سنة الابتلاء من منظور الفكر التربوي الإسلامي

بقلم: وسام عبد الله النجار

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على دربه إلى يوم الدين وبعد:

لقد خلق الله الأنسان ليكون خليفة الله في الأرض، وفق حكمة وجودية أرادها الله لهذا المخلوق مسخرا له هذا الكون بكل ما فيه من عناصر وكائنات قال تعالى:” وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون” (البقرة:30) ، حيث يخبر الله ملائكته بأنه بعلمه المسبق وحكمته البالغة يستخلف آدم عليه السلام وذريته ويوكل له مهمة ربانية تختلف عن مهمة الملائكة، مهمة تعمير الأرض في ضوء أوامر الله ونواهيه، يتحرى مراد الله ويبتغي مرضاته، ويعطيه حرية الإرادة والاختيار قال تعالى:” وهديناه النجدين” (البلد:10)، ويقدر حياته وفق سنن إلهية عديدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر سنة الاستبدال قال تعالى:” وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم” (محمد:38)، وأيضا من السنن الإلهية كما ذكر أبو سخيل (2007م) سنة التسخير قال تعالى:” وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” (الجاثية:13)، وسنة الزواج فيقول تعالى:” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” (الروم:21)، وسنة التدافع قال تعالى:” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز” (الحج:40)، وسنة التغيير قال تعالى:” كل يوم هو في شأن” (الرحمن:29) وقال أيضا:” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (الرعد: 11)، ومن هذه السنن أيضا سنة الإبتلاء فيقول تعالى :” الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور” (الملك:2).

وقد ارتأيت تناول سنة الابتلاء في موضوع بحثي لإيماني بأنها من أهم سنن الله التي أجراها في حياة الإنسان بل هي مدار خلقه وعلة وجوده، وقد جعلت عنوان البحث:” سنة الإبتلاء في الفكر التربوي الإسلامي”، وسأحاول بإذن الله الاجابة عن الأسئلة الفرعية التالية:

  1. ما هي سنة الابتلاء من منظور الفكر التربوي الإسلامي؟
  2. من المعرض لتجري عليه سنة الابتلاء؟
  3. ما هي خصائص سنة الابتلاء من منظور الفكر التربوي الإسلامي؟
  4. ما هي الأسباب والحكم من سنة الابتلاء من منظور تربوي إسلامي؟
  5. ما هي أنواع الابتلاءات؟
  6. كيفية التعامل والتصرف عند وقوع الابتلاء؟
  7. ما أهم الصور المشرقة التي ذاقت صنوف الابتلاء وصبرت عليها كما ذكرت في القرآن والسنة؟
  8. ما القيم التربوية للابتلاء من منظور الفكر التربوي الاسلامي؟
  9. ما الفوائد التربوية للابتلاء من منظور الفكر التربوي الاسلامي؟

إن المتأمل في الحياة يدرك أن سنة الابتلاء واقع يعيشه كل انسان بشكل شخصي وواقع تعيشه الأمم والمجتمعات بشكل مشترك لجميع أفرادها في جميع الأماكن والأزمان وعلى مدار كافة مراحل حياتهم. حيث يتعرض الانسان منذ بدأ خلقه لمواقف متباينة منها الخير ومنها الشر تتطلب منه التعامل والتصرف بأفضل ما يمكنه لتحقيق أهدافه المنشودة التي يقصدها أو حتى تلك التي لم يكن يقصدها أو لم تتضح له معالمها، وكذلك الأمم والمجتمعات التي تتذبذب مقدراتها التاريخية على حبال الأحداث في أطوار حضارية ثلاثة لا رابع لها وهي كما أوضح بن نبي في كتابه شروط النهضة ص(73) مرحلة الميلاد ومرحلة الأوج ومرحلة الأفول.

