الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي الوباء الذي أصابني وأصابك..

الإفراط في استخدام منصات التواصل الاجتماعي إلى حد الإدمان

عندما أستيقظ صباحًا، وقبلَ أن أقومَ من السرير، أتفحص حساباتي على السويشال ميديا، أحدهم أرسل لي تعليقاً، وآخر إعجاباً، على منشوراتي التي غالباً ما أكون قد سرقتها من غيري أو نشرتها بالمشاركة مع ذكر المصدر وهكذا.. ومن المؤكد أننّي مدين بالرّد على التعليقات على منشوراتي بمثلها أو إرسال إعجابات وتعليق على منشورات أصدقائي والمعاملة بالمثل من باب اللباقة ورّد الجميل وإن لم تلقى منشوراتي الاهتمام المطلوب قد أتعرّض للإحباط والاكتئاب وهاجس الخوف من فقداني مكانتي ومتابعين.

في غضون نصف ساعة من فتح عيوني وقيامي من السرير وغسل وجهي وتنظيف أسناني أكون قد أرسلت الكثير من الإعجابات وتعليقات وتفحّصت حساباتي المتعدّدة على هذه المنصّات أكثر من عشرات المرّات وغالبا ما أملك أكثر من حساب على المنّصة الواحدة كل حساب يتوافق مع جانب من شخصيتي منه حساب ثقافي وأخر فكاهي و فني وللزحف إلى الجنس الآخر وآخر باسمي الحقيقي وشخصيتي الحقيقية، وقد لا أجد المتعة من تفقد إشعاراتي لعدم وجود شيء يذكر، ولكني أشعر بالراحة من مجرد دخولي على حساباتي كونه لم يفتني أي شيء وما أزال أجاري أقراني على المنصات وفي طريقي للعمل وفي المواصلات يلتصق جوالي في يدي كأنّه أهم من أصابعي العشر أن لم يكن أفضلها وأعزّها لدي مصطحباً من خلاله جميع أصدقائي و تبدأ أول جولة من نشر مقاطع فيديو و صور و أغاني الصباح لأصدقاء لم أرهم منذ من بعيد أو قد لا أكون أعرفهم ألا بما ينشرون

وفي العمل يبدأ حديثنا مع قهوة الصباح عن آخر أخبار البلد ومصادر معلوماتنا صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي بتحليلاتها وآراء من فيها بالرغم من ضحالتها والمبالغة فيها تبعاً لتشددّ كل شخص لأيدولوجيته وآرائه والجهة التي يمثلها أو يعمل لحسابها وكلّ طرف يريد أن يحشد أكبر قدر من المؤيدين لأفكاره ففي العصر الحالي أصبحت هناك الآلاف من وكالات الأنباء المصغّرة ممثّلة بحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ناشرة روح الفتنة وخطاب الكراهية والأكاذيب والإشاعات وبالونات الاختبار وهدفها أن تشدّنا إليها بأيَّ طريقة وأن تزيد عدد المتابعين وزيادة التفاعل على منشوراتها. وقد أشاهد مقاطع مفبركة لفتاة من اليابان قد تمشي على سطح الماء أو مهارات خارقة لأحدهم في حل الألغاز و المكعبات السحرية أو حياة باذخة لأطفال على اليوتيوب. وأسعى أحياناً لرصد آخرين ومراقبتهم و حتّى التواصل معهم بأسمائهم و شخصياتهم المستعارة، وعندما أقرر الاستفادة من هذه المنصات و البحث عن معلومة محددة أرى نفسي غارقاَ بدوامة فيديوهات ولا أستطيع الخروج منها والكارثة في ذلك أنّ هذا الوقت غير مخططّ له و يكون على حساب المهمات و الأعمال أكثر أهمية و يتزايد الأمر سوءاً عندما تكون المعلومات ليست مهمّة و إن كانت مهمّة فغالبا ما تتعرض للنسيان بسبب كثرة المعلومات التي تمرّ على دماغنا.

