الزائرون في المنام

طبيعة النفس البشرية تهوى الأحلام والرؤيا السعيدة وتنفر من الأحلام الكئيبة والكوابيس المزعجة، لا يخطر بعقل الإنسان أن كل ما يراه أو يحسه في منامه يأتيه على حين غرة وبدون مقدمات ومن غير إستعداد للرفض أو القبول، فالعقل الإرادي في وضعية السكون في ذاك الوقت بينما العقل اللاإرادي هو المستقبل لهذه الأحلام، وعندما يستيقظ الإنسان من نومه يكون على حالتين لا ثالث لهما إما أن تتملكه النشوة تكسوها الفرحة وإما أن يتملكه الحزن مغلفا أحيانا كثيرة بالخوف والحيرة.

مقدمة

الأحلام تكون عابرة وتحمل الشعور فقط بالرضا وقد لا تتذكر تفاصيلها أو أحداثها كاملة وتكون من الشيطان ليحزن الإنسان وقد تكون كما يطلق عليها أضغاث أحلام غير مكتملة وغير معلوم تفاصيلها أو بدايتها أو تأتي كالهلاوس التي بها أفكار مشتتة وأوهام فارغة من مضمونها، أما الرؤيا فهي من تتحقق وتأتي بالبشرى أو التحذير من شيء ما، وتثبت في الذاكرة وتكون لها شروط، أنواع العلوم المعاصرة والفرق بين الحلم والرؤية بجانب توضيح حقيقة علم التفسير والتأويل وبعض الرؤى المأثورة وأشهر العلماء المفسرين للرؤي سنحاول ذكرهم جميعا في السطور القليلة القادمة.

أقسام العلوم عبر العصور والأزمنة

تنقسم العلوم إلى قسمين لا ثالث لهما القسم الاول منها هو العلوم المادية البحتة مثل علم الأحياء وعلم الفيزياء وعلم الكيمياء والتي تتخذ من المادة محور لأبحاثها ودراستها، أما القسم الثاني هو العلوم الروحانية مثل علم الأرقام وتفسير الأحلام والماورائيات والتي تتخذ من الروح والبحث في ماهيتها محور للدراسة.

الفرق بين الحلم والرؤية

لذلك بنظرة بسيطة كما أسلفنا نجد أن الحلم في طبيعته من الشيطان بينما الرؤية من الله سبحانه وتعالى ويستند العلماء والأئمة في ذلك إلى حديث رسولنا الكريم محمد صل الله وعليه وسلم “الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان” والحلم في العادة يكون من هواجس النفس وسيطرة الوساوس على الإنسان في سكناته وحركاته وتوجساته بينما الرؤية تنبع من الخواطر الإلهية والتجليات التي يهبها الله لمن اصطفاهم من الخلق.

لذا وجب علينا تحديد الفروق قبل أن نطلق العنان في التفسير حيث أن كثيرا من الناس يذهبون إلى اعتبار كل حلم رؤية وهذه مغالطة كبيرة، ووفا لما جاء بالسنة النبوية إذا رأى المرء ما يكره في منامه فعليه بالتعوء من الشيطان الرجيم وشر ما رأى ثلاث مرات وأن يتفل عن يساره ثلاثا أيضا، فالرؤية خير أو تحذيرا لمن كان صالحا، ومذمومة لمن كان فاسدا عاصيا يشتري الدنيا بالآخرة.

التباين بين التفسير والتأويل

 التأويل أعم وأشمل من التفسير فلقد جاء ذكر التأويل في القرآن الكريم بآيات عدة بينما التفسير فقد جاء ذكره  المولى عز وجل مرة واحدة في قوله “ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا”، ينجذب التفسير نحو الرواية بينما ينجذب التأويل نحو الدراية، يستعمل التفسير في الألفاظ والكلمات في حين يستعمل التأويل في المعاني، يكون التأويل في الكُتب السماوية بشكل أكبر أما التفسير فيمكن أن نجده في الكتب السماوية وفي غيرها، فالتفسير كأن نفسر الصراط بأنه الطريق أو الصيب بأنه المطر أما التأويل فهو تفسير أيضا لكنه في باطن اللفظ.

