رواية ((عوبار)) الجزء 10/ الجزء العاشر – بقلم زيد العرفج

عشت لأكثر من سنة على هذه الجزيرة ولا أعلم شيئاً عن العالم الخارجي، ولا أعلم شيئاً عن أمي ولا عن زوجتي وأولادي ولا أعلم ما الذي حل بعوبار بعد أن غادرتها، هل أنشأ الملك شدّاد جنته أم عجز عن ذلك؟ إنني الآن أعيش جنتي، جنة الصفاء العقلي والنفسي والروحي.

من المسبب لوجود الأشياء؟ 

استجمعت كافة أفكاري بعد تلك الأيام العجيبة التي قضيتها على هذه الجزيرة البديعة، فوصلت لنتيجة مفادها أن العالم يسير بدون تقنياتنا العظيمة وبدون آلهتنا الثلاث صدا وصمودا وهرا، وأن هذه الجزيرة بالرغم من عدم وجود آلهتنا وتقنياتنا العظيمة، إلا أن الحياة فيها لا تسير عبثاً وبشكل عشوائي بل تسير وفق نظام متقن أعلى وأسمى من نظام مملكتنا هناك في عوبار، هذا النظام يتحكم في كل شيء، يتحكم في مسير الكواكب وشروق الشمس وغروبها وحركة القمر والنجوم، ويتحكم أيضاً في البحر وكائناته والبر وكائناته، نعم إن لكل ظاهرة شاهدتها على سطح هذه الجزيرة سبب والسبب يحتاج لمسبب، فكل شيء له مسبب في وجوده، وإن شعر المرء للوهلة الأولى أن هذه الأشياء هي السبب في وجود بعضها البعض، مثل النباتات التي توهمنا أن البذرة هي السبب بوجودها متى ما وجدت التربة الصالحة والمياه المفيدة، وكذلك حالة التزاوج بين الحيوانات، إلا أن ذلك الأمر سرعان ما يتلاشى أمام أمر آخر أكبر وأشمل مما نتصور، وهو أن هذا الكون بأرضه وسماءه وكواكبه ونجومه وحيواناته ونباتاته لا بد أن يكون له موجد قد أوجده وأرسى نظامه وضبطه.

تأملي في الطبيعة أرشدني إلى الاعتقاد بوحدانية الخالق

والآن أتساءل: من هذا الموجد؟ …. إنه الذي ليس قبله ولا بعده شيء، خالق كل شيء ومدبر الأمر كله، إنه الله سبحانه وتعالى، لماذا احتجت في بلادي لتلك الآلهة مع الله عز وجل ولم أحتجها هنا؟ لماذا لم أطلب وأدعو سوى الله على هذه الجزيرة؟ لقد ظهر لي زيف اعتقادنا، إن السبب في انحراف مجتمعنا عن الاعتقاد الصحيح هو ثالوث الفساد والإفساد المتمثل بالحاكم والكاهن والمال، وهنا تجلت لي الحقيقة كاملةً.

عشت بسلام وراحة كبيرتين على ظهر هذه الجزيرة خلال العام المنصرم، أكلت من خيراتها وتفكرت بمخلوقاتها فشعرت كأنني في الجنة التي كنت أحلم بها، لم يكن هناك من ينغص حياتي، كنت استيقظ مع الطيور وأحضر طعامي وأتناوله بيدي، وأشرب الماء الزلال وأخرج لأراقب وأشاهد بدائع الخالق، وعند المساء أجلس بفوهة كهفي أتفكر وأراقب السماء والبحر والأرض، أما الآن وبعد أن تجلت لي الحقيقة فإن أرض الجزيرة ضاقت عليّ بما رحبت، شعرت بضرورة العودة لموطني … بالعودة لأمي حتى أقول لها كم كنت محقة أيتها الأم العظيمة، لزوجتي حيرا وأولادي كي أصلي معهم لله وحده وأنبذ تلك الآلهة العاجزة السفيهة، آه… على ما فرطت في نفسي، وأكثر أمر خشيته أن تكون عودتي للديار بعد فوات الأوان.

