الضمان القانوني لحق التعبير عن الرأي في مواقع التواصل الاجتماعي

المقدمة

تعتبر حرية الفكر والرأي والتعبير من الحقوق المضمونة ومكفولة بكل أشكالها في القوانين والدساتير الدولية التي وفرت الحماية القانونية، و عدت من الحقوق الأساسية المصانة للإنسان، وذكرت المادة المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: (لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود).

إن حرية التعبير حق أساسي من حقوق الإنسان ، وتصب حرية التعبير و النشر في الإعلام بالهدف التنموي الأوسع نطاقا والمتمثل في تمكين الناس على التحكم في مسار حياتهم ضمن الحريات الخاصة، ودون المساس بالحريات العامة للاخرين ، وخلال الوصول إلى معلومات دقيقة ونزيهة وحيادية، ممثلة تعدد الآراء، والوسيلة للتواصل تواصلا نشطا عموديا وأفقيا، وبالتالي المشاركة في الحياة الكريمة و البيئة الديموقراطية السليمة للمجتمع .

ولجعل حرية التعبير واقعا لا بد من توافر بيئة تنظيمية وقانونية تسمح بظهور وسائل اعلامية تواكب التطور التكلوجي و توجهات الاشخاص الى نشر ارائهم في تلك الوسائل و منها ( صفحات التواصل الاجتماعي ) ، التي توجب على الدول و المنظمات الانسانية توفير الإرادة السياسية لدعمها و صونها و توفير الحماية الفكرية للاصحابها (ناشرين و المدونين و الصحفيين و … الخ ) ، مع توافر المهارات التعليمية اللازمة لدى متابعي تلك الوسائل الاعلامي المختلفة ، ليتمكنوا من تحليل المعلومات تحليلا نقديا وتجميع ما يصلهم منها لاستخدامها في حياتهم اليومية ، ووضع وسائط الإعلام موضع المسائلة فيما يتصل بأعمالها وتخدم هذه العناصر ، إلى جانب التزام االناشرين و المدونين بالمعايير الأخلاقية والمهنية التي تتفق عليها القواعد القانونية الوضعية في انظمة الدول كهيكل أساسي للحرية التعبير و اعتماد النشر ، و اهميته كمادة اساسية للسلطات كالرقابية على الاعمال الحكومية و الشخصية من اجل تصحيح مساراتها وفق الدساتير و القوانين الدولية .

و في واقعة ارتأى الباحث الغور في تفاصيها حدثت في الولايات المتحدة الاميركية حيث اقدمت عدد من مواقع التواصل الاجتماعي على غلق حسابات الرئيس الاميركي و تعليقها نهائيا و حظر النشر فيها بحجة مخالفة القواعد و الالفاف وجود مخاطر تحرض على العنف من جانب أنصاره الذين اجتاحوا مبنى الكابيتول .

مفهوم الحق و تطوره التأريخي

الحق في اللغة ، نقيض الباطل و يدل على الثبوت ، ويعرف الحق اصطلاحاً بأنه مقدرة الشخص على ممارسة عمل معين يمنحه القانون له، ويحميه تحقيقا لمصلحة يقرها، ويقصد بحقوق الإنسان أنها مجموعة من المطالب الواجب تحقيقها لكل البشر على قَدم المساواة، ودون أي تمييز بينهم ، كما أنها الحقوق المرتبطة بطبيعة الكائن البشري، كحقه في المساواة، والحياة، والكرامة .

بدأت فكرة حقوق الإنسان بالظهور للمرة الأولى بصورتها البدائية القديمة منذ بداية تكوين الحياة المشتركة لمجموعات من البشر في العصور القديمة،حيث كانت  تطبيق القواعد العرفية المتضمنة لبعض من حقوق الإنسان، وتحرص على كرامته ونبذ العنف بين الناس لتحقيق حياة امنة ومستقرة ،.

