الجزء 11 من روايـــــــة //عـــــوبـــــار// تـــألــيـــف: //زيــد العــرفـــج//

المورد الرابع
الانهيار

بسم الله الرحمن الرحيم {{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}} سورة الأحقاف، الآيات 24-25

سنوات الجفاف التي مرت بها مملكة عاد

اختلفت الأرض التي تسير عليها ناقتي عن جميع الأراضي التي قطعناها في مسيرنا، ومما لا شك فيه أننا ما زلنا نسير شمالاً مع القليل من الانحراف نحو الغرب، فالشمس في النهار والنجوم في الليل أعطتني دليلاً تقريبياً عن وجهتي، فتوقعتها إما الشام أو بيت المقدس، ولربما تنحرف بي الناقة نحو الشمال الشرقي إلى العراق أو إلى الغرب نحو مصر أو أنني ما زلت في طريقي نحو الحجاز، ما زلت محتاراً في أمري، ولكن ما تأكدت منه استبعاد دلمون البحرين وسبأ اليمن، فقد كانت هذه الوجهات السبعة التي تدربت نوقنا على المسير نحوها.

ازدادت حدة الجفاف في السنتين الرابعة والخامسة، وزاد الطين بلةً عدم استجابة المزروعات في نموها للسقاية بماء البحر المعالج، فحاول التقنيون جاهدين استنباط طرق جديدة لاستنبات المزروعات بتسميد الأرض ومحاولة تغيير تركيب الماء المعالج بإضافة بعض المواد إليه لجعله قريباً من ماء المطر ولكن دون جدوى.

فالمزروعات جميعها بدأت تذبل ولا تنمو، والبعض منها وإن نبت في البداية إلا أنه بعد فترة محددة يذوي ويذبل، فالسنوات البيض التي لم تقطر فيها السماء بقطرة مطر ألقت بظلالها على مملكتنا بالكامل، وهنا ظهر عجز الملك شدّاد وأعوانه لأول مرة، وللخروج من الأزمة اتهموا نبي الله هود بالسحر والشعوذة، فقالوا: إن هود سحر تلك المزروعات كي لا تنبت، فشُنت حملة عاتية ضد اتباع هود ونُكل بالضعفاء منهم، إلا أنهم تحاشوا هود والمقربين منه لمنعة عشيرتهم، وهنا ظهرت الحاجة جلية لماء السماء.

الجفاف ينذر بكارثة كبرى

التقينا بالأستاذ عيّاد مجدداً، وشكلنا وإياه مجموعة عمل لمواجهة الوضع الراهن والخروج مما نحن فيه، فقال لنا الأستاذ عيّاد: يا أبنائي إن الوضع لا يبشر بخير، صدقوني إن استمر الملك شدّاد وأعوانه على ما هم عليه فإن الكارثة ستحل لا محالة، وستكون ماحقة لا تبقي ولا تذر.

فقلت: أستاذنا، ما بال الملك وحكومته الرشيدة ما زالوا يتخبطون في حل المشكلة ولم يصلوا لشيء؟ فقال الأستاذ عيّاد: إن الملك شدّاد ما زال منشغلاً بجنته الموعود إرم ذات الأعمدة، وإلى الآن لم يصل لنقطة النهاية في إنشائها، فكلما شارفت الأعمال فيها على الانتهاء، يخطر على باله فكرة جديدة أو يطرح المقربون منه أفكاراً جديدة فيقرر إضافتها لما تم إنجازه، فيتأخر أكثر وأكثر في دخول تلك الجنة، فقد صار كمن يجري خلف سراب لا نهاية له.

فقال حيران: أستاذ بماذا تنصحنا لمواجهة الكارثة إن حلت لا سمح الله. فقال الأستاذ عيّاد: لقد قابلت نبي الله هود وناقشته في هذا الأمر، وأطلعني أن الكارثة إن حلت ستدمر مملكة عاد بالكامل، والحقيقة أن تدمير عاد بالكامل يعني دمار الطاقة الأثيرية، فنهاية مملكتنا العظيمة يكون بانتهاء تلك الطاقة التي جعلتنا أسياد الكون، والآن هي التي ستقضي علينا إن لم نتدارك الأمر قبل فوات الأوان.

