الحب العذري بمدينة العيون..زمن التسعينات

بقلم: نجاة حمص

كيف كان الحب العذري في الماضي؟

حب خفي ترجمته النظرات

بالأمس القريب، عندما كان يقع الرجل الصحراوي في الغرام، كان يلاحق محبوبته بنظراته خفية، متأملا سحر الابتسامة وجمال الساق و”الجفة”، حتى إذا افتضحت نظراته، حاول جمع شتات نفسه، متظاهرا بالصرامة والحزم، فقد ألبسته الصحراء من خصالها وغموضها وجلد الجِمال وصبر شجر الطلح، ما يكفي لنفي “العزة”، أي الحب.. مقال يتحدث عن الحب العذري ويمكنك قراءة المزيد من المقالات التي تتحدث عن مشاعر من هنا.

وبما أن للهوى سلطان وسلطة لا قبل لنا بهما، فرغم أنفه كان يبتسم إذا ذكرت، لا إراديا ينطلق سرب الفراشات من صدره إذا طيفها مر بالجوار أو أقبلت, يسهو ضائعا بلا دليل في تقاسيم وجهها إذا تحدثت، يشتعل قلبه من حر “التلياع” إذا غابت وأدبرت، ينفلت منه زمام رباطة الجأش و تهوي أبراج عقله إذا شفتيها عن ابتسامة انفرجت..
ﺻﺮگﺘﻨﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﻌﻮﺩ ***ﺳﺒﺖ ﻛﺘﻠﻲ ﺑﻔﻴﻢ ﺍﺯﺭگ
ﻭانا ﻣﺎﻧﻌﺮﻑ ﺣــــﺪ ﺍﻋﻮﺩ *** ﻛﺎﻋﺪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻳﺼﺮگ

حب غلفه الكبرياء

لكنه لم يكن ليفكر في أن يغمز بعينه ويرسل قبلة في الهواء، أو ليبصق في كفه ويمررها على “گصته” الجانبية ثم يتبعها كظلها مستجديا رقم الهاتف، فعزة النفس كانت أكبر من “العزة” الأخرى.. رغم أنه يتنفس عشقا، يتفصد ولها، يقتل ب”سبة لكتيل” ولا يجد سبيلا إلى ولوج باب “طب التلياع”، يظل جاحدا “العزة” بانفة وكبرياء، يحب بصمت وشموخ، يراقب من بعيد، يسرق ما يحتفظ به في مخيلته، حتى إذا انفرد بنفسه، أخرج ما احتفظت به الذاكرة، ابتسم في هيام وهو يتذكر اللقطة تلو الأخرى، يسرع بعضها ويبطئ البعض الآخر، حتى إذا غرق في العيون و “لكمامة” والنظرة والابتسامة، حتى اذا قرصه “الحزيم” ، استنجد ببعض ما يطرب النفس ويسري عليه من جميل “الهول”, ل”يتنهول” في استمتاع وهيام، محركا رأسه دلالة على الرضا، ضاربا فخده براحة يده تعبيرا على ذروة النشوة “حح!”..

أشواق استوطنت العقول والعيون

يغمض عينيه في استمتاع.. يستمتع بالحب. يستعذب العذاب. يستمرئ ” لحزيم” و مر ” لسقام”.. تؤنسه مذكرته وقلمه، يخط ما يجول في قلبه وعقله نثرا أو “گيفانا”،حتى إذا تمكن منه الشوق، فتح نافذته في حرص، ليبحث عن “لعراد”, لعلها تخرج لقضاء حاجة أو تعود منها، فيطاردها بنظراته، لكن حالما ينتبه أحدهم لتلك النظرات المسروقة، يعود إلى رشده، يحاول تصنع القوة أمام “العزول”, بل وقد يتظاهر باللامبالاة أمام “اغلى لغياد” في حضرة طرف ثالث، جاحدا حبه بما تيسر من الشعر “المگفي”:
وصرتكْ مَاني ميّت فغلاكْ *** ولَانبغِيك ابذِيك الحِيله
وصرتك يَا فمّي مَايسمِيكْ ***من بيْن اتلَ غِيد النّيلَه
وهذَ زادْ الَ جَدّ اعلِيكْ *** صرْتك ذِيكْ الّ عَلِيلَه

كبرياء الأنثى يمنعها من الإفصاح عن الحب

يظل يعاني ومحبوبته في جهل تام بما يعتمل بداخله، لاهية عما حولها، ولو قدر الله أن كشفت ابنة درر الرمال و نبتة الصبار، بحدسها الأنثوي، أنها محط إعجابه لأطارت البرج الذي بقي سالما في عقله بدلالها وغنجها، بحركاتها المتزنة وتصرفاتها اللامبالية، لتزيد من لوعته، فلا سبيل لمعرفة ما إذا كانت تبادله الإعجاب, ولا مجال لترجمة نظراتها الدبلوماسية ولا ابتسامتها المحايدة، فقد تعلمت نفس ما تعلمه هو من عزة وكبرياء..
و مثقل حد يعود**** محدود بحد اوخر محدود !!

