يحتاج الإعلام العربي إلى نظرة ناقدة؟

بقلم: نيرة النعيمي
بغداد- نيرة وليد حميد

النظام الإعلامي العربي الراهن يحتاج إلى نظرة نقدية جادة مع نفسه كما يحتاج إلى مراجعة مع الذات وهذا للوقوف على السلبيات والتعلم من الأخطاء والهفوات السابقة للانطلاق بخطى قوية وإيجابية نحو مستقبل لا يكون فيه الإعلام وسيلة للسيطرة والتحكم والتلميع والتملق وإنما وسيلة للحرية والعلم والمعرفة والتفكير والإبداع والاختلاف في الرأي وفي إيجاد سوق حرة للأفكار. تحديات الألفية الثالثة كبيرة وجسيمة وتتطلب إعلام قوي وصناعات ثقافية قوية وفاعلة سواء على المستوى المحلي أو الدولي، مع تمنياتنا بإيجاد أذانا صاغية لهذه المستلزمات عند أصحاب القرار في وطننا العربي.

إن السلطة في الوطن العربي وفي سائر الدول النامية تنظر إلى وسائل الإعلام كوسائل لتثبيت شرعيتها وبسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي بغض النظر عن طموحات وهموم الجماهير. وهي بذلك مازالت بعد لم تستطع بناء نظام مؤسساتي مستقر ولم تستطيع أن تحقق المشاركة السياسية الفعالة داخل المجتمع، وفي الكثير من الدول العربية ينعدم المجتمع المدني تماما. وكنتيجة لكل هذا فإن معظم الدول العربية فشلت كذلك في إقامة وبناء جهاز إعلامي فعال يؤمن بتوفير الاتصال الأفقي ويعمل على إدماج مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية والاقتصادية والثقافية. ولهذا نتجت النظرة الضيقة للإعلام على أساس أنه أداة من أدوات السلطة تستعمل في آليات وعمليات الحكم والسيطرة و تجدر الإشارة هنا إلى أن الإعلام التنموي والفعال والأفقي لا يتأتى إلا بالديمقراطية والأجهزة المؤسساتية المختلفة التي تلعب بدورها دور المراقب والمعارض والمشارك في العملية السياسية وفي صناعة القرار.

بم تميز الإعلام العربي؟

ونظرا لهذه النظرة الضيقة ولتسلط الحكومات وأنانيها فلقد تميز الإعلام العربي بما يلي:

  • سيطرة الطابع الرسمي على الرسالة الإعلامية حيث نلاحظ التغطيات المكثفة لكل ما هو حكومي وقطاع عام ورسمي.
  • سيطرة الأداء الإعلامي الروتيني حيث تغطية نفس المناسبات ونفس القطاعات وإهمال اهتمامات الجماهير وانشغالاتها.
  • يتميز الإعلام العربي بأحادية الاتجاه حيث أنه يتدفق من الأعلى إلى الأسفل، من السلطة إلى الجماهير من دون مشاركة المستقبل في عملية رجع الصدى أو المشاركة في العملية الإعلامية. والتدفق الأحادي يؤدي بطبيعة الحال إلى التكرار والروتين واعتماد وجهة نظر واحدة ورأي واحد وفلسفة واحدة وهذا على حساب التعدد والاختلاف الموجود في المجتمع.
  • ضعف الاحترافية والمهنية في معظم وسائل الإعلام العربية خاصة المرئية منها وهذا كنتيجة للتركيز على الرسميات دون الارتقاء بالمهارات الفنية والإبداعية وهذا نظرا للرقابة والسلطة وهاجس تنفيذ الأوامر من دون مناقشة وإبداء الرأي.
  • الرقابة والحذف الذاتي حيث أن التحكم الرسمي في وسائل الإعلام بطريقة أو بأخرى أدى إلى نمو ما يسمى بالرقابة الذاتية عند الصحافي في الوطن العربي مما قتل روح الإبداع والابتكار عند القائم بالاتصال وهذا بطبيعة الحال أدى إلى ضعف الأداء وتبني الشعارات والكلمات الرنانة على حساب الحقائق والواقع.
  • اتساع الهوة بين الجماهير والإعلام بحيث إن الإعلام إذا فشل في إدماج الجماهير وتمثيلها أحسن تمثيل لدى السلطة والدفاع عن مطالبها ومصالحها، فإنه يهجر من قبل الجمهور وتضعف مصداقيته وتأثيره.
  • انعدام المصداقية وإشراك الجماهير في العملية الإعلامية يؤدي إلى هجرة وسائل الإعلام الوطنية والمحلية والتوجه إلى الإعلام الخارجي حيث أن المستهلك يتفاعل هنا مع طريقة مختلفة للطرح والتقديم والتحليل.
  • ضعف إدارة المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي حيث التركيز والاهتمام بالدرجة الأولى على كسب رضا السلطة ثم تحقيق الربح أو ضمان المعونة الحكومية بغض النظر عن اهتمامات ومشاغل وهموم الشرائح العريضة في المجتمع. أضف إلى ذلك أن في الكثير من الدول العربية المشرفون على المؤسسات الإعلامية لا يفقهون شيئا في الإدارة والتسيير أو لا يعلمون أبجدية العمل الإعلامي ويكون القائم بالاتصال في هذه الحالة هو الضحية والضحية الأكبر بطبيعة الحال هي الجماهير. ونتيجة لضعف الإدارة بطبيعة الحال تنعدم تقاليد العمل الإعلامي المحترف وتنعدم قيم الاحترافية الإعلامية وتسود سياسة ملء الفراغ بالمضمون المقبول الذي لا يزعج ولا يسبب مشاكل.
  • ضعف الإنتاج كما وكيفا واعتماد التلفزيونات العربية على استيراد المادة الإعلامية والثقافية المعلبة التي قد تكون في معظم الأحيان غريبة وبعيدة كل البعد عن عادات وتقاليد وهموم واهتمامات الجماهير.
  • ضعف الأبحاث والدراسات الإعلامية في الوطن العربي حيث إن القائم بالاتصال والمؤسسة الإعلامية لا تملك في معظم الأحيان البيانات والإحصاءات والمعطيات الضرورية لتطويع الرسالة والمادة الإعلامية بما يلائم اهتمامات الجمهور المستهلك وفي الكثير من الأحيان لا تعرف المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي هل هي تساهم في عملية التغريب أم التهميش أم الإدماج والتسييس أم السيطرة والتحكم أم ماذا؟
  • انعدام الرؤية الاستراتيجية المستقبلية والسياسات الإعلامية الواضحة والثابتة حيث نلاحظ على سبيل المثال أن الدول العربية قاطبة اهتمت بموضوع القنوات الفضائية واقتناء التكنولوجيا ولم تتأخر عن مواكبة تكنولوجية الاتصال، والغريب في الأمر أن ساعات البث التلفزيوني تضاعفت أما الإنتاج فقد تراجع مما أدى بطبيعة الحال إلى تحول هذه القنوات الفضائية إلى صناديق بريد توزع ما تنتجه استوديوهات هوليود وطوكيو ومومباي غيرها من الشركات العالمية للصناعات الثقافية.

