الجزء 6 من روايـــــــة //عـــــوبـــــار //تـــألــيـــف: //زيــد العــرفـــج//

اندلاع الثورات في المناطق الشرقية والغربية

لقد صدق الأستاذ عيّاد في توقعاته، فما هي إلا أشهر معدودة حتى اندلعت الثورات في المناطق الشرقية كالهند والصين وما يليها، وفي المناطق الغربية كأوروبا وشمال أفريقيا، وتلك الثورات اتسمت بالعنف وكان يقودها الفارون من أبناء الأسرة الحاكمة، فتلك الشعوب بالرغم من حنقها على الملك شدّاد إلا أنها لم تخلع عباءة الحكم عن العائلة المالكة فانضوت تحت ألوية الفارين الثائرين من قوم عاد.

كيف رد الملك شداد على اندلاع الثورات؟

مرت الأيام ثقيلة جداً وبدأت الأمور تتغير نحو الأسوأ، فالتمرد كان عاماً بشكل لا يمكن تصوره، وأعنف الأحداث تلك التي اندلعت في الهند بزعامة أحد أفراد الأسرة الحاكمة الفارين مع الملك المخلوع عاد ابن عرّاد، هذا الأمير الذي تزوج بإحدى الأميرات الهنديات الجميلات وأعلن المساواة بين العرب وبقية الشعوب مما دفع بالكثير من أبناء الأمم الأخرى للانضواء تحت لواءه، فمنحه ذلك قوة أكبر للسيطرة على مناطق شاسعة تمتد من الصين حتى العراق، ولكن القوة المفرطة التي استخدمها الملك شدّاد في كبح جماح هذه الثورة شتت شمل ذلك الرجل ودمرت البلاد التي ساندته تدميراً كاملاً.

فالملك شدّاد رد بعنف على تلك الثورات وشن الحروب المدمرة ضدهم واتبع سياسة الأرض المحروقة فلم يرحم تلك الشعوب، حيث استخدم أعتى أنواع الأسلحة المطورة بالتقنيات الأثيرية بالرغم من تحذيرات العلماء وتوصيات أجداده الأقدمين بعدم استعمالها، ومع ذلك استخدمها بشكل مفرط للغاية مما أحدث دماراً شاملاً في تلك البلدان، فهذه الأسلحة تدمر البشر فقط دون أن تؤثر على بقية الكائنات الحية وهذا من حسن حظ البشر، إذ يمكن للناس الذين ينجون من ويلات الحروب أن يستمروا بالحياة في حدود الإمكانيات المتاحة لهم بعد انتهاء تلك الصراعات.

قطع منابع الطاقة الأثيرية

ولكن الأمر الأخطر الذي أقدم عليه الملك شدّاد تمثل في قطع منابع الطاقة الأثيرية عن تلك البلدان كنوع من العقاب الجماعي لتلك الشعوب التي أيدت أفراد الأسرة المالكة الفارين والثائرين ضده، حيث خاطبهم في أحد خطاباته مهدداً ((سأعيدكم لعصور التخلف والتحجر)). نعم إن الأمر كان بيده لأن أغلب محركات الطاقة الأثيرية وتوليدها وتوجيهها كانت موجودة في جزيرة العرب وتحديداً في مكان قريب من العاصمة عوبار، ومن يتحكم بذلك هم أبناء قبيلتنا (قبيلة عاد العربية الحاكمة)، فالحكم القبلي واضح في أسلوب نظام مملكتنا.

وقطع منابع الطاقة الأثيرية عن تلك البلدان أدخلها في ظلمات التخلف والتراجع، فلم يعد بإمكانهم العيش كما كانوا من قبل، إذ تحولت ديارهم من ديار عامرة بكافة تطبيقات التقنيات الأثيرية كاتصالات ومواصلات وأسلوب معيشة إلى ديار مقطعة الأوصال والتواصل، فلم يعد بإمكان من يسكن تلك البلدان أن ينتقل بسهولة وسرعة من منطقة لأخرى، بل عادوا للسير على أقدامهم أو استخدام حيوانات الجر والركوب كالخيل والحمير والبغال والإبل وغيرها، ولم يعد بإمكانهم أيضاً التواصل السريع فيما بينهم بل عادوا للاتصال ببعضهم عبر المراسلين العاديين الذي يستغلون وسائل الركوب القديمة نفسها من خيول وجمال وغيرها، نعم لقد عانت هذه البلدان الأمرين بسبب قطع منابع الطاقة الأثيرية التي كانت تعتمد عليها اعتماداً كلياً، فتخربت المدن والتجمعات السكنية وصار الكثير من الناس بلا مأوى، أضف لذلك فقدانهم لتقنية السوار الأثيري التي كانت تستر عوراتهم فأصبحوا  بين عشية وضحاها عراة أو نصف عراة لعدم تمكنهم من صناعة اللباس اللازم من المواد الأولية المتاحة في ديارهم، مما اضطرهم لستر عوراتهم بورق الأشجار أو بجلود الحيوانات.

