه الإنفاق العام, لكن أذا بددت الدولة حصيلة الضّرائب بنشاطات لا تعود بالنفع على المواطنين من المؤكد أنهم سيبذلون قصارى جهدهم لرفع الظلم ويتهربون من دفعالضّريبة كطريقة لمقاومة الظّلم الذي حل بهم.

ومن الأسباب الأخرى منها ما يكون أخلاقي أو اجتماعي حيث يرتبط هذا الدافع اجتماعيا بدرجة رضا المُكلف عن أداءالحكومة ودورها في تقديم كافة الخدمات للمواطنين، بطريقة تتناسب مع ما يتم دفعه من الضّرائب، فإذا ما أحسّ المُكلف بوجود نوعاً من التقصير الحكومي في أداء واجباتها، كإقامة المشاريع الخدميّة في عموم منطقته، أو توفير الخدمات الضرورية، كالصحة والتعليم له ولكافة افراد اسرته، فإنه يتولد لديه شعور داخلي بأنّ ما يدفعه من ضريبة لا يُقابله منفعة مناسبة مباشرة، أو غير مباشرة، ممّا يدفع المُكلف للتهرب الضريبي.

أسباب أخلاقية

أمّا أخلاقياً فإنّ الشعور الاخلاقي في كثير من الدول وخاصة النامية تجاه الالتزام الضريبي ضعيف جداً، لدرجة أنّه ساداعتقاد لدى الكثير من أفراد المجتمع أنّ سرقة الخزينة العامة للدولة لا تُعد سرقة، بل تُعد مهارة ولباقة ومكسبً وهذا الشّعوريتضمّن قدراً كبيراً من الخطورة، ويُعبر هذا الفعل عن الاستهتار بالقيم والأخلاق.

أما فيما يخص أسباب التهرب الضريبي الخارجة عن إرادة المُكلف فمنها ماهو دافع خلل في تشريع القوانين الضريبية اوسوء الإدارة الضريبية أو أسباب اقتصادية.

أسباب تشريعية

فالأسباب التشريعية تنشأ من عدم دقة التّشريعات الضّريبية التي غالباً ما تصدر في البلدان النامية وتُصاغ من قبلأشخاص غير أكفاء، وكثرة الثّغرات، فضلاً عن عدم إشراك العاملين في حقل التطبيق في إعداد القوانين المالية، وتعقيدالتّشريع الضريبي عامل مهم أيضاً يعمل على التهرب الضريبي، كالتخفيضات والإعفاءات التي يتضمنها التّشريع، التيتخلق مشكلات للدّوائر الماليّة وتزيد من احتمالية التهرب الضريبي للمكلفين.

أسباب إدارية

أما الأسباب الإداريّة فتتمثل بعدم كفاءة الإدارة الضّريبية التي تؤدي إلى ظلم المُكلف، وبدوره يقلل من ميله لأداء الضّريبة الواجبة، فالإدارة الضّريبية هي الجهة التي تختصبتنفيذ القوانين والتحقق من سلامة تطبيقها لحماية حقوق الدّولة من جهة، وحقوق المُكلفين شركات أو أفراداً من جهة أُخرى.

أسباب اقتصادية

وأخيراً من الأسباب الخارجة عن إرادة المكلف بدفع الضريبية وتجعله يتهرب ضريبياً هي الأسباب الاقتصادية حيث يتأثر التهرب الضريبي بالظروف الاقتصادية في ايّ دولة، فعند إنتعاش القطاعات الاقتصادية في أوقات الرخاء وإنعدام البطالة، فإنّ إرتفاع متوسط دخل الفرد سيؤدي الى زيادة المقدرة الفردية على إيفاء الالتزامات الضّريبية المفروضة عليه، وهنا نجد أنّ التّهرب يقل أو ينعدم لكون المُكلف لا يشعر بعبء الضّريبة المفروضة عليه لزيادة دخله ولا يوجد داع للتهرب طالما أن المقدرةالمالية مرتفعة لديه، فضلاً عن أنّ الدّخول المرتفعة للمكلفين في فترة الانتعاش سيؤدي إلى ظهور فئات جديدة من الدخول إلى الوعاء الضريبي، الأمر الذي يقتضي بعدم وجود مسوغ لزيادة أسعار الضّريبة أو فرض ضرائب جديدة، وبالتالي سيقل التهرب.

فيديو مقال التهرب الضريبي أنواعه وأسبابه

 

 

أضف تعليقك هنا