مع مرور الوقت ظهرت المُجتمعات القائمة على أساس مُشاركة الفرد مع الجماعة و اصبحت القواعد العرفية نصوص قانونية تعتمدها الدول ، رغم أن حقوق الإنسان لم تعرف آنذاك لأن الإنسان في تلك المجتمعات كان أكثر رقيا، والتزاماً ممَّا هو عليه الآن بمفهوم حقوق الإنسان الحديث

وبتطور العلاقات الدولية في العصر الحديث، و تعدد المدارس الفكرية،  دخلت حقوق الإنسان مرحلة جديدة من التطور، حيث تحولت مواضيع حقوق الإنسان الداخلية إلى الطابع الخارجي و الدولي، تزتمنا مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وتأسيس عصبة الأُمم التي وضعت العديد من البنود، والمواثيق المُتعلِّقة بحقوق الإنسان، كما تزامن أيضاً مع اندلاع الحرب العالَميّة الثانية، وتأسيس ميثاق الأُمم المتحدة الذي أشار إلى ضرورة تعزيز، واحترام، وحماية حقوق الإنسان كافَّة.

و عملت العديد من الظروف  على تطور مفهوم حقوق الانسان و جعله مادة اساسية للباحثين و الدراسات و الوقوف على مضامينة و مراقبة الانتهاكات التي ترافق تطبيقة ،لتغير الطبيعة الدولية للسكان و ازدهار الحياة الإنسانية، وزيادة الاختلاط بين الشعوب المختلفة ، وتقدم التبادل التجاريّ، وهجرة الأيدي العاملة، ممَّا سمح للشعوب بالتعرُّف إلى أوضاع حقوق الإنسان عند الدُّول الأخرى، مع سبب انتعاش التبادل التجاري الخارجي، وزيادة عدد الوافدين، والأجانب في أقاليم دول أُخرى، وتعرض الكثير منهم لانتهاكات تَمس حقوقهم، مما دفع الجهات الدولية إلى إيجاد أعراف تمنع حدوث مثل هذه الانتهاكات، كذلك انتشار استخدام الأسلحة المدمرة، والتي قد تؤدي إلى إراقة أرواح الملايين من الأبرياء،  ولذلك تم وَضع بعض الاتفاقيات، مثل اتفاقية جنيف التي تقضي بالتمييز بين المقاتلين و المدنيين العزل ،و كانت الكثير من الاراء تذهب الى  ضرورة ايجاد صحوة الضمير عالميا لضمان و تطوير مبادئ  حقوق الانسان من خلال نظم قانونية دولية .

المبحث الأول/ المطلب الثاني

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

إن حرية التعبير حق أساسي من حقوق الإنسان على النحو المنصوص عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: (لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية ) .

فحرية التعبير هي حق أساسي من حقوق الإنسان و حرية الإعلام والوصول إلى المعلومات في الهدف التنموي الأوسع نطاقا والمتمثل في تمكين الناس .

والتمكين هو عملية متعددة الأبعاد الاجتماعية والسياسية تساعد الناس على التحكم في مسار حياتهم الخاصة. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال الوصول إلى معلومات دقيقة ونزيهة وحيادية، ممثلة تعدد الآراء، والوسيلة للتواصل تواصلا نشطا عموديا وأفقيا، وبالتالي المشاركة في الحياة النشطة للمجتمع المحلي.

ولجعل حرية التعبير واقعا لا بد من توافر بيئة تنظيمية وقانونية تسمح بظهور قطاع إعلامي متعدد الآراء ومنفتح ، ولا بد كذلك من توافر الإرادة السياسية لدعم ذلك القطاع وتوافر سيادة القانون لحمايته.و وجود قانون لضمان الحصول على المعلومات وبخاصة المعلومات في المجال العام. مع توافر المهارات التعليمية اللازمة لدى متابعي الأخبار ليتمكنوا من تحليل المعلومات تحليلا نقديا وتجميع ما يصلهم منها لاستخدامها في حياتهم اليومية ، ووضع وسائط الإعلام موضع المسائلة فيما يتصل بأعمالها .