فصاح صمّاد: أرجوك قل لنا أستاذ بماذا أوصاك نبي الله هود، فإنني أخشى ضياع الطاقة الأثيرية أكثر من خشيتي على نفسي وأسرتي. فقال الأستاذ عيّاد: إن حلول الكارثة وضياع الطاقة الأثيرية يعني حتماً ضياع تطبيقاتها، بما في ذلك الاتصالات والمواصلات، فالاتصالات لا سبيل لتفادي ضياعها، إلا أن المواصلات نصحنا نبي الله هود بتربية أكبر عدد ممكن من الإبل، فهي المراكب الجديدة التي ستنقذ قومنا من الهلاك بعد اندثار مركباتنا الأثيرية.

كيف تعامل الملك شداد مع القبائل المحيطة عند حدوث الجفاف؟

الجفاف كان قاسياً على جزيرتنا – جزيرة العرب – وأشد ما كان على المنطقة الوسطى في الحجاز ونجد والشمال أيضاً، والملك شدّاد كرس كل إمكانيات البلاد وطاقاتها لبناء جنته الموعودة، ولذلك ضاق ذرعاً بتلك المناطق خاصةً وأن القبائل العربية القاطنة هناك مثل أميم وعبيل وطسم وجديس وثمود وجاسم والعماليق وغيرهم بدأت تطالب بحصة أكبر من المياه المعالجة، فرفض الملك شدّاد تزويدهم بحصص زائدة بل قلل منها بسبب الأعباء الكبيرة التي رتبها نقل تلك المياه لمناطقهم إضافةً للتكاليف الباهظة التي أنفقها على جنته، فقامت تلك القبائل بإرسال وفد لمفاوضة الملك شدّاد الذي قابلهم الملك بعد لأيٍ وتردد، فقام كبيرهم وكان من قبيلة أميم، فقال: يا مولانا الملك نحن كنا وما زلنا في طاعتك دوماً ولم نقصر في حروبك ضد الشعوب الأخرى، ونحن عرب مثلكم فلماذا تمنعنا نصيبنا من المياه. فاستشاط غضباً الملك شدّاد وقال: أتمنّون علينا أن وقفتم بجانبنا في الحروب، وأنتم لولا عاد ومقدرتها في إنتاج طاقة الأثير لما كان لكم وجود، تباً لكم ولما جئتم بسببه، اعلموا أننا قوم عاد مستغنون عنكم ولا نريدكم، فإن أردتم الانفصال فلكم ذلك.

فقال له أحد مستشاريه: يا مولاي كيف تطلب منهم الانفصال عنا، وهل بقي من المملكة شيء بعد كل هذه الانفصالات، ألا ترى أننا انتقلنا من دولة تملك العالم بأسره إلى دولة لا تحكم سوى أبناء قبيلة واحدة، أين مُلك عاد العظيم. فازداد الملك شدّاد غضباً، وطلب من المستشار أن يصمت، ثم قال للوفد: اعلموا أن عاداً مستغنية عن الجميع، فكل الشعوب الأخرى بمن فيهم العرب كانوا عالةً علينا، وأنتم يا أبناء عمومتنا أصبحتم تشكلون عبئاً علينا، لذلك أخرجوا وعودوا إلى دياركم، فقد قررت خلال يوم على الأكثر رسم الحدود بيني وبينكم، رافقتكم السلامة.

بعد خروج الوفد منكسرين مهزومين من عند الملك شدّاد، ركض مستشاريه نحوه يرجونه أن يعدل عن رأيه ولكنه رفض ذلك رفضاً قطعياً بل هددهم إن عادوا لمجادلته في ذلك بالقتل أو النفي، إلا أن أحد مستشاريه تشفع لقبيلة العماليق لأنهم من أكثر القبائل مصاهرة لقبيلة عاد ولكونهم يسكنون في أكناف بكة التي تضم البيت المعمور العتيق، فهم سدنته ويرعون حرمته، وهذا البيت ما تزال تعظمه العرب، ولذلك يجب الوقوف مع هذه القبيلة ومساندتها حتى لا تغضب الآلهة الثلاث صدا وصمودا وهرا وإلههم الأكبر الله عز وجل، فوافق الملك شدّاد على تزويدهم بجزء من المياه، ولكنه قرر فصلهم عن المملكة.

الجفاف ينغص فرحة الملك شداد بجنته الموعودة (إرم)

ازداد الجفاف أكثر وأكثر وفعلاً شارفت البلاد على الهلاك، وأطلق الملك شدّاد شعار جنته إرم وأنها ستكون من أفضل المدن التي سينعم بها أبناء قبيلته، وكان كلما انتهى من المخططات التي بين يديه تظهر مخططات جديدة فيؤجل افتتاحها إلى إشعار آخر.

