القلق النفسي عند النساء الحوامل: آثاره وسبل علاجه

جاهز: يوسف يموني

لا يمكن الحديث عن الإشكاليات النفسية المتعلقة بفترة الحمل دون النظر إلى مجموعة من العوامل الرئيسية و التي لها دور كبير في تحقيق الرضا و التوافق النفسي لدى النساء الحوامل.

و قد تعرف هذه الفترة بعض الصعوبات في ممارسة الحياة بشكل طبيعي كالسابق. إثر تغيرات هرمونية ينتج عنها  آلام جسمانية و انخفاض في الطاقة، و الميل إلى مزاج مكتئب إلى حد ما. كما يؤثر هذا الأخير تأثيرا كليا في مسارات و وظائف متعددة، كالرغبة و الإدراك، التركيز و الشعور.

أهمية التحاليل والتشخيصات الطبية للمرأة الحامل

أما الشق الآخر يرعى حاجيات الجسم من جانبه البيولوجي.  تقصد بالذكر هنا التشخيصات الطبية و التحاليل التي تظهر المكونات الأساسيات للجسد و مدى توافقها مع تأثيرات الحمل كمتغير جديد.  و في هذا الصدد تجدر بنا الإشارة إلى تحديد العوامل الرئيسية و من بينها العامل الصحي و هو خلو المرأة من أي مرض مزمن، أو معدي أو نقص في أحد العناصر الرئيسية للجسم كالكريات الحمراء إلي غير ذلك من الأمراض التي من شأنها التأثير سلبا على صحة المرأة أثناء الحمل أو الجنين.

العامل الاجتماعي للحامل

أما العامل الآخر هو العامل الاجتماعي و الذي يعد الاهتمام به و منحه الأهمية من الأولويات القصوى. و نعني بذلك توفير جو ملائم ينمي الشعور بالطمأنينة الاجتماعية في شكلها الضامن للأمان النفسي و الروحي و الاستقرار الاجتماعي. كما أن الدعم الأسري و رعاية الحاجيات الضرورية المادية و المعنوية تساعد في تصفية الذهن من القلق المصاحب أثناء فترة الحمل.

العامل البيئي

و تجعل التركيز ينصب على النواحي الإيجابية. يمكن القول أن كل هذه العوامل تتدخل بشكل أو بآخر في الجانب النفسي و من أهمها أيضا العامل البيئي و تحقيق التوازن بين المحيط البيئي و بين الذات في علاقة منسجمة لا يتخللها صراعات أو تهديدات على مستوى النفس.

كما أن مشاكل انعدام ظروف الراحة و التلوث البيئي و سوء التغذية كلها أسباب مسببة للقلق و التوتر النفسي بما في ذلك الأزمات النفسية التي يكون وراءها خلل على مستوى الإدراك و تدبير العواطف والانفعالات.                    سينأى الحديث بنا هنا إلى طرح الإشكالية التي تعانيها المرأة أثناء الحمل كفترة جد حساسة في مسارها لتصبح  أما عما قريب.  و بالتالي ما هي الإكراهات النفسية وكيف يمكن تدبيرها؟

مخاطر التوتر أثناء الحمل

على ضوء ما سبق هناك فرضية تقول أن التوتر أثناء الحمل قد يعرض الأطفال للإصابة باضطراب الشخصية.1 تؤكد إحدى الدراسات التي أقيمت في فنلندا  أن أطفال النساء اللواتي يعانين من توتر شديد أثناء الحمل هم أكثر عرضة للإصابة باضطراب الشخصية بنحو 10 أضعاف، حين يبلغون سن الثلاثين. كما أشارت الدراسة إلى أن تعرض المرأة الحامل لتوتر معتدل لفترة طويلة قد يكون له تأثير على نمو الطفل وتطوره، وقد يستمر هذا التأثير إلى ما بعد ولادة الطفل.

التغيرات الهرمونية

بينما أكدت الكاتبة 2 مريم ابراهيم عن موقع الجزيرة في كتاباتها بأن التغيرات الهرمونية في الحمل لا تؤثر فقط على مزاج المرأة بل تدربها على مهام الأمومة. كما أقرت “غيتي إيميجز” الرائدة عالمياً في مجال التواصل البصري أنه لا يمكن الاستهانة بالتأثير النفسي للحمل على النساء.