إن تحديات القرن الحادي والعشرين والتناقضات السالفة الذكر التي يعيشها الإعلام العربي كلها تحتم على الأنظمة العربية ضرورة مراجعة إستراتيجياتها وفلسفتها تجاه الإعلام. ونقطة البداية هنا تتمثل في ضرورة النظر إلى وسائل الإعلام وإلى الجهاز الإعلامي بنظرة إيجابية تخدم المجتمع ككل وليس السلطة لوحدها وهذا لا يتأتى بطبيعة الحال إلا بتغيير وجهة نظرنا إزاء المواطن العربي حيث ضرورة النظر إليه كفاعل ومشارك ومساهم ومرسل وليس كمنفذ وتابع ومستقبل فقط. كذلك يجب علينا أن نقر حق الجماهير في التواصل والتفاعل مع وسائل الإعلام المختلفة وهذا لا يتأتى إلا بالعمل المؤسساتي الجمعاوي وعن طريق الجمعيات بمختلف أشكالها وأنواعها سياسية كانت أم اجتماعية أم ثقافية أم اقتصادية…الخ.

و من أهم مستلزمات الإعلام القوي والفعال في أي مجتمع حرية التعبير وحرية الرأي وحرية الوصول إلى المعلومات، هذه المستلزمات يجب أن نعمل على توفيرها وعلى اكتسابها كسلطة وكقائمين بالاتصال وكمثقفين وباحثين ووسطاء ثقافيين…الخ، ومن دون هذه المستلزمات فإنه لا يحق لنا الكلام عن المجتمع المعلوماتي والثورة الاتصالية والعولمة الثقافية وغيرها من التحديات العديدة والمختلفة التي نعيشها اليوم وبصورة فائقة والتي ستميز الألفية الثالثة لا محال.

فإذا كانت هناك بعض التجاوزات في الممارسة الإعلامية في الغرب والدول الديمقراطية بالتستر وراء “الأمن القومي” ووراء “المصالح القومية” والتي أضرت في أرض الواقع بالوصول إلى الحقيقة وإلى تنوير الرأي العام وصناعة القرار السليم في آخر المطاف، يبقى أن الطريق مازال طويلا أمام الإعلام العربي لينهض بنفسه ويتعايش ويتفاعل مع ألفية ترتكز أساسا وتقوم على المعلومة والمعرفة وكيف نصنعها ونتداولها ونخزنها ونستغلها في صناعة القرارات المختلفة التي نتخذها سواء على مستوى الفرد أو العائلة أو المؤسسة بمختلف أشكالها أو المجتمع أو الدولة.

متى تبدأ انتهاكات حرية الصحافة، من الدستور أم القانون؟

وكانت هذه الفقرة هي الوحيدة التي نصت على حرية التعبير، ولكنها ايضا وككل التشريعات العربية، قرنتها بقانون يعد لهذا الغرض. وسرعان ما اجريت تعديلات على دستور عام 1925 في العام ذاته وسميت (قانون تعديل القانون الاساسي العراقي)، ولكن هذه التعديلات شملت بعض الاجراءات المتعلقة بالملك ومجلس الاعيان. وجاء التعديل الثاني للدستور ذاته ليكون اعم واشمل في تفصيل بعض جوانب الحياة السياسية، وكذلك تأكيده على بعض مفاهيم الحريات العامة، ومفاهيم حقوق الانسان وبأربع مواد.

اما الدستور المؤقت لعام 1958 الذي اعلن سقوط دستور 1925 فقد جاء في ثلاثين مادة، وكانت المادة العاشرة منه تشير الى حرية الاعتقاد والتعبير مضمونة وتنظم بقانون. ويلاحظ ان هذه الفقرة الفقيرة جاءت اقل مما اكد عليه دستور 1925 الذي ذكر صراحة ضمانه لحقوق ابداء الرأي والنشر، فيما اشارت فقرة دستور 1958 الى حرية الاعتقاد والتعبير، وجاءت ايضا مقترنة بشرط تنظيمها بقانون. وذكر الدستور المؤقت لعام 1964 حرية التعبير والصحافة بتوسع اكبر مما ذكره الدستور المؤقت السابق له ففي المادة(29) ان حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او التصوير او غير ذلك في حدود القانون، وخصصت المادة(30) على ان حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة في حدود القانون.