سنة الابتلاء من منظور الفكر الإسلامي:

سنة الابتلاء هي القاعدة الإلهية الثابتة التي تكون بموجبها حركة الإنسان بما تتضمنه من أنشطة وممارسات؛ اختبارا للإنسان وتمحيصا له (أبوسخيل،2007)، وهي سنة من سنن الله التي أراده في خلقه، بل ربما تكون أول سنة أريدت من وراء الخلق (المجالي،2019)

والابتلاء هو نوع من الاختبار لمعرفة حال المختبر بتكليفه بأمور يشق عليه فعلها أو تركها؛ ليجازيه عليها، ويكون الابتلاء في الخير والشر معًا، ويكون للأفراد والجماعات، ولا بد أن يمتحن اللَّه أهل الإيمان ويبتليهم حتى يميز الصادق من الكاذب يقول تعالى:” أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون” [العنكبوت: 2]، ولذلك اقتضت حكمة اللَّه تعالى البالغة أن نَصَبَ الابتلاء سبباً مفضياً إلى تمييز الخبيث من الطيب، والشقي من السعيد، ومن يصلح مما لا يصلح قال تعالى:” ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب” [آل عمران: 179]. (الأسمري)

والابتلاء في الدين معناه الاختبار والامتحان فيه بما يتعرض له العبد في هذه الحياة من الفتن بالخير والشر لصده عن دينه؛ فمن سنن الله سبحانه وتعالى أن يبتلي عباده ليتبين المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، كما قال صلى الله عليه وسلم: ” كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه.”الحديث رواه البخاري.

ومن الألفاظ التي تقارب معنى الابتلاء:

  • الاختبار وهو أصل من أصول الابتلاء.
  • الفتنة: وتأتي بمعنى الاختبار والامتحان، قال تعالى:” ونبلوكم بالخير والشر فتنة”
  • المحنة: بمعنى التصفيـة والتهذيب، كما قال تعالى: ” أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى”
  • التمحيص هو التنقية والتخليص من العيوب بالابتلاء.
  • المصيبة وهي كل أمر مكروه ينزل بالإنسان، وهي أداة من أدوات الابتلاء.

فجميعها كلمات تشترك في معنى الامتحان والاختبار، كما أن بعضها قد يتضمن معاني لا يتضمنها الآخر.

الفرق بين الابتلاء والبلاء:

اختلف في ذلك العلماء فهما قد يلتقيان في بعض الأمور ويفترقان في بعضها الآخر، فالبلاء والابتلاء يكونان للأمة المسلمة والكافرة على حدّ سواء، والبلاء يكون للأمة المسلمة بسبب ذنوبها وإعراضها عن ربّها فيبلوها الله بشيء علّها أن تعود لربها راجية الصفح والعفو (أبو عياش،2016).

الفرق بين الابتلاء والعقوبة:

الابتلاء يتعلّق بالمؤمن، وله أغراض أهمّها اختبار صدق إيمانه وتربيته على الصبر وتمحيصه، فهو تزكية متواصلة للمؤمن وهو بهذا الوصف كله خير؛ لأنّ الله لن يختار للمؤمن إلّا الخير، مصداقاً؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: “عجباً لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلّا للمؤمنِ، إن أصابته سراءُ شكرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صب، فكان خيراً له”، فالمؤمن بصبره على هذا الابتلاء يحقق معاني العبودية الحقّة لله سبحانه وتعلى كما وفيه تقويم دائم لسلوكه فعند وقوع الابتلاء يقف المسلم مع نفسه وقفة تدبر وتمحيص وتفكر، فيتلمس خطى سيره أهي في الصواب أم الخطأ، أمّا العقوبة، فهي لمن انحرفوا عن جادة الصواب، فاغتروا بالحياة الدنيا وزينتها وشهواتها  (أبو عياش،2016).

من المعرض لتجري عليه سنة الابتلاء؟

مما لا شك فيه أن الله عز وجل قد كلف الإنس والجن بالعبادة على حد سواء؛ فيقول تعالى:” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”. [الذاريات:56]، والتكليف يلزم الامتثال من المكلف وإلا أوجب  العقوبة المستحقة في حال النكوص، وقال تعالى:” وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم” ، فمنهم من آمن ومنهم من صد وضل وكفر، ويقول تعالى:” قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا…” [الجن:1، 2] ، ويخبر تعالى على لسانهم في كتابه العزيز:” وأنا منا الصالحون ومن دمن ذلك كنا طرائق قددا” [الجن:11]، ويقول جل وعلا أيضا:” وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا، وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا، وألوا استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا، لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا”[ الجن:14-17]، والمتأمل في الآيات السابقة يدرك أن الجن يفتنون فهم مختبرون ومبتلون فمنهم المؤمن ومن الكافر، ولعله ليس من المناسب التفصيل في الابتلاء لعالم الجن، ذلك العالم الخفي الغير منظور في هذا الموطن وقد تركته لأهل العلم المختصين.

