التوريث الدعوي

ماذا ورَّث الرسل والأنبياء أبناءهم ومن خَلَفهم؟

أفضل البشرية، وسادة الإنسانية، ما أكثر ما يخافون عليه بعد موتهم؟ لنقرأ ما قاله أحدهم -عليهم السلام –وبأسلوب القرآن الحكيم: “قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5)، لقد اشتعل الرأس شيباً، ووهن العظم فالموت قريب والمرأة عاقر، وهناك موالي (أناس) خاف عليهم، ولم أشقى باستجابك يا رب من قبل، كل تلك المقدمة لتحقيق الغاية وهي أن يهب له الرب وليا، لماذا؟: “يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) ماذا يرث؟ العلم والنبوة[1]، إنه الحرص على استمرار سلسلة الرسالة من يعقوب – وقبله اسحاق وابراهيم- عليهم السلام -. إنه توريث الرسالة ، فقد خشي أن ينحرف الناس بعده ويبتعدون عن الرسالة، فسعى واجتهد في المحافظة عليها طيلة حياته وليس له وارث فطلب الولي ليرثها.

ماذا ورَّث الرسول محمد الناس بعد وفاته؟

ويستمر التاريخ وتصل الرسالة إلى خاتم المرسلين، وعندها يرسم لنا طريقةً أخرى لتوريث الرسالة، ليست بالبنوة ، فليس من الضروري أن يكون وريث الرسالة من سلالة الأنبياء بل هو باب مفتوح لكل راغبٍ يحقق المطلوب، فيُعلِنها ﷺ بقوله: “إنَّ العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر“.

وهكذا سار السلف والخلف في طريق العلم وهم يضعون نصب أعينهم أنهم ورثة الأنبياء، ومن أجل ديمومة الرسالة الخالدة لابد من توريث العلماء لتلاميذهم من بعدهم على خطى الأنبياء، وهذا ما هو واضحٌ جلي في تاريخنا الإسلامي، ولعقود من الزمن استمر التوريث في العلم، لكن ثمة جانب آخر من الرسالة بدأ يتشكل و يتعمق في الأمة وخاصة في وقتنا الحاضر، وهو وجود الدعاة العاملين السائرين على خطى الأنبياء، وليس بالضرورة أن يكون عالماً بالمعنى المعروف.

من أين أتت أهمية التوريث الدعوي؟

وانتشر الدعاة وكثروا – ولله الحمد- ، وبطبيعة البشر أنهم يموتون، ففقدنا العديد من الدعاة سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي، ولعلنا جميعاً نلاحظ أن الكثير من الدعاة لا وارث لهم مما يُفقِدنا ما كسبناه خلال وجودهم وما حققوه من إنجازات، وعلى غِرار توريث الأنبياء وتوريث العلماء جاءت أهمية التوريث الدعوي.

ما المقصود بالتوريث الدعوي؟

والتوريث الدعوي هو سعي الدعاة (أفراداً ومؤسسات) في بناء منظومة تساهم بشكل سلس توريث المكتسبات الدعوية إلى الأجيال القادمة لتطوريها وزيادة كفاءتها لتساهم في تحقيق غاية “تعبيد الخلق للخالق”. لقد أصبح التوريث الدعوي ضرورة ملحة وليست كمالية، ولا أبالغ حين أقول أنه واجبٌ على كل الدعاة والمؤسسات الدعوية فهو جزء من شكر الله على نعمته تلك، وتزداد أهميته من كثرة الشبهات والشهوات ودعاة الباطل والذي لا يختلف فيه اثنان.

آلية التوريث الدعوي في الكتاب والسنة 

التوريث الدعوي ليست عملية عشوائية، بل ينبغي أن تكون لها أسسها وأساليبها كما أن لها آليتها المنبثقة والمستمدة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ومن ذلك:

  • أركان التوريث الدعوي وهي ثلاثة: موَّرث (الداعية حامل الرسالة)، والوارث ( المرشح لحمل الرسالة)، والميراث (الرسالة وآلية تطبيقها).
  • وما يمكن توريثه غالباً لا يخلو من ثلاثة: علم (معلومات)، ومهارات (يمكن اكتسابها)، وعلاقات (يمكن نقلها).
  • وآلية التوريث أربعة: تحديد معايير الميراث، و اختيار المرشحين (الوارثون)، وتهيئة الوارث لتحمل الرسالة، و التسليم أي تسليم المكتسبات.
  • عقبات التوريث الدعوي، ومنها: ضعف القناعات، الجهل بالموضوع، الافتقار للعمل المؤسسي (حتى على المستوى الفردي)، التخوف من عواقب التسليم، واخيراً كثرة الإنشغال بالأعمال الدعوية

وتحت كل بند من ذلك تفصيل ليس مجاله هنا.. كثيراً ما نسمع “نبدأ من حيث انتهى الآخرون” ونحن كذلك”ندعوا من حيث انتهى الأولون” ولنتسلم الراية وننطلق ولكن ليس من فراغ بل من تجارب وبناء. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.. والله أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

المستشار/ جمال يوسف الهميلي
المدينة المنورة 7 محرم  1444هـ

[1] وقيل المال، والله أعلم

فيديو مقال التوريث الدعوي

أضف تعليقك هنا