يُنظر إلى الفكر التربوي الإسلامي أنه عبارة عن التميز الفكري الذي وجد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وضمن الكتابات التربوية التي جاءت عن طريق مؤلفات أو رسائل أو وصايا أو إشارات في مواضع شتى من الإبداعات والمؤلفات الإسلامية، أنشأها مجموعة من المفكرين ممّن تخصّصوا في الجانب التربوي أو غيره من جوانب الحياة العملية المختلفة.
لقد استمد الفكر التربوي الإسلامي أصالته و فلسفته و مرجعياته الأساسية من القرآن الكريم والسنة النبوية ، وفي ضوء تعاليم وتشريعات الدين الإسلامي، وقد اكتسب النظام التربوي الإسلامي طابعه الخاص الحافل بالقيم الإسلامية كما حددها الوحي الإلهي ومن خلالها نظم العلاقات المختلفة داخل المجتمع وبين الفرد ونفسه، ولقد جاءت قضية البناء الثقافي للفرد كأحد أهم النقاط الجوهرية التي تحتل مكاناً متميزاً في الفكر التربوي الإسلامي.
ولم يجد المسلمون حرجاً في عصورهم الذهبية أن يقتبسوا العلوم الكونية من الطب والتشريح والفلك والفيزياء والكيمياء والرياضيات وغيرها ، من أهم الحضارات القديمة كاليونان والفرس والروم لاسيما اليونان ، وباتت هذه الاقتباسات معززة لقوة الفكر التربوي والعلمي الإسلامي وداعمة له.
ومما لا شك فيه أن الهوية الثقافية للفكر التربوي الإسلامي قد تبلورت بشكل كامل في ضل الحضارة الإسلامية، وقد استمدت أبعادها وأصالتها من مبادئ وقيم الإسلام ، والتراث الإسلامي عبر العصور المختلفة للدولة الإسلامية.
وفي نظرة تحليلية للفكر التربوي الإسلامي ومدي قبوله لمبدأ الانفتاح والتجديد ، سنجد أن أبرز ما يميز هذا الفكر هو خاصية الاجتهادية التي يقصد بها هنا: أن الفكر التربوي الإسلامي هو عملية إنسانية، نتجت عن تفكير الإنسان ونظره وتأمّله واستخدامه الآليات والمناهج ومصادر المعرفة المتاحة، كما أنها تقوم على “ثلاثية” تفاعل العقل مع النصوص الشرعية مع واقع الحياة التربوي.
فمحصلة ما يُقال عنه بأنه فكر تربوي إسلامي من آراء وموضوعات وأفكار وحلول لمشكلات تربوية وتعليمية ما هو إلا حاصل تفاعل عقل المسلم (تفكيره ونظره وفهمه وتأمّله) مع نصوص الشرع مع واقع الحياة ، ولولا هذا التفاعل بين هذه الثلاثية (العقل والنص والواقع) لما خلصنا إلى ما يسمّى بالفكر التربوي الإسلامي، وللمتأمل في هذا المضمون سيجد أن الفكر التربوي الإسلامي يعتبر أرضاً خصبة لنشأة الانفتاح المضبوط.
“ويبقى السؤال المتكرر دائما كيف نحقق المعادلة ما بين الحفاظ على أسس الثقافة الفكرية الإسلامية وبين مواكبة هذه الثقافة للتطور المتسارع في مناحي الحياة وتحقيق الانفتاح الثقافي ؟ “
هو عبارة عن منهجية قوامها البحث عن المعرفة من كـل الثقافـات الإنسانية، دون العمل على إلغاء بعض الثقافات وإقصائها من الخريطة الثقافية ، وإنما هو تواصل بين الثقافات الإنسانية بغية التعرف على الجديد الذي تطرحه، والآفاق التي ترسمها، انطلاقاً من خلفيتها العقائدية والفكرية، وعن طريق هذا التواصـل والانفتـاح الثقافيين, يتمكن المثقف من امتلاك الرؤية المستقبلية المتجددة والمواكبة لتطورات الحياة.
ويتمحور الانفتاح الثقافي في الفكر الإسلامي حول ركيزة أساسية هي قبول الأفكار الجديدة فيما لا يتعارض مع جوهر الإسلام والشريعة والعقيدة الإسلامية في ظل رفض التعصب والجمود العقلي مع القـدرة علـى التقبـل والتعامل والتفاؤل مع الآخرين بقصد الاستفادة مما هو جديد ومفيد سواء مادياً أو معنويا
ويمكن القول أنه الانتصار إلى الثقافة غير الإسلامية وقراءتها والاخذ منها مع مراعاة الضوابط الشرعية التي لا تنافي الكتاب والسنة النوبية .