وقد حاول العلماء في تلك البلاد من العرب وغيرهم استنباط بدائل عن الطاقة الأثيرية أو إعادة إنتاجها دون العودة للعاصمة عوبار ولكنهم فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً، بسبب تحكم قبيلتنا المتراكم عبر أجيال وأجيال بالمعلومات الخاصة بإنشاء هذه الطاقة والاستفادة منها، فأساليب استخدامها كانت متاحة للجميع، أما أساليب إنتاجها فكانت حكراً على نخبة من رجالات قبيلة عاد، نعم لقد عملت قبيلتنا على التحكم في كل ما يتعلق بإنتاج هذه الطاقة فاستطاعت السيطرة على العالم بأكمله، فالأمم الأخرى تخضع برمتها لسلطان العرب، والعرب بدورهم يخضعون لسلطان قبيلة عاد العربية التي انتمي إليها فأنا جراح بن عزام بن عاد.

بقيت البلدان العربية كالعراق والشام ومصر وأجزاء من المغرب العربي إضافةً لجزيرة العرب ضمن نطاق تطبيقات الطاقة الأثيرية، وهذا شكل عامل اختلاف كبير بينهم وبين بقية البلدان، فصارت بلادهم منطقة جذب للكثير من أبناء الشعوب الأخرى. كان هناك العديد من القبائل العربية التي تسكن جزيرة العرب والشام والعراق ومصر وهم أبناء عمومة لقبيلة عاد، إلا أن أقرب القبائل العربية إلينا تلك القبائل التي تسكن وسط الجزيرة العربية وبشكل خاص في الحجاز ونجد وهذه القبائل هي جرهم وطسم وجديس وأميم وعبيل والعمالقة، أما القبائل العربية التي تسكن العراق كالعُقّاديين والعموريين ومن يسكن الشام كالعَاراميين والكنعانيين ومن يسكن مصر فهم أبناء عمومة لنا ولكنهم أبعد نسباً.

من هم السُّلكاء؟ وكيف تشكلوا؟

وعرب الجزيرة العربية يميزون أنفسهم أيضاً عن عرب الشام ومصر والعراق، فهم يرون أن عروبتهم أنقى وأصفى، خاصةً وأن الكثير من عرب الشام والعراق ومصر قد تزاوجوا مع الأمم الأخرى كالفرس والروم والأفارقة. وشكل أبناء العرب المولودون من أمهات غير عربيات طبقة جيدة احتلت منزلة ما بين منزلتين، فهم دون العرب الصرحاء ويفضلون على غير العرب، فالعربي الذي يتزوج من امرأة غير عربية يُنظر له نظرة استنكار واستغراب ويعدون أولاده بعيدين عن الانتماء العربي، وهؤلاء الأبناء لا يتم تزويجهم من فتيات عربيات صريحات بل يجدون أنفسهم مضطرين للزواج من بنات غير عربيات أو بنات عربيات مثلهم أمهاتهن غير عربيات، والحقيقة إن إقصاء هؤلاء الأولاد وإبعادهم عن الانتماء العربي جيلاً بعد جيل جعلهم ينخرطون في الأمم الأخرى التي تنتمي لها أمهاتهم ويتسيّدون مجتمعاتها بسبب أصولهم العربية ومقدرتهم العقلية الفائقة ودماثة أخلاقهم ولينهم وتواضعهم، وهؤلاء الأبناء المولودون من آباء عرب وأمهات غير عربيات يسمون السُلكاء.

والسُلكاء لهم أفضلية على باقي الشعوب إلا أنهم يأتون بالدرجة الثانية بعد العرب، وظهور هذه الطبقة بدأ منذ ثلاثة أجيال فقط، وللحفاظ على النسب العربي قام الملك المخلوع عاد ابن عرّاد بإطلاق تطبيق النسب الأثيري الخاص بالعرب والذي يعمل على تسجيل المورثات الخاصة بهم وتصنيفها، فكل من يدعي النسب العربي يتم عرضه على هذا التطبيق، فإن تطابقت مورثاته مع إحدى شفرات المورثات الخاصة بالعرب يُقبل نسبه والعكس صحيح.