وأيضا سنة الابتلاء تكون في حق الأفراد والجماعات، فكل فرد مبتلى فيبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء، ويقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:” أشد الناس بلاء الأنبياء فالأمثل فالأَمثَل”، ولا يخفى علينا أن سيدنا محمد قد ابتلى بما لم يبتلى به بشر من صنوف الابتلاء، فصبر كما صبر أولي العزم من الرسل، ويقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:” مثل المؤمن مثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كشجرة الأرزة لا تهتز حتى تستحصد”، ويكون الابتلاء في حق الجماعة من الناس؛ يقول تعالى:” أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون”[ العنكبوت:2]، ويقول:” وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين” [ آل عمران:140-141]، ولقد ابتلى الله عز وجل الأقوام السابقة وامتحنهم فأرسل لهم الرسل لدعوتهم وهدايتهم، وأيدهم بالمعجزات فمنهم من استجاب وآمن فنجح في الاختبار والابتلاء فاستحق الفوز وبالجنة والنجاة من النار، ومنهم من صد وكفر فاستوجب وقوع البلاء والعقوبة من الله في الدنيا والآخرة. وأخبر الله سبحانه في هذا النص القرآني أن سنة الابتلاء قائمة لا تحابي أحدا من عباده، وأنه لا محالة مبتليهم بالمحن والشدائد؛ ليتبين الصادق من الكاذب، والصابر من الجازع (يشو: 2020)

ما هي خصائص سنة الابتلاء من منظور الفكر التربوي الإسلامي؟

من سمات وخصائص لسنة الابتلاء التي أوردها (أبو سخيل، 2007) الربانية والحتمية والطابع الإنساني والاستمرارية والشمولية، وهذا ما يؤكده المنهج القرآني:

  1. الربانية: فهي سنة إلهية جارية لا مناص منها؛ فيقول الله عز وجل:” إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا” [الانسان: 2]، ويقول عز وجل:” سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا” [الأحزاب:62]،
  2. الحتمية: فيقول تعالى:” لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور” [آل عمران: 187]، وهذا تأكيد رباني لوقوع الابتلاء للعباد.
  3. ذات طابع انساني: فالله عز وجل ابتلى الانسان فجل حياته قائمة على هذه السنة قال تعالى:” يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه” [الانشقاق:6]، ولا ينتهي هذا الابتلاء إلا بانتهاء حياته، وهذه السمة لا تتعارض مع تكليف الجن ودعوتهم للإيمان وشمولهم في الاختبار الدنيوي، ولكنها من باب الاقتصار على المشهود الظاهر دون الباطن الخفي عن الأنظار.
  4. الاستمراية والاطراد: فهي سنة مستمرة في جميع الأزمان، متواصلة مع بقاء حياة الإنسان، قال تعالى:” الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور” [الملك: 2]، ويقول تعالى:” وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء… [آل عمران:140]
  5. الشمولية: فالعباد يختبرون كما في السراء في الضراء، وكما في الرخاء في الشدة، فيبلى المرء بالخوف من الأعداء وبالجوع ونقص من الأموال بسبب الحروب والأوبئة وغير ذلك، ونقص في الأنفس بتعرضها للتهلكة والأمراض والأوبئة والحروب، ونقص في الثمرات لقلة الأمطار وتعرضها للتلف، قال تعالى:” ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين” [البقرة:155]. ومن معاني الشمولية أنه يشمل الثقلين الأنس والجن.