وتخدم هذه العناصر إلى جانب التزام المدونيين بأعلى المعايير الأخلاقية والمهنية التي وضعها الممارسين  كهيكل أساسي للحرية التعبير التي يجب أن تسود. وبناء على هذا الأساس ، تخدم سائط الإعلام كهيئات رقابية، وينخرط المجتمع المدني مع السلطات وصنّاع القرار، ويتدفق سيل المعلومات في المجتمعات المحلية وبين بعضها بعضا

ويمكن تفسير الحق في الحصول على المعلومات ضمن الأطر القانونية التي تدعم حرية المعلومات كما تنطبق على المعلومات التي تحتفظ بها الهيئات العامة أو بمعنى أوسع لتشمل الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الجهات الفاعلة الأخرى وتعميمها، حيث تصبح مرتبطة ارتباطا جوهريا إلى حرية التعبير .

المبحث الثاني/ المطلب الاول

الضمانات القانونية لحق التعبير عن الرأي في الدستور والقوانين الامريكية

أن حرية الرأي والتعبير كما سائر حقوق الإنسان لم يرد بشأنها نص في الدستور الأمريكي  الصادر سنة 1787 ولكن هناك إشارات إليها في وثائق أخرى مثل وثيقة الحقوق في فرجينيا في يونيو 1776، وفي تصريح الاستقلال الأمريكي في نفس السنة ، مثلها كمثل بقية حقوق الإنسان في أمريكيا ، لم تدخل إلى الدستور إلا بعد إدخال التعديلات العشر عليه ، فكان أول هذه التعديلات هو التعديل المتعلق بحرية الرأي والتعبير المدخل على الدستور في سنة 1793. ويشير هذا التعديل إلى منع التشريع في هذا المجال وعدم إصدار أي مقتضى قانوني من شأنه تضييق فضاء حرية التعبير الرحب ، ويؤكد عللى انه لا يمكن للكونغريس أن يضع أي قانون من شأنه التضييق على حرية التعبير وحرية الإعلام .

يتضح من هذا أن حرية التعبير لا تحتمل اي ضغط أو قمع ، كما يتضح منه أن حرية التعبير في الولايات المتحدة الأمريكية مبدأ يكاد يكون مطلقا، لأنه غير متبوع بأية حدود، ولا مقيد بأية قيود، وهو شامل لأي وسيلة إعلامية، من تمة يمتد إلى وسائل التعبير الإليكترونية، إلى الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي . ولكي يوضع الحد لأي جدال في هذا المجال، فإن الكونغريس الأمريكي قد أصدر قانون دال على ذلك « Global internet freedom act » أي ” قانون الحرية الشاملة للانترنيت ” في 4 أبريل 2013 ، وهو يهدف إلى حماية حرية التعبير على الانترنيت للمواطنين الأمريكيين ويؤكد في نفس الوقت على الجانب الدولي في حماية واحترام حرية التعبير بإشارته إلى امتداد هذه الأخيرة إلى حماية حرية التعبير على الانترنيت .

ونجد ذات الشيء يتكرر في المواثيق الإقليمية، في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان 1950، المادة 10 وفي الاتفاقية الأمريكية الصادرة في 1969 في سان خوزي بكوستاريكا، المادة 13، وفي الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب 1981 وفي الميثاق العربي الصادر سنة 2004 المادة 32. هذه الوثائق الإقليمية تكرر باليستشف من هذه النصوص ذات الطابع الدولي أن الانترنيت مشمول بأحكامها، وبالضمانات التي توفرها، مثله مثل الدعامات الأخرى ، وعلى الرغم من كون منطوق هذه القواعد القانونية لا تنص على حرية التعبير على الدعامات الإليكترونية، ومن كونها لا تستهدف التعبير الاليكتروني في متن نصوصها، لكن تأكيدها على الحق في البحث عن المعلومات والأفكار، واستقبالها، ونقلها عبر أية وسيلة إعلامية بغض النظر عن الحدود الجغرافية قابل لكي يشتمل ضمنا التعبير على الانترنيت.