وكرر الدستور العراقي المؤقت في 21 ايلول 1968 الفقرة نفسها من الدستور السابق بفقرتها (29)، الا انها حملت التسلسل (31) ان حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة. ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او التصوير او غير ذلك في حدود القانون، ولم يتم اي تعديل عليها، وفي المادة (32) من دستور عام 1968 المؤقت جاء: حرية الصحافة والطباعة والنشر مصونة وفق مصلحة الشعب وفي حدود القانون. ولم تكتف هذه الفقرة بتنظيم حرية الصحافة وفق حدود القانون، بل قرنتها قبل ذلك بـ( مصلحة الشعب) وهو قيد اخر فضفاض تتسم به دساتير غالبية الدول التي تقوم بالتغيير بشكل عاصف وعنيف والتي تدعي بالاساس ان تغييرها جاء لرفع الظلم! فتراها تبالغ من حيث تدري او لا تدري في تقييد الحريات بشكل يكون اقسى احيانا حتى من قوانين الانظمة التي انقلبت عليها بداعي التغيير نحو الاحسن.

لحق بالدستور المؤقت لعام 1968 دستور مؤقت اخر في عام 1970، والذي سمي دستور الجمهورية العراقية المؤقت، الذي حدد في فقرته رقم(26): ان الدستور يكفل حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الاحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق اغراض الدستور وفي حدود القانون. وتعمل الدولة على توفير الاسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات التي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي. اما مشروع دستور عام 1990 الذي لم ير النور، فقد اشار في مادته رقم(53) على حرية الفكر والرأي والتعبير عنه، وتلقيه بالوسائل الاعلامية والثقافية، مضمونة، وينظم القانون ممارسة هذه الحريات. اما المادة (54) فقد نصت على ان حرية الصحافة والنشر مضمونة، وينظم القانون ممارسة هذه الحرية، ولا تفرض الرقابة على الصحف والمصنفات الا بموجب احكام القانون.

وتتفق جميع نصوص الدساتير العراقية التي تحمل غالبيتها صفة مؤقتة في فقرات خجولة غالبا على حرية الرأي والتعبير والنشر ان هذه الحرية غالبا ما تكون مقترنة (بقانون ينظمها) او برؤية (ثورية توجهها) او بحزب (خالد تسير في هداه وتنهل من معينه) علما ان نصوص الدساتير غالبا ما كانت تقيد بمجموعة من القوانين المكتوبة او (التعليمات الشفاهية) التي كانت تصدر للصحف والتي حولت الصحافة العراقية الى مجموعة من المنشورات لا تحمل اية قيمة ولا سيما في سنواتها الاخيرة بسبب كم الاوامر الادارية والقوائم الطويلة بالممنوعات وما يفترض تناوله وكيف

التشريعات الصادرة بعد عام 2003 وعلاقتها بحرية التعبير

صدرت العديد من القوانين والاوامر المؤقتة التي اُريد لها تنظم العمل الاعلامي في العراق؛ وكان اولها الامر رقم 14 الصادر عن سلطة الحاكم المدني في العراق بول بريمر، وقبل الاطلاع على الاوامر التي صدرت في ما يخص التعاطي مع وسائل الاعلام، لا بد من التذكير ان هناك العديد من الفعاليات التي سبقت اجراءات بريمر الخاصة بحرية التعبير ومنها مؤتمر اثينا الذي عقد في حزيران/2003 وفي هذا المؤتمر التقى اكثر من خمسة وسبعين مهتما بالشأن الاعلامي في العراق لوضع اطار اعلامي، واعداد المسودة الاولى لبناء وسائل اعلام عراقية وصفت بانها ستكون حرة وتعددية تمارس وتعزز وتحمي حرية التعبير. وكان هدف هذا الجهد العمل على اصلاح القوانين للقضاء القديمة. وطالب المؤتمر اول ما طالب اصدار بيان فوري من السلطة المؤقتة بإلغاء جميع قوانين وقرارات النظام السابق المتعلقة بوسائل الاعلام؛ ويشمل ذلك النصوص القانونية والجنائية التي تتضمن عقوبة السجن او حتى الاعدام بحق المتهمين بانتقاد مسؤولي الحكومة، والتي تتضمن الرقابة المشددة والسيطرة التامة على الصحافة المطبوعة. ويجب ان تنص القوانين اللاحقة على ان الحكم بالسجن يعد عقوبة غير مناسبة للاتهامات الموجهة ضد الصحافة كما حث المؤتمر على ان يواكب تلك الاجراءات بيان من السلطة المؤقتة يفيد بان كل تنظيم او قيد على وسائل الاعلام سوف يخضع لمعايير حقوق الانسان المعترف بها دوليا، بما في ذلك الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ورغم هذه الاجراءات الاستباقية والتأكيد على اقرار قوانين للإعلام؛ الا انه لا سلطة الاحتلال ولا الحكومات المتعاقبة تعاملت مع الامر بما ينسجم مع التطورات الجديدة او اخذت بهذا الجهد بل كان اول قرار يصدر ما عرف بالأمر 14 او ما عُبر عنه الامر رقم 14/10 في حزيران من العام 2003 والذي كان مفاجئا لما حواه من قيود وانتهاك ومصادرة لحرية التعبير وقد جاء في الجزء الثالث من الامر المذكور وتحت باب اكتشاف النشاط المحظور (يجوز للمدير الاداري للسلطة الائتلافية المؤقتة ان يأذن باجراء عمليات تفتيش للاماكن التي تعمل فيها المنظمات الاعلامية العراقية دون اخطار، بغية التأكد من امتثالها لهذا الامر، ويجوز له مصادرة أية مواد محظورة واية معدات انتاج محظورة، ويجوز له اغلاق اية مبان تعمل فيها هذه المنظمات، ولن يـُسمح بدفع اي تعويض عن اي من المواد او المعدات المصادرة او المباني المغلقة).ووردت حرية التعبير في نص قانون ادارة الدولة العراقية في الفترة الانتقالية الذي صدر في 6/3/2004 وجاء في الباب الثاني من الحقوق الاساسية وفي المادة الثانية عشرة في (أ) – ان الحريات العامة والخاصة مصانة. وفي المادة (ب) للناس الحق بحرية التعبير، بضمن ذلك الحق بتسلم وارسال المعلومات شفهيا او خطيا او الكترونيا أو باي شكل آخر أو من خلال أي وسيلة يجري اختيارها. كما ورد في المادة (و) للعراقي الحق بحرية الفكر والضمير والعقيدة الدينية وممارسة شعائرها ويحرم الاكراه بشأنها.