ما هي الأسباب والحكم من سنة الابتلاء من منظور الفكر التربوي الإسلامي؟

الله عز وجل ربط بين الخلق وبين الحكمة والعلة من الخلق فلم يخلق الله الخلق عبثا ولا لعبا، وإنما خلق الخلق جميعه لحكمة (الصلابي،2020)، يعلم الحكمة من يعلمها ويجهلها من يجهلها، فمن حكم الابتلاء:

  1. الاختبار: فيبتلى المرء لتمحيص ايمانه ليكتشف صدق ما ادعاه من الصبر وتقبل الأقدار والرضا بالقضاء قال تعالى:” وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ” [آل عمران:154]، وليميز الصالح من الطالح قال تعالى:” مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ” [آل عمران:179].
  2. الردع والرجوع للحق: فيبتلى الله العبد ليتوب وينوب؛ فيذيقه من صنوف الابتلاء ليكفر عنه من سيئاته ويسوقه لجادة الحق قال تعالى:” وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” [السجدة:21].
  3. غفران الذنوب والرحمة بالعصاة والتخفيف عنهم يوم القيامة: وهو خاص بالمؤمنين، فيسوق الله تعالى الابتلاء لبعض عباده ليخلصهم مما علق بأعمالهم من شائبة فيتركهم وقد خلصت أعمالهم لله وحده، فيرفع درجاتهم ويعلي قدرهم ،قال تعالى:”وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ” [البقرة:155-157]، ويقول صلى الله عليه وسلم: “عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَه ” رواه مسلم، ومن حكمة الابتلاء بالعقوبة أن يعجل الله للمذنب عقوبته فتأتيه في الدنيا تخفيفا عنه يوم القيامة، يقول الله- عز وجل: “وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ” [الشورى:30]، وقال علي رضي الله عنه: هذه أرجى آية في كتاب الله عز وجل، وإذا كان يكفّر عني بالمصائب ويعفو عن كثير فما يبقى بعد كفارته وعفوه!
    وعن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:” وإذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة” رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
    وروى البخاري رحمه الله عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” ما مِن مُصِيبَةٍ تُصِيبُ المُسْلِمَ إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بها عنْه، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشاكُها”.
  4. للعقوبة والإهانة: وهذا خاص بالعصاة والكافرين قال تعالى:” وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ” [الرعد: 31]، فتنزل بهم المصيبة بسبب كفرهم كالقتل والأسر في غزوات المسلمين، أو تنزل تلك المصيبة قريبًا من دارهم، ويحل عليهم البلاء عقوبة معجلة لهم في الدنيا كما حدث مع الأقوام السابقين الذين كذبوا أنبياءهم ورسلهم الذين بعثوا فيهم مبشرين ومنذرين.
  5. نعمة باطنة لحكمة بالغة كالتمكين في الأرض: قد ينزل بالمؤمن ما يكره، ويظهر الأمر كبلاء، لكنه في الحقيقة يعود بالنفع العظيم على من ألم به ونزل بساحته. ومن أبرز النعم الباطنة التي تظهر كابتلاء فرض الجهاد على المؤمنين، قال الله تعالى:”كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ” [البقرة:216]، قيل للشافعي رحمه الله: يا أبا عبد الله، أيهما أفضل للرجل أن يمكّن أو يبتلى؟ (أي بالضراء)، فقال الشافعي: لا يمكّن حتى يبتلى، فإنّ الله تعالى ابتلى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله عليهم أجمعين فلما صبروا (على الابتلاء) مكّنهم، وآيات الكتاب تشهد لهذا المعنى، فيقول تعالى:” وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون” [السجدة:24].
  6. الابتلاء لرفع المنزلة: وهذا النوع خاص بمن علت مراتبهم عند الله تعالى وعلى رأسهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والقصد من الابتلاء هو رفع الدرجات؛ لأن الأنبياء معصومون عن الذنوب والآثام، ويكون حصول المصيبة من باب الامتحان في التكليف، لا من باب العقوبة.
  7. البلاء بسبب المخالفة: وهذا النوع يعم فلا يختص بمسلم وكافر لقد خلق الله هذا الكون وفق قوانين محكمة، فإذا ما خرق هذه القوانين فإن العواقب ستكون كارثية على هيئة بلاء وكوارث، والإنسان مطالب بمعرفة القواعد والقوانين التي تنظم حياته كي ينجو بنفسه من مصارعة القوانين والخروج عليها فيصيبه البلاء قالَ تعالى:” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” [الروم:41].
  8. تقوية الإيمان بالقضاء والقدر: يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: على الإنسان أن يؤمن بقضاء الله وقدره، قال تعالى:” ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” [الحديد: 22].
  9. اقامة حجة العدل على العباد: فيعلم العبد بأي ذنب نزل به البلاء، قال تعالى:” أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير” [آل عمران:165].
  10. يزيد شوق المؤمن إلى الجنة: لن تشتاق إلى الجنة إلا إذا ذقت مرارة الدنيا، فكيف تشتاق إلى الجنة وأنت هانئ في الدنيا؟ الهم والغم والتعب والمحن والمرض والديون والمشاكل…. إلخ كل هذا يشوقك إلى دار لا يوجد فيها شيء من هذا الكدر، وليس ذلك إلا في الجنة، ألم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمن يدخل الجنة أنه:” ينعَمُ ولا يبأسُ، ويخلدُ ولا يموتُ، لا تبلَى ثيابُهُم، ولا يفنى شَبابُهُم”، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال:” وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين، إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة” أخرجه ابن حبان في صحيحه.

