عناصر العمارة الإسلامية بدءاً من القرون الوسطى وصولاً إلى المماليك.

يزخر النسيج العمراني الإسلامي بالكثير من المنشآت والعناصر المعمارية المهمة والتي كان لها الأثر الكبير في حياة الناس والعامة، ورسم الحضارة الإسلامية، ومن هذه المباني: السبيل المائي، والفسقية، السلسبيل، وغيرها.. ويتولى هذا المقال الحديث عن السبيل والفسقية على اعتبارهما أحد أهم العناصر المعمارية الإسلامية.

تعريف السبيل

السبيل: (ج أسبلة) وتسمى أيضاً السبيل خانه، وهو وقف لسقي الماء لعابري السبيل والمارة، حيث أن كان المسلمون في العصور الوسطى يعدون السبيل أعظم ما يثاب عليه المرء من أعمال البر عملاً بالحديث الشريف: “عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ فأتصدق عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ” سَقْيُ الْمَاءِ ” فَتِلْكَ سقاية سَعْدٍ بِالْمَدِينَةِ “.

إنشاء الأسبلة

حيث تعد الأسبلة عنصراً مهماً من العناصر المدنية في العمارة الإسلامية ، ويندرج ذلك العنصر تحت اسم المنشآت الخيرية، وقد جاءت فكرة إنشاء السبيل لما جرت عليه العادة عند العرب في الجزيرة العربية من سقاية الناس وحجاج بيت الله الحرام، حيث أن شرف سقاية الناس وتسهيل حصولهم على مياه الشرب في المنطقة العربية عامة قديم جداً ومعروف، سيّما وإن البيئة العربية بجوها الحار وبيئتها المتربة دفعت المحسنين إلى التباري في إنشاء هذه الأسبلة من أجل خدمة الناس، وكم تاهت قريش فخراً قبل الإسلام لقيامها بدور سقاية الحجاج، ومن سقاية حجاج في هجير مكة إلى سقاية المارة في طرقات المدن الإسلامية نقل العرب هذه المكرمة دون أي مقابل.

وكان تجهيز السبيل وتشغيله وإدارته وصيانته وجلب الماء لديه يستلزم موارد مالية مستمرة للصرف عليه ومن ثم كان منشئ السبيل يوقف على سبيله ما يلزمه من عقار أو من أرض تغل الأموال اللازمة. ومن جهة أخرى كان البعض يقصد من انشاء السبيل أن يكون وسيلة للإشادة بهم خصوصاً إذا كان المنشئ ذا مركز سياسي أو اجتماعي مرموق أو يطمع في تقرب إلى الناس والثناء عليه.

وازدهرت الأسبلة في ظل حكم المماليك لمصر والشام فأقاموا لها مباني مستقلة بذاتها، أو ألحقت بالمساجد أو المدارس أو المنازل، وغالباً ما ارتبط بناء السبيل بإنشاء مكتب فوقه لتعليم ايتام المسلمين القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وفي هذه الحال كان يطلق على مثل هذه المنشأة المزدوجة “سبيل الكتّاب”.

الأسبلة في العصور الوسطى:

كان الاهتمام ببناء الأسبلة عادة قديمة عند كل الملوك والسلاطين منذ القدم، ولكن عند المسلمين أخذت طابعاً مميزاً، بحيث سارع أهل الخير والأغنياء للتنافس فيما بينهم لعمل الخير وذلك النوع من المنشآت يعتبر فعلاً من أعمال الخير، ولذلك سارع السلاطين والأمراء والحكام على إنشاء الأسبلة في الأزقة والطرقات وفي الأماكن العامة حتى يعم الخير، وبذلك ينالون الأجر والثواب، ونظراً لأهمية ودور تلك المنشآت المعمارية في الحياة العامة فنادراً ما نجد مدينة إسلامية تخلوا من سبيل أو عدة أسبله.