ثم تلاه الامر رقم 65 والذي بموجبه تأسست الهيئة الوطنية للاتصالات والاعلام لتنظيم البث الاذاعي. ومنح تراخيص البث واشار الامر الى الحرية في اصدار الصحف دون الحاجة الى الحصول على ترخيص بذلك من اية جهة، رافق ذلك صدور الامر 66 عن سلطة الائتلاف المؤقتة والمتضمن اصدر صحيفة يومية واذاعة ومحطة تلفزيونية، وصدر الامران عن المدير المدني لسلطة الائتلاف المؤقتة بول بريمر في 20 / اذار/ 2004. وتم اعتماد الامر 65 والامر 66 كأساس للتعامل مع وسائل الاعلام العراقية كما تم استخدام الامر 14 والذي يسمح بموجبه مطاردة الصحف وتفتيشها واغلاقها اوسع استخدام وما زال ساري المفعول وهو ما اعتمدته وما زالت القوات العسكرية الاميركية لمداهمة مقار الصحف ووسائل الاعلام وتم بموجبه ملاحقة عدد من وسائل الاعلام العراقية واقتحام مقارها والعبث بموجوداتها واعتقال العاملين فيها.

على ان آخر تشريع يتعلق بحرية التعبير جاء في الوثيقة النهائية، الدستور العراقي الدائم والمصادق عليه في الاستفتاء الشعبي العام الذي جرى في 15/12/2005، ففي الفصل الثاني الحريات وفي اولا من المادة (38) جاء حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وفي ثانيا من ذات المادة: حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر.

وتشكل المادة 38 من الدستور العراقي خطوة الى الامام في تعزيز بيئة حرية التعبير في العراق الا انها خطوة غير كافية لضمان حرية التعبير، اذ يشكل غياب التشريعات القانونية والواقع الامني القلق ومحاولات التدخل من قبل المسؤولين ضعفا لهذه المادة الدستورية ويحولها الى مجرد نص يفقد قوته المفترضة.

وهو ما حدث فعلا في عدد من الانتهاكات بحق الصحفيين من تضييق على عملهم ومنعهم من تغطية جلسات مجلس النواب واغلاق بعض وسائل الاعلام ومنع الصحفيين من الوصول الى اماكن الاحداث للتغطية الاخبارية، ففي اعلان صادر عن وزارة الداخلية في ايار عام 2007 قررت الوزارة منع اقتراب الصحفيين من اماكن الاحداث والتفجيرات وعللت الوزارة هذه الخطوة بانها اجراءات احترازية لضمان سلامة وحياة الاعلاميين من حدوث انفجارات متزامنة في المكان عينه.

ان متابعة التشريعات والاوامر التي صدرت منذ عام 2003 وحتى دستور عام 2005 غير مشجعة لانعاش وتعزيز بيئة حرية التعبير في العراق. ولم تقم الجهات التشريعية باي جهد لتطوير الاطار الرقابي وعلى الرغم من ان دستور عام 2005 يتضمن فقرات متقدمة نسبياً، لم تكن هناك جهود جدية لتحويل هذه النصوص القانونية الى ضمانات جدية يمكن ان يعمل الصحفيون في اطارها، بل ان هناك مجموعة من القوانين المقرة من زمن ما قبل عام 2003 ما زالت نافذة المفعول وقد استخدم عدد منها بعد التغيير.

ان المادة (38) من الدستور لا تشكل ضمانا حقيقيا وكافيا لحرية الصحافة في العراق، فهذه الحرية مشروطة باحترام النظام العام والآداب وذلك يحد من النطاق التنفيذي للحق ويتيح امكانية تقييد السلطة التنفيذية لأنواع معينة من التعبير وفق اشتراط بسيط وهو انها لا تتوافق مع مبادئ النظام العام والآداب. وتبين الملاحظة الدقيقة للمادة (38) انها تجيز الحق في التعبير، وكان من الواجب ان تحمي هذه المادة الحق في التعبير لا ان تجيزه فقط.

وتشكل الخروقات التي مورست بحق الصحافة العراقية دليلا على المخاوف من استخدام الانظمة والتشريعات لقمع هذه الصحافة، وهذا التهديد اضعف الحريات الصحفية بشكل كبير من خلال تصرفات المسؤولين المحليين ومجالس المحافظات التي حاولت تقييد حرية التعبير من خلال ضغوط واعتداءات مارستها ضد الصحفيين، وسجل المرصد في تلك الفترة (60) انتهاكا مورس ضد الصحفيين والمؤسسات الاعلامية من قبل السلطات المحلية، وشكل منع الصحفيين من تغطية الاحداث والمحاكمات والاعتقالات وحالات الضرب تحديا جديا لحرية الصحافة، حيث شملت هذه الانتهاكات (42) حالة اعتقال ترض لها مراسلون عند تغطيتهم للإحداث ميدانيا، بالإضافة الى السلوك الرقابي والتحقيقات الجنائية التي تم من خلالها التضييق على الحريات الصحفية، منها حالات تعرض لها صحفيون لمضايقات او اعتقال او مصادرة لمعداتهم من قبل الاجهزة الامنية، وواجه الصحفيون العراقيون محاكمات جنائية بقضايا النشر ووجهت لهم تهم تتعلق بالتشهير، اذ تعرض (18) صحفيا للمحاكمة والسجن بسبب دعاوى قضايا رفعت ضدهم من قبل مسؤولين محليين وامنيين، ولم يكن الصحفي محصن من اصدار اوامر القاء القبض عليه، ومعاملته معاملة المرتكب لفعل اجرامي، ومارست السلطات الامنية في جميع مناطق العراق تضييقاً بحق حرية التعبير من خلال اوامر الاعتقال والتحقيقات التي كانت تمارس بحق الصحفيين.

