الجزء 7 من روايـــــــة //عـــــوبـــــار// تـــألــيـــف://زيــد العــرفـــج//

زيارتي إلى صديقي صعّار

قابلت صعّار فاستقبلني بحفاوة بالغة وأكرمني غاية الإكرام، ولأول مرة لا أرى فيه ذلك الشاب الساخط الغاضب المتذمر من الأوضاع التي يعيشها، فقد كان فيما مضى ينتقد كل شيء، تُرى هل حلم السلطة الذي حققه خفف من حدته التي كان عليها، أم أن قيادته لهذا الجيش وتنكيله بالأعداء وقتل الناس أفرغ الشحنات التي كانت تلتهب في صدره، أم أن تحقيق الحلم الذي كان يراه ويريده أراح نفسه قليلاً، ذلك الحلم القائم على قيام الدولة المستندة على الفكر الذي آمن به وسعى إليه، أم أن وهج السلطة وبريقها يخفي الكثير من العيوب النفسية الداخلية، لقد صار صعّار أوسع صدراً وأخف توتراً.

حوار دار بيني وبين صعّار حول الأساسيين

بادرني فوراً بالقول: إيه جراح …… ما رأيك…..
فقلت: رأيي بماذا.
فقال: لقد أقمنا دولتنا الموعودة، أتذكر أيام الجامعة، لقد تحدثت إليكم جميعاً في ذلك حتى الأستاذ عيّاد.
قلت: أتعني حديثك عن العودة لأيام الزعيم النبي ادريس.
فقال صعّار: نعم العودة لما كان عليه ذلك الرجل العظيم.
فقلت: أذكر ذلك يا صعّار … أذكره جيداً.
فقال: آه … ما أخبار الأستاذ عيّاد.
فقلت: إن الأستاذ عيّاد بخير وما زال يحاضر بالجامعة.
فقال صعّار: وهل ترونه أم أن علاقتكم انقطعت به بعد تخرجنا من الجامعة.
فقلت: ما زلنا مستمرين معه في مجموعتنا البحثية بالرغم من تخرجنا وذهابنا للعمل في ميادين الحياة، وبالرغم أيضاً من الأحداث والحروب الأخيرة المؤسفة.
فقال صعّار: ألم يغير تفكيره من ناحية بناء الدولة، وهل مازال على علاقته بذلك الرجل المخادع المضل هود.
فقلت: إن الأستاذ عيّاد مفكر كبير وله رؤية واضحة للأحداث المستقبلية فاستقراءه للأمور كان كثيراً ما يصيب، أما هود فهو رجل صالح بل هو نبي مرسل.
صعّار: إن أستاذكم عيّاد هو أستاذ فاشل لا يعرف سوى التنظير، ولن يغير شيئاً في الحياة التي تعيشها البلاد، فالتغيير لا يأتي إلا بالقوة والقتال أي بالدم والعنف.
وأكمل صعّار قائلاً: أما نبيكم هذا المسمى هود فقد حاولنا إقناعه بالانضمام إلينا والعمل كمستشار كبير في منظمتنا ولكنه رفض، إنه رجل أحمق ومخادع، وعدم اقتناعه بأفكارنا يعني أنه صار عدونا.
فقلت: صعّار أرجوك لماذا تعتبرون كل شخص لا يؤمن بأفكاركم عدواً لكم، أليس ذلك تطرفاً.
صعّار: جراح أرجوك لا تناقشني في ذلك، أنت إن لم تؤمن بما نعتقد به صرت عدواً لنا بلا شك.
فقلت: صعّار عُدْ لرشدك، إن هذا الأمر الذي أنتم فيه سيدمر البلاد قاطبةً.
فقال: انظر من يساندنا إنهم من جميع شعوب العالم، لقد نجحنا في جذب الشعوب كلها فحققنا وحدتها من خلال توحيد الهدف الذي يسعون إليه، فنحن لا نرى في هذ العالم إلا دولة واحدة تعبد إلهاً واحداً وتفكر بطريقة واحدة وينتج عنها معتقدات واحدة.
فقلت: إن الأمر لا يستقيم هكذا، فالاختلاف بين الناس من سنن الله في الأرض وأحد أهم الأسس اللازمة للتقدم والتطور، وهؤلاء الذين يساندون منظمتكم من الشعوب الأخرى انضم الكثير منهم لغايات وأهداف توافق هواه وهوى قومه ولا تتوافق مع أهدافكم، فباطنهم قد يختلف عن ظاهرهم، فهم يريدون في الحقيقة هدم دولتنا الحالية وإقامة دولهم الخاصة.
صعّار: جراح نصيحة لك، لا أريد أن أؤذيك أخرج وعد سريعاً إلى عوبار، وصدقني لو أردت إيذائك لأمرت بقتلك فوراً، ولو سمع قولك الآخرون ورأوني أتركك دون محاسبة لاتهموني بخيانة مبادئ المنظمة، اخرج إني لك من الناصحين.
فقلت: استودعك الله، سأعود حالاً، ولكن أفهم من كلامك أنك غير مقتنع بالتراجع عما أنت فيه.
صعّار: نعم، وسواء أكنت مقتنعاً بذلك أم لا فالأمر لم يعد مهماً، فقد فات الأوان على التراجع وسبق السيف العذل يا صديقي … جراح اذهب للبلاد وأعدك بأننا سنصل إليكم قريباً، فاستعدوا للقائنا…. شعرت بنبرة التهديد التي أطلقها صعّار، صعدت مركبتي الأثيرية وعدت مسرعاً نحو عوبار.

