سجين المستشفى الأسود 17

بقلم: هاني المختار القادري

لجوء برجلية فرفر للعمل في المصنع

كان شباب مدينة الورد مع اقتراب نهاية الثمانينات تعاني أزمة مالية حادة ونقص في “البقشيش” جعل ثلة من تلاميذ الابتدائي يلجؤون إلى العمل الموسمي في سن مبكرة فكانت وحدة الخل الغذائي التي كانت ورشة صغيرة وقع تطويرها بمفعول مراكمة الخبرات إلى مصنع صغير في منتزه المرام، غير بعيد على الملاحة وعمارات الاربعة الورديين الجديدة” وكان برجلية فرفر من بين ثلة آخرين انخرطوا في هذا التيار الاقتصادي والعمل الموسمي من أجل اسعاف النفس وإسعاف قلة اليد العائلية، والعمل الموسمي المبكر ضرب شرائح عديدة من الفئات المتوسطة نظرا لتعكر الأجواء العائلية، وصرف ببوشة المزاودي لنفقة زوجتين الأولى “أوأو كعيكة” والثانية “بروسة” أم أسين و”يردقا”.

مشروع وهيب وناش في تحويل الطبقة الفقيرة إلى يد عاملة

وكان صاحب المصنع الجديدة التقليدي أحد الشركاء القدامى في شركة، رومينكة”، لمواد التجميل والتنظيف والعطورات، وبحل الشركة، وفسخ العقد التأسيسي للشركة، وجد وهيب وناش نفسه خال من كل ارتباط وألقى به التفكير إلى مشروع جديد مستقل. ففتح البناية الثانية من منزله إلى ورشة صناعية تقليدية لا تنتمى الى عالم الاقتصاد الصناعي ، ولكن تنتمى إلى الامبراطورية الفلاحية في رمن الخمسينات والاربعينات. فأخذت تستقبل في فصل الصيف أحباء العمل الموسمي من التلاميذ المغفلين من الطبقة الفقيرة وتحويلهم إلى يد عاملة رخيصة في سوق سوداء بعيدا على رقابة القانون والهيئة الوطينة لمكافحة الاتجار بالبشر.

كان نائب الرئيس وهيب وناش وهو تلميذ أنهى تعليمه بمعهد العمران القريب من حديقة الحيوانات في باكالوريا آداب بعد سقوطه في دورة المراقبة. وتعرف على وهيب وناش الذي ينتمى للطبقة العليا والمجتمع الرفيع المستوى ولاحظ برجلية فرفر عند حلوله بالمكان عاين ولاحظ أن معظم الأطفال والمراهقين والفتيان يتجولون على دراجات هوائية من الأنواع الباهضة الثمن تظهر من عجلاتها أنها مستوردة من الدول الصناعية الكبرى، والأجواء ممتعة عموما خاصة مع الهواء العليل في المساء القريب من الليل رغم أبعض الدموع حيث اتضح أن أحدهم صاحب الدراجة الخضراء يعاني المرارة والوحدة مع أبيه الذي اضطر إلى حل عقدة الزواج من أجل خيانات مفضوحة ومكشوفة.

مغامرات من أجل الماء  

ومجرد الابتعاد على الأحياء السكنية الكبرى والحضرية المزدحمة تشعره بحب المغامرة وفضول كبير في اكتشاف طبقات اجتماعية نادرة، هو عالم المجتمع الرفيق والمترفه. وتأتي مغامرة فرفر هذه بعد مغامرة الياسمين في المجتمع الرفيق في قبة عبد العزيز في “المرسى الكيب ” وسيدي عبد العزيز، ومغامرة حبل عمر مع في مدينة سبقا بغابات سبقا حيث الاختباء داخل مغارة مائية تحت الأرض بين القصب الطويل والأعشاب الخضراء الطويلة السيقان من أجل اصطياد الفلاحين الآخرين الذين يحاربون من أجل الماء وسد المجاري بواسطة الفؤوس وبناء الحواجز الترابية لمنع الماء من الوصول إلى الأراضي الأخرى مع ابن عمه ، درام”، وهي حرب حيل اعتاد أهل الجنوب خوضها، وهي ببساطة معركة حياة أو موت في حرب الماء.

ومع فراغ تركه أخوه الشيباني دهماك بسفره إلى ولاية سنتمير لدراسة طب الأسنان ثم التحاقه بالمدرسة الابتدائية بسبقا كمعلم جعل برجلية فرفر يحس بالحرية المطلقة وانعدام الرقابة رغم الحراسة المشددة من طرف أوأو كعيكة، والتربية العنيفة  والقاسية التي يتلقاها من أبيه ببوشة المزاودي.

ترغيب وهيب وناش العاملين بالعمل معه 

كان فترة الراحة بعد الحصة الصباحية فرصة لوناش فرصة لوناش صاحب الورشة الصناعية ليستضيف عملته الجدد ويكرمهم ويحببهم في العمل عن طريق الحساء الذي تقدمه زوجته في راحة منتصف النهار. وطبعي جدا أن لا يخلو الأجواء من التلاسن والتلاكم في بعض الأحيان لأن الجو بصورة عامة يعتبر شبه محترم ، لأن الأجرة اليومية بعشرة دنانير يوميا للصنف الخامس من التلاميذ، وعشرين دينار لنائب المدير جعل المراهقين يقبلون على العمل بحماسة وجدية ويحترمون الترتيب الإداري بنفس مطمئنة هدفها مزيد من مراكمة الخبرات، خبرات الصغر خير من تعب الكبر.