والسلكاء وإن أتوا في الدرجة الثانية بعد العرب الصرحاء في تصنيف الشعوب إلا أن دمهم العربي الساري في عروقهم جعل لهم أفضلية على باقي الأمم، فقد أوكلت لهم الكثير من المهام الكبرى في الدولة، وهم أكثر ذكاءً من باقي الشعوب بمن فيهم العرب، فاختلاط دماء الشعوب الأخرى بدمائهم منحهم قوة عقلية وجسدية كبيرة فشكلوا طبقة قوية ذات نفوذ واسع ومتعصبة لبعضها البعض، وأصبحوا قوة لا يُستهان بها في الدولة كون آباءهم من العرب وأخوالهم من الأمم الأخرى، إضافةً لقبولهم القيام بأعمال لا يقبل بها العرب الصرحاء ووصولهم لمناصب عليا في الدولة لا يصل إليها أبناء الشعوب الأخرى، كما أن تعصبهم كان أقل من العرب الصرحاء اتجاه الأمم الأخرى.

إحكام الملك شداد قبضته على البلاد من جديد

إن التحولات الكبرى التي أحدثتها الأحداث الأخيرة الناتجة عن ثورات الشعوب الأخرى والحروب والدمار الذي تلاها وأفظعه قطع منابع الطاقة الأثيرية عن تلك البلدان الذي أحال الحياة فيها جحيماً لا يطاق، في حين بقيت ديارنا جنة كبرى تنعم بتطبيقات الطاقة الأثيرية، فإن هذا الحرمان دفع بالكثير من أبناء تلك البلدان للتسلل داخل حدود مملكتنا فاضطر الملك شدّاد لفرض نظام حراسة شديد على حدود بلادنا من خلال رسم حدود أثيرية مطابقة للحدود الطبيعية بحيث تمنع دخول أي غريب من تلك البلدان، مما أدى لانعزالها تماماً عن بلادنا، فولّد ذلك فوارق كبيرة في الحياة التي يعيشها كل فريق داخل حدود دياره.

وهذا الأمر دفعني لزيارة تلك البلدان والاطلاع على واقعها الجديد، فغادرت حدود بلادنا بعد الكثير من التوسلات والواسطات للسلطة المسؤولة عن ذلك، وتفادياً لحدوث أية مخاطر نُصحت بالتنقل بواسطة الإبل في تلك الديار، وفعلاً خرجت على ظهر الجمل وتجولت في المناطق الشرقية فرأيت فداحة الحالة التي وصل إليها الناس جراء قطع منابع الطاقة الأثيرية فشعرت بالحزن والأسى عليهم.

ثورة الأساسيين ضد الملك شداد

وما إن أحكم الملك شدّاد سيطرته على البلاد وأخمد الثورات وضبط الحدود حتى ظهر خطر داهم جديد أنساه وأنسانا جميعاً ما نحن فيه، هذا الخطر ظهر في العراق أولاً وامتد نحو الشام واستعر وتمدد، إنهم المسمون بالأساسيين، لقد نهض الأساسيون بثورتهم ضد الملك شدّاد.

من هم الأساسيون؟

والأساسيون هم مجموعة من الأفراد يعتقدون أن ما نعيشه في الوقت الحالي من مآسٍ بالرغم من التطور التقني الكبير الذي وصلنا إليه يعود لابتعادنا عن الحياة الأساسية التي كان يعيشها أجدادنا أيام الزعماء والأنبياء شيث وادريس، فهم يرون ضرورة العودة لذلك الزمن من الناحيتين الاعتقادية والاجتماعية، فمن الناحية الاعتقادية يرون أن ما كان عليه ادريس من اعتقاد هو الصحيح فهم يدعون إلى توحيد الله سبحانه وتعالى ونبذ الشرك، ويرون أن الحياة الاجتماعية وأسلوبها السائد أيام ادريس هو الصحيح، فلذلك نزعوا زر الكف الأثيري ونبذوا سوار اللباس الأثيري ولبسوا الثياب المصنوعة من القطن والكتان وغيرها، وهم يرون ضرورة عدم اختلاط النساء بالرجال في كافة نواحي الحياة سواء في الجامعات أو الأسواق أو الدوائر الحكومية وغيرها…….، ويرون في الآخرين أياً كانوا ممن لا يعتقدون بمعتقدهم أعداء وكفاراً يجب قتلهم والتنكيل بهم، والأدهى من ذلك يرون في نساء هؤلاء الأعداء غنائم حرب يتوجب سبيهن، وهذا ما أثار اشمئزاز الكثير من الناس على مستوى العالم، فهم بذلك يعيدون سيرة الأمة القابيلية في امتهان كرامة النساء، ويرون أيضاً في الموت وسيلة لتحقيق أهدافهم في إقامة دولتهم المزعومة التي يجب أن تتسيّد العالم بأكمله لفرض أفكارهم ومعتقداتهم، فابتدعوا بدعة الانتحاريين، فلا يتورع أحدهم عن تفخيخ نفسه بالأسلحة الأثيرية الفتاكة والدخول إلى الشوارع والأسواق وتفجير نفسه مودياً بحياة الكثير من البشر. والأساسيون اعتمدوا في حركتهم على أمرين هامين شكلا عامل جذب للشباب على مستوى العالم للانضمام إليهم والالتحاق بهم وهما:

  • الأمر الأول: دعوتهم لتوحيد الله ونبذ الشرك وعبادة الأصنام، والحق أن هذا الأمر ما كان إلا كلمة حق أريد بها باطل، فقد كانوا ينقلون الشباب من اعتقاداتهم السابقة إلى اعتقادات سخيفة قائمة على القتل والتدمير، فدعوة التوحيد كانت فخاً وقع في شباكه الكثير ممن بحثوا عن وحدانية الله.
  • الأمر الثاني: دعوتهم للمساواة بين جميع الشعوب وعدم تفضيل شعب على آخر، وهذا شكل عامل جذب للشباب من الأمم الأخرى، فمنهم من دخل عن قناعة بدعوة التوحيد والمساواة، ومنهم من دخل عن طمع، ومنهم من دخل بدافع الانتقام من العرب.

تأييد صعّار لمبادئ الأساسيين

صعّار أحد زملاء الجامعة كان يؤيد تلك الأفكار ويدعو إليها منذ أيام الدراسة، وكم تمنيت ألا ينضم للأساسيين حين ظهرت دعوتهم، فهو شاب مثقف ويمتلك ذكاءً وقّاداً، ولكن ما نفع الذكاء والفطنة إذا عميت القلوب التي في الصدور، فهناك أفكار مسمومة ومتهورة تجد من يغذيها ومن يتغذى عليها، وفعلاً حدث ما خشيته، فصعّار انضم إليهم، وهو يتزعم كتيبة ضخمة في تلك المنظمة الرهيبة التي امتهنت الموت والتدمير، وقد اتصل بي منذ عدة شهور محاولاً إقناعي باتباع فكرهم والانخراط في منظمتهم، فرفضت ذلك رفضاً قطعياً وحاولت جاهداً أن أعدله عما هو فيه ولكن دون جدوى.

وبناءً على دعوة صعّار ومحاولاته المتكررة في إقناعي بالانضمام إليهم، قبلت بالسفر إلى العراق لزيارته ولكنني اشترطت عليه عدم إكراهي على الانضمام إليهم، فطلبت أن أراهم عن كثب لأتبين حقيقة منظمتهم بسبب انتشار الكثير من الإشاعات حول ممارساتهم المنبوذة والتي لم نتمكن من تصديقها أو تكذيبها.

ركبت طائرتي الأثيرية وتوجهت مسرعاً نحو العراق فوصلت إليها خلال دقائق، آه … كم هي رائعة الطاقة الأثيرية التي حققت لنا ما لم يحلم به أجدادنا، وصلت إلى المنطقة المحددة فاتصلت بصعّار فأرسل بطلبي، فلما وصلت إلى معسكره على ضفاف الفرات استقبلني استقبالاً حافلاً، كان المعسكر ضخماً يضم آلاف الرجال وآلاف الأسلحة والمعدات، وهناك تمعنت في رجاله فوجدتهم من جميع أنحاء العالم، فتجد الرومان والأتراك والفرس والهنود والصينيين وغيرهم ……..

استقطاب الأساسيين لكافة الانتماءات العرقية

فالفكر الأساسي لا يرى التمييز بين الشعوب والأمم فمن آمن بفكرهم واعتقد بمعتقدهم صار منهم (له ما لهم وعليه ما عليهم)، وهذا ما دفع بالكثير من شباب الأمم الأخرى للالتحاق بهم مما شكل عاملاً مهماً في تمدد دولة الفكر الأساسي، فدعوة المساواة كانت إحدى المصائد الكبرى التي نصبها قادة هذا الفكر للكثير من الشباب الذين وقعوا فيها كما تقع الفراشات في النار، فالإقصاء الذي مارسته قبيلتنا الحاكمة (قبيلة عاد) ومن يلف لفيفها من العرب المنتفعين من سياسة حكم ملوكنا، وأقول العرب المنتفعين ومن معهم من السلكاء، لأن الكثير من العرب أيضاً كانوا مبعدين عن سدة الحكم وغالبيتهم لم يرضوا بأسلوب حكم قبيلتنا ويمقتون الظلم والاضطهاد الذي أوقعه ملوكنا بالأمم الأخرى.