وتعتبر الأسبلة من المنشآت الاجتماعية غير الخاصة بالمسافرين والتجار، وكان الغرض منها تيسير الحصول على ماء الشرب، وهي من المنشئات والأعمال الخيرية الجاري ثوابها، وقد انتشرت في الأقطار العربية والإسلامية، وبلاد العرب، ومكة، والمدينة، ومصر، ودمشق، وقد يبنون بجوارها بيوتاً تأوي إليها المارة وعابري السبيل.

الأسبلة في مصر

ويذكر بأن أول بناء للأسبلة كان في مصر في العصر المملوكي، كان ابتداءً من القرن السادس الهجري – الثاني عشر الميلادي، وكان معظمها من أعمال الأمراء والسلاطين ونسائهم كأنها كفارة عن الذنوب والآثام، كما بنى الأغنياء تلك الأسبلة صدقة جارية لأنفسهم أو لأبنائهم أو لأحد أقاربهم المتوفين وتحتها صهريج مليء بالماء يستخدم للشرب، وكان يسمح للمارة من كل الجنسيات والملل من المسيحيين واليهود والأجانب كذلك باستعمالها ولا ينقطع الماء عنها أبداً.

الأسبلة في بلاد الشام

أما عن الأسبلة في بلاد الشام فلم يتناول الرحالة الأجانب ذكر تلك المنشئات على الرغم من كثرتها أيضاً، كما كانت في مصر، ولذلك يمكن عرض توضيحي لتلك الأسبلة في بلاد الشام اعتماداً على ما ذكرته المصادر الإسلامية المعاصرة والمراجع العربية ، فقد أهتم السلاطين المماليك بإنشاء الأسبلة في مدن بلاد الشام الرئيسية أهمها:  مدينة بيت المقدس في أماكن عديدة، وذلك نظراً لقلة المياه فكانت المدينة بحاجة أساسية وضرورية لمياه الشرب ومن ذلك أهتم السلاطين المماليك بتوصيل المياه إلى السكان ، ولذلك قام السلطان برسباي بتجديد سبيل شعلان وهو السبيل الذي بناه الملك المعظم عيسى الأيوبي عام 613هـ / 1216 م ومذكور ذلك على لوحة السبيل ” جدد ذلك السبيل والمصلى والمحراب العبد الفقير لله شاهين ناظر الحرمين أيام مولانا الملك الأشرف برسباي خلد الله ملكه بتاريخ شهر رمضان المعظم عام 832 ـ / 1428 م”

أسبلة بيت المقدس

أما الأسبلة الأخرى الحديثة في بيت المقدس وصفها المؤرخ مجير الدين الحنبلي ” بأن السلطان الأشرف في عام 860 هـ / 1455 م أنشأ السبيل القائم بين مسجد الصخرة والمطهرة والمعروف بسبيل قايتباي، حيث يوجد فوق البئر المقابل لدرج الصخرة الغربي، وكان قديماً على البئر المذكور وقبة مبنية بالأحجار كغيره من الآبار الموجودة بالمسجد فأزيلت تلك القبة وبنى السبيل المستجد وفرش أرضيته بالرخام “.

وصف السبيل:

يمكن تقديم وصف مبسط للسبيل من خلال دراسة أثرية معمارية للسبيل في العصر المملوكي، حيث لا توجد مصادر إسلامية معاصرة تصف بدقة السبيل وملحقاته وما يوجد داخله من أدوات ومعدات، ” السبيل عبارة عن مبنى يحتوي على طابقين، الأول عبارة عن بئر محفور في الأرض بها ماء الأمطار أو ماء النيل يعلوه غطاء أو سقف من الرخام، أما الطابق الثاني فيرتفع عن سطح الأرض وتسمى حجرة التسبيل أو المزملة لتوزيع الماء على الراغبين ويقوم المزملاتي (الشخص المعين من قبل منشئ السبيل لرفع المياه من فتحة البئر ) برفع الماء من البئر بواسطة قنوات يجرى تحت البلاط المصنوع من الحجر الصلب وينتهي الماء إلى فتحات معدة لرفع الماء، وكان الماء يرفع من تلك الفتحات بواسطة كيزان مربوطة بسلاسل مثبته بقضبان النوافذ، أما طريقة التشغيل فكانت تتم بواسطة بكرة فوق البئر محمولة على خشبه مربوط بها حبل ، وكان بطرف الحبل سطل يرفع به المزملاتي الماء إلى القنوات الموجودة تحت بلاط المزملة فيجرى إلى النوافذ القائمة عند فتحات القنوات، وكان طالب الماء يصعد على سلالم موجودة أسفل كل نافذة إلى حيث يجد الماء فيحصل على حاجته بالكوز “، وكانت تصنع تلك النوافذ من النحاس، وقد أبدع الفنان العربي في أشكال وزخارف تلك النوافذ، وتمثل نافذة سبيل السلطان قايتباي 879 هـ / 1474 م من العصر المملوكي النمط التقليدي لتلك النوافذ والذي ظل مستمراً حتى فترة القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي، وفي دمشق تبدو تلك النوافذ على هيئة مربعات تحتل كامل النافذة حتى الجزء السفلي منه.

الأسباب التي أدت إلى إنشاء السلسبيل 

السلسبيل: تعتمد جميع الأحياء على المناخ بالنسبة لوجودها في الطبيعة، ولذلك فإنها تتلاءم مع هذا التأثير البيئي، فالنباتات التي تعيش في المنطقة الاستوائية لا تستطيع العيش في أفريقيا، وكذلك النباتات في المناطق الباردة لا تستطيع العيش في المناطق الاستوائية، وهكذا يتأثر المبنى بنفس القدر بالمناخ المحلي وكذلك بالمباني المجاورة مما يعطيها شكلها المعماري، بالرغم من تأثير النواحي الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المهمة، إلا أن تأثير المناخي يعد من العوامل الرئيسية لتكوين وتشكيل المبنى في العمارة الإسلامية .

تقع معظم الدول العربية والإسلامية في النقطة ذات المناخ الحار ما بين خطي عرض(10,30)، حيث تزداد فيها الحرارة عن أي منطقة أخرى، كما تتباين الرطوبة النسبية فيها بين المنخفضة (الجو الجاف) والعالية (الجو الرطب) ويؤثر هذا المناخ على الطبيعة الحياة في هذه المنطقة مما يستعي محولة التكيف معه أو معالجته بأمور كثيرة وخاصة مجال العمارة وتخطيط المدن، وقد تمت في الماضي وعلى مدى عصور متعاقبة اجراءات وأساليب خاصة تثبت نجاحها بالرغم من بساطتها، وذلك للمعالجة المناخية سواء على مستوى الوحدة السكنية الصغيرة أو على مستوى التجمع الحضري في الريف أو في المدينة . وكانت هناك مشكلتين مناخيتين رئيسيتين في التصميم المعماري الإسلامي وهما:

  1. الحماية من أشعة الشمس الحارقة.
  2. توفير التبريد للفضاءات الداخلية.

والسلسبيل أو الشاذروان يعد من أبرز العمارة الإسلامية التي ابتكرها المصمم العربي كفكرة لتبريد الجو في فصل الصيف معتمداً على تدفق المياه ورطوبته، وهو: هو لوح رخامي مموج يستخدم لوحده أو مع النافورة، هناك عدة أمثلة لهذا العنصر فقد تكون متداخلة مع ماء السبيل، وانتشر الشاذروان في زمن الدولة العباسية، ويعتبر شاذروان قصر العاشق والمعشوق في سامراء وهو أكبر شاذروان إسلامي حتى بداية القرن العشرين. وبداخل السبيل شاذروان وهو ما نعبر عنه بالسلسبيل، الذي يحتوي على لوح رخامي منقوش أو متموج نقشت على حافتيه صور حيوانات وأسماك تنساب عليه المياه، وملحق به صهريج في باطن الأرض لتخزين المياه العذبة على فوهته “خرزة” من حجر أو رخام.