التناقض بين التشريعات القانونية وأثرها في حرية التعبير

بموجب الدستور العراقي لعام 2005 فأن جميع القوانين السابقة ما زالت نافذة المفعول، فقد ورد في المادة (130) من الدستور تبقى التشريعات النافذة معمولا بها، ما لم تلغ أو تعدل وفقا لإحكام هذا الدستور. كما اكد قرار سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (7) إن معظم احكام قانون العقوبات لعام 1969 ما زال نافذ المفعول خلال الادارة المؤقتة لسلطة الائتلاف. وعليه فأن سلة كبيرة من القوانين المقيدة للحقوق والحريات والمخالفة لإحكام دستور 2005 ما زالت متاحة لاستخدامها في الحد من الانتقادات المشروعة ضد الممارسات الحكومية.

ويتجلى التناقض واضحا في جميع القوانين بما يؤدي إلى نتيجة واحدة؛ هي مصادرة الحق في التعبير، والتضييق على الحريات. فمن جهة أكد الدستور العراقي والامر الذي اصدره بول بريمر الى نفاذ القوانين التي صدرت في مرحلة سابقة، ونفاذ القوانين التي اصدرتها سلطة الائتلاف المؤقتة ومن جهة اخرى وجود الدستور العراقي، وكما أصدر بول بريمر القرار رقم 65 الذي أسس لتنظيم البث في العراق هناك قوانين سابقة ما زالت سارية المفعول تناقض الامر رقم 65 كما سنرى لاحقا. ورغم وجود نص دستوري يكفل حرية الرأي والتعبير؛ تؤكد مواد قانون العقوبات 111 لسنة 1969 على ارتباط الاعلام بالامن الوطني والاخلاقيات العامة والمصلحة العليا للبلاد. وما زال هذا القانون ساري المفعول بمواده، ويمكن وفقا لهذا القانون توجيه عقوبة ما يوصف بجريمة القذف والتشهير على وفق المادة 434 من قانون العقوبات العراقي. كما يتضمن القانون المدني رقم 40 لعام 1950 إمكانية الحكم على الأضرار الناتجة عن التشهير في الاعلام. ويعد القانون استخدام الاعلام في قضايا التشهير ظرفا مشدداً، ينبغي أن تفرض المحاكم جراءها أقصى عقوبة، وإذا ما عدنا الى الدستور العراقي، وقوانين بريمر في مجال النشر والمادة (130) من الدستور العراقي التي تؤكد على سريان قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 ، نجد تنافضا واضحا وقيود اخرى تم تشريعها اضافة الى تفعيل القوانين القديمة للحد من حرية التعبير. ان فقرات قانون 111 تجعل من الاستحالة ممارسة حرية التعبير دون الوقوع تحت طائلة القانون الذي تصل عقوبته إلى الاعدام.

إن تفعيل القوانين المذكورة؛ وحتى في حال عدم استخدامها، يبقى محفوفا بالمخاطر في أن تعود السلطة التنفيذية لاستخدام تلك القوانين في الوقت الذي تريد. وفي الفصل الثالث من قانون العقوبات، وفي باب المسؤولية في جرائم النشر، المادة 81 انه مع الاخلال بالمسؤولية الجزائية بالنسبة الى مؤلف الكتاب او واضع الرسم الى غير ذلك من طرق التعبير يعاقب رئيس تحرير الصحيفة بصفته فاعلا للجرائم التي ارتكبت بواسطة صحيفته.

عقوبات متعلقة بالنشر

وفي المواد 82 و83 و 179 و200 من القانون المذكور نجد ترسانة من المواد المتعلقة بجرائم النشر والتي تتراوح بين تجريم الانتقاد، ونشر الاخبار المتعلقة بمؤسسات الدولة، واذاعة الاخبار او نشر الوثائق الخاصة بالدوائر والمصالح الحكومية، او المؤسسات العامة وتتراوح هذه العقوبات بين السجن لفترة تتراوح من السنتين الى السجن المؤبد.

وتشير بعض مواد القانون من التي تعد قيوداً مفروضة على ما يمكن نشره تحت باب اسرار الدفاع فقد ورد في المادة 178 يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين وفي 1( من حصل بأية وسيلة غير مشروعة على سر من اسرار الدفاع عن البلاد ولم يكن يقصد تسليمه او افشاءه لدولة اجنبية او لاحد ممن يعملون لمصلحتها) وفي 2 ( من أذاع أو أفشى بأية طريقة سراً من أسرار الدفاع) وفي 3 (من نظم أو استعمل أية وسيلة من وسائل الاتصال بقصد الحصول على سر من أسرار الدفاع عن البلاد أو بقصد تسليمه أو إذاعته وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب أو كان الجاني شخصا مكلفاً بخدمة عامة) وفي الظروف التي يمر بها العراق، تختفي الحدود الفاصلة بين ما يعد سراً من اسرار الدفاع من عدمه، وتعد هذه المادة قيداً مطاطيا يمكن تفسيره في أي وقت، ويمنع بموجبه الكشف عن أي من المصالح الحكومية تحت ذريعة اسرار الدفاع او الامن القومي للبلا. وقد صيغت المادة 178 على أنها حظر مطلق في التعرف او الاطلاع على أي نوع من المعلومات، ويمكن أدانة الافراد والمؤسسات الاعلامية وفق هذه المادة حتى وان لم ينتج عنها أي ضرر او أذاعه لهذا النوع من المعلومات.