محاولتي العودة إلى عوبار 

ركضت نحو الشاطئ راقبت الأفق لعلّي أرى سفينة تلوح لي من بعيد، أشعلت ناراً في أعلى جبل بالجزيرة وحرصت على بقائها مشتعلة لعدة أيام ولكن دون جدوى، حاولت تشغيل زر الكف الأثيري الذي ما زلت محتفظاً به إلا أنه لم يعمل، فالجزيرة خارج نطاق حدود مملكتنا وبالتالي خارج نطاق تطبيقات الأثير، وعندما شعرت بالعجز دعوت رب العالمين الله الواحد الأحد الفرد الصمد أن يخرجني من هذه لجزيرة، فألهمني فكرة بناء القارب، فتذكرت جدنا العظيم نوح وسفينته التي أنقذت البشرية من الغرق، بل رأيت في رسالته الخالدة سفينة أنقذت البشرية من الهلاك في طوفان الوثنية.

قطّعت الأشجار وصنعت قاربي بصف الجذوع بجانب بعضها البعض وربطها بحبال صنعتها من أعشاب الجزيرة، اصطدت عدداً من الطرائد وجهزت أوعية من الخشب لحفظ الماء، وحالما انتهيت من إعداد المؤن اللازمة لرحلتي دفعت المركب بعيداً إلى عرض البحر وبدأت رحلة العودة، عانيت كثيراً حتى تغلبت على أمواج الشاطئ العاتية فقد انتظرت ليومين في المياه حتى جاء المد وتبعه الجزر فاندفع مركبي يسير في مياه المحيط. كنت على يقين أن شواطئ مملكتنا تقع إلى الشمال من هذه الجزيرة لذلك وجهت قاربي شمالاَ مستهدياً بالشمس في النهار وبالنجوم في الليل، كنت أطلق الشراع إذا كانت الريح مواتية، وعند تقلبها أعود للتجديف وهكذا… مضت على رحلتي خمسة أيام لم أصادف خلالها أية سفينة أو مركب في عرض البحر، بدأت أقلق فمؤونتي شارفت على النفاد، وأكثر ما أخافني نفاد المياه العذبة التي حملتها معي، حاولت الاستفادة من مياه الأمطار التي كانت تسقط بغزارة إلا أن قلة الأدوات التي بين يدي لم تسعفني في ذلك، فسلمت أمري لله وأيقنت إن لم ينقذني ربي ويرأف بحالتي فإنني هالك لا محالة.

وصولي إلى عوبار بصعوبة 

فجأة رن زر الكف الأثيري في يدي، صرخت بأعلى صوتي (الحمد لله لا بد أنني قد وصلت لحدود مملكتنا البحرية)، اتصلت على الفور بحيرا، فاجأها صوتي، فهي لم تعرفني للوهلة الأولى، قلت لها: حيرا أنا جراح … كيف حالك وكيف حال أمي والأولاد؟
شعرت بصدمتها عند سماع صوتي، فقالت مرتبكة: جراح أين كنت، لقد بحثنا عنك كثيراً.
فقلت: أرجوك اطلبي المساعدة لإنقاذي فأنا حالياً في عرض المحيط الهندي وإن لم تنقذوني فإنني هالك لا محالة، فلا وقت لدي لأشرح لك الأمر.
اتصلت حيرا فوراً بالطوارئ، وما هي إلا ساعات حتى وصل إليّ أحد مراكب الإنقاذ فحملني سريعاً نحو الشاطئ، وبعد اتخاذ الإجراءات اللازمة للتأكد من هويتي، تم إرسالي إلى عوبار.

وصلت لبيتي في عوبار ليلاً، كانت أمي وحيرا والأولاد في استقبالي، بكيت لما رأيتهم، قبلت يد أمي وطلبت منها ومن حيرا أن تسامحاني عن كل العذابات التي لحقتهما بسببي، فقالت أمي: لا عليك يا بني … المهم أنك عدت إلينا سالماً، وصدقني يا بني لن أضغط عليك في شأن معتقدك ولن أزعجك في ذلك. حيرا أيدتها أيضاً في ذلك، وقالت: لك مطلق الحرية يا جراح في معتقدك، والاتفاق الذي اتفقنا عليه في بداية زواجنا سأعتبره ساري المفعول. لم أجبهما بأية كلمة بل اكتفيت بهز رأسي دليلاً على موافقتي لما قالتا.