أشهر الكتب في التفسير والتأويل

 منتخب الكلام في تفسير الأحلام للعلامة محمد ابن سيرين ذلك النابغة في مجال التفسير في الإسلام فقد قيل عنه أن تفسيره يحمل في طياته تأييد إلهي لما ينطق، فتح الباري بشرح صحيح البخاري وابن حجر العسقلان، البدر المنير في علم التعبير والشهاب العابر، تعبير الرؤيا وابن قتيبة الدينوري، ومن رواة الحديث المشهورين بين صفوة الفقهاء ابن شاهين والشيخ الصوفي وعبد الغني النابلسي عالم الدين والأدب صاحب الترحال بين البلاد.

بعض الرؤى التي تكثر رؤيتها في المنام ودلالتها

رؤى الأنبياء في القرآن

  • رؤية سيدنا يعقوب عليه السلام  إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ”
  • رؤية سيدنا إبراهيم عليه السلام“فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ”

رؤية الذهب

يرى الإمام النابلسي أن رؤية الذهب لا خير فيها وهو تعبير عن الهموم والأحزان، وانتشار الصراعات بين الطوائف وكثرة النزاعات على المستوى النفسي والواقعي، ويعد الذهب أيضا مؤشر على الأفراح والسرور وسعة العيش والزواج في القريب والفرج الكبير. والتباين هنا راجع للنفوس البشرية، ويذهب ابن سرين إلى القول بأن رؤية الذهب غير محمودة ومكروهة في تأويلها، ويستند في ذلك إلى لون الذهب وهو اللون الأصفر الذي يرمز إلى المرض والحسد والتطاحن، وتشير رؤيته أيضا إلى الحزن والضيق والخصومة والاختلاف الذي يؤدي إلى الخِلاف.

رؤية سقوط الأسنان

أجمع فقهاء التفسير على اعتبار رؤية الأسنان رمز للعائلة والأقارب والرباط الذي يجمع الناس وإئتلاف القلوب على الخير، أما عن سقوط الأسنان فهذه الرؤية تعد مؤشر على دنو الأجل أو المرض الشديد أو تعاقب المصائب الواحدة تلو الأخرى وتقلب الموازين والأحوال، وإذا كان السن له دلالة ومغزى، فمثلا الناب يرمز إلى رب البيت وسيدة فإن سقوط الناب يكون دال على دنو أجل سيد البيت أو اشتداد المرض عليه، ويرى النابلسي أن سقوط الأسنان يدل على العمر الطويل ويعقب ذلك الموت، ويكون الموت بعد رؤية كافة أفراد العائلة يموتون أولا ثم يأتي دور الشخص نفسه.

حلم الصراخ للمغتربين

يحلم الإنسان المغترب أحيانا بالإختناق ومحاولة الصراخ بأعلى صوت ولكن دون جدوى فهناك شيء غير مرئي يجعل فمه مطبق الشفتين والصوت مكتوم بداخله، الروح على وشك الخروج لبارئها وسط كم هائل من الصراع بين التعلق بالحياة والرغبة بالموت، قد يكون كابوسا شديدا يجاهد المرء أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فلا يقدر، يبدأ في تحريك جسده ولكن هناك شيء خفي يثبته بالفراش وتفشل مقاومته، يستيقظ مفزوعا من النوم يريد احدا ان يعطيه كوبا من المياه فلا يجد.

كيف لحلم أو رؤية أن تلجم الإنسان بهذه الطريقة؟

بعد بضعة دقائق يستعيد عقله نشاطه ويصبح بالواقع الحي وإذ به لا يستطيع أن يتكلم فكتمان الصوت مستمر، يدرك حينها ان الموضوع جد خطير، كيف لحلم أو رؤية أن تلجمه بهذه الطريقة وهو نائم وحتي بعد إفاقته يظل على حاله، أخذ الموقف وقتا ليس بالقليل حتى عادت قواه إليه واستغفر الله من همزات الشياطين وأن يحضرون، وتسرب القلق لنفسه أياما، لم يطالع أي تفسيرات لحلمه القاسي هذا، وبداخله كان ينتابنه شعور يكاد يقتله أحس بشيء غامض ممكن أن يكون حدث أو سوف يحدث.