سطوة الأساسيين والتمرد عليهم

استطاع الأساسيون السيطرة على العراق وبلاد فارس بالكامل وعلى أجزاء كبيرة من الشام والأناضول باتجاه الشمال، والحقيقة كانوا أشداء في صراعهم مع الملك شدّاد، وجاءت قوتهم من العناصر البشرية الضخمة التي انضمت إليهم وآمنت بأفكارهم بشكل يعمي البصيرة، فالزخم البشري الكبير الذي رفدهم من الشعوب والأمم الأخرى والحاضنة الشعبية التي شكلتها المجتمعات العربية في العراق والشام منحتهم الأرضية والوسائل اللازمة للتوسع، ولكن الأساليب الردعية والانتقامية التي اتبعوها ضد من يعارضهم جعلت الكثير ينفر منهم ويحاول الفرار خارج نطاق دولتهم الفتية، وهنا بدأت غربلة هؤلاء الناس الخارجين نحو مناطق سيطرة مملكة عاد وملكها شدّاد، فمن لم يكن عربياً صريحاً أو من السلكاء لم يسمح له بالنزوح إلى داخل المملكة وعليه إثبات ذلك بشهادات الميلاد ومن فقدها يتم عرضه على برنامج المورثات الأثيري المعمول به من أيام الملك المخلوع ابن عرّاد، وما عدا ذلك ممن يقطن مناطق سيطرة الأساسيين فقد كانوا مخيّرين بين البقاء في نعيم تقنية الطاقة الأثيرية التي مازالت موجودة في مناطق سيطرة الأساسيين وجحيم تسلطهم، وبين الخروج نحو نعيم الأمان والبساطة في مناطق الشعوب الأخرى وجحيمها بدون الطاقة الأثيرية.

كيف تعامل الملك شداد مع حركة الأساسيين؟

استطاع الملك شدّاد أن يتعامل مع حركة الأساسيين بدهاء شديد، إذ اعتمد على أمرين في إدارة الصراع معهم، الأول عامل الزمن والثاني إفراغ مخزونهم الاجتماعي والاستراتيجي، فالملك شدّاد رَكنَ لحركة تلك المنظمة وأعطاها المجال لتسيطر على مناطق شاسعة من مملكته، وتركهم زمناً يحكمون تلك البلاد ليظهر فساد حركتهم وأفكارهم وليملّهم الناس ولا يستمرون في الانخداع بشعاراتهم، وهذا الأمر حتماً سيضعضع المجتمعات التي خضعت لهم واحتضنتهم، وذلك بسبب سياستهم الانتقامية من جهة وكونهم أهملوا التطورات التقنية وعدوها من الأمور التي ابتُلي بها المجتمع، ورأوا العودة بالناس لزمن ادريس في كل شيء، فقاموا بإجبار الناس على ذلك في الملبس والمأكل، ومنعوهم من التطبيقات التقنية لطاقة الأثير مع أنهم أنفسهم ظلوا يستخدمونها بحجة مواجهة الملك شدّاد بنفس أسلوب سلاحه.