سعادة أمي وزوجتي بإيماني بمعتقدهما

نمت تلك الليلة بعمق فشعرت بدفء العائلة الذي افتقدته على سطح الجزيرة، وفي الصباح استيقظت فلم أجد حيرا بجانبي، خرجت للصالة الكبيرة فوجدتها تصلي مع أمي وأولادي، تقدمت نحوهم وشاركتهم في الصلاة، لقد شعرت بأمي وحيرا تبكيان.. نعم تبكيان.. من الفرح طبعاً، وقد تناهى لمسمعي عبارات الحمد والشكر لله المنان التواب الهادي الكريم القادر على كل شيء. قضيت الأسبوع الأول بعد عودتي لعوبار مع أسرتي، فقد كانوا فرحين بعودتي ولكن أكثر ما أفرحهم كان عودتي لجادة الصواب..  للطريق الصحيح.. لعبادة الله وحده بدون شركاء.. آه.. كم كنت مخطئاً عندما عاندت أمي وزوجتي في ذلك، والآن أنا سعيد مع أولادي سيّار وحيّار واليمامة، قضينا أكثر من أسبوع في استقبال الأقارب والأصدقاء المهنئين بعودتي سالماً إلى عوبار. عدت لحياتي الطبيعية في عوبار عدا أنني اتبعت دين النبي هود، وذلك هو الاختلاف الوحيد والجوهري عما كنت عليه سابقاً، بدأت باكتشاف عاد وعوبار من جديد ولكن بمنظور المؤمن بوحدانية الله لا بإشراك ثلاثة آلهة مصطنعة وعاجزة معه، بمنظور من يرى أن ما نحن فيه قد يزول بلحظة إن أراد الله خالق الأكوان ذلك، فقوله (كن فيكون) هو المسير لهذا الكون.

عوبار مهددة بحدوث الجفاف

تبين لي أن مشروع جنة الملك شدّاد تعثر قليلاً بسبب كثرة المخططات وتضاربها واختلاف المهندسين وتأخر وصول بعض المواد الأولية، إلا أن العمل استأنف فيها من جديد، وعرفت أن جنته المزعومة أطلق عليها اسم (إرم)، ولكن الخبر الأهم بل الأسوأ الذي تلقيته بعد عودتي لعوبار، كان حدوث الجفاف الذي بدأ يعم أرجاء مملكتنا كما قيل لي منذ بداية العام الحالي.

ما زلت أعاني مع ناقتي صعوبة المسير نحو موردها الثالث، فقد كانت تسير بأرض صوانية قاسية وتصادفها أحياناً ممرات جبلية ضيقة وانحدارات في غالبيتها صعبة لتسير عليها ناقة ذات خفين، وما استغربته كان رؤيتي لمجموعة من الناس لاح لي منظرهم من بعيد على شكل سراب، فكرت في الذهاب إليهم لولا أن تذكرت توجيهات ونصائح الأستاذ عيّاد الذي حذرنا من أن الناقة إذا لم تشرب من الموارد التي تدربت على الوصول إليها فإنها ستضل الطريق. لذلك تركت ناقتي تسير على هواها ولم أحاول ثنيها لتتجه صوب هؤلاء الناس، فسارت بي ملتفة حول تلة كبيرة جرداء تاركة هؤلاء الناس في الجهة المعاكسة ليحول التل بيني وبينهم، فسرت عبر الوادي حتى تجاوزتهم، ثم نظرت خلفي فرأيتهم يتصارعون على الماء، فتبين لي وجود عدد من القتلى الذين سقطوا نتيجة النزاع، فحمدت الله أني لم أذهب نحوهم.

عند المساء رزمت الناقة وتبولت فعرفت أنها وصلت لموردها الثالث، نزلت مسرعاً وبحثت عن العلامات الحجرية التي لم أجدها فوراً بل اضطررت للصعود لتلة مجاورة فرأيت الدوائر الحجرية من علو، وما منعني من تمييزها أنها كانت مرسومة بأحجار متوسطة الحجم ومرصوفة بشكل متباعد فلما ابتعدت عنها مرتفعاً نحو التل المجاور تمكنت من رؤيتها، وبعد إزاحة غطاء البئر الحجري شربت وروّيت لناقتي وملأت القرب جميعها واسترحت تلك الليلة. كانت ليلة صعبة للغاية، فقد تعرضت لهجوم الحيوانات الكاسرة كالذئاب والضباع أكثر من مرة، إلا أن إشعال النار بالحطب الذي جمعته واستخدام العصا الثقيلة التي كنت أحملها دفعت تلك الحيوانات بعيداً عني، ولكن ضوء النار الذي دفع عني تلك الحيوانات الضارية جلب نحوي طراق الليل من ضواري البشر.