المبحث الثاني/ المطلب الثاني

ضوابط مواقع التواصل الاجتماعي القانونية لحماية حرية التعبير

مع التطور المعلوماتي الحديث في مجالات الاعلام و الصحافة وتبادل المعلومات و التعبير عن الاراء ، يستخدم عادة الملايين من الأشخاص عالميا مواقع التواصل الاجتماعي العديدة مثل: ( فيس بوكfacebook،  تويترtwitter،  إنستقرام… instagram  ) ، لأغراض وأهداف مشروعة ، غير أنه قد تستغل من البعض في التستر خلفها، ومزاولة أنشطة غير مشروعة ، تتنوع بين انتحال الشخصية وانتهاك الخصوصية والتشهير والقذف والتحريض على العنف والإرهاب والفسق والفجور وغيرها. وهذه الممارسات تندرج تحت مسمى الجرائم المعلوماتية ، لذا اوجبت على تلك المواقع مراقبة مشتركيها و الزامهم بالضوابط القانونية عند استخدام نشاطاتها . خصوصاً ما تمثله فضاءات المواقع افتراضيا غير محدود، لا يقف عند حدود، ولا يخضع لأية قيود، مهما اتخذت حياله من إجراءات صارمة أو تدابير حاسمة ، فإن هذا ما جعل الحاجة ملحة لحماية البيانات الشخصية والحياة الخاصة للأشخاص في هذا العالم الافتراضي  .

ان لحرية التعبير، ومواقع التواصل الاجتماعي آليتان تتجاوزان إطار الدولي ، و هما محكومان بفضاء إنساني، وتصور حقوقي ، في حين أن مواقع التواصل الاجتماعي محكومة بما هو تقني تكنولوجي ، ولا يهمها ما هو إنساني، لذلك يطرح كيف يمكن التوفيق بين الاثنين، بما يجعل الأولي لا تتغول , فتتعسف عند استغلالها لما تتيحه الثانية من قوة الانتشار، وقدرة الإفلات من المراقبة .

وأضحت مواقع التواصل الاجتماعي محل تقنين ومراقبة ، إما متشددة أو مرنة ، وتصطدم هذه المراقبة بمبدأ أساسي من مباديء حقوق الإنسان، أي بحرية التعبير، وهو مبدأ يمتد ليشمل الانترنيت وشبكات التواصل الإجتماعي . ونظرا لأهمية حرية التعبير على شبكة التواصل الاجتماعي ، فإنه على المستوى الدولي، قد أصدر مجلس حقوق الإنسان قرارا بتاريخ 5 يوليوز 2012 يؤكد على الحق في حرية التعبير على الانترنيت وعلى مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، فطوال السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين تزايد عدد الحكومات التي تتخذ إجراءات لمنع عرقلة المواقع الاجتماعية والتي تعمل على تنظيم وتقنين الولوج إلى الأنترنيت .

الخاتمة

من خلال متابعتنا لدراستنا المتواضع في الضمان القانوني لحق التعبير عن الرأي في مواقع التواصل الاجتماعي، و الذي يتزعم المواضيع سواء على الساحة السياسية او الاجتماعية ، تتكشف لنا بعض اوجه المتطلبات التي نود توضيحها لمعالجتها حتى تمارس حقوق التعبير عن الرأي بشكلها المطلوب ، يوصي الباحث بالاتي :

  • استحداث مواد في قانون حقوق الانسان مع انتشار الهائل للانترنيت و تعدد وسائل التواصل الاجتماعي ، تتضمن ما يصون حرية التعبير مع تحديد مبادئ و اسس النشر .
  • استحداث محاكم متخصصة للنظر في الجرائم التي تمس حرية التعبير و ربطها بالانتربول الدولية .
  • تنظيم الدورات التدريبة و ورش العمل لبث روح الحوار الديمقراطي و فهم الحريات .
  • اخضاع مواقع التواصل الاجتماعي الى ضوابط قانونية تنظم عملها دون المساس بمبادئ حقوق الانسان .
  • التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي كمؤسسات اعلامية مستقلة و حيادية .
  • تعزيز و دعم أستقلال القضاء الدولي والتنفيذ لاحكامه دون ابطاء و الفصل الحاسم للقضايا المطروحة امامه .

ونسأل الله أن يكون هذا الجهد المتواضع مساهمة بسيطة في الإحاطة بموضوع دراستنا .

فيديو مقال الضمان القانوني لحق التعبير عن الرأي في مواقع التواصل الاجتماعي

 

أضف تعليقك هنا