أضف لذلك سوء معاملتهم للنساء وإذلالهن وامتهان كرامتهن بجعلهن إماء وجواري، كما أن الحروب التي خاضوها نتج عنها سبي الكثير من النساء وبيعهن في الأسواق مما زاد من نفور المجتمعات الخاضعة لسيطرتهم، فحاولت التململ والتخلص منهم فحدثت الاضطرابات الداخلية ونتج عنها فرار الكثير من المتمردين ضد الأساسيين إلى المناطق الحدودية لسيطرة الملك شدّاد الذي قام بدعمهم وشكل منهم جيشاً لمواجهة خطر الأساسيين.

الحاضنة الشعبية للأساسيين شكلت دعماً وقوة لاستمرارهم

وهذا الأمر وإن أثر في الحاضنة العامة للأساسيين إلا أن الأفواج المتقاطرة من أبناء الشعوب الأخرى المنهكين من حروب التمرد السابقة شكل خزاناً بشرياً استفاد منه الأساسيون كثيراً، مما أدى لتغيير التركيبة السكانية في مناطق سيطرتهم التي انخلطت خلطاً عجيباً في ظل دعواهم للمساواة بين أبناء البشر جميعاً، فلولا أفواج المتسللين من خارج حدود البلاد لما استطاع الأساسيون الاستمرار في حركتهم، فقد توافدت إليهم جموع الشباب الهندي والفارسي والتركي والروماني وغيرهم طمعاً في الحكم والسيطرة على البلاد، وبالتالي السيطرة على طاقة الأثير التي صارت نقمة على بلادنا.

كيف استطاع الملك شدّاد القضاء على حركة الأساسيين؟

وهنا قام الملك شدّاد بالضربة القاصمة وذلك بعد ضعضعة مجتمعات الشام والعراق ونزوح الكثير من سكانهما إلى البلدان الأخرى، فتوجه غالبية العرب والسلكاء نحو الجزيرة العربية، بينما توجه أبناء الشعوب الأخرى ممن لم تروق لهم أحكام الأساسيين نحو البلدان الأبعد كالهند وأفريقيا وبلاد اليونان والرومان.

وكانت صفعة الملك شدّاد للأساسيين قوية جداً، فقد اتبع أساليب حربية مدمرة أشد مما استخدم ضد متمردي الشعوب الأخرى أيام نزاعه مع أفراد أسرته الفارين مع أبيه ابن عرّاد، فالأسلحة الفتاكة في حربه ضد الأساسيين قتلت الجميع وبدون رحمة كما عاد لاستخدم أسلوب العقاب الجماعي، بل رأى في البلاد الحاضنة لهم بلاداً لا قيمة لها وبالتالي يمكن عزلها كباقي البلدان الأخرى، فقطع عنها منابع الطاقة الأثيرية ودمر كل منشأة يمكن أن يستفيدوا منها في تلك الديار.

إعادة الملك شداد رسم حدود مملكته

وهنا انتهى أمر الأساسيين ونشأت حركات جديدة في الشام والعراق انتهت على شكل إمارات صغيرة متناثرة هنا وهناك كما حدث في الهند والصين وأفريقيا وأوروبا بعد قطع الطاقة الأثيرية عنهم، وهذه الإمارات كانت تتنازع فيما بينها، وهمها الأول الحصول على موارد العيش حتى لو كان ذلك بشن الغزوات والحروب على بعضها البعض، فارتاحت مملكة عاد القوية من شرور الجيران، وبنفس الوقت تحتّم على الملك شدّاد إعادة رسم حدود مملكته من جديد بحيث صارت ممتدة ما بين ثلاثة حدود بحرية هي البحر الأحمر غرباً وبحر العرب ومحيط الهند جنوباً والخليج العربي شرقاً، وحدّاً برياً وحيداً تم رسمه بخط حماية أثيري ممتد من أراضي دلمون البحرين في الشرق حتى الحجاز غرباً، وهذه الحدود لا تسمح بدخول أي غريب إليها تحت أي ظرف من الظروف، فالملك شدّاد أعطى مهلة للعرب خارج تلك الحدود بالعودة والدخول إلى المملكة، ومن لم يدخل خلال تلك المهلة يُرفض دخوله نهائياً، كما تم طرد كل شخص يسكن داخل المملكة ممن لم يكن عربياً صريحاً أو لم يكن من السلكاء، ونتج عن ذلك أيضاً طرد ممن ولدوا داخل جزيرة العرب من أبناء غير العرب الذين كانون يعملون داخل مملكتنا.

