الإمام أبو حامد الغزالي بين الفلسفة والتصوف

بقلم: أ. آلاء رمزي وادي

الميلاد والنشأة

ولد الإمام أبو حامد الغزالي محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي بقرية “غزالة” القريبة من طوس من إقليم خراسان عام (٤٥٠هـ /١٠٥٨م)، وإليها نسب الغزالي، ونشأ في بيت فقير لأب صوفي لا يملك غير حرفته، ولكن كانت لديه رغبة شديدة في تعليم ولديه محمد وأحمد، وحينما حضرته الوفاة عهد إلى صديق له متصوف برعاية ولديه، وأعطاه ما لديه من مال يسير، وأوصاه بتعليمهما وتأديبهما (الغزالي:١٩٨٣ ،٦٧ .)

تعليم الغزالي

درس الغزالي في صباه على عدد من العلماء، أخذ الفقه على الإمام أحمد الرازكاني في طوس، ثم سافر إلى جرحان فأخذ عن الإمام أبي نصر الإسماعيلي، وعاد بعد ذلك إلى طوس حيث بقي بها ثلاث سنين، ثم انتقل إلى نيسابور والتحق بالمدرسة النظامية، حيث تلقى فيها علم أصول الفقه وعلم الكلام على أبي المعالي الجويني إمام الحرمين ولازمه فترة ينهل من علمه ويأخذ عنه حتى برع في الفقه وأصوله، وأصول الدين والمنطق والفلسفة وصار على علم واسع بالخلاف والجدل. استقر المقام بالغزالي في نيسابور فترة طويلة .

خرج الغزالي إلى “المعسكر” فقصد الوزير السلجوقي ، الذي كان معروفا بتقديره العلم ورعايته العلماء. واستطاع الغزالي أن يحقق شهرة واسعة بعد أن ناظر عددا من  العلماء ، حتى اعترفوا له بالعلم والفضل، فارتفع بذلك ذكره وذاع صيته، ووجه جهده إلى محاولة التماس الحقيقة، التي اختلفت حولها الفرق الأربعة التي سيطرت على الحياة الفكرية في عصره وهي:

“الفلاسفة”  الذين يدعون أنهم أهل النظر والمنطق، و”المتكلمون” الذين يرون أنهم أهل الرأي، و”الباطنية” الذين يزعمون أنهم أصحا ب التعليم، والمخصوصون بالأخذ عن الإمام المعصوم، و”الصوفية” الذين يقولون بأنهم خواص الحضرة الإلهية ، وأهل المشاهدة والمكاشفة (علي،2017)

عصر الإمام الغزالي

يعتبر الغزالي من أعلام القرن الخامس الهجري في الخلافة العباسية التي مالت الى الضعف والانحلال والتكالب على السلطة وكثرة المذاهب . ومن أبرز التطور في الفكر الاسلامي في 5 ه أن الأشاعرة هي من تسلمت زمام التطور الفكري وكان الغزالي من روادها، حيث كان مذهبهم التفاعل مع المشكلات والاحاطة بمقتضيات التطور ليخلصوا الى بلورة نظرية تربوية تتسق مع القرءان والسنة

منهجية الغزالي في الوصول إلى الحقيقة

اتبع الغزالي منهجا عقليا يقوم على فكرتين أساسيتين هما: الشك، والحدس الذهني. وقد عبر عن ذلك بوضوح في قوله: ” ان العلم اليقيني يكشف فيه المعلوم انكشافا لا يبقى معه ريب يقارنه إمكان الغلط و الوهم”. (موسى، ١٩٥٠) كان هدف الغزالي هو البحث عن الحقيقة  بكل المدارك الحسية والعقلية والقلبية.

وحتى يصل الى الحقيقة اليقينية استخدم المذهب الشكي . من أشهر أقواله ” من لم يشك لم ينظر ومن لم ينظر لم يبصر ومن لم يبصر يبقى أعمى “. وتقوم نظريته على تعدد وسائل العلم والمعرفة ويدعو الى التلازم بين العقل والشرع من أجل الوصول الى اليقين. رأى الغزالي أن  مصادر المعرفة اليقينية  تقوم على 4 مصادر وهي الحواس ، والعقل ،النبوة والكشف.

فلسفة الغزالي 

لو سئل الغزالي رحمه الله: هل أنت فيلسوف؟ فما عسى أن يكون جوابه يا تُرى؟ أكبر الظن أنه كان يجيب بالنفي، ولا يعدو الحقيقة في نفيه شبهة الفلسفة عن نفسه، إذ كان للفلسفة في ذلك العصر مدلول غير مدلولها الذي نفهمه الآن في العصر الحاضر، وغير مدلولها الذي أراده من وضعوا الكلمة تواضعا منهم، ولم يشاؤوا أن يصفوا أنفسهم بالحكمة فقنعوا بمحبة الحكمة، وهي معنى كلمة الفلسفة باليونانية كما هو معلوم، لقد كان معناها في عصر الغزالي أنها كلام يستحق منه الرد، ويظهر تهافته من المناقشة بالحجة والبيِّنة، ولولا ذلك لما اختار لمناقشته اسم «تهافت الفلاسفة» كأنه يعني به تهافت الفلسفة على الإطلاق. (العقاد، 2012)

لكننا ننظر الآن إلى أقوال الغزالي في مناقشته للفلاسفة فنعلم أنه ناقش الفلسفة بالفلسفة، وحطم السلاح بسلاح مثله، بيد أنه أنفذ وأمضى، فهو على هذا فيلسوف أقدر من الفلاسفة الذين أبطل حجتهم.