تم إنشاء إرم على أفضل ما يكون، فمن شاهدها وعاينها من العمال والتقنيين الذين كانوا يعملون هناك وصفوها وصفاً يسحر الألباب، فالأبنية كانت من أفضل أنواع الحجارة المعالجة بطاقة الأثير، فهي كالزجاج بل كالجواهر والأعمدة كانت من الذهب والفضة ومجاري المياه العذبة كانت من أفضل أنواع الرخام، والأبواب كانت من أفضل أنواع الخشب الموشاة بالذهب والفضة، لقد كانت جنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولكن أكثر ما نغص على الملك شدّاد فرحته بإنشاء تلك الجنة كان نقصان الماء وعدم إمكانية زراعة المزروعات التي لا يناسبها الماء المعالج، لذلك طلب من مستشاريه الرأي في حل هذه المشكلة، فأشاروا عليه بالاستسقاء، وذلك بأن يخرج وفد من كهنتهم وكبار رجالهم إلى مجمع الآلهة الثلاث صدا وصمودا وهرا فيصلون لتلك الآلهة ولله عز وجل ويتضرعون إليهم أن يرسلوا الأمطار والبركة لأرض عاد. تمت صلوات الاستسقاء ولكن دون جدوى بالرغم من تكرارها مراراً، وحتى في إحداها تم إرسال الأطفال الذين دون سن التمييز لتلك الصلاة وذلك لنقاء سريرتهم إلا أن الغيث لم ينزل واستمر الجفاف والعطش، وازداد قلق الملك شدّاد على جنته إرم وتطيّر وتشاءم بالنبي هود ومن معه.

تلقيت اتصالاً من الأستاذ عيّاد دعاني فيه لموافاته في منزله، وبدا لي من صوته أن هناك ما يقلقه، خرجت مسرعاً نحو بيت الأستاذ عيّاد، فلما دخلت وجدت كل من صمّاد وحيران وطوّاد وسجّار وعفّان ونعمان، فاجتمعنا نحن السبعة وثامننا الأستاذ عيّاد، ولربما كان هذا الاجتماع من أهم الاجتماعات في حياتي على الإطلاق.

ما سر اهتمام النبي هود بتربية الإبل؟

تحدث الأستاذ عيّاد همساً وكأنه يخشى الرقباء من زبانية الملك شدّاد، فقال: لقد قابلت نبي الله هود وحدثني أن هلاك القوم قريب جداً، وأوصاني بترتيب أمور نجاة من يتبقى من قبيلتنا وإنقاذ علومها الفريدة، وأرشدني لاستخدام الإبل في النجاة، فجدنا نوح ومن معه أنقذتهم السفينة من الكارثة الكونية في ذلك الزمان، وكذلك فالإبل هي التي ستنقذنا بإذن الله تعالى من الكارثة القادمة حتماً، ولذلك قمنا بتربية الآلاف من الإبل وتجهيزها للحظة الحاسمة.

ما دور الإبل في النجاة من الكارثة؟

وهنا عرفت سر اهتمام اتباع النبي هود بتربية الإبل، ولكن ما أثار استغرابي كيف لهذه الإبل أن تنقذنا، فقلت: ولكن كيف ستنقذنا الإبل. فقال: لا بد أن الكارثة ستنهي استخدام الطاقة الأثيرية مما يجعلنا عاجزين عن التحرك نحو بر الأمان. لم أتصور الكارثة التي ستحل بنا، هل زلزال مدمر أم بركان هائج أم طوفان جارف كما حدث أيام جدنا نوح، ولكن كيف ستنقذنا الإبل من تلك الكارثة، عاد صمّاد وسأل نفس السؤال: كيف ستنقذنا الإبل. فرد الأستاذ عيّاد: إنها رؤية نبي الله هود ولا بد من الطاعة. أكمل الأستاذ عيّاد حديثه: ولكن لم تسألوني لماذا جمعتكم أنتم السبعة، لقد جمعتكم لتقوموا بأعظم مهمة لصالح البشرية وستكون أعظم مهمة في حياتكم، جمعتكم لتنقذوا العلوم التي بين أيدينا من الكارثة لتبقى البشرية مستمرة في تطورها ورقيها، جمعتكم لأوكل إليكم مهمة إنقاذ وحفظ العلوم السبعة الكبرى من الكارثة المرتقبة.