ركبت ناقتي وسرت مبتعداً عن البئر الذي تركته مكشوفاً مثلما فعلت في الموردين السابقين اللذين وردتهما، وذلك تنفيذاً لتوجيهات الأستاذ عيّاد أملاً في أن يتشكل حول تلك الآبار مستعمرات بشرية، ولكن ما حدث حول البئر الذي اجتزته في الصباح روّعني كثيراً، فاضطررت للابتعاد عن موردي الأخير بمجرد شعوري باقتراب بعض البشر، فالنار أبعدت مفترسات اللحوم لتجلب مفترسات المياه، إنهم البشر من جديد. صعدت بناقتي عبر تلعة ممتدة في كنف الهضبة القريبة وبدأت أراقب من علو، لقد وصلوا للماء، عرفت ذلك من صيحات الفرح التي أطلقوها، وتناهي لمسمعي قول أحدهم: إن هناك شخصاً ما فتح هذا البئر، فتنادوا للبحث عني، فلما أعياهم البحث، سمعتهم يقولون ربما يكون رجل من الجن قام بفتح هذه البئر القديمة رأفة بحالنا، إنه جني صالح، وربما يكون أحد الملائكة الذين أرسلهم الله عز وجل لإنقاذ البشرية بعد الكارثة التي حلت بنا.

ابتعدت في الليل قدر الإمكان عن مورد الماء، وسرت مع ناقتي طوال ساعات الصباح وعند الظهيرة أنخت ناقتي للاستراحة، وفي المساء أكملنا مسيرنا نحو موردنا الرابع أو منطقة الوصول … لا أعلم! فالناقة لا تتكلم، ولكن ما شعرت به أننا اجتزنا المرحلة الأخطر في رحلتنا الرهيبة.

ما الإجراءات التي اتبعتها عوبار لتدارك مرحلة الجفاف؟

بعد عودتي لأسرتي في عوبار من تلك الجزيرة البديعة التي قضيت بها فترة من الزمن متفكراً في المخلوقات لأصل لمعرفة الخالق عز وجل، بدأت أتعرف أكثر وأكثر عما جرى في عوبار والمملكة بغيابي، فتبين لي أن الجفاف قد بدأ بعد ذهابي للجزيرة ببضعة أشهر، وقد تم استكشاف بوادره عبر هيئة الأرصاد الجوية والتي تنبئت باشتداده عاماً بعد عام وأن السنوات الخمس القادمة على الأقل ستكون جافة لدرجة لا تطاق، وهنا بدأت مملكتنا سريعاً في الخطط والإجراءات لمواجهة الجفاف، وذلك من خلال ترشيد استهلاك مياه الأنهار والبحيرات، والتقليل ما أمكن من الهدر في تلك المياه. في السنة التالية اشتد الجفاف فالسماء كانت شحيحة جداً بالأمطار، فهي لم تمطر سوى مرتين وبشكل قليل لا يكاد يذكر، إنها سنة شهباء، ثم تلتها السنة الثالثة فكانت شهباء بل بيضاء ثم انقطع المطر من السماء بشكل تام.

كيف استطاع الملك شداد بناء مدينة (إرم) في ظل الجفاف؟

كان الملك شدّاد ما يزال منشغلاً بجنته الموعودة وقد أقسم ألا يدخلها حتى يتم تجهيزها بشكل نهائي، فازدادت وتيرة العمل في إنشاء تلك الجنة المسماة إرم، ووفقاً للمخططات والمصورات المنشورة في الشوارع وفي إعلانات القنوات الإعلامية، فإن إرم بدت مدينة عظيمة من أبهى المدن وأجملها، فصورتها كانت تسحر الألباب، فكل من يراها كان يقول لم ولن يُنشئ مثلها في الكون.

ابتكار طرق لتنقية المياه

عملت هيئة الموارد المائية بكامل طاقتها لمواجهة الجفاف، وابتدعوا أمراً جديداً كان له الأثر الأكبر في ازدياد جبروت الملك شدّاد وحاشيته وقبيلة عاد بشكل عام، لقد ابتكروا طريقة للحصول على الماء العذب من مياه البحار المالحة من خلال بناء منقيات ماء تعمل بطاقة الأثير حيث يتم سحب المياه المالحة من المحيط ليتم تبخيرها ونزع الملح عنها، ثم تكثيفها لتخرج مياه عذبة صالحة للشرب.

