الاعتراف .. الخطوة الأولى نحو التغيير!

بقلم: راكان علي

النفاق عندما يتم التعامل مع المختلف بالتسلط والقوة

ينعتون المختلف بأقذع الأوصاف والألفاظ، ثم يتبجحون بحبهم ودعمهم لكل أشكال التنوع والاختلاف! شيء من التناقض، بل هو التناقض بعينه، نعم هكذا طبيعة الأمور في المجتمعات التي هربنا منها. التناقض لديهم نمط حياة أساسي، ولا أقول التناقض وحسب، بل وأبشع صور النفاق.. فدينهم ومعتقدهم وموروثهم ليس في جوهره سوى عبارة عن كيف يُمارس النفاق والرياء، وكيف يُعامل الآخر المختلف بالتسلُّط والكره والإقصاء. إن المختلف في شريعتهم هو أساس كل عذاب وابتلاء، يمقتون المختلف مقتهم للموت والهلاك..عجيب هو حالهم!

النفاق عندما تكون الأخلاق للمفاخرة والتباهي

يتغنون باتباعهم لأحسن وأصدق الأديان، يُنظِّرون علينا بآيات القرآن وأحاديث الأنبياء، يكررون علينا منهج آخر الرسل والأنبياء محمد ابن عبدالله في تعامله وتعاطيه مع دُنياه، يُزايدون علينا بحب الدين والنبي الكريم والقرآن العظيم..يتباهون باحتكارهم للأخلاق والقيم والتعاليم، فالصدق والتسامح والعدل والعفو هي أساس كل ما يقولون ويدَّعون، والتعامل بالتي هي أحسن مع المجادلين والمخالفين هي أكثر ما يرددون.

تقول لهم؛ هذا عظيم وهذه قيم جليلة ومعظمة، ولكن لي رأي أو قراءة مغايرة لأي من آيات القرآن أو نصوص الإسلام، فلا تكاد تقول ذلك حتى تنصب عليك اللعنات والعذابات، فتكون كافرا وزنديقا بعدما كنت مسلما مسالما، وينسون آية “وجادلهم بالتي هي أحسن” لتحل محلها آية “فضرب الرقاب” و”شد الوثاق”! يتنكرون في لحظة واحدة لكل ما قالوه وتبنَّوه.

تتبدل القيم والمبادئ، فيغدون منافقين معتدين، بعد أن كانوا يتغنون بالصدق والتسامح واللين. تتغير كل المبادئ والقيم في لحظة واحدة، لماذا؟ لأنها لم تكن أساسا سوى مدعاة للمفاخر والتباهي! هذه هي مجتمعاتنا التي أتينا منها أو بالأصح (هربنا منها). يزرعون النفاق في الإنسان وهو في مهده، لا يتوانون عن تلك المهمة المقدسة، التي هي جوهر دينهم وشريعتهم وحياتهم وعاداتهم وتقاليدهم؛ يستحيل أن يتأخروا عن غرس عقيدة النفاق والتسلُّط في ذهن أي آدمي ينشأ ويتربى بينهم وفيهم.

النفاق داء يهدد مجتمعاتنا

أنا لا أتفاجأ بحجم النفاق المستشري بين أبناء وبنات جيلنا نحن الذين وُلدنا وعشنا في هذه المجتمعات المنافقة والغارقة في نفاقها وتسلُّطها وكرهها لمن ليس مثلها..وأنا إذ أعرف هذه الحقيقة (حقيقة استشراء النفاق والتسلُّط فيما بيننا) فإني لا أبرر الاستمرار في ممارسة تلك الحقيقة والتعامل مع الآخرين وفقا لها. النفاق داء خطير، تجد أحدهم يدَّعي أسمى وأرقى المبادئ والقيم، ثم تُصدم في حقيقة ممارساته وحياته وتعاملاته! شيء في غاية التناقض والنفاق والقرف.

النفاق عندما تناقض أقوالنا أفعالنا

ينادون بحرية الفكر والإبداع والتعبير وفي ذات الوقت تجدهم يتراقصون في أحضان الطغاة وأعوانهم الفاسدين! وعندما تأتي لتوضح حقيقتهم تصبح أنت السافل وأنت الوضيع! تقول لهم يكفي نفاقا وتناقضا وكذبا فيردون؛ كفى مزايدة وتصنُّعا واستشرافا! تخيلوا، فحسب منطقهم ونهجهم، الصادق مزايد، والشريف مستشرف وكاذب، والأمين متكلّف وواهم!

إن من يُولد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يُعتبر مفقودا حتى يتحرر وينفك من كل عادات وشرائع تلك المجتمعات..وفي نقدي هذا لست ضد الدين كعلاقة روحانية ربانية وخاصة بين الإنسان وربه، لست ضد الدين الذي يساهم في رقي وتهذيب الآدميين، ولست ضد القرآن الذي يُقرأ وفق منهج عقلاني إنساني سليم، ولست ضد أية تقاليد تدعو للمحبة والوئام والتعايش والتقبُّل والتنوير، لست ضد كل ذلك، بل ضد استخدام الدين كأداة بيد الطغاة والمستبدين، وضد النفاق والتسلُّط والتدخل في شؤون وحياة الآخرين الخاصة، ضد العنف والكره والإكراه والذكورية والعنصرية وكل أشكال وتقاطعات التمييز، أنا ضد كل ما في تلك المجتمعات من أمراض فكرية وعقدية، أنا ضد قراءة النصوص الدينية بعقلية ملوثة بصنوف الأحقاد والنفاق والجاهلية، أنا ضد كل ما من شأنه المساس بكرامة وحرية الإنسان وكامل حقوقه الإنسانية البديهية..هذا ما أنا ضده وهذا ما أكتب ضده وسعيا للخلاص منه ومحوه.

كيف يمكن لمجتمعاتنا التغيير والإصلاح؟ 

الاعتراف بأن في مجتمعاتنا أمراض واختلالات كثيرة ليس منقصة ولا مذمة، بل بالعكس تماما؛ هو تقدم ودليل على وعي متنوّر. وهذا ما ينقصنا لنبدأ في إصلاح مجتمعاتنا؛ أن نعترف بحاجتها للإصلاح والتغيير، تغيير يمس ويقتلع كامل الأسس والجذور، وكافة جوانب حياتنا؛ العقدية والاجتماعية والعائلية والشخصية.

التغيير يبدأ بخطوة شجاعة نحو الاعتراف بحقيقة تأزم واقعنا وتشوّهه وانحطاطه..وهذه الخطوة من شأنها أن تدفع بنا نحو مجتمعات جديدة تقوم على الصدق وقول وفعل الحقيقة، فلا تقول شيئا وتفعل شيئا مضادا، بل تكون منسجمة مع نفسها وقيمها، وصادقة في مبادئها ودعواتها، ولا يحركها سوى البحث عن الحق والصدق والحقيقة..ولا أرى حقيقة أولى بالبحث كحقيقة جوهرية حقوق الإنسان وحرياته وكرامته واستقلاليته، فنبحث عن ضرورة تطبيقها وحمايتها أولا لنرتقي لما بعدها من خطوات ودرجات في سلم النمو والازدهار والرقي والحضارة.

بقلم: راكان علي

 

أضف تعليقك هنا