قام فريق من الباحثين في هولندا وإسبانيا بتصوير التغيرات التي تحدث للمرأة أثناء الحمل من خلال التصوير الطبقي المحوري (الرنين المغناطيسي)، وبمقارنتها مع تصوير الدماغ قبل الحمل وبعد الإنجاب، وجد الباحثون تقلص المادة الرمادية في الدماغ، وهي التي تمثل في التصوير الإشعاعي الأنسجة والخلايا المتشابكة مع الأعصاب، واستمرت النساء الخاضعات للتجربة في فقدان تلك الخلايا على مدار عامين بعد الولادة.

يبدو الأمر في الوهلة الأولى ضارا ومخيفا، لكن علميا التأثير عكس ذلك تماما، تلك المناطق التي تقلصت تساعد المرأة على تعزيز مستويات الإدراك الاجتماعي الذي يساعد الأم على رعاية طفلها، مما يمكنها بشكل مباشر من فك طلاسم التعامل مع الرضيع ومعرفة احتياجاته من خلال بكائه، ومزيد من الاستعداد لتفسير الاحتياجات من خلال لغة الجسد، وكلها أشياء تفيد الأم.قد تتسبب تلك التغيرات في معاناة النساء من بعض المشكلات في الذاكرة، لكن بصورة ما يعيد الجسم توجيه الطاقة والموارد بالجسم لرعاية الطفل.

هل يُعد القلق أحد الأعراض العامة للمشاكل النفسية عند الحامل؟

القلق يعد أحد الأعراض العامة للمشاكل النفسية ذات التأثير الخارجي أم التفاعل البين-الشخصي و الذي ينتج كتأثير تعرض لضغط ما إما شعوريا أو لاشعوري. أو هو صراع داخلي بين مكونات الجهاز النفسي حسب نظرية التحليل النفسي بين الهو كآلية للتنشيط الغرائزي و التنظيم الرمزي للأنا الأعلى.

هل القلق سببه واقعي أم وهمي؟

و قد يكون ناتج عن صعوبة التأقلم مع الواقع الاجتماعي و نعني بذلك الواقع الخارجي. و قد يكون القلق نتيجة تهديد خارجي من مؤثرات إما واقعية أو وهمية. و بالتالي فإشكالية القلق عند النساء الحوامل لا تكون بالضرورة نفسية و إجتماعية في حين أن العامل الثقافي يلعب دورا أيضا إما في ارتفاع نسبة القلق أو انخفاضه. 3 يؤكد فرويد رائد مدرسة التحليل النفسي أن كل تهديد خارجي للحياة هو بمثابة إخصاء نفسي و يؤدي إلى قلق متزامن

. و غالبا ما ربطت مدرسة التحليل النفسي القلق النفسي بنظرية الاخصاء عند الأطفال أو البالغين في تصور اللاشعور. كما أكد 4 فيرينتزي أن القلق هو نتيجة إثارة تم قمعها بآليات تخويفية صادمة كحدث معين جاء بطريقة فجائية. و بالتالي كل إثارة جديدة فهي إحياء للتجارب السابقة و يتم التعامل معها بدرع نفسي كمثبط و يعني ذلك أنها تظل إثارة غير مكتملة بل مثبطة. كما تحدد درجة المتعة و تحولها إلى استياء و شعور بالذنب كإحياء للذكريات الصادمة. قد نجد تفسيرا للقلق في الاضطرابات ما بعد الصدمة،أو اضطرابات القلق، أو قلق الموت، قلق المستقبل، قلق الامتحان و أيضا قلق الولادة.

