الأخلاقيات التكنولوجية من منظور إسلامي

أخلاقيات التكنولوجيا في ضوء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية 

إن المتأمل في تفسير آيات القرآن الكريم والحديث الشريف يجد تكامل بين ديننا الحنيف و أخلاقيات التكنولوجيا الحديثة، حيث أنه توجد الكثير من الآيات الشريفة التي تأمرنا باتباع الأخلاقيات في التعامل مع التكنولوجيا، فعن الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال:
إن المكارم أخلاق مطهرة                           فَالدِّيْنُ أَوَّلُها والعَقْلُ ثَانِيها
وَالعِلْمُ ثالِثُها وَالحِلْمُ رابِعُها                           والجود خامِسُها والفضل سادِسها
والبر سابعها والصبر ثامنها                         والشُّكرُ تاسِعُها واللِّين باقِيها

(الأبيات مقطوعة من قصيدة العصماء) ونستنج من أبيات الشعر أن الركيزة الأولى لمكارم الأخلاق هو الدين، والقرآن الكريم هو المصدر الرئيس لمكارم الأخلاق وفي ضوء ذلك فقد اختار الباحث بعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة من أجل استنباط بعض الأخلاقيات التكنولوجية منها، وهي كالتالي:

أن يستحضر مخافة الله في استخدام التكنولوجيا

إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون  [الحجرات: 18] أي أنه سبحانه وتعالى يعلم ما في الأرض وما في السماوات وأيضاً نياتكم، فليس غائباً عليه عملكم، قال النسفي: (يعني أنه تعالى يعلم كل مستتر في العالم، ويبصر كل عمل تعملونه في سركم وعلانيتكم، لا يخفى عليه منه شيء، فكيف يخفى عليه ما في ضمائركم، وهو علام الغيوب؟) (حوى، 1985: 5423)، نستنبط مما سبق أن على الطالب الشعور بأن الله يراقبه ويشاهد كافة أعماله ويعلم ما يخفي من أقوال وأفعال وبالتالي عليه أن يستحضر مخافة الله في حياته بشكل عام وفي استخدامه للتكنولوجيا بشكلٍ خاص.

عدم استخدام التكنولوجيا في السخرية من الأخرين والاستهزاء بهم

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ” [الحجرات: 11]: أي لا يستهزئ رجال من رجال بدليل ما يأتي، والمراد بذلك النهي عن احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام قال ابن كثير: (فإنه قد يكون المحتقَر أعظم قدراً عند الله تعالى، وأحب إليه من الساخرِ منه المحتقِر له). (حوى، 1985: 5413)

وعن أبي هريرة عن النبي قال: ((إن العبد ليتكلم بكلمة من رضوان الله -تعالى- ما يلقي لها بالاً؛ يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله -تعالى- لا يلقى بها بالاً، يهوي بها في جهنم)). رواه البخاري (6477) (النووي،2000: 504)، أي أن الكلمة التي يتفوه بها المرء سواء أكانت في خيراً أم شر قد تكون سبباً في دخول المرء الجنة أو النار (العثيمين، 2006، المجلد السادس: 120)، والكلمة لا تقتصر على الكلام الشفوي بل تشمل أيضاً الكلام المكتوب عبر الانترنت أو أي وسيلة تكنولوجية أخرى.

عدم استخدام التكنولوجيا في التجسس على الآخرين

“ولا تجسسوا”[الحجرات: 12] أي: لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم، يقال: تجسس الأمر إذا تطلبه وبحث عنه قال ابن كثير: ﱩ ﭝ ﭞ ﱨ أي: على بعضكم البعض. (حوى، 1985: 5414). نستنبط مما سبق حرمة التجسس على الأخرين بأي وسيلة كانت وفي عصرنا الحالي قد شاع التجسس الالكتروني وقد أحدث العديد من المشكلات للآخرين لذا وجب التنويه لحرمة التجسس مهما كانت الأسباب أو المسوغات.

عدم استخدام التكنولوجيا في إضرار الآخرين

عن أبي موسى، قال: قُلتُ: يا رسول الله! أي المسلمين أفضل؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)). متفق عليه [البخاري (11)، ومسلم (42)] (النووي، 2000: 503) أي لا يعتدي على المسلمين لا بلسانه غيبة أو نميمة أو سب أو ما أشبه ذلك، “ويده” يعني لا يأخذ أموالهم ولا يضرب أبشارهم، بل قد كف أذاه، لا يأتي إلى الناس إلا بما هو خير، هذا هو المسلم، وفي هذا حث على أن يسلم الإنسان من لسانك ويدك، أي أن تكون سالماً مسالماً فإن هذا هو خير المسلمين. (العثيمين، 2006: 117)، نستنبط من الحديث الشريف حرمة إيذاء المسلمين سواء باليد أو باللسان سواء كان الإيذاء بشكل وجاهي أو من خلف الشاشات الالكترونية.

عدم استخدام التكنولوجيا في أعمال منافية للعادات والتقاليد

قال تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين [الأعراف: 199]. “خذ العفو” أمر له عليه الصلاة والسلام بمكارم الأخلاق أي خذ بالسهل واليسر في معاملة الناس ومعاشرتهم قال ابن كثير: وهذا أشهر الأقوال ويشهد له قول جبريل للرسول “إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك”، “وأمر بالعرف” أي بالمعروف والجميل المستحسن من قول وأفعال في العادات والتقاليد، “وأعرض عن الجاهلين ” أي لا تقابل السفهاء بمثل سفههم بل احلم عليهم قال القرطبي: وهذا وإن كان خطاباً لنبيه عليه الصلاة والسلام فهو تأديب لجميع خلقه. (الصابوني، 1986: المجلد الأول،488)، ونستنبط من الآية الكريمة والتفسير أعلاه، أن على المرء الالتزام بحسن الخُلق والعادات والتقاليد المتوافقة مع الدين الحنيف وفي ضوء ذلك على الطالب عدم استخدام التكنولوجيا في أعمال منافية للعادات والتقاليد.

فيديو مقال الأخلاقيات التكنولوجية من منظور إسلامي

 

أضف تعليقك هنا