هاجس تفقد الصفحات يضعف الدافعية لإنجاز وإتقان العمل 

غالباً ما أفتح على حاسبي نافذة أو نافذتين لعملي وباقي نوافذ للفيس بوك والواتس وأنستغرام وتويتر ويوتيوب والماسنجر. أصبحت الساعة واحدة ظهراً لم استطع القيام بعملي لم أقم بإعداد التقارير اللازمة لهذا اليوم و المهمّات الملحّة قد أنهيتها بالسرعة الممكنة و بدون تركيز وستعاد لي لأعيد النظر بها غدا، وعندما أضع هاتفي في جيبي كثيراً ما أحس بأنه يهتزّ و أخرجه لأتفقده و لا أجد شيء مجرّد إحساس كاذب أو أتفقد جيوبي عدّة مرّات للتأكّد من وجوده معي أكثر ممّا يتفقد الجندي الذي على خط النار سلاحه وجاهزيته و عند سماعي لرنين هاتفٍ ما.. إن كان في مواصلات أو في مجالس الأصدقاء أو حتّى في الطريق تنقض يدي على هاتفي كأنّه فريسة طال انتظارها لتتفقده بالرغم من أنّ رنته تختلف عن رنّة هاتفي.. إنّها مواقع التواصل الاجتماعي تلك الروح الملعونة التي تلاحقنا و تمتص إنتاجيتنا و وقتنا بطريقة انسيابيّة حيث يمرق الوقت بين أصابعنا من دون أن نتبه له ولأهميته ومعه يضيع العمر.

بناء علاقات مزيفة ووهمية مع مرتادي منصات التواصل الاجتماعي

عنما أنشأت حسابا لي على مواقع التواصل الاجتماعي كان هدفي التواصل مع أفراد عائلتي وأصدقائي ولكن مع مرور الوقت وجدت نفسي أبتعد عن الجميع و أتعرف على أصدقاء جدد لا أعلم حتّى وجوههم أو اسمهم الحقيقّي قد تكون صديقتي الفلبينية  التي تدعى الفراشة الصغيرة وتتدعي أنها في العشرين من عمرها أمراه بدينة وفي الخمسين من عمرها,  وقد يكون صديقي النيجري البرفسور في الجامعة لا يحمل من شهادات إلا القراءة و الكتابة جميعهم أشباح وأوهام غير موجودين إلا على هذه النافذة الصغيرة يظهرون أنفسهم بأحلى حلة وأجمل منطق و بإجاباتهم التي يروجونها التي قد تكون كاذبة و يخفون سّيئاتهم  آه كم من شيطان يختبئ في ملابس ملائكة و كم من ذئب يرتدي لباس حَمَل فشخصيّاتهم في العالم الافتراضي تختلف كليّاً أو جزئيّاً عما هم لسعيهم بإظهار أنفسهم كما يحلمون وليس كما هم على أرض الواقع و قد أصابني ذلك السلوك بالعدوى فأصبحت أقّلدهم حتّى لا أشعر بالدونّية أمامهم مع علمي بأنهم يكذبون ويبالغون لماذا معظم الأشخاص لديهم شخصيّة مزّيفة على منصات التواصل الاجتماعي مغايرة لشخصيتهم الحقيقية أمّا أقاربي و أصدقائي الحقيقيّن قّلما أتواصل معهم أو أرسل لهم شيئاً ما

جذب منصات التواصل الاجتماعي المتابعين بتقديم إغراءات لهم

وعندما قررّت التخلّص من هذا الإدمان بتعلّم لغات جديدة وبعض المهارات عن طريق كورسات أونلاين والبدء بهوايات جديدة كالرياضة أو التأمُّل أو التطوّع في المنظمّات الإنسانية والجمعيات الخيرية كانت إغراءات قويّة حينما أجد روابط مواقع التواصل على معظم صفحات الأنترنت التي أتصفّحها حينها يغمرني إحساس الحزن والتألّم الذي يصيب مدمني الخمر عند مرورهم بجانب الحانة كلَ يوم ومقدار الحزن الذي يجتاح العاشق عند مروره من تحت شرفة عشيقته ولا يراها، وكان ما يزيد الطين بلة هو ملاحظة خوارزمية هذه المنصات قلة تواجدي وغيابي على منصتها فترسل لي رسائل متمثلة بالإشعارات إلى بريدي الإلكتروني تحثني و تحفزني على التواجد مع أخبار قد تهمني و مواضيع تشدني.وبعد ذلك ترسل لي عدة مرات أن هناك مئات من الاشعارات التي تخصّني على صفحتي وقد تكون مهمة جداً لي. وتتصرّف هذه المنصّات كأنّها عشيقة سابقة وتحوم للرجوع لعشيقها بشتّى الحيَل الخبيثة والوسائل الشريفة وغير الشريفة بعد أن أحسّت بأنه هجرها لأخرى أجمل وأفضلَ منها.