هذا الظلم جعل من أبناء الشعوب الأخرى يتحينون أية فرصة للثورة ضد الحكم العادي الطاغي، فما أن نشب الخلاف بين أعضاء الأسرة الحاكمة إثر انقلاب الملك شدّاد على أبيه ابن عرّاد وأخيه جذاذ حتى هب الكثير من أبناء الشعوب الأخرى للوقوف مع الملك المخلوع ابن عرّاد ومن معه من أفراد الأسرة الحاكمة الفارين، وذلك طمعاً في تداول السلطة التي يحتكرها العرب منذ آلاف السنين، والحقيقة أن طبول الحرب التي قُرعت بين الملك شدّاد وأفراد أسرته الفارين حملت في طياتها وعوداً للشعوب الأخرى في منحهم امتيازات عالية في حال مساندتهم للثورة والانقلاب المضاد ضد الملك شدّاد، وهذه الثورات قُمعت بشدة ونتج عنها فصل تلك المناطق عن مملكتنا ورسم حدود جديدة بيننا وبينهم، فلأول مرة منذ آلاف السنين تخرج بقاع المعمورة تلك عن حكمنا، والعقاب الأشد لتلك المناطق كان في قطع منابع الطاقة الأثيرية عنها لتتحول إلى قاعٍ صفصفٍ وتدخل عصور التخلف، فنزح الكثير من أبناءها نحو الحدود الجديدة لمملكة عاد المتنعمة بتطبيقات تلك الطاقة الفريدة، ولم يستطع سوى النذر اليسير منهم الدخول لبلادنا وبشروط قاسية، بينما بقي الكثير منهم بالقرب من الحدود بغرض التجارة مع مملكتنا، فالبضائع الواردة لمملكتنا من تلك البلدان كانت تُجلب لأطراف الحدود فيشتريها تجارنا لتدخل البلاد وتنتقل بسرعة تفوق ملايين المرات تلك السرعة التي انتقلت بها عبر تلك البلدان.

وهؤلاء وجدوا في قيام فتنة الأساسيين فرصة أخرى للانقضاض على بلادنا ومحرك نعيمها الطاقة الأثيرية، فانضموا سريعاً لتلك المنظمة أملاً في تقويض المملكة العتيدة العنيدة، بسبب ما حل بهم من دمار على يد مليكها الغشوم شدّاد، أو للعودة لحياة النعيم والرفاهية التي تقدمها الطاقة الأثيرية، وهناك من اغتر بدعوة التوحيد لله والمساواة بين الشعوب فانخرط في المنظمة، فكانوا أخطر من انضم اليها لإيمانهم الشديد بمبادئ التوحيد الإلهي والعدالة والمساواة.

وهناك عامل آخر دغدغ مشاعر أبناء تلك الشعوب، وهو أن الأساسيين لم يميزوا بين العرب وغيرهم من الشعوب الأخرى في الحرب، فحاربوا العرب وقتلوا منهم أكثر مما قتلوا من الأمم الأخرى أثناء قيامهم بحركتهم التدميرية، مما دفع بالكثير من أبناء تلك الشعوب للانضمام للأساسيين ليقتصوا من العرب حقداً وغلاً.

فكر الأساسين فيما يتعلق بنعيم الدنيا والآخرة

ونحن وإن كنا ننعم بالطاقة الأثيرية إلا أنها صارت الجنة المفقودة لبقية الشعوب، وبما أننا ذكرنا الجنة فإنني استذكرت أمراً يتعلق بذلك عند الأساسيين، وهو أن الرجل من تلك الشعوب لما يدخل تحت لواء المنظمة يعتبر نفسه قد حقق نعيم الدنيا والآخرة، فإن ظل على قيد الحياة حقق نعيم الدنيا من خلال شعوره بالمساواة في الحكم والسيطرة على العالم ومقدراته، فكل أساسي يمكنه الوصول لأعلى المناصب في دولتهم ما دام يعتقد بفكرهم ويؤمن به بغض النظر عن انتماءه العرقي أو القومي، وإن مات حقق نعيم الآخرة إذ يعتقد أنه مات على الملة الصحيحة التي تدخله جنة الخلد.

فيديو مقال الجزء 6 من روايـــــــة //عـــــوبـــــار //تـــألــيـــف: //زيــد العــرفـــج//

أضف تعليقك هنا