التبادل التجاري بعد الصراعات والحروب

نعم لقد صارت مملكة عاد جزيرة تنعم بالطاقة الأثيرية وسط عالم يحيط بها ويغرق في الظلمات والظلام، وبلادنا اقتصرت في تواصلها مع العالم الخارجي عبر التجارة فقط، والحقيقة أن العاديين ابتكروا طريقة عجيبة للتواصل مع العالم الخارجي لأجل التجارة، فقد عيّنوا مجموعة من الرجال للقيام بهذا الأمر، وهؤلاء مهمتهم الانتقال إلى حدود المملكة البرية أو البحرية عبر وسائل الانتقال الأثيرية السريعة فيجدون البضائع اللازم شرائها لحاجة البلاد موجودة في الموانئ البحرية أو البرية المخصصة للتبادل التجاري فيشترون ما يحتاجون منها ويعودون للبلاد.

وهذا الأمر ناسب كثيراً أصحاب السلطة الجديدة في البلاد الأخرى كالهند والعراق والشام وغيرها، فكثرة الإمارات والدويلات التي تشكلت بعد الصراعات والحروب الطويلة في تلك البلدان والسياسة التدميرية التي اتبعها الملك شدّاد اتجاه من ثار ضده من تلك الشعوب مع أفراد أسرته الفارين مع أبيه ابن عرّاد، ثم ما حصل لتلك الشعوب إثر حروبه الطاحنة مع الأساسيين، كل ذلك جعلهم دولاً وإمارات ضعيفة تستجدي مملكة عاد لشراء أو لبيع أية بضاعة.

اعتماد كل مملكة على نفسها في تدبير أمورها

والحقيقة أن تذوق السلطة والسطوة من قبل الأمراء الجدد جعل كل واحد منهم يحافظ على دويلته ولم يفكر بتاتاً بالانضمام لمملكة عاد، لأن ذلك يعني عودة تسلط الملك شدّاد وأعوانه، فآثروا التضحية بجنة الأثير لأجل حريتهم وحرية شعوبهم، فتمسك كل حاكم بسلطته واعتمد على ما فيها من إيرادات ومواد أولية، والمحظوظ بينهم من كانت تلك المواد مما تحتاجه مملكة عاد العظيمة.

ومملكتنا اقتصرت فقط على العرب الصرحاء والعرب السلكاء، ونتج عن ذلك تقسيم طبقي جديد يتمثل في العرب الصرحاء من عاد الذين شكلوا الطبقة العليا يليهم العرب الصرحاء من باقي القبائل العربية ليأتي في المرتبة الأخيرة السلكاء، ولو أن السلكاء من قبيلة عاد كانت لهم الصدارة على السلكاء الآخرين من بقية العرب، والسلكاء عموماً أوكلت لهم مهام التقنيين من أبناء الشعوب الأخرى الذين طردوا من مملكتنا، ولكن حدة التعصب اتجاههم كانت أخف بكثير لأنهم يعودون بنسبهم لآباء عرب.

مملكتنا كانت جنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا ينقصنا شيء من المواد الغذائية بكافة أشكالها النباتية والحيوانية، وحاجتنا للمواد الأولية من باقي الشعوب والدويلات التي نشأت في محيط مملكتنا اقتصرت فقط على المواد النادرة كالذهب والفضة والأحجار الكريمة والتوابل وغير ذلك.

فيديو مقال الجزء 7 من روايـــــــة //عـــــوبـــــار// تـــألــيـــف://زيــد العــرفـــج//

 

 

أضف تعليقك هنا