شعرت بقلبي يخفق سريعاً، فعلاً إنها مهمة من أعظم المهام التي سنقوم بها في حياتنا، نظرت لوجوه زملائي فرأيت الدهشة والتحدي في عيونهم، فقال حيران: ولكن أستاذ عيّاد كيف ذلك. فقال الأستاذ عيّاد: إن مهمتكم في حال حدوث الكارثة تكمن في الذهاب مباشرة إلى مركز المعلومات والدخول إليه وتحطيم كافة الحواجز للوصول لأسطوانات العلوم السبعة، وأنتم تعرفونها جميعاً، فقد زرتم من قبل ذلك المركز مراراً، كما أن عفّان وطوّاد يعملان هناك، فيحمل كل رجل أسطوانة من أسطوانات العلوم السبعة ويحفظها ضمن حقيبة جلدية سأوزعها عليكم قبل مغادرتكم، ثم تتجهون فوراً نحو حديقة منزل حيران ليركب كل منكم ناقة من النوق السبعة المتواجدة فيها، فقد أعددنا لتلك النوق حظيرة هناك، فيخرج من عوبار ويترك الناقة تسير به نحو وجهته.

فقال سجّار: ولكن إلى أين ستذهب بنا تلك الناقة. فقال الأستاذ عيّاد: لقد تم تدريب النوق السبعة لتسلك كل واحدة منهن طريقها نحو بلد معين، فكما تعلمون فإن الإبل تحفظ موارد الماء التي تردها في حال تعرضت للعطش الشديد، ولذلك قمنا بحفر عدة آبار على الطرق المؤدية للأقاليم السبعة وهي (سبأ – اليمن، ودَلَمون – البحرين، وبابل – العراق، وجُلّق – الشام، وبيت المقدس – فلسطين، وطيبة – مصر، وبكّة – الحجاز)، وتم توزيع هذه الآبار وفقاً لما تتحمله الناقة من عطش، ثم دربنا كل ناقة من هذه النوق السبعة على المسير في الطريق المراد لها لترد تلك الآبار واحداً تلو الآخر ولعدة مرات مما جعلها تحفظ تلك الموارد، وبالتالي تسير نحوها في حالة العطش الشديد.

فقلت: أتعني يا أستاذ أن هذه الحيوانات المدربة قد تكوّن لديها خارطة ذهنية للطريق مثل خرائط المركبات الأثيرية تماماً. فقال الأستاذ عيّاد: نعم يا جراح، فهذه الحيوانات ستسير وفق خطوط تلك الآبار سائرة براكبها الذي يحمل أحد العلوم من مورد لمورد حتى تصل للبلد المقرر تسليم ذلك العلم فيه. فقال صمّاد: وبعد تسليم العلم ماذا نفعل؟. فقال الأستاذ عيّاد: لقد تم أيضاً تدريب تلك النوق لتسلك طريق العودة نحو المكان الذي سنلتقي فيه جميعاً بعد إنجاز المهمات الموكلة لكم.

العلوم السبعة التي التي أوصانا بحملها النبي هود عند حدوث الكارثة

أكمل الأستاذ عيّاد كلامه ونحن نصغي إليه بكامل أفئدتنا: إن العلوم السبعة هي:

  • علم اللسانيات وهو الشامل لعلوم اللغة والفصاحة والأدب.
  • وعلم الحكمة وهو الشامل للعلوم الفكرية والفلسفية.
  • وعلم الأحياء وهو الشامل لعلوم الطب والكيمياء والحيوان والنبات.
  • وعلم الفلك وهو الشامل لعلوم الكواكب والنجوم.
  • وعلم الأساسيات وهو الشامل للرياضيات والفيزياء.
  • وعلم الأرض وهو الشامل للجيولوجيا والجغرافيا.
  • وعلم الطاقة وهو الشامل لعلوم وتطبيقات الأثير وهو الأهم.

وكما قلت لكم فإن الأماكن التي ستصلون إليها هي (سبأ – اليمن، ودَلَمون – البحرين، وبابل – العراق، وجُلّق – الشام، وبيت المقدس – فلسطين، وطيبة – مصر، وبكّة – الحجاز)، فما إن تحل الكارثة بديارنا حتى يقوم كل واحد منكم باختيار إحدى أسطوانات العلوم السبعة لنحدد له البلد الذي سيتوجه إليه، فيركب الناقة المدربة على الوصول لذلك البلد، فيسلم الأمانة ويعود لنقطة الالتقاء التي ستكون في أرض الحجر شمال الجزيرة العربية.

