الحزن

أسباب الحزن

يظل القلب بلا شك هو أكثر عضو من أعضاء الإنسان يكتوي بنار الحزن ويترك أثرا بالغا بين ثنيايا جدرانه لا يقارن بغيره، فالحزن هو شعور ذهني بالعجز والبؤس وهو عكس الفرح، يتملك المرء من رأسه لقدميه وهو ناتج عن صدمة عصبية مثل وفاة شخص قريب من القلب أو فقدان شيء عزيز أو ضياع فرصة مميزة للعمل أو تعرض الإنسان لحادث أليم أصاب جسده أو أصاب عزيز لديه أو العدم القدرة على الوفاء بالإلتزامات الحياتية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وخلافه، وقد يكون أيضا التعرض لموقف عصيب ضغط على كرامة الإنسان وجعله يوافق على أشياء لا تروق له مضطرا وعلى غير إرادته أو إتخذ القرار الخاطئ في موقف معين لا يحتمل الخطأ، وأحيانا أخرى الإشتياق لرؤية ظفر طفل من الذرية الصالحة ولم يأن الآوان أو إنسان عقيم لم يشأ الله له وحرم للأبد.

ما الذي قد يسببه الحزن للإنسان؟

يصاحب الحزن البكاء والعزلة والميل إلى الإكتئاب والإنفعال عاطفيا وعدم الإختلاط بالبشر والتفكير العميق في أشياء قد تؤدي بصاحبها أن يظل لساعات أو أيام أو شهور أو سنوات تحت تأثير الشجن والحزن واليأس، وكما تعلمون فإن جسم الإنسان هش للغاية على غير ما يظهر للعلن، فاختلال توازن عضو ما يؤثر على الجسم بأكمله وقد يؤدي إلى أعراض نفسية أخرى تجعل المرء أسيرا للعزلة أو الإحباط أو الاكتئاب وعدم الرضا وتدني إحترام الذات، وقد يصل به هذا الإحساس بأن حياته قد توقفت أو دمرت فيؤثر الحزن على مسار حياة المرء إن استسلم له بالطبع وصار واقعا تحت تأثيره فيصبح خاويا من الداخل وضعيفا قلبا وقالبا، سلوكيات الآخرين لها مفعول السحر في تأجيج الحزن وجعله يطفو على السطح، من يحزن له قلب ومن لا يحزن لا يمتلك ذرة من مشاعر او أحاسيس، وقد عرف العلماء المختصين في علم النفس الحزن بأنه هو العملية النفسية التي تسمح لك بالتغلب على الفشل والخسائر وخيبات الأمل، يقوم الفرد بالتغلب عليه بتعديل مسار حياته والتحول والتغيير الجديد بسبب حدث مؤلم ويبدأ في قبول الواقع الذي يسبب الألم والضرر ومن هنا يبدأ العلاج قبل أن تتملكه الكآبة وعدم القدرة على إتخاذ القرار المناسب، ويعد الحزن من المشاعر الستة الأساسية التي أقرها العالم النفساني بول إيكمان وهي: السعادة والحزن والغضب والدهشة والخوف والإشمئزاز.

ما ورد في القرآن الكريم عن الحزن 

ولنا في القرآن الكريم العديد من الأمثلة عن الحزن والهم والضيق التي تعرض لها كثير من الأنبياء والرسل وتحملوها بفضل الله وانتهت بنعم ومعجزات من الله سبحانه تخفف عنهم الهموم فتنكشف حالة الضيق وتتحول إلى الرخاء سواء على الأرض أو السماء.

حزن النبي يعقوب لفراق ابنيه

فسيدنا يعقوب حزن عندما ألقى أبنائه أخاهم سيدنا يوسف عليه السلام في غيابات الجب ولم يكتفوا بل جددوا أحزانه مرة أخرى عندما أضاعوا له ولده الثاني بنيامين عند عزيز مصر، وتولى يعقوب عليه الصلاة والسلام عن أولاده بعد ما أخبروه هذا الخبر، واشتد به الأسف والأسى وإبيضت عيناه من الحزن الذي في قلبه، والكمد الذي أوجب له كثرة البكاء، “وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ” صدق الله العظيم.