استغلال منصات التواصل الاجتماعي الناس لتحقيق مصالحها وأهدافها

هناك أشخاص يشعرون بالوحدة والعزلة إن ابتعدوا عن السوشيال ميديا، وفي الحقيقة انّ هذه المنصّات وكالات إعلانية تكتسب من تواجدنا بها تستغل اهتماماتنا لتنشر إعلاناتها المأجورة وتزيد من أرباحها ومن سعر أسهمها ليتربع مالكيها على قائمة أثرياء العالم فتفقدنا وقتنا وتطوير مهارتنا وذاتنا خلافا لما وجدت من أجله و هو التواصل الجيد و الفعّال مع العائلة و الأصدقاء لكن تغيرت و أصبح هدفها أن تزيد من وقتنا عليها حتّى تتمكّن من التحكم بخياراتنا وتحليل شخصيتنا وحتّى العمل للشركات الرأي العام و العلاقات العامة للتأثير في أفكارنا وقراراتنا و بغسل عقولنا ولا يخفى على أحد دور الفيس بوك في خروج بريطانيا من أتحاد الأوربي أو فوز دولاند ترامب بالانتخابات الإمريكية.

استعمالنا لوسائل التواصل الاجتماعي بكثرة يغرقنا في الأوهام ويبعدنا عن أهدافنا

وأتذكر عندما كنت صغيراً كم كانت تنبيهات والدي من منصّات التواصل الاجتماعي و هواجسهم و خوفهم من الغرباء الذين قد يتواصلون معي و يسعون للإيقاع بي بشتى الوسائل و تنبيهاتهم بعدم نشر ما لا يليق بي أو ما قد يضعني و يضعهم بورطة كبيرة أو يحرجهم والآن بعد تجربتي مع وسائل التواصل الاجتماعي وجدت أن هناك خطر أكبر و أعظم من هؤلاء الغرباء إنّه خطر ضياعي والسيطرة على عقلي لي وعقل هذه الأجيال.

وسائل التواصل فيس بوك وأنستغرام والتويترو برنستت كمية لا نهائية لمضيعة الوقت وقد تكون فيها بعض الجوانب الجيدة كشعورنا بالأعجاب والغرور وإثبات الذات عند إرسال أحدهم لنا إعجاب أو تفاعل أو تعليق. ومن الحقائق العارية للوقت الذي نمضيه على سوشيال كلّما زاد الوقت الذي نقضيه عليها زادت أحاسيسنا الكاذبة وخيالاتنا و أوهامنا ولو لدقائق التي ما تلبث أن تزيد مع الوقت لتصبح ساعات و شهور و يصبح الابتعاد عن هذه المنصات أصعب وأكثر ألما و يحتاج إلى الوقت و إرادة أكثر، ومع مرور الزمن نبذل جهداً أكبر لتحقيق أفضل مشاركة في الحياة الافتراضية على حساب أهدافنا الشخصية وحياتنا الشخصية التي تجعلنا سعيدين حقا ونصبح غير راضين عن أنفسنا عند المقارنة بالمنازل والقصور والسيارات ورحلات أقراننا التي نراها على مواقع التواصل الاجتماعي ونتناسى بأن كلّ ذلك هو ما يرغب الآخرين بأن نراه ومع مرور الوقت على سويشال يقلّ الوقت الذي نقضيه لتحقيق أحلامنا وذواتنا وكذلك ويزيد انحرافنا عن أهدافنا و إنجازاتنا

