تدوير النفايات الصلبة بأعمالٍ فنية تحققُ عوائد اقتصادية .

بقلم: مريم سميح سويطي

مشروع تسنيم الدراويش في تحويل المقتنيات القديمة إلى تحف فنية

بأناملها الصغيرة, وروحها المفعمة بالحياة والأمل, استطاعت شابة مُبدعة  تحويل النفايات والمخلفات الصلبة إلى تحف فنية  وأعمال صديقة للبيئة , تجلب الراحة لكل من يشاهدها وتجعل المتلقي يتجردُ من القلق , وينزع ثوب التوتر ويشعر بالسكينة والطمأنينة فور مشاهدة أعمالها المُبهرة , فلن يدركَ من يُشاهد المزهريات ذات الألوانِ المتعددة و والمصفوفة على الرف الخشبي, وحافظات الشمع داخل متجرها الإلكتروني  رُواق” , أنها مصنوعة من بقايا الأوراق المنزلية,  وقصاصات أوراق الجرائد القديمة وقطع الزجاج, وكيف تم تحويل أوراق الأشجار الجافة إلى تحف فنية ومشغولات مطرزة تسرُ الناظرين !.فجميعُ هذه المنتوجات الفنية تقوم بصناعتها الشابة تسنيم الدراويش ابنة ال 22 ربيعاً من مدينة دورا , وذلك من خلال مشروعها الخاص “رُواق” , لإعادة استخدام وتدوير النفايات والمخلّفات المنزلية وبيعها , فتعد أعمالها بمثابة علاج نفسي وروحي لما تتركه في روح من يشاهدها وتتغلغل إليه الغبطة والفرح من حيثُ لا يعلم فتجعلهُ منكباً على جماليات ألوانها وتفاصيلها.

تخرجت تسنيم من جامعة الخليل عام 2020  , تخصص الصحافة والإعلام , وخطت خطواتها الأولى، نحو سوق العمل الشحيح الذي خذلها  كما خذل أفواجاً جمّةً من خريجي الإعلام , فلم تستسلم للواقع، وزعمت على القاء نفسها في خضم الرياح العاتية و الإبحارُ بعيداً عن الميناء الآمن فبدأت تتشكل، الصورة المستقبلية في مخيلة تسنيم عن مستقبلها فتحقيق الأحلام لا يحتاج فقط إلى قوة الإرادة , بل يكمنُ في قوة تحقيق أحلام الفردِ بذاته.

من ثوبٍ بحجم الكف إلى منتوجات على الرف..

بدأت فكرة مشروع تسنيم منذ سنة بمبادرة فردية , عندما كانت تجلس في أحد الأيام وتنظرُ إلى ثوب تراث صغير عمره يزيدُ عن ال 24 عاماً قامت جدتها بصناعته لشقيقاتها , وتوارثته الأجيالُ جيلاً بعد جيل فتبادر في ذهنها صناعة منتوجات صديقة للبيئة . تروي تسنيم وهي تمسك بأناملها الثوب الصغير الذي صنعتهُ جدتها لها  وتنظرُ إليه نظرةً تشعُ منها الأملَ والحنين فكرة بداية مشروعها الخاص رُواق قائلةً : ” لقد صنعت لي جدتي هذا الثوب الصغير، وعمره 24 عام , حتى أنه أكبر مني عُمراً , ارتديته أنا وشقيقاتي  وتوارثناهُ جيلاً بعد جيل ….. وما زلنا نحتفظ به إلى هذا اليوم ,  في ذات الوقت أي شيء آخر الأن نقوم بشرائه بشكل سهل ونتخلص منه بشكلٍ أسهل , كالسلع الاستهلاكية الموجودة في السوق ,  فتبادر إلى ذهني لماذا لا أقوم بصناعة منتوجات نستطيع الاحتفاظ بها ونتوارثها عبر الأجيال وتكون صديقة للبيئة ونستطيع الاحتفاظ بها لمدة طويلة ,  كما استطعت أن احتفظ بهذا الثوب على مدارِ تلك السنوات ؟ “.

بدأت تسنيم بجمع المواد والمقتنيات القديمة وتحويلها إلى تحف فنية , فترى أعمالها بمثابة فسحة للأمل، والترويح عن ذاتها لتزيل عنها ما علق من غبار وهموم الحياة لتجدد فيها الروح المشرقة  وتقوم بتسويقها عبر صفحة المتجر الخاص بها رواق عبر مواقع التواصل الاجتماعي , ومن ثم باتت تطمح إلى إنشاء أول “جاليري” في فلسطين  أو متحف يوضع به أعمالها  من أجل الاحتفاظ بها .