والسلسبيل أطلق على جهاز التكييف المائي المستعمل في البيوت الأندلسية والشامية والمصرية في عهدي المماليك والعثمانيين، وهو يحتل صدر الإيوان مائلاً ما بين 15 و30 درجة، يزخرف وتحفر فيه قناة واحدة أو أكثر دقيقة قليلة العمق تتعرج كالموج أو مع الزخارف التي تغطي السطح كله، ويجري الماء من أعلى خفيفاً وبطيئاً وبعملية التبخر وازدياد مساحة الاحتكاك مع الهواء تهبط الحرارة في المكان وتنخفض نسبة الجفاف فيه وينصرف الماء بعد مسيرته الطويلة إلى حوض أو مجرى أو بالوعة.

أهمية السلسبيل في العمارة الإسلامية

وللسلسبيل أهمية كبيرة في العمارة الإسلامية والذي نخلصه في الآتي:

  1. يعالج أهم المشاكل المناخية في العمارة الاسلامية التي واجهها المصمم الاسلامي وتوفير التبريد للفضاءات الداخلية.
  2. الشكل المعماري يعتبر من أهم النواحي التي يتأثر بالمناخ.
  3. استخدام طرق كثيرة وبسيطة لتوفير مناخ ملائم للمبنى التي يحتاجه الانسان للعيش داخل هذه المبنى.
  4. الحصول على الانعزال نحو الداخل والخصوصية عن طريق المعالجات المناخية مثل (الفناء الداخلي والمشربية).
  5. ملائمة الشكل المعماري للمبنى مع الشكل العام للمنزل.
  6. استند الفكر التصميمي للمسكن التقليدي على استخدام الفناء الوسطي كنقطة مركزية لتحقيق مبدأ التوجه نحو الداخل، وكان بمثابة الرئة والمتنفس الرئيسي للمسكن، حيث يعمل كمنظم حراري مستفيدا من التذبذب الكبير بين درجات الحرارة ما بين الليل والنهار، وتكوين أماكن ضغط متباينة ما بين الشوارع الضيقة المظللة والفناء الوسطي المفتوح.
    وبصفة عامة غالباً ما كان يتوسط الفناء الداخلي نافورة أو بركة ماء أو السلسبيل، وكان يزود بالأشجار المثمرة، حيث كانت تعمل هذه العناصر مجتمعه على ترطيب الهواء الجاف وتخفيض درجة حرارته.
  7. اهتمام بالشكل الداخلي للمبنى أكثر من الاهتمام بالخارج لأسباب الخصوصية والمناخية.
  8. تتاثر مناخ المبنى بالشكل المعماري كما تتأثر الشكل بالمناخ.

الفَسْقِيَّةُ:

حوض من الرخام ونحوه مستدير غالبا ً، تمج الماء فيه نافورة، ويكون في القصور والحدائق والميادين، وهي براءة اختراع دمشقية، حيث يعود انطلاق هذا الفن الإسلامي إلى العصر المملوكي، وتتميز دمشق بهذا الفن الذي صُدِّرَ إلى كثير من دول العالم، كما اعتبر دخوله إلى المنازل لمسة فنية رائعة. ولأن ارتباط الدمشقي بالياسمين والماء كارتباطه باسمه، أحب أن ينقل البحرة في أرض الديار إلى غرف البيت، فجاءت «الفسقية» لتحل هذه المشكلة في المساحة، فأدخلوها إلى الغرف والقاعات الواسعة وخاصة قاعات الاستقبال. ‏تكون الفسقية عادة أصغر من البحرة مع المحافظة على جمالياتها وزخارفها، وتحتوي على مصب مصنوع من النحاس أو الفضة، والذي يأخذ شكلاً متميزاً يخرج منه الماء. ‏

