آيات القرآن .. رؤية جديدة نحو الفهم والقراءة!

بقلم: راكان علي

لغة القرآن هي لغة النبي محمد عما جاء به الوحي

آيات القرآن الكريم كانت تعبيرا عن الوحي الذي نزل على قلب النبي الأمين محمد ابن عبدالله، فاستخدم اللغة المتاحة في عصره بأساليبها ومصطلحاتها لمحاولة التعبير عن الوحي الذي تلقاه من رب العالمين، ولإيصاله للناس أجمعين. فلغة القرآن إذن كانت اجتهادا منه عليه السلام لإيضاح غاية ورسالة الله -سبحانه وتعالى- التي اختاره لأن يكون  بها مبشرا ونذيرا للعالمين. لغته لم تكن مختلفة عما كان مستخدما في مجتمعه وعصره، فقد حاول بما كان متاحا له من مصطلحات وتعابير – تعكس طبيعة البيئة والمجتمع الذي كان يعيش فيه – ترجمة ما وصله من وحي من رب العالمين. وبالتالي، فلغة القرآن ونصوصه من حيث هي ليست ضمن دائرة المقدَّس، وإنما هي مرحلة أولية أو طريقة أولى للتعبير عن مضامين الوحي المُرسل من الله – سبحانه وتعالى- فجاء القرآن كمحاولة من النبي الأمين للتعبير عن المقدَّس باستخدام اللغة والعبارات التي ليست مقدَّسة في ذاتها، وإنما القداسة كانت في قيم جوهر الرسالة؛ العدالة والكرامة والحرية، هذه هي قيم جوهر هذه الرسالة. وقد عبَّر عنها بآيات ثلاث:

  1. آية العدل (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ۚ يعظكم لعلكم تذكرون).
  2. آية الكرامة (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
  3. آية الحرية وعدم الإكراه (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وآية  (لا إكراه في الدين).

لغة القرآن تعكس طبيعة البيئة التي عاشها الرسول

لقد سعى عليه السلام بأمانة وصدق لإيصال رسالة ربه -سبحانه- للناس كافة، حاول جاهدا التعبير عما في قلبه من وحي ألقاه الله في قلبه بكل ما يستطع من فصاحة ووضوح. استخدم المتاح أمامه والموجود في بيئته ومجتمعه وثقافته التي مضى عليها أكثر من (١٤٤٠) عاما. إن فهم هذه الفكرة جيدا ووعي مقاصدها سيفتح أمامنا عصرا جديدا نحو قراءة جديدة ومنفتحة للقرآن ونصوصه وآياته، فالاقتناع بأن القرآن الذي بين أيدينا اليوم ليس هو ذات ما وصل للنبي من وحي وإنما هو محاولة للتعبير عن الذي ألقي في قلبه، ومحاولة لترجمة الوحي الإلهي باستخدام اللغة الإنسانية السائدة في ذلك العصر بما تحمله تلك اللغة من عيوب وبما تعبر عنه من ثقافة وعادات ومستوى وعي معين، سيجعلنا نقرأه قراءة عقلانية ومنطقية تخدم قيم جوهر الرسالة وتوجه كل الآيات في اتجاه تلك القيم.

لغة القرآن هي لغة بشرية  

القرآن إذن كُتب بلغة البشر، لنتفق على هذه الحقيقة. فلغة الله ليست عربية ولا فرنسية، لا لغة له سبحانه هو فوق مستوى اللغة، ولعل أقرب اللغات له ولفهمه هي لغة القلب، بما تحمله من رحمة وشفقة وعفو. لغة القرآن بشرية. وبالتالي، هي خاضعة للفهم والنقد البشري، ولا تُعامل باعتبارها لغة خاصة ومقدَّسة، بل بالعكس ينبغي قراءتها وفهمها ونقدها حتى. فنقد آيات ولغة القرآن ليس نقدا للقرآن ذاته بما هو رسالة إلهية أُلقيت في قلب النبي الأمين، وإنما نقد للغة ذلك النبي، ونقد لمحاولة ترجمته ونقله للوحي الذي جاءه من رب العالمين.