ثم أخبرنا الأستاذ عيّاد أن كل ناقة ستسير بمسار محدد لها ومستقل عن مسارات النوق الأخرى، وبالتالي فلسنا بحاجة الخرائط للانتقال إلى وجهاتنا المحددة، فنحن سنسير وفق الخارطة الذهنية للنوق التي سترحل بنا. فقلنا له: إن الطريق نحو الحجاز والشام وبيت المقدس ومصر يتم عبر مسار واحد، ثم يتفرع في شمال الجزيرة العربية والأمر نفسه في الطريق نحو البحرين والعراق. فقال: إن المسارات المفردة تضمن عدم تعرضكم للخطر في حال حدوث أمر خطير مع أيٍّ منكم، عدا المورد الرابع في الطريق نحو الشام وفلسطين فإنه سيكون مشتركاً. قمنا بتوزيع المهام فيما بيننا تارةً بالتوافق وتارةً بالاقتراع، وكانت النتيجة كالتالي:

  • أنا جراح سأحمل علم طاقة الأثير وأتوجه به نحو سبأ – اليمن، لأنها ما تزال مركز العرب وأقرب المناطق لعوبار، فلا نريد الابتعاد بالعلم عن مركزه.
  • عفّان سيحمل علم الأرض إلى بكة – الحجاز.
  • صمّاد سيحمل العلوم الأساسية إلى بابل – العراق.
  • سجّار سيحمل علم الفلك إلى دلمون – البحرين.
  • نعمان سيحمل علم الأحياء إلى طيبة – مصر.
  • طوّاد سيحمل علم الحكمة إلى جلق – الشام.
  • وأخيراً حيران سيحمل علم اللسانيات إلى بيت المقدس – فلسطين.

مازال الملك شدّاد مصراً على عدم دخول إرم تلك المدينة البهية الرائعة حتى يسقط الغيث، وما زال بين الفينة والفينة يُدخل بعض التحسينات الطارئة التي تخطر بباله أو التي يتقدم بها أحد المهتمين بذلك، مع أن الجفاف أنسى الناس مسألة تطوير جنة إرم.

هل استطاعت الآلهة حل مشكلة الجفاف؟

باءت جميع محاولات القوم في استرضاء آلهتهم بالفشل، فالمطر لم يهطل بالرغم من كل صلوات الاستسقاء وكثرة الأضاحي من غنم وبقر وإبل، لذلك اجتمع المجلس الاستشاري من جديد لمناقشة مشكلة الجفاف، وبعد مداولات طويلة ونقاشات حادة خَلصوا لأن يرسلوا وفداً من كبار كهنتهم ورجال الدولة إلى البيت العتيق المعمور ببكة، وذلك طلباً للسُقيا والرحمة، فوافقهم في ذلك الملك شدّاد وقال: ولكن بكة ومحيطها بيد العماليق وآلهتهم غير آلهتنا، فهل ستطلبون الغوث من آلهتهم أم من آلهتنا.

استعانة الملك شداد بالإله الواحد لحل مشكلة الجفاف

فقال كبير المستشارين قيّال بن عيّار: مولاي.. لقد فعلنا خيراً بمدِّ العماليق ببعض المياه، وهم اتجهوا مؤخراً حسب علمي لحفر بعض الآبار والتجمع في الواحات الناشئة حولها لمواجهة الجفاف، واعتقد أن بكة مهجورة تقريباً إلا من بعض السدنة الذين ما زالوا يقومون بخدمة زوار البيت المعمور، ولذلك اقترح يا مولاي ألا تكون صلواتنا لألهتنا ولا لآلهتهم بل لكبير الآلهة وسيدها، ستكون الصلاة لله فقط.

وهنا استشاط الملك شدّاد غضباً: وهل أصبحت على دين هود، ما الذي أسمعه… أتريدنا أن ننبذ آلهتنا لأجل إله هود، أعرف من أقنعك بهذا الكلام إنه مساعدك المستشار لقمان بن هزّال، ما زلت أشك في أن هذا الرجل من اتباع هود. فقال كبير المستشارين قيّال بن عيّار: مولاي أرجوك أن تتفهمني، نحن جميعاً بمن فيهم أنت نعبد الله ونعلم أنه خالقنا وله السيطرة الكاملة على الكون الذي خلقه، ولكننا نتعبد لآلهتنا الثلاث لتقربنا إليه زلفى، وآلهتنا تختلف عن آلهة العماليق، فلكل قبيلة من العرب آلهتها الخاصة، وإذا ما دعونا آلهتنا فقط دون آلهتهم فإننا سندخل في نزاع معهم، وأنت تعلم الجفوة الأخيرة التي حدثت بيننا وبينهم لمّا طردت وفودهم وفصلت ديارهم عن مملكتنا، وبما أن الله هو الإله المشترك بيننا جميعاً فإن صلواتنا ستكون له، وهذا لا يعني يا مولاي أننا اتبعنا دين هود، فهود له دينه ونحن لنا ديننا.