حزن النبي محمد على مَن لم يؤمن من قومه

وعندما دعا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإيمان كذبوه، فحزن عليهم أشد الحزن لعلمه بعاقبة المكذبين ولأنه يريد لهم الإيمان والفوز العظيم حتى خاطبه الله تعالى ليخفف عليه صل الله عليه وسليم حزنه فقال سبحانه، “قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ”، بل كاد حزنه على تكذيب قومه له أن يهلكه حتى نهاه الله تعالى عن إهلاك نفسه بشدة الحزن، “فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ”، وفي آية ثالثة، “لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ”، وفي رابعة، “فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا”، وذلك أن أجرك قد وجب على الله تعالى، وهؤلاء لو علم الله تعالى فيهم خيرا لهداهم ولكنه علم أنهم وقود النار، فلذلك خذلهم فلم يهتدوا فإشغالك نفسك غما وأسفا عليهم ليس فيه فائدة لك.

حزن النبي موسى ومعاناته مع آل فرعون

ولنا في سيدنا موسي عليه السلام في تحمل الهم والحزن والضيق أسوة فقد هاجر من مصر قبل النبوة بالرغم أنه كان يعيش في قصر فرعون وهو خائف ومهموم بعد أن قتل قبطي من آل فرعون وهو يدافع عن آخر من بنوا اسرائيل مما اضطره أن يفر من مصر خوفا من قبض جنود فرعون عليه بعد أن عرف فرعون بأمره، ومع شعوره بالظلم والخوف عبر صحراء سيناء ماشيا علي قدميه حتي وصل إلي مدين ليعيش هناك بعيدا عن أهله وعشيرته لمدة عشر سنوات، وهناك أكرمه الله وتزوج إحدي ابنتي سيدنا شعيب وأنجب وكون عائلة جديدة وعشيرة وفوق كل ذلك تحدث إلي الله عند الشجرة المقدسة التي تشكلت له علي هيئة نار ليبدأ مرحلة جديدة في حياته وهي مرحلة النبوة وقد تعرض للهم والحزن مرة أخري عندما عاد الي مصر وتعرضه لبطش فرعون حتي فرّ هو وأهله هاربين من جبروته ليلا، ثم انتهي هذا الحزن بمعجزة غرق فرعون وجنوده، وقد تكررت دائرة الهم والحزن والضيق علي سيدنا موسي مع عناد قومه من حين لآخر حتي وصل الأمر أحيانا إلي عبادة العجل وعدم طاعته ولكن كان الهم يتحول كل مرة إلي فرج وخير.

حزن النبي أيوب ومعاناته مع المرض

ولنا في سيدنا أيوب المثل الأكبر في تحمل المرض الشديد الذي أبتلي به ونخر في جسده وأقعده الفراش بعد أن فشلت جميع العلاجات فصبر ولم يدعو الله للشفاء بل دعا بالحمد والشكر على الضراء التي أصابته من مرض كما شكره على السراء التي اكرمه الله بها من قبل، وزاد على المرض ما تعرضت له زوجته الكريمة من إيذاء نفسي شديد جراء خدمتها في المنازل حتى وصل الأمر إلى قص شعرها مقابل المال، وهنا دعا ربه أن يشفيه بعد أن وجد نفسه غير قادر على مساعدة أحب الناس عليه وهي زوجته التي وقفت بجانبه في إخلاص وحب، وشاء الله أن ينتهي الأمر بمعجزة الله في شفاء سيدنا ايوب تماما عندما أمره أن يركض برجله ويغتسل بالماء الشافي بإذن الله، وهنا تحول المرض إلي صحة وقلقه علي زوجته الي فرح وسرور.

