خلطة شُبرا.. ما بين النوستالجيا وإجترار الماضي!

بقلم: دكتورة فاتن ناظر

ما معنى النوستالجيا؟ ولم لجأت إليها مسرحية خلطة شبرا؟

لقد حضرت عرضاً مسرحياً يُعرض حالياً على أحد مسارح الدولة بالقاهرة يحمل عنوان: خلطة شُبرا. إن شُبرا لمن لا يعرفه هو أحد أحياء القاهرة في العاصمة المصرية، وهو حي من الأحياء القديمة والعتيقة التي تتسم بالحفاظ على الخِصال والسمات الأخلاقية والدينية من حيث الحفاظ على أواصر المحبة والمودة والرحمة بين أبناء الحي الواحد من الطائفتين المسيحية والإسلامية بلا أدنى وأعز من التعصب أو العنف أو التشدد الديني، فإن شِعارهم: أن الدين لله والوطن للجميع، وأن طلقات الخطر الداهم أو الإرهاب الغادر لا تُفرّق عند إطلاقها بين انتماءات عقائدية أو فكرية، فإن هدفها هو الإنسان فقط ووقوع أكبر عدد من الضحايا، لقد عملت تلك المسرحية على فكرة النوستالجيا. والنوستالجيا هو مصطلح يوناني يتكون من مقطعين، ويعني مجتمعاً: “الحنين إلى الماضي المثالي”. لقد اعتمد هذا العمل على طبيعة النفس الإنسانية وحنينها إلى الماضي المثالي الذي لن يعود بكل ما فيه من ذكريات وأحداث ومواقف سعيدة وجميلة لن تتكرر، تلك الذكريات التي تركّزت في الذهن ورَسّبت بداخله طاقة إيجابية نادرة تتجدد مع تذكّرها وإستعادتها وإستدعائها بالذهن ، وذلك لكي نشحث العقل البشري ونعطيه قوة وطاقة إيجابية يستطيع بها إستكمال أطوار الحياة.

لم يلجأ الإنسان إلى الماضي؟

إن النوستالجيا يلجأ إليها الإنسان عندما تتكالب عليه ضغوط الحياة ويُضنّيه الإشتياق والحنين إلى الماضي الجميل الذي يخلو من أي مسئولية أو أعباء، بل إنه ماضي يملئه الأمان وراحة البال والخلو من الأحزان وإنقضاء الأوقات ما بين التدارس بين أصدقاء الدراسة والتنزّهه والسفر واللعب وممارسة الرياضة، كان الحلم والطموح بصنع مستقبل أفضل هو الشغل الشاغب فقط من خلال تحقيق تفوّق دراسي متميز.

إن النوستالجيا التي إعتمدت عليها فكرة المسرحية هي تمجيد الماضي المثالي ووضعه في مرتبة قدّسية منقضية تَصعُب تحقيقها في الواقع المعاش، ولكن يبقى السؤال لماذا نقدّس الماضي ونمقت الحاضر والمستقبل؟ أو لماذا نعشق البدايات وندحض النهايات؟ مع العلم أن البدايات غالباً من صنع أيدينا، أما النهايات فالإنسان فيها هو سيد قراره يسيّرها كيفما يشاء نحو طريق الإصلاح أو الإفساد، فإن تفاصيل البدايات تؤدي إلى حتمية النهايات. لماذا نجعل أنفسنا تصنع من كل شئ جمالاً مع بدايته أو بشائره فقط، ثم نحتسي كأس مرار النهايات بكل حزن وألم وشجن. لقد عملت مسرحية خلطة شُبرا على براعة استهلال البدايات من حيث تقديس البدايات باعتمادها على فكرة النوستالجيا، إلا أنها مع تطور السرد والحَكي المسرحي وصلت إلى حالة من معايشة إجترار الماضي .

ما المقصود بمصطلح (اجتراز الماضي)؟

إن إجترار الماضي هو مصطلح نفسي ، يعتمد فيه الإنسان على استدعاء الذكريات الماضية الموجعة وإسترجاعها بالذاكرة مما ينتج عنه الألم والحزن مع استحالة تكرارها بنفس واقع حدوثها، سواء بسبب فقدان المشاركين فيها أو تغير الأماكن أو تبدّل المشاعر بفعل تلاطم أمواج الزمن علينا والأحداث بنا .

لماذا نكتفي بتاريخ ماضينا ولا نصنع منه حاضراً أفضل؟

لقد وضعتنا المسرحية أمام عدة أسئلة مُحيرة وهي: هل نقف مكتوفي الأيدي أمام ضياع أعمارنا ما بين نوستالجيا جميلة أنقضت، وإجترار ماضي أليم تكرار الكَلم فيه لا يمحو أثره؟ هل سوف نظل نُمجّد أمجاد الماضي ونعظّم تاريخه ونُثني علي حضارتنا الماضية ونتخوف من مستقبل مُبهم؟ لماذا لا نقوّض فكرة أن الإنسان عدو ما يجهل؟ ونجعل من ذلك الجهل المجهول بداية وضرورة مُلحّه لرؤية واعية مستنيرة وبناء ناجح وصحيح  لمستقبل أفضل، يعتمد على أُسس وركائز خبرة الماضي وتجاوز أخطاء الحاضر؟ لماذا نكتفي بتاريخ ماضينا ولا نصنع منه حاضراً أحسن ومستقبل أفضل؟ فمن اكتفى بالذكرى فقد نضب بالفكرة، ومن عاش فقط بماضيه فقد أمات حاضره، ومن أضاع منه حاضره فلا ذكرى لمستقبله (شاهد مقاطع فيديو موقع مقال على اليوتيوب).

بقلم: دكتورة فاتن ناظر

 

أضف تعليقك هنا