هل تتناسب لغة القرآن مع ثقافة ولغة العصر الحالي؟

هذا الفهم الجديد سيجعلنا بدون خوف أو تردد نتمكن من قراءة آيات القرآن قراءة نقدية، بل وتفنيد كل آية لا تعود مناسبة لهذا العصر. فهنالك آيات قرآنية كانت مناسبة لذلك العصر الذي كان فيه النبي وقومه، ولكنها اليوم لم تعد مناسبة لهذا الزمن، بل وأصبح تردادها يحمل شيئا من التمييز والعنصرية.

والعيب ليس في القرآن، بل في اللغة التي نقلت ذلك القرآن وما تحمله من ثقافة فيها من العنصرية والتمييز الجنسي والتعصب الديني ما ليس مقبولا في هذا العصر بقيمه وروحه التي تحث على التعايش والتآخي بين كل البشر بغض النظر عن الدين أو اللون أو العرق أو الجنس. إذن فالقرآن كرسالة جوهرها العدل والكرامة والحرية، لا عيب ولا نقصان فيه، بل في اللغة التي ترجمت وعبَّرت عن تلك الرسالة وجوهرها بذلك الأسلوب الذي يتضمن نوعا من العنصرية والتمييز، والسبب طبعا هو في أن تلك اللغة كانت نتاج بيئة قديمة وذات عادات وتقاليد متخلفة ورجعية بالنسبة لعصرنا هذا. قراءة آيات القرآن بهذا التصور الجديد سيبعث الحياة من جديد في قلب هذا الكتاب العظيم، ورسالته التي جاءت للناس كافة دون تحديد أو تمييز. رسالة العدل والكرامة والحرية.

ينبغي النظر في آيات القرآن لمعرفة جوهره 

ما أسعى له من هذا الطرح الجديد هو هدف واحد، إعادة النظر في كل الآيات التي جاء فيها تمييز ضد المرأة، بل وأحيانا تمييز لدرجة الإهانة والانتقاص منها كما جاء في آية (واضربوهن) بينما لم يقل القرآن ذلك مع الرجل! وكل الآيات التي فيها دعوة صريحة أو مضمَّنة للقتل أو الإقصاء أو التعصب كآية (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) وآية (لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) وما شابهها من آيات جاءت في سياق معين ما كان ينبغي تعميمه على كل الأزمنة. كما يجب إعادة النظر في أي آية تدين المثلية الجنسية أو توحي بذلك كآية (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ۖ فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ۗ إن الله كان توابا رحيما) وغيرها من الآيات المشابهة. وينبغي إعادة النظر كذلك في الآية التي صار من المخجل الحديث عنها (الحر بالحر والعبد بالعبد..).

إعادة النظر في كل هذه الآيات التي جاءت في القرآن الكريم واعتبارها مجرد سرد تاريخي لقصص معينة أو نموذج للغة القرآن في عصر النبوة دون تعميمها وجعلها جوهر الدين وأساسه، من شأنه أن يجعل المسلم أكثر انفتاحا وتقبلا لقيم العصر وكل ما جاء من مواد في وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وبالتالي، سيجعل من الممكن تطبيقها في مجتمعاتنا وحمايتها وتمكين كل إنسان – ذكرا كان أو أنثى- من ممارسة حياته بكامل حريته وكرامته واستقلاليته دون خوف من عقاب ديني أو دنيوي أو حتى أخروي طالما لم يتعدَّ على حقوق وحريات الآخرين.