وتقول تسنيم حول طموحها بإنشاء أول “جاليري”  في فلسطين  “لقد بت أطمح في إنشاء أول متحف في فلسطين مختص بعرض المنتجات القديمة التي أقومُ بإعادة تدويرها وأشعر بسعادةٍ عارمة عندما أرى الكثيرون يستخدمون المنتوجات التي أصنعها ويقومون باستخدامها للزينة في بيوتهم أو تقديمها كهدايا مما تمنحُ تدفقاً معنوياً ونفسياً على روح المتلقي, فمن جهة أقومُ بإعادة تدوير النفايات الصلبة التي يسعى الجميع للتخلص منها ومن جهة أخرى أحولها إلى منتوجات جميلة كمزهريات الصبار, والحجارة الملونة وحافظات الشمع المصنوعة من بقايا الزجاج والحجارة الصغيرة.”

مشروعُ رُواق …..

أطلقت تسنيم اسم رُواق على المشروع الخاص بها فالرواق هو عبارة عن ممرٍ ضيق يوصلُ إلى مكان مُتسع وحاضر في التراث الأندلسي والشامي وهو مظلم بعض الشيء لكنه يقودنا إلى أماكن يملأها الضوء والحياة . فتروي تسنيم سبب تسمية مشروعها بهذا الاسم وهي تنظرُ إلى شعار المتجر المخطوط بالخط الكوفي العربي وبجانب الشعار علم فلسطين ” رُواق يقودني إلى حجرات مختلفة من الفن والثقافة والجمال وإلى فضاءات واسعة ليس لها سقف سوا السماء , وما لفت انتباهي إلى الاسم أنه من الممكن أن يقرأه البعض بشكلٍ خاطئ عن طريق لفظ الضمة فتحة بدلاً من “رُواق”  رَواق   “فلن يكون ابتعدَ كثيراً عن الصواب ف “رُواق” لا يمكن أن يكون دون “رَواق ”  .

وأنتج مشروع رواق الكثير من المنتوجات اليدوية والتي تمثلت في صناعة حافظات الشموع الملونة ذات الروائح العطرة , ومزهريات الورود , والكوسترات المختلفة بكافة أشكالها وتعاونت مع صديقةٍ لها من مدينة نابلس من أجل استيراد بعض المواد من قطاع غزة والداخل المحتل لصنع مواد ومنتجات غير تقليدية في فلسطين .

فتقول تسنيم حول مشروعها وهي تقوم بترتيب مزهريات الورود على الرف “لقد حرصت دائماً على المشاركة في الورشات التدريبية الخاصة بالبيئة , واستطعت تنمية  معلوماتي عن القضايا البيئية في النادي المدرسي الذي رسخ لدي مفاهيم الحفاظ على البيئة , و خلال دراستي في الجامعة كنت أبحثُ دائماً عن التدريبات الخاصة بالمشاريع البيئية فكما تقدم لنا البيئة العديد من الفوائد علينا أن نقدم لها فحرصتُ على تقديم والقاء العديد من المحاضرات حول أهمية الحفاظ على البيئة” .

تتلخص أهداف مشروعها في صناعة مواد صديقة للبيئة ، و تزيين المنازل والأحياء بالمنتجات اليدوية، وكذلك إنشاء متحف فلسطيني مختص بعرض المنتوجات التي تصنعها تسنيم مما يوفر لها دخلاً اقتصادياً وتقديمُ دورات تدريبية  للمهتمين بالحفاظ على البيئة من أجل شق طريق إبداعهم .

غيابُ المؤسسات الداعمة..

تسعى تسنيم لإيجاد مؤسسات اجتماعية وبيئية داعمة لمشروعها ”  رُواق ”   وتمويله , فهي تتحمل كافة التكاليف على عاتقها الشخصي ونفقتها الخاصة , ومؤخراً لاقت دعماً من قبل مؤسسة بيت الطفل الفلسطيني التي ساعدتها بتمويل مشروعها بشكل بسيط . وتتحدث حول غياب المؤسسات الممولة لمشروعها قائلة : “رغم غياب الدعم لمشروعي إلا أنني ما زلتُ أمضي قدماً نحو تطويره وتوسيعه ليصبح أول متحف فلسطيني مختص بعرض وبيع المنتوجات الصديقة للبيئة وحث الجميع على أهمية الحفاظ على البيئة وإعادة تدوير المواد الصلبة والاستفادة منها ومؤخراً بدأت أحصلُ على دعمٍ بسيط من قبل مؤسسة بيت الطفل الفلسطيني وإذاعة مصادر . ”

اعتبرت تسنيم النفايات الصلبة كنز , وسعت إلى ترشيد استهلاكها والتخفيف من انتشارها وتحويلها من منتجات ضارة إلى منتجات مفيدة عبر طرق مبتكرة , وترسخ في ذهنها فكرة اتباع الممارسات السليمة، والصديقة للبيئة في التخلص من النفايات الصلبة وتقليل تأثيرها السلبي , تحت شعار جعل إعادة تدويرها أكثر متعة وربحاً “احمَ شجرة بتدويرك ورقة”. (شاهد فيديو موقع مقال على اليوتيوب)

بقلم: مريم سويطي

 

أضف تعليقك هنا