وافق الملك شدّاد على مضض في إرسال وفد الاستسقاء إلى أرض الحجاز حيث قبيلة العماليق، وأُعلن في وسائل الإعلام أن وفداً رفيع المستوى مكوّن من كبير المستشارين قيّال بن عيّار ومساعده لقمان بن هزّال بالإضافة لكبير الكهنة ومجموعة من رجال الدولة والفكر والسياسة سيتجهون إلى بكة لأداء صلاة الاستسقاء عند البيت العظيم (البيت المعمور – بيت الله الحرام)، ويترأس هذا الوفد كبير المستشارين قيّال بن عيّار.

إن فتور الدعوات للآلهة وصلوات الاستسقاء بدده خبر الوفد الذاهب إلى بكة، فالبيت العتيق ما تزال له عظمته وحرمته عند العرب، كما أن اتباع هود استبشروا خيراً في ذلك، خاصةً وأن الصلوات ستكون لله وحده دون أي شريك، حتى أثار البعض منهم إشاعات مفادها أن الملك شدّاد وحاشيته قد اتبعوا الدين الجديد ونبذوا عبادة الأصنام، إلا أن ظهور كبير المستشارين قيّال بن عيّار في الإعلام ونفيه الخبر بدد تلك المزاعم.

وصل الأمر بالملك شدّاد في إدخال أية تحسينات تطرأ على جنته لدرجة الوسوسة، فكلما أعجبه مخططاً جديداً يتقدم به أحد المهتمين أو خطرت على باله فكرة جديدة سارع في الطلب من المصممين والمخططين إدراجها في العمل وإدخالها في مرحلة التنفيذ، ولما كانت هناك أفكاراً جديدة كل يوم، فإن الأمر ولّد ضيقاً شديداً للملك شدّاد فأصدر مرسوماً يمنع بمقتضاه تقديم أية أفكار أو مخططات تخص الجنة الموعودة، ولكن أين المفر من الوساوس … فهذا المرسوم انقلب وبالاً عليه، فقد ثارت زوبعات شديدة على مواقع التواصل الأثيري تم من خلالها إطلاق الكثير من الأفكار بشكل مبطن فما أن تصل لمسامع الملك شدّاد حتى يبدأ بالوسوسة فيها، الأمر الذي دفعه بعدم متابعة وسائل الإعلام ومنع أي شخص يحدثه بهذا الشأن، ولكن ظلت الأفكار التي تفرزها مخيلته تضغط عليه بين الفينة والفينة وتخرجه عن طوره.

المملكة بانتظار الوفد للخروج إلى بكة للاستسقاء وطلب العون من الله

شعرتُ بالحياة توقفت في المملكة بانتظار خروج الوفد إلى بكة للاستسقاء، والإله الذي ستقدم له الصلوات لم يعد مهماً بالنسبة للناس، بل المهم أن تمطر السماء، لقد شعر الناس بالعجز المطلق، ولكن الجميع في قرارة أنفسهم كانوا يرون أن الله عز وجل هو الإله الوحيد القادر على إرسال المطر، فكانوا بين مؤمن ومكابر.

أقام الملك شدّاد حفلاً وداعياً ضخماً للوفد المغادر إلى الحجاز، أظهر فيه عظمة عاد على أصولها، فالعاصمة عوبار زُينت بالكامل وأُقيمت الكثير من الاحتفالات والمهرجانات على شرف الوفد المغادر، وكان هناك الكثير من الصلوات والتبريكات للآلهة الثلاث صدا وصمودا وهرا، وقدم كبار رجال الدولة الكثير من الأضاحي لتلك الآلهة شملت الأغنام والأبقار والإبل وتم إرسال أغلبية هذه اللحوم للدول المجاورة كتعبير عن حسن نية القوم اتجاه تلك الآلهة ولتنجح مساعي الوفد في استرضاء الله عز وجل هناك في بكة.

فيديو مقال الجزء 11 من روايـــــــة //عـــــوبـــــار// تـــألــيـــف: //زيــد العــرفـــج//

 

أضف تعليقك هنا