تتنوع الدوافع التي ترفض على أي مجتمع ان ينفتح على ثقافة مجتمعات آخري ولكنها في المجمل تشترك بهدف اثراء وتطوير الواقع الفكري الثقافي للمجتمع وقد تتمثل هذه الدوافع في:
إن التطورات العلمية الهائلة التي خرجت وتخرج بصورة يومية إلى العالم وضورة مواكبة هذه التطورات تفرض على الأمة الإسلامية الانفتاح على جوانب التطور العلمي العالمي في مختلف الحضارات بل والمشاركة الفاعلة في التجارب والمحاولات العلمية العالمية الساعية إلى اكتشاف واختراع الجديد وإلا فحتماً سيكون الضعف والتشتت مصيرها، وهو توجه ليس غريباً على الفكر التربوي الإسلامي فقد اعتمده المسلمون الأوائل عملاً بالكثر من آيات القرآن ومنها وقوله تعالى (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ( سورة العنكبوت آية 49 .
إن تطور المجتمعات وتنوع مظاهر الحضارة فيها يأتي دائما مرتبطاً بمدي الاحتكاك الإنساني لهذه المجتمعات وقدرتها على الاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين ، فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يسعي للحياة بصورة تفاعلية مع غيره ومع بيئته ليصل إلى التكامل الفكري الخاص به ، فإن انقطع عن ذلك على الحضارة الضعف والتشرذم محدودية المستوى الفكري ،لذا من واجب أي مجتمع وأي حضارة أن تفتح باب التواصل الفكري والثقافي مع الآخرين ومحاولة مزج الجديد والمفيد منها في حضارتها وواقع حياتها، وقد اهتم المسلون الأوائل بذلك ولعل أبرز مظاهره كم الترجمة التي انتشرت في العصر العباسي.
إن التربية التي تجمد ولا تتطور ، ولا تضيف للثقافة ما يلزمهـا ويرتقي بها إبداعا وابتكاراَ، لا تقف على ساعديها ولا ترى النور ولا تنهض بأمتها ؛ لذا كـان لا مناص من لانفتاح الثقافي على الآخرين بهدف الاطلاع على ما يمكن اقتباسه البناء عليه لتطوير العلمية التربوية وتحسينها وتجديدها لان لكل جيل حاجته التربوية.
“وفي ضوء ذلك نرى أنفسنا أمام التساؤل التالي : إذا كان الانفتاح الثقافي أمر مهم لتنوع وتقوية الثقافة الفكرية الإسلامية فهل كل أنواع الانفتاح قادرة على أن تحقق هذا الهدف بصورة ايجابية ؟ والحقيقة أننا مهما كانت الحاجة ماسة إلى الانفتاح إلا أن هذا الانفتاح يجب ان يضبط بمجموعة من الضوابط التي تضمن الحفاظ على أسس الثقافة الفكرية الإسلامية ولا تمسها بشكل سلبي ”
إن أهم ما نحتاجه اليوم في موضوع الانفتاح الثقافي هو تحديد الضوابط التي يجب العمل بها خلال التعامل مع الآراء والأفكار القادمة من الحضارات المغايرة للحاضرة الإسلامية لا سيما الحضارة الغربية التي هي موقع جذب واهتمام للكثير من المفكرين ، فهي بطبيعة التطور التي وصلت إليه في المجال العلمي والإعلامي والتكنولوجي أصبحت سهلة الانتشار والتغلغل في مناحي الحياة الإسلامية
إن الانفتاح المقبول في الفكر الإسلامي هو ذلك الانفتاح الذي يسير على مناهج النظر والاستدلال التي اتبعها المسلمون على امتداد تاريخهم، لا التجديد الذي يتحلل صاحبه من كل قيد، ويرفض كل قديم، ويتبع هوى نفسه، أو أهواء الذين يسترضيهم بقول أو فعل. فذلك ليس من التجديد في شيء، وفاعله مأزور لا مأجور .