وفي القانون ذاته نجد المادة 180 ( يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على خمسمائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مواطن أذاع عمداً في الخارج أخباراً او بيانات أو اشاعات كاذبة أو مغرضة حول الاوضاع الداخلية للدولة وكان من شأن ذلك أضعاف الثقة المالية بالدولة أو النيل من مركزها الدولي او اعتبارها او باشر بأية طريقة كانت نشاطاً من شأنه الاضرار بالمصالح الوطنية. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات اذا وقعت الجريمة في زمن الحرب)

أما المادة 182 وفي 1 منها نشهد ارتفاعاً في حجم التضييق وتزيد وفقها قائمة الممنوعات، لتشمل أية وثيقة او معلومة تتعلق بالجهاز الحكومي او كل ما يتعلق بنشاطه. اذ تشير تلك المادة الى انه ( يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على خمسمائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من نشر او اذاع بأية صورة وعلى اي وجه وبأية وسيلة كانت اخبارا او معلومات او مكاتبات او وثائق او خرائط او رسوما او صورا او غير ذلك مما يكون خاصا بالدوائر والمصالح الحكومية او المؤسسات العامة وكان محظوراً من الجهة المختصة نشره او اذاعته) اما الفقرة 2 ( يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين من سلم لدولة اجنبية او لاحد ممن يعملون لمصلحتها بأية صورة وعلى اي وجه وبأية وسيلة كانت امراً من الامور المذكورة في الفقرة السابقة.

وفي الفقرتين أعلاه تناقض واضح بين هذه المواد المعمول بها، وبين الدستور العراقي، وكذلك تتناقض هذه المواد مع الاعراف والمواثيق الدولية التي صادق عليها العراق، وبموجب هذه المواد القانونية يمكن ملاحقة كل ما يمكن نشره في وسائل الاعلام من الوثائق والمراسلات والكتب الرسمية الحكومية التي تهم الشأن العام، ووفق هذه المواد فأن وسائل الاعلام تفرغ من محتواها وتتحول من رقيب امين يعمل لرعاية مصالح الجمهور والمجتمع الذي يقوم بخدمته وفي حق هذا الجمهور في ان يعرف الى مجرد ادوات غير فعالة تستخدمها الحكومة، كما يمكن توجيه الاتهام بالنيل من سمعة الدولة وفق هذه المواد بكل سهولة ويسر وبالتالي تفريغ وسائل الاعلام من معناها وجوهرها الحقيقي لتتحول الى مجرد ابواق للدعاية.

وتتسع دائرة التقييد إلى الاتهام بالإخلال بالنظام العام. وتأتي المادة 201 لتشير إلى أنه (يعاقب بالإعدام كل من حبذ أو روج مبادئ صهيونية بما في ذلك الماسونية، أو انتسب الى اي من مؤسساتها او ساعدها ماديا او ادبيا، او عمل بأي كيفية لتحقيق أغراضها)، إن هذه المادة تتناقض مع المادة 38 من الدستور، ومع حق الاعتقاد والرأي، وكما هو معلوم فأن هذه المادة كانت ومواد مشابهة اخرى من المواد التي يمكن ان تستخدم في غير موضعها الصحيح، وكان يمكن لأي خلاف في الرأي ان يوجه الاتهام المجاني بموجبها بالانتماء الى الافكار Hو التوجهات الموجودة في هذه المادة التي غالبا ما كانت تستخدم استخداماً سياسيا. أما المادة 208 فهي تشير ( يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسمائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين:

  1. من حاز او احرز بسوء نية محررات او مطبوعات او تسجيلات تتضمن تحريضا او تجنيداً او ترويجاً لشيء مما نص عليه في المواد 200 و201 و202 اذا كانت معدة للتوزيع او النشر او لاطلاع الغير عليها.
  2. – من حاز اية وسيلة من وسائل الطبع او التسجيل او العلانية مخصصة لطبع او تسجيل او اذاعة نداءات او اناشيد او دعاية خاصة بمذهب او جمعية او هيئة او منظمة ترمي الى غرض من الاغراض المذكورة في المواد السابقة)

أما المادة 214 فهي تخصص (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من جهر بالصياح او الغناء لإثارة الفتنة)، وبموجب هذه المادة القانونية يصبح الاحتجاج والاضراب والتظاهر خروجا على القانون يستدعي الحبس او الغرامة، وهذه المظاهر كما هو معروف من مظاهر التعبير والاختلاف في الرأي والاحتجاج ضد السياسات الحكومية مشهد يومي ولا سيما في الدول الديمقراطية او التي انتقلت حديثا اليها، وحسب هذه المادة يمكن التصدي وبشكل قانوني لكل هذه الممارسات المشروعة للتعبير عن الاختلاف في الرأي.

ولا تنسجم العقوبات الجنائية الواردة في نصوص المواد المذكورة مع المعايير الدولية الخاصة بحرية الرأي والتعبير وهي مخالفة صريحة للنص الدستوري الذي كفل هذه الحرية، كما تتعارض هذه النصوص مع حق الجمهور في ان يعرف، وحق الحصول على المعلومات التي تحتفظ بها الهيئات والمؤسسات الحكومية. كما تتعارض هذه النصوص مع مبدأ حرية الحصول على الوثائق العامة، والتي تعد جزءاً اساسياً من تمكين الاعلام لممارسة دوره في التدقيق والمحاسبة والتي تحول دون استغلال السلطة السياسية لموقعها.

وفي المواد القانونية من قانون العقوبات 202 و 227 و 215 و225 و225 و 229 و 305 و 327 و 372 و404 و434 و435 و437 تتراوح العقوبات الخاصة بحرية الرأي والفكر والنشر بالسجن لسنوات عدة وصولا إلى الإعدام. وفي المادة 201 يعاقب بالإعدام كل من حبذ أو روج مبادئ صهيونية بما في ذلك الماسونية، او انتسب الى أي من مؤسساتها او ساعدها ماديا او ادبيا، أو عمل بأية كيفية لتحقيق اغراضها.