إن السويشال مصممّة لتجعل التأثير المتكرر في دماغنا يجعلنا مدمنين على تصفحها أكثر من قبل

معظمنا يتفاعل مع سوشيال ولكن لا يعلم ماذا يفعل بعد تصفّحها وإذا وجدّتَ نفسك تتواجد بشكل مفرط فاعلم أنت مدمن وإدمانك في ذروته وستجد صعوبة في الابتعاد عن سويشال ولا غرابة بذلك لأن شركات سوشيال ومنشؤه المحتوى يعملون ما بوسعهم حتى يثيرون انتباهك واهتمامك وهذه المنصات مصممة بطريقة تصعب مقاومتها لذلك يجب أن تفهم أنك رهينة إن لم نقل عبداً وهذا ليس ذنبك وحدك بل ان سوشيال تسعى جاهدة بكل السبل وتتنافس فيما بينها حتى تزيد عدد المستخدمين و الأخطر بأنها تسعى إلى زيادة وقت الاستخدام. ضع حدا زمنيا لاستخدامها لكي تتمكن من الموازنة بين حياتك الفعلية وافتراضية تظهر سوشيال عدد الأصدقاء والمتابعين بالمقدمة وينظر ناس إلى العدد وكمية أكثر من النوعية وتظهر في لوحات التحكم عدد المتابعين والأصدقاء في المركز والمقدمة فنتوهّم بأن زيادة القيمة الاجتماعية يكون بزيادة عدد المتابعين وأصدقاء يضعون إشعارات وعددها في الأعلى لتكون أول ما تقع عليه عيناك حتى يثار فضولك لمعرفة مضمونها وتصفحها وعندها تكون قد انزلقت في دوامة من الصعب الخروج منها وغالبا لا تجد ما تريد معرفته منها.

الإدمان على منصات التواصل الاجتماعي لا يقل خطورة عن أي إدمان آخر 

أن الإدمان ع السوشيال بنفس سوية الإدمان على الجنس أو الكحول بسبب كونها أقوى الإغراءات في العصر الحديث رغبتنا الدائمة بالتحقق من صفحتنا على سوشيال وعدم تفويت أي أخبار أو نشاطات ولوجود الأجهزة الذكية دائماً معنا عليها ففي أحد الدراسات. تلقى المشاركون في الدراسة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 85 عاما جهازا محمولا وأخبروا الباحثين كل 30 دقيقة ما إذا كانت لديهم رغبة في التحقق من صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم. كان عليهم أيضا إخبار الباحثين إذا كانت لديهم الرغبة في التدخين أو الشرب أو النوم. وجد الباحثون أن الرغبة في التحقق من وسائل التواصل الاجتماعي كانت لا تقاوم أكثر من الرغبة في التدخين أو الشرب.

وجدت دراسة منفصلة أن أولئك الذين يظهرون سمات إدمان الإنترنت قد يكون لديهم جين CHRNA4. أولئك الذين يدمنون على التبغ لديهم أيضا جين CHRNA4. تشير كلتا الدراستين إلى أنه مثل إدمان النيكوتين ، قد يكون إدمان الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي اضطرابات تتطلب علاجا احترافيا للتغلب عليها. وجود نفس أعراض المخدرات من تعديل المزاج بدلاً من أن  استخدم الانترنت هو الذي يستخدمني، وبعد ما قرأت هذه السطور: ربما شعرت بأسى والحزن على حالتي وحياتي.. ربما انفجرت ضحكاً من بعض ما حصل ويحصل معي.. ربما شعرت بالأعجاب و المتعة من القراءة.. لكن مما شك فيه أن ما ذكرته من أدماني قد حصل معك  جزئياً أو كلياً وبشكل أكبر أو أقل.. إن لم تكن أنت مدمناً مثلي فأحد أقاربك أو الأشخاص من الدائرة المحيطة بك مدمنا بنفس الوباء

فيديو مقال الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي الوباء الذي أصابني وأصابك..

 

أضف تعليقك هنا