إن من ضروريات الانفتاح الفكري على أي ثقافة غير إسلامية هو أن تكون المرجعية لقبول أو رفض الفكرة المطروحة هو ضوابط الشريعة وأن تنسجم مع الإسلام فالدين الإسلامي دين شامل لك جوانب الحياة الإنسانية سواءً مادية أو روحانية أو فردية أو جماعية أو علمية أو عملية ، ولن يتعارض جوهر الإسلام مع التطور والتجديد والابداع الإيجابي المفيد ، وفي هذا الاطار من الواجب التمييز بين الثواب والمتغيرات في أحكام الشريعة ، ويشار هنا أن
إن أحكام الإسلام تضم أحكاماً ثابتـة غيـر قابلـة للتغييـر والتطور والتبدل والتحول بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأوضاع، وتستمد هـذه الأحكـام ثباتها من كونها صيغت في نصوص قطعي في ثبوتها ودلالتها ، تسمو على المراجعة والتعددية، وتعد هذه الأحكام محل إجماع واتفاق بين عامة المسلمين ، وبمقابل هذه الأحكام الثابتة هناك أحكـام متغيـرة بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأوضاع، وذلك لكونها أحكاما مصوغة في نصوص ظنيـة في الدلالة والثبوت معاً أو في الدلالة دون الثبوت أو في الثبوت دون الدلالة، ولأن الظن يخـالط هذه الأحكام إن في ثبوتها أو في دلالتها فمن الممكن أن تكون مجالاً للتعددية والتجديد والانفتاح.
إن الانجذاب والانبهار بالثقافة غير الاسلامية والانصياع لمتطلباتها إنما باب من أبواب ضعف الشخصية الفكرية وقصورها وعندها لن يكون الانفتاح جانب من جوانب القوة إنما سيكون محو وتشتيت للشخصية الفكرية الإسلامية ، ويمكن للمسلم أن يطلع على ثقافات الأمم الأخرى بعد أن يكون قد أثرى حصيلته الذاتية بحصيلة وفيرة من القناعات والمبادئ والقيم الفكرية الإسلامية الصحيحة.
وأن ينطلق من مبدأ الاعتزاز بالثقافة الإسلامية وليس العكس، لذلك وجب عند الاقتباس من ثقافة أي مجتمع ضرورة الفصل بين مضمون العلم و فلسلفته العامـة التـي تعكس بشكل أو بأخر البيئة العقدية والحضارية لموطن العلم الأصلي ، حتـى نـستفيد مـن جوهره العلمي، دون تسرب فلسفتة المغايرة لفلسفتنا.
يعد الحفاظ على الطابع العام للهوية الإسلامية امراً مهماً لابد ان يتقيد به كل يفتح باب الانفتاح على الثقافات الآخرى ،فالأمة الإسلامية تميزت بهويتها بين الأمم، من دين شعاره التوحيد، ونظم اجتماعية مميزة، وآداب وأخلاق، ولغة مميزة، وحث الإسلام على المحافظة على تلك الهوية من الذوبان والضياع ، وإن كان الانفتاح امراً لا بد منه فمن الواجب مراعاة أن لا يضرب في أسس الهوية الإسلامية.
كما ومن الضروري قبل الانفتاح الثقافي أن نجتهد في الانتفاع بتراثنا الغني، والاستفادة من كنوزه التي يزخر بها في كل من ، الدين ، واللغة، والأدب، والعلم، والفن، وسائر المواريـث الثقافية البناءة، التي خلفها الآباء للأبناء ، والأجداد للأحفاد ، وغربلـة التـراث واسـتخلاص الصحيح والمفيد منه ، وما يحتويه من الفكر الذي صدر عن روح الإسلام وغاياته لا عـن الخرافات أو الانحرافات، أو الفلسفات الوافدة، أو الأعراض والأمراض التي ألمت بروح الأمـة وفكرها على مر العصور.
يعتبر الامام محمد بن عبده بن حسن خير الدين المصري ( 1849 – 1905 ) أحد أهم وجوه الانفتاح والتجديد الفكري الإسلامي، وكان له العديد من خطوات الانفتاح الثقافي والتجديد في المجال التربوي ، وقد كانت رسالة التعليم عند الامام محمد عبده تتمركز على فكرة رئيسية تتمثل في أن مهمة التعليم ليس أن ينقل للناس معلومات يجهلونها فقط إنما كان هدفه تحفيز لناس إلى عمل لا يتوانون عنه يحملهم على خلق يحبب إليهم ذلك العمل ويساعدهم عليه .
ويري الامام محمد عبده أن التربية لابد أن تكون أخلاقية ، وأن العلم هو سبب من أسباب الثروة والقوة، وسبب من أسباب تبصير العقول وارشادها إلى طريق النجاح .
واعتمدت أفكار الامام محمد عبده في تجديد الفكر التربوي على مقومين أساسيين هما : العقل والعلم ، وأوضح أن الإسلام في أساسه دين العقل الذي من خلاله يتم فهم الحكمة والموعظة الحسنة ، ومن هنا طالب بتفسير الشرع الإسلامي في ضوء العقل، ويري أن الوصول إلى المعرفة بإعمال العقل واستخدام الاستدلال العقلي يساعد على التحقق من أساس العلم ، قلا يُقبل رأي إلا على أساس دليل صحيح يشرح الأسباب والمسببات ، وهي طريقة موضوعية في الحكم على الآراء لا تخض للأهواء الشخصية مما يساعد في تحقيق التطور ، ومواكبة العصر والتخلص من الخرافات والأوهام.