جوهر الرسالة هو العدالة والحرية والكرامة

القرآن بجوهره الداعي للعدالة والحرية والكرامة هو رسالة إلهية لا شك في ذلك، وأنا أؤمن بذلك، ولكن آيات القرآن ليست كلها تعبير عن ذلك الوحي “القرآن”. إذ أن بعض آياته كانت مجرد محاولات لترجمة حقيقة وجوهر الرسالة باستخدام لغة تحمل ثقافة مليئة بالعنصرية والتمييز.  وفهمنا لهذه الفكرة هو بداية إدراك حقيقة هذا الكتاب العظيم وجوهر الرسالة التي جاءت فيه، وبالمناسبة الرسالة لا تشكل إلا جزءا بسيطا من هذا الكتاب، بينما بقية الآيات هي سرد تاريخي لقصص وأحداث وقعت قبل مئات وآلاف السنين.

لنقرأ القرآن دون خوف ودون تشنج، فوالله لو كان محمد بيننا اليوم لرأيناه يغير الكثير من تعابير وآيات القرآن بناء على ما يجده من متغيرات وتطورات، وبناء على ما يجده من لغة وثقافة إنسانية جديدة تدعو لحقوق الإنسان وحرياته، ولا تقبل أي نوع من التمييز أو العنصرية. سيكون أكثر انفتاحا وتقبلا منا كلنا، فهو من يعرف حقيقة وجوهر الرسالة المتمثلة في قيم العدالة والكرامة والحرية، وهو من يعرف ويدرك أن أي شيء يخدم تعزيز تلك القيم فهو بالضرورة جزء من الرسالة. وهو من يعرف أن ما نقله من آيات ونصوص إنما كان اجتهادا منه لتعزيز تلك القيم، ومحاولة لترجمة ونقل جوهر ذلك الوحي “الرسالة” للناس مستخدما اللغة التي كانت متاحة لديه، رغم مساؤها وقصورها.

لغة القرآن ليست مقدَّسة وإنما جوهر الرسالة هو المقدَّس

علينا قراءة آيات القرآن كما نقرأ أي شيء آخر بشري، فلا نقدِّس شيئا منها ولا نمتنع عن نقدها وتفنيدها، بل واستبعاد ما لا يتناسب منها مع حقوق الإنسان وحرياته وكرامته. لنتذكر أن آيات القرآن ليست مقدَّسة وإنما جوهر الرسالة هو المقدَّس، جوهرها الذي يدعو للعدالة والكرامة والحرية. وبالتالي، فإن أي انتهاك أو تعارض في إحدى آيات القرآن مع جوهر الرسالة المتضمن لتلك القيم الثلاث، يجيز استبعادها وتعديلها، أو اعتبارها مجرد آيات تاريخية أو نموذجا لغوي تاريخي لشكل وطبيعة اللغة في زمن النبوة.

ختاما؛ في القرآن آيات عظيمة وجميلة يجب تعزيز وجودها وتكثيف حضورها في خطابتنا الدينية والمجتمعية نظرا لتوافقها ودعمها للإنسان وحقوقه وحرياته، وفيه كذلك بعض الآيات التي تحتاج لإعادة النظر لعدم قدرتها على التكيف مع متطلبات العصر وقيمه. ليس في هذا ما يدعو للغضب أو الاستخفاف بهذا الطرح الذي أطرحه، بل بالعكس ينبغي أخذ طرحي هذا مأخذ جد وصدق، ففيه من الخير ما هو أكثر بكثير مما نحن عليه اليوم من صراع واقتتال حول مواضيع تجاوزتها الأمم والمجتمعات، كصراعاتنا التي لا تنتهي على مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة والديموقراطية والعلمانية وووووو إلخ.

تبني الطرح الجديد في اعتبار آيات القرآن خاضعة للنقد والتفنيد. وبالتالي، للعزل والتحييد أو الإثبات والتعزيز، هو السبيل الأكثر عقلانية ونورانية للمضيء قدما باتجاه مجتمعات عربية جديدة، تتبنى حقوق الإنسان وحرياته، ويعيش الإنسان فيها – ذكرا كان أو أنثى – بحرية وكرامة واستقلالية، دونما أية قيود أو شروط، لا باسم القرآن وآياته ونصوصه، ولا باسم الحديث وموروثاته وخزعبلاته.

بقلم: راكان علي

 

أضف تعليقك هنا