أنقذني يا ربي من شياطين الإنس قبل شياطين الجن

كان كالفاقد للحياة وهو ما زال على قيد الحياة، ينتظر الأخبار تأتي إليه وهو في غربة ظلماء تتكون من كربات سافرة، وأفكار قاتلة، وعزلة إجبارية، ودفتر شيكات اوشكت صفحاته على النفاذ، يدفع به ومن صفحاته ثمن حريته وعمره الذي ضاع في حلم غادر – غابر – كاذب – شارد – مطارد – ينتقل من حفرة تأويه إلى حفرة آخري أوسع قليلا، حتي وصل لآخر عمره وقد هرم وإشتعل رأسه شيبا وإنحنى ظهره قسرا وغابت أنفاسه قصرا، وسالت الدماء من عروقه نهرا حتي تجمعت في قدماه.

أصبح الحمل زائد عن قدراته، يحارب في أرض ليست بأرضه، لم يسبق له معرفة بذقاقها وشوارعها وحاراتها، يستغيث بالرحمن ويناديه مترجي رحماته وعفوه وغفرانه، أنقذني يا ربي من شياطين الإنس قبل شياطين الجن، كما هي الدنيا صغيرة وقصيرة الأجل، فكان الحلم بمثابة رؤيا تنبأني بمصاب جلل قد حدث ، ولكن كان متوقع عند عودته من وإلى وطنه أن يفقد شيئا، عندما كان يشتد هوانه بالغربة ينادي على الأحباب طالبا الفضفضة معهم دون أن يدري ودون أن يهاتفهم.

شعور داخلي يجمع رباط الأهل والأصدقاء والأقارب والجيران والمعارف والأناس المحيطون، رباط صامد رغم شدة الرياح وهبات العواصف، صوت الرعد وضوء البرق يظلل الغرباء بلا خوف، وروحه مع روحهم كانت على تواصل وعلى موعد لقاء رغم تباعد المسافات، حنين للذكريات وأيام الصبا الأولى كتفا بكتف، دموع جفت من الدموع، طريق ملئ بالمعوقات والمطبات والعثرات، زهد بلغ فاه وأصبحت لذات الحياة بلا طعم، شرود في الخيال هروب من كآبة الواقع وإستنباط المصير، جري الوحوش في البرية بلا فائدة، ثرثرة فارغة من الموضوعات، وقوى ضعفت من الآلام والأوجاع، جسد بلا روح، ماكل ومشرب أصبح من النهايات.

خاتمة

في الختام لا بد أن ننوه على أن علم تفسير الأحلام من العلوم المقدسة والربانية التي لا تقبل التلاعب بعقول البشر أو إستغلاهم وتوجيههم لطرق غير سوية وبعيدة كل البعد عن ما جاء في الدين الإسلامي وسنة سيد الخلق لأنه علم تشريفي لمن أراد الوصول إلى ماهية الروح واطمئن اليقين في قلبه، ويكرم الله تعالى أشخاصا معينة دون غيرهم بالرؤيا الصالحة التي تفرحهم وتفرج همهم وتزيل غمهم وتؤنس وحدتهم.

ولنا أيضا أسوة حسنة في نبينا يوسف عليه السلام فهو من معبري الرؤي الذين إختصهم الله تعالى بهبة التأويل واليقين وحسن الإيمان وذلك بالمدد الإلهي والتجلي وصفاء الذهن كما جاء في محكم التنزيل في سورة يوسف “وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ”.

وفي آية أخرى “يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ”، وأيضا بالإجتهاد والدراسة والإبحار العميق لمن أراد الدخول في ذلك العلم الروحاني ذو القواعد والأحكام الخاصة بكل عصر وزمان، وإختار طريق العلم الشرعي وينزل الله المدد والتجليات الإلهية عليه من كل حدب وصوب.

فيديو مقال الزائرون في المنام

أضف تعليقك هنا