ازداد القوم طغياناً وعتوا عتواً كبيراً وتحدوا هود واتباعه، وعدَّوا هذا الاختراع انتصاراً عظيماً لهم، خاصة وأن النبي هود وعدهم بأن الله سيرسل السماء عليهم مدرارا إن وحدوه ونبذوا عبادة آلهتهم المزعومة العاجزة، كما ذكّرهم أيضاً بنعم الله عليهم من الانبساط في الجسم وقوة العمران وما منحهم من أولاد وأموال وكنوز، ولعل أعظمها تقنيات الطاقة الأثيرية، فكان ردهم أن الطريقة التي ابتكروها لمواجهة الجفاف من خلال المنقيات العاملة بطاقة الأثير ناتجة عن بركة آلهتهم ورضاها عنهم.

ضرب الجفاف المناطق التي تقع ضمن نطاق خطوط العرض ذاته الذي تقع فيه مملكتنا، ونتج عنه في تلك المناطق حروب وصراعات طاحنة وصلت لدرجة الإبادة بسبب موارد الماء الشحيحة المتبقية، وهذا الجفاف وما نجم عنه من صراعات ولّدَ هجرات كبيرة من مناطق الجفاف والصراع نحو مناطق الخصوبة والأمطار، وهذه الهجرات نتج عنها أيضاً حروباً قاسية بين القوم الوافدين والقوم الأصيلين، فشكلت مناطق الجفاف عامل دفع لمن يقطنها، بينما شكلت مناطق المطر والخصوبة عامل جذب لهم.

بناء خزانات الماء

شكلت تنقية مياه البحر مصدراً وفيراً للمياه اللازمة للحياة في عوبار، فسدّتْ الحاجة لمياه شرب ولسقاية المزروعات، وهذه المياه المنقاة تم جرها نحو الداخل لملأ البحيرات الطبيعية الموجود سابقاً والبحيرات الصناعية المنشئة لغاية التخزين، لكن شدة الجفاف وقسوته وعدم محافظة تلك البحيرات على الماء المخزون فيها، كل ذلك دفع بهيئة الموارد المائية لابتكار طريقة تخزين جديدة من خلال نحت الجبال الصخرية وبناء خزانات ماء ضخمة داخلها ومن ثم توزيعه على البلاد من خلال نظام تحكم متقن يعتمد على طاقة الأثير، وقد سميت تلك الخزانات الضخمة بالمصانع، والمصانع هي نفسها الصنوع، وهي جمع صنع وهو تجويف صخري يحفظ الماء بداخله، وقد حاول التقنيون أكثر من مرة استمطار السماء بإطلاق كميات كبيرة من المياه المتبخرة الناتجة عن تسخينها بتقنيات الطاقة الأثيرية ومن ثم محاولة تكثيفها بإطلاق صواريخ نحوها تحمل مواداً مبردة إلا أنهم فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً.

وهنا عاد النبي هود واتباعه للظهور من جديد، فحذروا القوم من مغبة طغيانهم وتجبرهم وأنهم مهما فعلوا من منجزات، فإن ذلك لا يشكل جناح بعوضة في ملكوت الله، وطلبوا منهم أن يعبدوا الله وحده وألا يشركوا آلهتهم في ذلك، وتوعدوهم أن عذاب الله سيحل بهم إن بقوا على ما هم عليه، وذكروهم أيضاً ببطشهم بالأمم الأخرى، خاصةً وأن كثيراً من الشعوب التي ضرب الجفاف بلادها قد زحفت لتخوم البلاد طمعاً في الحصول على الماء المعالج الذي خفف أزمة الجفاف في مملكة عاد، إلا أن الملك شدّاد تعامل مع تلك الشعوب بقسوة مفرطة، فقاتلهم وطردهم شر طردة من أطراف البلاد بعد أن أفني الكثير منهم، وذكروهم أيضاً بأن مصانع المياه التي ابتدعوها لن تؤمن لهم الخلود الذي ادعوه، حيث رأى القوم في إنتاج الماء من البحار والمحيطات ضماناً لاستمرار دولتهم وحضارتهم.

فيديو مقال رواية ((عوبار)) الجزء 10/ الجزء العاشر – بقلم زيد العرفج

 

أضف تعليقك هنا