على أن أقسى العقوبات وأكثرها خطورة والتي ما زالت سارية المفعول هي المادة 200 من ذات القانون والتي تشير إلى (يعاقب بالإعدام كل من حرض على قلب نظام الحكم المقرر في العراق أو على كراهيته او الازدراء به أو حبذ أو روج ما يثير النعرات المذهبية او الطائفية أو حرض على النزاع بين الطوائف والأجناس أو أثار شعور الكراهية والبغضاء بين سكان العراق) وتشير هذه العقوبة الى حجم التقييد الهائل الذي يمكن أن يطال حرية التعبير في حال تفعيل هذه المادة وبسببها يمكن إيقاف جميع أنواع الانتقادات التي يمكن أن توجه ضد الحكومات العراقية أو سياساتها. وتتراوح الجرائم التي نص عليها قانون العقوبات بين نشر الأخبار الحكومية، واذاعة جلسات مجلس النواب والانتقادات التي توجه للحكومة واعتناق الافكار التي لا تتلائم مع شكل النظام السياسي، من الغرامات المالية والسجن لسنة وسنتين وحتى السجن المؤبد وصولا الى الاعدام.

إن النصوص القانونية سالفة الذكر هي نتاج غياب التشريعات القانونية في مجال حرية الرأي والتعبير وفي قطاع الاعلام بشكل خاص، مما يؤكد الحاجة الفعلية الى تشريع جملة من القوانين الداعمة لحرية التعبير، على ان تتسق هذه القوانين مع المواثيق والاعراف الدولية الضامنة لحرية التعبير وتلك المواثيق التي وقع عليها العراق.

وهناك ايضا قوانين اخرى تتناقض مع القوانين الصادرة بعد عام 2003 فقانون وزارة النقل والمواصلات برقم 7 لسنة 1976 يبحث في تشكيلات وزارة النقل وفي الصلاحيات المعطاة للوزير سواء من حيث امكانية انشاء اقسام جديدة او استحداث اجهزة اخرى او فيما يتعلق بإصدار التعليمات التي من شانها تسهيل تنفيذ هذا القانون. وهذا القانون لا يتناول قضايا حرية التعبير بصورة مباشرة ولكنه يرسخ المركزية الادارية، وقيامها بواجبات تجعلها جهة رقابية اكثر من كونها جهة تنظيمية، وهو ما يتعارض مع البيئة الجديدة للإعلام في العراق، والاهم من ذلك ان هذا القانون غير الملغى يتناقض مع قرار سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 65 الذي صدر لتنظيم بيئة الاعلام في العراق.

وهناك قوانين اخرى ذات صلة؛ ومنها قانون وزارة الثقافة والاعلام المرقم 94 لسنة 1981 والذي يؤكد على نشر فكر ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي وتعميقها وترسيخها في القطر والوطن العربي والتعريف بمنجزات حزب البعث ونشر فكره ومواقفه ورغم قرار سلطة الائتلاف المؤقتة بإلغاء وزارة الاعلام الا ان وزارة الثقافة ما زالت موجودة، وهناك ايضا قانون دار الجماهير للنشر والمرقم 98 لسنة 1971 والتي تشير المادة 12 منها الى الاشراف على سياسة الصحف والمجلات والمطبوعات التي تصدرها وواقع الحال ان دار الجماهير اصبحت جزءاً من التاريخ، ولا وجود لها يبقى القانون في المحررات القانونية وبالتالي يجب الغاؤه.
لقد اعطى الدستور الحق في التعبير، ولكنه لم يعمل على حماية هذا الحق، وبالتالي لا يملك هذا الحق سندا قويا او قانونيا ليمارس وظيفته في الحماية، وكان يجب ان تتم الاشارة الى ان نصوص الدستور الكافلة لحرية التعبير، متناغمة او معتمدة على القوانين الدولية لا القوانين العراقية، اذ ان القانون الدولي يوفر الحماية الكافية لمفاهيم حرية التعبير.

إن من المحددات التي اشرنا اليها سابقا والتي تقيد النص الدستوري الزام حرية التعبير باحترام النظام العام، مما يفتح الباب امام الاجتهاد الحكومي وجهازه التنفيذي لوضع اي رأي في خانة الاخلال بالنظام العام. ورغم اقرار الدستور؛ ونتيجة تلكؤ اقرار القوانين والتشريعات، بقي كثير من القوانين التي سـُنت في عقود سابقة قيد التنفيذ، وهو ما يعني ان هناك تناقضا صارخا بين الدستور العراقي والقوانين النافذة.

ان تطبيق فقرات من القانون الجنائي للتضيق على حرية الصحافة، يشكل تهديدا حقيقيا لحرية الاعلام، ذلك لان حماية حقوق الاخرين من تشويه للسمعة او السب او القذف؛ لا يجب بكل حال من الاحوال ان يمرعبر القانون الجنائي او قانون العقوبات، وانما يجب ان يمر عبر القانون المدني والتشريعات الخاصة بحرية الصحافة ومواثيق الشرف التي صدر منها في العراق وحتى عام 2007 العشرات والتي لم يتم الالتزام بواحد منها.

الإجراءات التي تم اتباعها لمنع وسائل الإعلام من تغطية الأحداث

ان احدى اهم التطبيقات التي تحد من حرية الاعلام التي تحدثنا عنها في علاقة الدستور بالقانون والتعليمات تجلت واضحة في قرار وزارة الداخلية العراقية بتاريخ 24/8/2006 القاضي بمنع وسائل الإعلام العراقية من تغطية الاحداث الامنية، كما عملت الوزارة على منع وسائل الاعلام من الوصول الى مكان الحدث او تصويره تحت دعوى الخوف على سلامة الصحفيين. وفي تشرين الثاني

من عام 2006 تم منع وسائل الاعلام من حضور جلسات مجلس النواب وعرقلة وصول الصحفيين الى مجلس النواب بحجة ان هذه التغطية ونقل الآراء المتباينة تساهم في تأزيم الواقع السياسي، وتم منع وسائل الاعلام من نقل اللقاءات الصحفية وتسجيلها من داخل قصر المؤتمرات.