وتميز الغزالي الفيلسوف بالجرأة والشجاعة والذكاء  فقد واجه الاتجاهات الفكرية المختلفة التي سادت في عصره بذكاء وشجاعة نادرين، وكان نقده مركزا على نقد الفرق المتطرفة من منطلق إخلاصه للإسلام، وكان في نقده لها يتسم بالنزاهة والموضوعية، وأثبت الغزالي في رده على الفلاسفة مخالفتهم للإسلام في بعض الجوانب.

وحذر الناس من اتباع طريقتهم من غير مناقشة أو تمحيص، كما كشف عن أباطيل الباطنية، وفضح ضلالاهم بعد أن درس أسرار مذهبهم وعرف حقيقة  أفكارهم، وكان أمر الباطنية قد استشرى واستفحل خطرهم سياسيا ودينيا، وقد أراد الغزالي من رده عليهم تحجيم خطرهم والتقليل من نفوذهم الديني والسياسي بعد تعريتهم والكشف عن زيفهم وضلالهم وتوضيح أهدافهم.( علي، 2017)

التصوف عند الغزالي 

يقول الغزالي(1975) : وانكشف لي أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها، أني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق االله تعالى خاصة وأن سيرهم أحسن السير وطريقهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الخلق بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا شيئا من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منها لم  يجدوا سبيله فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة. كون الغزالي  رؤيته للتصوف السني القائمة على التربية الأخلاقية للنفس البشرية كما أوردها(بدوي، ١٩٦١ :٨٣ )

  1. الكمال الإنساني: وذلك بارتقاء النفس الإنسانية من مجال الحس إلى التفكير، ومن مستوى الخضوع للأهواء والشهوات إلى مقام العبودية الله
  2. تربية النفس على الفضيلة: فقد ركز الإمام الغزالي على أساسيات الفضائل، واعتبرها أربعة هي؛ الحكمة والشجاعة والعفة والعدل. ويرى أن تحقيق الفضيلة إنما يكون من خلال تصفية القلب لذكر االله تعالى والعمل على تزكية النفس
  3. تهذيب قوى النفس الإنسانية: وهو يرى أن ذلك لا يعني قمع نزعاتها وغرائزها فإن ذلك مخالف لفطرة الإنسان وطبيعته؛ لأن الشهوة إنما خلقت لفائدة، ، فشهوة الطعام ضرورية لحياته ونموه، وشهوة الجنس تحافظ على النسل وتساهم في بقائه ، ولكنه يربط هذه الشهوات بالاعتدال والعفة والعقل.
  4. تكوين الشخصية المتوازنة: ويركز الغزالي على المكونات الرئيسية للنفس الإنسانية وهي: العقل والروح والجسم، وينظر إليها باعتبارها كيانا واحدا متكاملا ومتوازنا، كالمجاهدة والرياضة لتزكية القب والروح، والتفكر لتزكية العقل، وترقية النفس الإنسانية ، واللعب لتربية الجسم وتنشئ العقل والحواس.
  5. إرضاء الله سبحانه وتعالى: دعا الغزالي إلى توخي إرضاء الله تعالى، وحذر من مطامع الدنيا الفانية، وحث على إحياء الشريعة الإسلامية والتماس رضوان الله تعالى، ولذلك فهو يرى أنه يجب إعداد الإنسان في هذه الحياة الفانية للدار الآخرة الباقية؛ لأن الغاية المثلى للإنسان  هي حسن العبودية الله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

خاتمة

ونختتم هذه المقالة سائلين: هل كان إمامنا رضي الله عنه فيلسوفًا أو متصوفًا؟ فلعلنا نستطيع أن نجيب قائلين: إنه كان قدوةً للفلاسفة ونموذجاً من نماذج التفكر الرفيع، نتعلم منه أن للفلسفة أداة لا تتم بغير قسط من التصوف؛ لأن التصوف قدرة على انتزاع النفس من المألوف، وتلك قدرة لا يستغني عنها الفيلسوف المفكر ولا الفيلسوف الحكيم.

أن الإمام أبا حامد الغزالي كان حجة الإسلام، عالما أصولياً وفقيهاً وفيلسوفاً ومنطقياً، وكان التصوف لديه يعني روح الإسلام. ما نال لقبه ً إلا من مجموعة من السجايا رفعته إلى المقام الذي وصل إليه.

المراجع

  • العقاد، عباس . 2012. فلسفة الغزالي. القاهرة : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة .
  • الغزالي. 1975 .المنقذ من الضلال. بغداد: مكتبة المتني.
  • الغزالي.1983. معيار العلم. بيروت : دار الملايين.
  • بدوي، عبدالرحمن. 1961 .مؤلفات الغزالي. القاهرة: المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب.
  • علي، عيسى عبد الله .2017. الفلسفة والتصوف في فكر الغزالي : المجلة الأكاديمية للدراسات الإسلامية، قطر.
  • موسى، محمد يوسف. 1950 .الغزالي بين الفلسفة والتصوف. القاهرة: مجلة رسالة الإسلام.

بقلم: أ. آلاء رمزي وادي

 

أضف تعليقك هنا