النبي يونس عندما التقمه الحوت

ولنا في سيدنا يونس المثل الأعلي في قمة الهم والحزن والوحدة عندما تم قام راكبي السفينة بإلقاءه في البحر الهائج فالتقمه الحوت في بطنه فظن أنها نهايته، ولكن وسط هذه الظلمة في بطن الحوت ووسط هذا الحزن والخوف الكبير دعا يونس ربه واستغفره فكانت كلمة الله أن يلفظه الحوت على الشاطئ ففعل ونجا سيدنا يونس بأعجوبة من الخوف والوحدة القاتلة والهم والحزن.

الامتحان الأصعب الذي عاشه النبي إبراهيم مع ابنه النبي إسماعيل

ولنا في سيدنا إبراهيم المثل الأصعب علي النفس وهو ذبح الإبن بسكين أبيه وكأنه ذبيحة، وبمن بأمر من الله موقف صعب وشديد علي الأب وعلي الإبن لا يتحمله بشر ولا يصدقه عقل ولكن سيدنا إبراهيم خاض إمتحان الهم الشديد ونجا منه هو وإبنه إسماعيل بمعجزة من السماء نحتفل بها سنويا في العيد الأضحي تكريما للأب وللإبن اللذان تحملا عبئا نفسيا لا يتحمله بشر، فبعد أن رأي سيدنا إبراهيم في المنام ثلاث مرات متوالية أن عليه أن يذبح إبنه إسماعيل تأكد له أنه وحي من الله وما عليه إلا أن ينفذه طاعة لحكم الله حتي ولو كان علي فلذة كبده، والأشد صعوبته في هذا الأمر أن يقوم الأب بشرح الأمر للإبن قبل ذبحه فتتحول القصة إلي ملحمة إنسانية لم تحدث في التاريخ كله بين أب وابن مطيعا لأبيه في تجلي عظيم سجله القرآن الكريم لعظمة ونبل الموقف رغم مافيه من حزن وهم شديد، ولكنه الحمد لله انتهي بفرحة غامرة.

حزن النبي نوح لإعراض ولده وزجته عن الإيمان

ولنا في سيدنا نوح المثل والعبرة في عقوق الإبن والزوجة مرة واحدة، عقوق في الدين الحق الذي كان يدعو له سيدنا نوح بتكليف من ربه، سيدنا نوح الذي عاش بين قومه قرابة ألف عام إلا خمسين يدعوهم وهم عنه معرضون، ومع أن إعراض الناس عن دعوة الأنبياء يحزن النبي مبلغ الدعوة حزنا كبيرا إلا أن إعراض الأبناء والزوجة وإنضمامهم لحزب الشيطان لهو كل الحزن والهم الكبير، دعا نوح ربه فاستجاب له وأوحي إليه أن يبني سفينة كبري حتي يأتي الميعاد لينزل مطرا شديدا يغرق به من كفر وينقذ به من آمن مع سيدنا نوح، وكانت أقسي لحظة علي سيدنا نوح عندما حانت ساعة الصفر وهطل المطر وتحول إلي فيضان ونادي علي إبنه أن يركب معه السفينة لينجو ويكون من المؤمنين، ولكن ابنه رفض وغرق مع الكافرين، فكانت لوعة سيدنا نوح علي كفر إبنه وعلي موته غرقا أمام عينيه قبل أن يرحل بعيدا بمن ركب معه سفينة النجاة للمؤمنين.