وتعرض الصحفيون في العراق الى المئات من الحوادث المسجلة التي تدخل في باب قمع وانتهاك الحريات الصحفية من خلال الضغوطات والتهديدات من قبل صغار الموظفين والمسؤولين الحكوميين والمنتمين الى الاحزاب الذين يعمدون الى ممارسة الضغوط والاعتداء ومنع الصحفيين من الوصول الى مصادر المعلومات وحالات ضرب الصحفيين والتضييق عليهم وملاحقتهم وحبسهم.

وبتاريخ 19/11/2007 منعت سلطات اقليم كردستان الصحفيين من التوجه الى المناطق الحدودية لتغطية الاحداث والتطورات الساخنة، وشهد الاقليم المذكور حالات قمع وحبس وايقاف الصحفيين عن العمل. وسجل عام 2006 عددا من الانتهاكات بحق الصحفيين، منها (60) انتهاكا مورس بحق الصحفيين والمؤسسات الاعلامية، كما تعرض (42) صحفيا في العام المذكور الى حالات ضرب واعتقال ومضايقات، وتعرض(18) صحفيا للمثول أمام المحاكم العراقية، وعوملوا معاملة بقسوة بسبب دعاوى قضائية قدمت ضدهم من قبل مسؤولين محليين، وسجل زهاء (13) انتهاكا مارسته القوات الامريكية، اضافة الى قتلها اكثر من صحافي منذ العام 2003، ومنذ عام 2003 وحتى العام 2006 قتل اكثر من (215) صحفيا ومساعدا اعلاميا عراقيا واجنبيا، منهم (112) صحفيا قتلوا بسبب عملهم الصحفي، وكذلك (41) فنيا ومساعدا اعلاميا، واختطف (60) صحفيا ومساعدا قتل اغلبهم، وما زال (14) منهم في عداد المفقودين، كما تعرض (28) منهم للمحاكمة.

وبالإضافة الى عدم اتخاذ اجراءات جدية بحق قتلة الصحفيين، او تشريع قوانين تساهم في ايقاف النزيف؛ فان العراق لم يلتزم حتى بالمواثيق الدولية التي الزم نفسه بها، ففي كانون الاول 2006 اصدر مجلس الامن قرارا يدعو جميع الدول الاعضاء الى ضمان الحماية للصحفيين في حالات النزاع المسلح . وقد ضم القرار الالتزامات الواضحة التالية:

  1. تكفل الدولة ان يـُعتبر الصحفيون العاملون في بعثات مهنية خطرة كمدنيين وان يحترموا ويتلقوا الحماية وفقا لذلك.
  2. تكفل الدولة ان تـُعتبر معدات ومرافق وسائل الاعلام اغراضا مدنية وان لا تكون هدفا للاعتداءات او للإعمال الانتقامية.
  3. تكفل الدولة وضع حد للافلات من العقاب ومحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الانساني الدولي.
  4. تكفل الدولة احترام الاستقلال المهني وحقوق الصحفيين والاعلاميين والافراد المرتبطين بمجال الاعلام.

التشريعات الضامنة لحرية التعبير

وتراكمت التشريعات الدولية الضامنة لحرية التعبير ورغم ان العديد من هذه التشريعات ليس لها صفة الزام قانوني، الا انها تحولت وبفعل الزمن وبتبني دول عديدة لها الى قوة فعالة تقترب من قوة القانون الملزم، وتتفق الادبيات الدولية ان الحق في التعبير ليس مطلقا وتؤكد غالبية الدساتير الى ضرورة رسم حدود على ان تبقى هذه الحدود ضمن معايير صارمة من اجل التأكد من عدم انتهاك الحريات، ووردت اول اشارة الى حرية التعبير وحق المواطن فيها الى الاعلان العالمي لحقوق الانسان في 10/12/1948 واقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعلان العالمي لحقوق الانسان واصدرته وطلبت الجمعية من البلدان الاعضاء ان تدعو لنص الاعلان وان تعمل على نشره وتوزيعه وقراءته وشرحه ونصت المادة 19 من الاعلان على؛ لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون اي تدخل، واستقاء الانباء والافكار وتلقيها واذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.

أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمد للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العام للامم المتحدة والمؤرخ 16/12/1966 وبموجب المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فان؛

  1. لكل انسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة
  2. لكل انسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والافكار وتلقيها ونقلها الى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب او مطبوع او في قالب فني أو باية وسيلة اخرى يختارها
  3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ان يجوز اخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة ان تكون محددة بنص القانون وان تكون ضرورية ل:
  • احترام حقوق الاخرين او سمعتهم
  • لحماية الامن القومي او النظام العام او الصحة والآداب العامة.

وصادق العراق على هذا العهد في 25/1/1971 والزم نفسه بهذه الاتفاقية، ان الشروط التي اقرت في المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هي محددات واجبة ضد اساءة استخدام الجهاز التنفيذي للسلطة الممنوحة له وان عبارة (محددة بنص القانون) ترسم حدودا واضحة دون اصدار اوامر من قبل المسؤولين تعد قيودا قاسية وغير مبررة.

وبموجب نص المادة 38 من الدستور العراقي وتوقيعه على العهد الدولي ألزم العراق نفسه بتطبيق المعاهدات الدولية، الا اننا نجد ان جميع المواثيق السالفة الذكر تتناقض بشدة مع حزمة القوانين التي ما زالت سارية في العراق، ورغم تراجع أعمال العنف التي ترتكبها الجماعات المسلحة ضد الصحفيين، إلا إن الوسط الاعلامي بات يواجه تدريجيا عوائق من نوع جديد تحول دون حسن ممارسته لواجبه المهني أبرزها؛ الاعتقالات والاعتداءات التي تنفذها القوى النظامية. إن غياب التشريعات القانونية الضامنة لحرية الصحافة، وبقاء القوانين القديمة يعد عقبة حقيقية أمام تطور الصحافة العراقية. وقلما ابدى المشرعون اندفاعا لالغاء العقوبات المفروضة على جرائم النشر.

بقلم: نيرة النعيمي

 

أضف تعليقك هنا