يؤكد الامام محمد عبده دور المعلم القدوة الذي لا بد أن يتصف بالأخلاق والنزاهة والعدل خلال تعامله مع طلابه ، بالإضافة لضرورة أن يكون متمكن من مادته العلمية ولديه القدرة على ايصالها للطلاب بدرجة عالية من الاتقان بعيداً عن حشو المعلومات وأن تكون طريقة التدريس التي يتبعها إيجابية تشرك المتعلم وتثير تفاعله ، وعليه أن يتابع طلابه ويركز على مدي فهمهم للمعارف، ويراعي الفروع الفردية بينهم ، وكان محمد عبده من أوائل المؤيدين لإجراء اختبار شخصي للتأكد من صلاحية المعلم لمهنة التدريس، كما يجب ان يتصف المعلم بالقدرة على ضبط النفس والبعد عن استخدام العقاب البدني واللجوء إلى أساليب الاقناع والإصلاح لتعديل السلوكيات الخاطئة للطلاب.
يرفض الإمام محمد عبده أن يبقى المتعلم مجرد متلقي للمعلومة بهدف الحفظ الامر الذي يدفعه للجمود والنفور من عملية التعلم ، لذا ركز على أهمية أن يفهم الطالب ما يتعلمه حتى تكون له القدرة على شرحه وتفسيره والاستفادة منه في الحياة العملية، كما أكد على تنوع المعارف التي يجب أن يتلاقها المتعلم فلا يقتصر علمه على الجانب الديني فقط إنما يمتد إلى الجوانب العلمية الطبيعية ، ومن جانب آخر أكد الإمام محمد عبده على ضرورة ان يتصف المتعلم بالإيجابية والسعي لتطوير الذات، والتحلي بالأخلاق الحميدة ، بالإضافة لاحترام المعلم وتقدير جهوده .
كانت الكتب المدرسية والمناهج التي تدرس للطلاب محط اهتمام الإمام محمد عبده وقد حذر من أضرار الكتب التي تشتت العقل وتبعث فيه الخرافة ، كما و أكد على ضرورة التزود بالمعلومات المفيدة والمعارف النافعة من كتب صحيحة ولها مرجعيات علمية واضحة سواء كانت كتب في الشريعة أم كتب في العلوم الطبيعية ، وقد انتقد الكتب التي تعتمد على أسلوب لغوي صعب ومعقد ودعا إلى استخدام اللغة الواضحة والسلسة وذات الأسلوب المناسب لإدراك الطلاب .
يرى الإمام محمد عبده أن وظيفة المدرسة هو تهذيب النفس وغرس الصفات الايجابية فيها ، وكذلك تزويد المتعلم بالمعلومات الحية الصحيحة التي تلزمه في حياته العملية ، بالإضافة إلى دور المدرسة في تنمية الجانب الوجداني للطالب وبناء شخصيته، ومساعدة الطالب في الربط بين الجانب العملي والجانب النظري من المهارات عبر تدريبه على جوانب عملية مثل الزراعة والصناعة بما يتناسب مع بيئته ، وأشار الامام محمد عبده إلى ضرورة تحقيق الصلة بيم المدرسة والمجتمع حيث يري أنه من المستحيل الفصل بينهما.
بقلم: محسن العويسي (الحب الصامت يأتي بهدوءً قاتل ويذهب بجُرحٍ عميق) ومابين غسق الليل ونور… اقرأ المزيد
بقلم : قاسم الجهني يشهد العالم في الوقت الحالي ثورة تكنولوجية عظيمة، والتي صاحبها انتشار… اقرأ المزيد
بقلم: إبراهيم جلال أحمد فضلون تمثل الصيغة النموذجية لوثيقة تأمين المسؤولية المهنية لجهات تفتيش أعمال… اقرأ المزيد
بقلم: المستشارة زهراء التميمي إن أبعاد طوائف الأقليات عن الساحة السياسية والسلطة الحاكمة يمكن أن… اقرأ المزيد
بقلم: عادل عبد الستار العيلة شاء القدر اليوم أن أقرأ تلك السطور التاليه (لا اعرف… اقرأ المزيد
في عصر التكنولوجيا الحديثه والتطور الرهيب الذي نشهده في جميع القطاعات,تعد البرمجة أحد أهم المجالات… اقرأ المزيد