العمل بورشة وهيب وناش لتعبئة الماء 

وفي الحقيقة الكل يرغب في العمل البسيط بعيدا عن أجواء المدينة الصناعية بالشرقية وبعيدا عن أعين الرؤس الكبيرة التي تنتهز كثرة الاقبال وتزيد في تعنتها في انتدابات أقل ما يقال عنها بأنها بأبخس الأثمان. مع ربح ثمن تذاكر ركوب الحافلة التي تنقل العملة من الزهروني والسيجومي على حدود محطة دار الحافلات والمستودع المركزي أين يقع صيانة كائنات صفراء عجيبة من العهد الحفصي، وفات على أجل استعمالها الكثير، وهي تنعت بالمناضلات القدامى على وزن اللاعبين القدامى. كما أن التلاميذ  عملة صنف خمسة العاملين عند وناش لا يرغبون في إضاعة وقت يقدر بين الانتظار في المحطات صباحا باكرا ومساء بساعتين من الجمود والتسمر في مقاعد المحطات الصفراء التي تعشش فيها  الطحالب والأمطار بداية من نهاية الخريف وبداية فصل الشتاء.

أما عن المشهد فكانت براميل زرقاء نصبت وملئت بالماء يضاف إليها الأكسيد الكيميائي الذي يخلط بالماء ويحوله إلى غذاء يرش به السلائط والخضر والغلال مثل التفاح. لكن المشهد لا يخلو من سخرية وتهكم المارة والفضوليين عندما يفيض الماء ويسيل مدرارا وأودية في الخارج وفي الطريق السيارة العام ويتشكل في شكل سواقي تثير براكين الناموس والوعواشة.

في المقابل هناك شبه انضباط وجدية الكل خرطومه البلاستيكي في يده أشبه بسرب الفيلة أو حلبة من حلبات الأنرجيلة في المقاهي الشعبية ولا ينقص القعدة إلا طرح رامي أو بيلوت أو كوتشينة، أنابيت زرقاء طويلة توضع في البراميل وقوارير تنتظر ملأها متناثرة هنا وهناك يقع غسلها في في بركة الماء الموجودة في الهواء الطلق في الجهة الخلفية والكل يتناوب عليها كلما احتاج العرف وناش إلى الجند الاحتياطي الذي ينتظر ساعات إضافية تضاف إلى الأجرة اليومية بمعدل ثلاثة دنانير لحصة التنظيف.

مرحلة جلب القوارير وتعبئة الماء فيها 

أما القوارير تمتلئ على مرحلتين أو زفرتين يقع إغلاقها بواسطة مسطرة خشبية مستديرة صغيرة بطريقة همجية وفوضوية. مما تؤدي إلى كسور وأفواه قوارير متناثر يخصم أيضا بمعدل دينار للقارورة الواحدة. وعند انتهاء المرحلة الأولى يقع نقل القوارير إلى البهو الخارجي على جانبيها حديقة محيطة بالمنزل لإلصاق العلامة التجارية بواسطة “الملصق السائل المقوى وتركها تشيح تحت أشعة الشمس، كخل غذائي مشهود له بالرفعة والسمو إلى أن تأتي شاحنة الشركة الأم تنتظر في الخارج باعتبار وحدة وناش فرع من فروعها التقليديين والتي يعتمد عليها في الانتاج والانتاجية. وحسن التدبير المتمثلة في الألوان الحمراء الخمرية والصفراء الليمونية .والتي تزيد القوارير بهاء على بهاء وتجلب عين الناظر بكل سهولة وبساطة. كل هذا يعاد مع قنينات وبوادين البلاستيك البيضاء صابون الشعر القرمزي ذو الخمسة لترات في الحصة الصباحية بعد إفراغ البراميل وإزالة مخلفات الخل الغذائي لليوم السابق.

أما القوارير فيقع جلبها من باعة المواد القديمة والروبافيكيا المختصة في جمع الروبافيكيا القديمة المنزلية. فيقع وضعها في بركة ماء كبيرة يقع ملأها بالماء كالمسبح الصغير وهي شبه مسبح الحمامات العمومية وإزالة إشهارات الشركات الأخرى لتعويضها بإشهارات الخل الغذائي والتجارة مربحة لتكاثر القوارير الكجول في الزبالة المتناثرة هنا وهناك كما يقع خلاص الشباب المدرسي مع نزول الدياجير المظلمة واشتعال الأضواء الكاشفة على طول الطرقات المؤدية غلى مدينة الورد ليقود التلاميذ العملة المترجلين مرورا من الأحياء الفخمة  ووصولا إلى الأحياء الشعبية المنتشرة حول محيط الولاية وتنتهي الجولة بفضاء المسرح الهواء الطلق أين تقام حفلات الزفاف الذي يتكامل مع المركب الرياضي القديم لعلهم يظفرون بقطعة حلويات مرطبة للأفواه وقارورة مشروبات غازية، مع روية الفرقة المنشطة للحفل، وفي هذا المسرح حصلت أشياء كثيرة وأحدات متفاوتة الأهمية والتنوع. فكل الخلوات الرومنسية تقع في هذا الممر الطريف الذي يتقاطع مع ملعب كرة القدم ولا يفصل بينهما سوى حائط الملعب الذي يقدر بمترين تقريبا، وكل الجلسات الخمرية تقام أيضا في المسرح ومقابلات كرة قدم الأطفال تقام أيضا في هذا الممر وكان حارسه شيخ طاعن في السن يبيع كؤوس الشاي لرواد الملعب لمشاهدة الفريق المحلي يوم الأحد بعد منتصف النهار مع سخرية مشجعي الفريق المحلي.

بقلم: هاني المختار القادري

 

أضف تعليقك هنا