الولادة الطبيعية والقيصرية

“يميل عددٌ من النساء إلى الولادة عن طريق عملية قيصرية لتجنّب تجربة الولادة الفعليّة وكل ما يتعلّق فيها من تفاصيل قد تتحوّل إلى أعراض لاضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية”

تقترح الدراسات الحديثة أنّ قصص الولادة السلبية للآخرين قد تزيد من الخوف من الولادة عند الكثير من النساء. وهو الأمر الذي ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على تعزيزه، خاصة وأنّ السنوات الأخيرة شهدت صعودًا للأمّهات الجديدات ممّن يقمن بالحديث عن تجاربهنّ في الحمل والولادة والتربية على تلك الوسائل والمنصّات، انطلاقًا من فكرة أنّ تبادل القصص حول التجارب الصعبة يمكن أن يساعد في الحد من مشاعر العزلة والوحدة ويعمل على دعم الأقران المارّين بتجارب مشابهة. وهو ما أثبتته الأبحاث بطبيعة الحال.

لكن على الجانب الآخر، فمشاركة القصص الصادمة والصعبة قد يؤدي بشكلٍ لا واعٍ إلى تعزيز الخوف منها عند الآخرين وتحويلها إلى تجارب غير مرغوبة بعض الشيء أو بالمطلق. تزداد سلبية الأمر مع غياب الجانب المهنيّ لنقل القصص والتعامل معها، أو عدم توافر إمكانية اللجوء لخبيرٍ نفسيّ للحصول على المساعدة اللازمة.

كيف يمكن التخلّص من هذا الخوف؟

جاه أو خبراء مهنيّين، والأهمّ من ذلك وجود شبكة اجتماعية داعمة للمرأة الحامل أو المُقبلة على الحمل، بما في ذلك الزوج والعائلة والأصدقاء. وكما هو الحال مع اضطرابات الخوف والقلق الأخرى، يمكن أن يساعد الاسترخاء والتمارين الخفيفة وبطء التنفس على تهدئة الجسم وتخفيف الإثارة المفرطة التي تأتي مع الفوبيا ونوبات الهلع.

ومع ذلك، قد يحتاج بعض النساء إلى مزيد من العلاج الموجّه على يد طبيبٍ أو معالِج نفسيّ، باستخدام آليات العلاج السلوكي المعرفيّ لعلاج الفوبيا، حيث يتناقش المعالِج مع مريضة حول الأسباب المؤدية لخوفها وهلعها، ويفهمها ليقدّم لها الحلول الممكنة، كما يمكن تعزيز العلاج باستخدام مضادات الاكتئاب والقلق الخفيفة دون أنْ تؤثّر على حالة الجنين.

وبالنهاية، الكثير منّا يجهل بشكلٍ جزئيّ أو كلّي ما يحدث مع المرأة حين تجد نفسها وجهًا لوجه مع تجربتي الحمل والولادة اللتين من الممكن جدًّا تحوّلهما لصدمةٍ نفسيّة، تختلف شدّتها من امرأة لأخرى، وتؤدّي إلى الهلع والقلق من بعض ما يتعلّق بهما كالعلاقة الجنسية مع الزوج أو الارتباط العاطفيّ بالطفل بعد الولادة. والأهمّ من ذلك هو نفسية الأمّ المركّبة التي تحتاج لعناية خاصة في هذه المرحلة نظرًا لخطورتها وأهمّيتها.

المراجع

  1. عنوان المقال: التوتر أثناء الحمل قد يعرض الأطفال للإصابة باضطراب الشخصية. الجريدة الإلكترونية العربية News BBC. 7 سبتمبر/ أيلول 2019
  2. إبراهيم مريم. مرأة/ العالم. هل يؤثر الحمل في القدرات العقلية للمرأة؟ موقع الجزيرة.  21/02/2021
  3. الإنسان في مصيدة ثلاثة أنواع من القلق لكتاب القلق فرويد. ترجمة محمد عثمان نجاتي. صحيفة الخليج.28 أكتوبر 2018
  4. 4Claude Smadja. Ferenczi, un précurseur de la psychosomatique contemporaine. Dans Revue française de psychosomatique 2012/2 (n° 42), pages 23 à 34
  5. مقتبس من تقرير”الخوف من الحمْل والولادة.. قلقٌ يتحوّل إلى فوبيا” للطالبة في علم النفس. غيداء أبو خيران. موقع نونبوست.نشر بتاريخ 15/02/2019 5

جاهز: يوسف يموني

 

أضف تعليقك هنا