كيفية صنع الفسقيات

يتم صنع الفسقيات باستخدام منشار الخاص يحفر الأحجار ويقطعها، حيث تختلف صناعة البحرات حالياً فهي تعتمد على التربة الطبيعية، وخاصة على نوع من الصخور والأحجار يؤتى بها من الجبال وتحول إلى رمال وتنقى من العيوب، ‏وبعد ذلك تخلط مع الماء لتصويله، ومن ثم تجفف تحت أشعة الشمس، وتعجن حتى تصبح بقوام متماسك، بعدها يتم صنع الأشكال الفنية وبنماذج وتصاميم مختلفة قد تصل إلى مئات الأشكال ما بين أحجام صغيرة وكبيرة توضع على طاولة، أو في زاوية من غرف منزلية، وتأخذ هذه الأشكال عادة لون التربة الأساسية، ويتم تلوينها بشكل جميل باستخدام التعتيق.

نجح فن العمارة الإسلامية في تحقيق التوازن التام بين الجوانب المادية والمشاعر الروحانية من خلال مجموعة من القواعد والأسس والتراكيب التي توصّل إليها كل من المعماري والفنان المسلم، وأمكنه من خلالها حلّ مشاكل البناء بحلول فعّالة، متوائمة تماماً مع عقيدته الدينية السمحة، وبما يحافظ على القيم والتقاليد الاجتماعية، وتوظيف معطيات بيئته، أو جلب ما لم يكن متوافراً في بيئته، وتصنيعه وتعديله حتى يتوافق ما تمكن من تحقيق المحافظة على الحياة الجوّانية التي يحيياها الإنسان المسلم في بيته وبيئته المكانية، من خلال مواصفات خاصة حققها معمارياً، وتجلّت واضحة في الفناء الداخلي لمنـزله وسكناه، حيث نلاحظ أن الفناء الداخلي في البيت العربي تتجلى فيه معالجة معمارية تحجب الساكن عن جميع تقلبات الطبيعة وتترك له التمتع بالسماء وحدها، سماء الشرق وصفائه وسحره وروعته.

فإن فكرة الفناء الداخلي نابعةٌ من بذور الفكر الشرقي واستجابةٌ صريحة لمقتضيات المناخ الشرقي، إن الفناء الداخلي أو الحديقة الخاصة التي يتجمع فيها أهل البيت تقوّي من الروابط الأسرية وتزيد بالتالي الشعور بالانتماء للأرض والمجتمع، ويعتبر مسكنًا مريحا يشعر فيه بالخصوصية وتوفير حديقة خاصة أو فناء خاص بكل مسكن حيث ينمو الشعور بالجيرة، ومراعاة الجار،

القيمة الرمزية لأشكال الفسقية والعمارة عند العرب

وكان الفناء في الأغلب يحتوي على فسقية داخل الحديقة، في أشكال هندسية مثمّنة داخل مربّع، وإن شكل الفسقية هذا لم يأتِ صدفة، وإنما اختير كما يقول أحد الباحثين “لقيمة رمزية”، فالمنـزل بالنسبة للعربي كان عبارة عن تكوين صغير، وباستخدام الرمز والعناصر المعمارية للتعبير عن نظرته الكونية كان يعتبر القبة رمز السماء، ولهذا ولكي يشد قبة السماء إلى وسط الدار ويجعل قدسيتها تتسرب إلى الحجرات، فإنه عمِل الفسقية على شكل القبة الساسانية مقلوبة لتنعكس السماء الحقيقية على أسطح المياه في هذه السماء الرمزية.

هكذا توصل الانسان العربي إلى إدخال الطبيعة والكون اللذين كان دائم الاتصال بهما في حياته البدوية في الصحراء إلى البيت الحضري بواسطة الرمز وتحويل الطبيعة إلى عناصر معمارية، غير أن المعماريين يعتبرون تدفق المياه من نافورة أو سلسبيل هو في حد ذاته رمز للحياة التي يتأملها الإنسان، إضافة إلى أنها تساعد على ترطيب الجو والهواء.