حزن النبي لوط من أفعال قومه وزوجته وعدم تركهم المعصية

ولنا في سيدنا لوط ابن أخو سيدنا إبراهيم المثل في عقوق الزوجة عن دعوته وإنضمامها إلي قوم بلاده الظالمين وتجسسيها علي سيدنا لوط لتخبر بها القوم الفاسقين الذين كانوا يأتون الذكور شهوة دون الإناث، وقد بدأ قومه ممارسة هذا الفعل الفاحش عندما ضاقت عليهم السماء بالماء وأصيبت ارضهم التي كانوا يزرعونها بالجفاف فخافوا من الجوع وقلة الثمار. فلما تشاوروا فيما بينهم أشار عليهم أحدهم أن يمنعوا كل غريب يدخل القرية من أكل نواتج أرضهم، ولما وجدوا ذلك صعب تحقيقه أشار عليهم آخر أن يفعلوا الفاحشة في كل غريب يخالف ذلك ليرهبوه، وبالفعل نفذوا ذلك حتي اصبح أمرا مألوفا بينهم لدرجة المجاهرة والاستمتاع، وحينئذ كلف الله سيدنا لوط بدعوتهم إلى البعد عن هذا الفسق، وبالفعل دعاهم مرارا وتكرارا ولكنهم أبوا جميعا بل سخروا من دعوته ومعهم زوجته.

وعندما دعا سيدنا لوط ربه أرسل الله أربعة من ملائكته وعلى رأسهم سيدنا جبرائيل ليعاقبوا قوم لوط الفاسقين والذي وصل تعدادهم آنذاك إلى قرابة نصف مليون فرد وعلى رأسهم زوجة سيدنا لوط، ولم يعلم سيدنا لوط بهذا الأمر في حينه ولكن عمه سيدنا إبراهيم كان يعلم ذلك بعد أن مر عليه وفد الملائكة قبل أن يتجه إلي سدوم مدينة قوم لوط، وعندما اتجه وفد الملائكة إلي دار سيدنا لوط كانوا في هيئة أربعة من الذكور في عمر الشباب وفي أجمل هيئة لكي يفتنوا قوم لوط، فلما رآهم سيدنا لوط علي بابه شعر بحزن وهم وضيق خوفا أن يعتدي عليهم قومه إن رؤوهم في الصباح. وبالفعل غررت به زوجته ونقلت الخبر إلى قومه بوجود شباب عليهم جمال لم تري مثله من قبل، وبالفعل جري العديد من قومه وهجموا عليه في داره طالبين ممارسة الفحشاء مع ضيوفه بإصرار ومجاهرة وتعنت.

وعبثا حاول سيدنا لوط أن يثنيهم عن عملهم السيء ذلك ولكنهم رفضوا حتي بعد أن عرض عليهم الزواج من بناته، وهو في وسط هذا الحزن والهم والضيق بين زوجة فاسقة وكافرة وبين شذوذ قومه الفاسقين وتعنتهم وبين حرجه أمام ضيوفه،  فوجئ بفرج الله الكبير عندنا أسر له الشباب بقصتيهم وأخبروه بأنهم ملائكة مرسلون من ربه لمعاقبة قومه الفاسقين فاطمأن قلبه وهدأ وسكن، وبالفعل لم تنقضي الليلة حتي قضي الملائكة على هؤلاء الفجار الفاسقين وانكشف الهم وتخلص سيدنا لوط بفضل الله من الفاسقين.

حزن النبي صالح عند تآمر قومه عليه وتكذيبه

ولنا في سيدنا صالح عليه السلام المثل فقد شعر بالحزن والهم الشديد من كفر وتعنت قومه (ثمود) في منطقة الحجر بالأردن وتآمرهم على قتل الناقة بالرغم من أنهم هم من طلبوها من صالح عليه السلام كدليل على نبوته ثم بعد ذلك تآمروا على قتل سيدنا صالح نفسه ولكن الله سبحانه وتعالى نجاه وقتلهم بصيحة من سيدنا جبريل فجعلهم في ديارهم جاثمين.

معاناة النبي هود مع قومه عاد

سيدنا هود في منطقة حضرموت باليمن وقومه (عاد) والذين أمسك الله تعالى عليهم المطر ولكنهم ازدادوا عنادا فارسل الله عليهم رياحا شديدة لمدة سبعة أيام حتى اصبحوا في بيوتهم كأعجاز النخل الخاوية.

فيديو مقال الحزن

أضف تعليقك هنا