يدفن “غلاها” في مكان خفي من قلبه، ثم يلتفت لدراسته وعمله، يجاهد في كد من أجل تكوين نفسه، حتى إذا تقدم لها خاطبا، لم يخف الرفض والصد، فالمهر غال وشروط الأهل قاسية و صارمة، ضمانا لقيمتها المستقبلية في عين الزوج وربعه، وما يؤخذ بالسهل يترك ببساطة..

حينما يعجز اللسان فالأيدي تفصح عن ذاك الحب

وكلما انتابه اليأس، كلما أحس بالتعب، تذكر النظرة والإبتسامة ثم عاد الى العمل والمثابرة، ممنيا النفس بضمة مشروعة أمام الملأ..
ماني لاهي نهنى عنك*** ماريتك بعد انا
ولان لاهي نوف منك ***ماتاب ابليس لمولانا

ولو في يوم تجرأ وقرر الإعلان عما في دواخله، كتب لها بخط جميل على ورقة بيضاء، كلمات رقيقة منتقاة بعناية، كلمات تفوح عشقا،عشق يقطر ولها، وله كله “عزة” وشوق ..
قسماً بِعُودكِ لا أُريدُ سِواكِ
فترفّقي بفتى مُناهُ غناكِ
لا تقتلي هذا البريئَ تَدَلُلاً
ما ذنبُ هذا المُستهامِ الباكِ؟
لا تَقتُليه بِنَغمةٍ علويةٍ
أودَعتِ في طيّاتِها مَعناكِ
في سهرةٍ هِنديةٍ غَنَيتِها
و نَثَرتِ سِحرَ الهِندِ من يُمناكِ
و وقفتُ في مِحرابِ فَنِكِ وقفةً
و السامِعون تشُدُّهم عيناكِ

رسائل ممزوجة بالشوق والأمل

ثم يجتهد باحثا عن حيلة لإيصال مرسوله خلسة إلى “اغلى لريام”، حتى اذا قدر الله ووصل، أخذت هي الرسالة في لهفة وخبأتها إلى ما قبل النوم، لتختتم بها يومها الحافل، يوم لا يخلو من “هم الدار”، تهيئة أواني الشاي و”تطلاع المغرج” المتكرر.. قبل أن تخلد للنوم، تفتح الظرف بحرص، تتسلل إليها منه رائحة عطره لتدغدغ مشاعرها بحنو، تبتسم وهي تفرد الرسالة متفحصة..،”اممم” خط جميل، ورقة نقية، كلمات مختارة بعناية.. تذوب خجلا.. تطير فرحا.. “تعل” القراءة أكثر من مرة ، لعلها تكون نسيت حرفا أو أغفلت كلمة.. تتثاءب أنوثتها وتفتح عينيها بتكاسل، تأخذ بيدها وتقودها إلى الجلوس أمام المرآة، تتفحص بفضول العيون التي تغزل فيها “الصيد”، تمرر يدها على السواد المحيط بشفتيها “الكمامة”، تتحسس حاجبيها متسائلة، تتأمل “زنادها” وساقيها وتكتشف من جديد..معالم وتضاريس جسمها.  يزدف بكليمة **** محروگ البي ولميمة
تشعر برغبة في إبراز جمالها أكثر، تكحل عينيها بطرف “مرود”، تضيف منه إلى شفتيها بعض السواد ثم تبتسم في ثقة وتتوعده: گولولوا عني **** يدني بعد ويا دني

تراودها عن نفسها ورزانتها فكرة الرد برسالة:
احلمت عني ريتك *** وشركني حال معاك
وعني ربت بيتك *** شمواسي عندك ذاك
لكنها تطردها قبل أن تستقر في تلافيف مخها، فمن أقوال الجدات الخالدة : يا روحي ترقاي**** تمي غلي كانت تغلاي

ويكلل ذاك الحب العذري بالزواج

أما هو، فيظل ينتظر ردها على أحر من الجمر، وهي “تحك غلاها”، تتلذذ بنظراته الحائرة، وحركاته المتسائلة..
جمرة كتالي **** نطفيهالو يگديهالي
حتى اذا حصل على وظيفة أو عمل، وتمكن من الإستقلال بذاته، أرسل شوقه ولهفته ووالدته وخالاته إلى دار حبيبته ورسالة مفادها أن : “احبك”. وتوتة توتة..تنتهي حكاية قلبين شبكهما الحب، فخلصهما من أتونه الزواج، كنهاية طبيعية وعادلة .. رحم الله زمنا كنا فيه مجرد أطفال متفرجين على قصص حب عذري..عذب. (شاهد فيديو موقع مقال على اليوتيوب)

بقلم: نجاة حمص

 

أضف تعليقك هنا