تسميات أخرى للفسقية

توجد مسميات عدة أطلقت على “الفسقية” واختلفت هذه المسميات شيوعاً من بلد إسلامي لآخر، ومن عصر إلى آخر: فمن مسمياتها: النافورة، البركة، الصحن، الحوض، البحرة، والشدروان. ورغم تعدد تلك المسميات فقد ظل اسم “الفسقية” أعمها وأكثرها شيوعاً، وتطلق على البناء الذي يتوسط الفناء أو الصحن الداخلي للمبنى ويصل إليه الماء من مصدر أعد لهذا الغرض.

أهمية الفسقية ووظائفها

وكما ذكرنا أن الفسقية تؤدي مجموعة من الوظائف منها: تلطيف درجة الحرارة، وهذا ما يتمشى مع طبيعة الجو الحار في أغلب الدول الإسلامية إضافة إلى الراحة النفسية التي يجلها منظر الماء، وفي العمارة المدنية تشكل الفسقية مصدراً جمالياً ترويحياً بصفة أساسية ولذا فقد أنشئ حولها أحواض الزروع والزهور في ربط منسق بين الماء واللون الأخضر وفي صورة خلابة ورائعة مما يريح العين ويبهج النفس ويسرها. أما في المنشآت الدينية فقد تركزت مهمتها الأساسية في استخدامها مكاناً للوضوء إضافة لما لها من مهمة جمالية في وسط صحن المسجد.

للفسقية أشكال وأحجام مختلفة

وتنوعت أشكال وأحجام ومواضع الفسقية في المنشآت الدينية، ويعكس التخطيط والتصميم المعماري للفسقية بالمنشآت الدينية -والتي أنشئت بغرض الوضوء- مدى الحرص الشديد من جانب المعماري العربي على تحقيق الغرض منها بصورة صحيحة وسليمة ومريحة في نفس الوقت، وعلى المعماري التحكم في حجمها وموقعها وفي طريقة تغطيتها وغالباً ما تكون على هيئة قبة تحملها سلسلة من الأعمدة تأخذ شكلاً دائرياً تعمل فوقها سلسلة من العقود ترتكز عليها قاعدة القبة.

وتنوعت مواد البناء التي بنيت فبعضها من الخشب، وبعضها الآخر من الحجر، وتتناسب القبة مع الفسقية التي تغطيها من جهة ومع مساحة الصحن أو الفناء الذي توجد به الفسقية من جهة أخرى، وارتفاعها يتناسب مع ارتفاع الواجهات المطلة على الصحن في تناسب دقيق يشهد بجمالية النسب المشهود لها في العمارة الإسلامية.

وارتبط انتشار الفسقية كوحدة معمارية بارزة في العمارة الإسلامية بداية بالفناء الداخلي الذي انتشر هو الآخر كعنصر أساسي في تخطيطات المباني ويتصل الفناء الداخلي عادة بالهواء من أعلاه والضرورة هي التي أوجدت هذا الفناء إذا استخدم كحل علمي وعملي في تلطيف الجو وتخفيف درجة الحرارة وكعنصر اتصال وحركة مما يتلاءم مع المكونات الطبيعية للجو في المناطق الحارة.

المراجع:

  • https://ar.wikipedia.org/wiki
  • بركات محمد فؤاد، جمالية العمارة في الثقافة الإسلامية، مجلة حراء، العدد 9، 1 مارس، 2017.
  • فداء محمد أحمد قعقور، الأسبلة المائية في العمارة الإسلامية، جامعة النجاح الوطنية، كلية الدراسات العليا، 17/1/2010.
  • مجلة جامعة الملك سعود، العمارة والتخطيط، الرياض، 2008.

فيديو مقال عناصر العمارة الإسلامية بدءاً من القرون الوسطى وصولاً إلى المماليك.

أضف تعليقك هنا