ما هي أنواع الابتلاءات؟

لا يخرج الابتلاء عن أحد نوعين هما الابتلاء بالسراء والابتلاء بالضراء، قال تعالى:” ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون” [الأنبياء:35]، ويقول تعالى في معرض الحديث عن دعوة الأقوام السابقين:” ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون” [الأنعام:42].

أولا/ الابتلاء بالضراء: يُقصد به الابتلاء أو الشر الواقع على الإنسان بالعموم، وقد تظهر الحكمة منه، وقد تُجهل، فتكون مثلاً لاختبار صدق الإيمان، والصبر، والمجاهدة على ذلك في سبيل المولى سبحانه (أبو محمد،2021)، قال تعالى:” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ” [محمد:31]، وعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “إنَّ اللَّهَ قالَ: إذا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بحَبِيبَتَيْهِ، فَصَبَرَ؛ عَوَّضْتُهُ منهما الجَنَّةَ. يُرِيدُ عَيْنَيْهِ” رواه البخاري في صحيحه، وقد يكون هذا النوع من الابتلاء لتهيئة الإنسان وتدريبه على التمكين في الأرض؛ لما يقع على الإنسان من صعابٍ وشدائدٍ تبعاً لذلك، ويكثر فيه معاني اليقين بأنّ ما يأتي من عند الله سبحانه يكون لحكمةٍ سواءً أكان خيراً أم شراً (أبو محمد،2021)، يقول سبحانه في ذلك: “وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ” [السجدة:24].

ثانيا/ الابتلاء بالسراء: ذلك النوع الخفيّ، الذي يظهر للإنسان بهيئة السعادة والسرور، لكنّه يكمن في داخله الاختبار على ثبات الدين أو المبدأ، وهو بالحقيقة أصعب من النوع الأول؛ لأنّ الجو العام لهذا الابتلاء لا يظهر وكأنّه امتحان يستعدّ له الإنسان، فيتنعّم بالنّعم، وينسى شكرها، ويتمتّع بالهبات الإلهيّة وينسى أداء حقوقها، فالمال ابتلاء، والمُلك ابتلاء، وكرامات الصالحين ابتلاء، يقول سبحانه على لسان سليمان عليه السّلام: “َذَلك مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ” [النمل:40]،  فليس كل من وسّع الله سبحانه عليه من الرّزق والنّعم يكون ذلك إكراماً منه، وليس كل من ضيّق عليه وامتحنه كان ذلك إهانةً له، وفي هذا المعنى جاء في القرآن الكريم:” فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كَلَّا ” [الفجر:15-17] (أبو محمد،2021).

كيفية التعامل والتصرف عند وقوع الابتلاء؟

 فعلى المرء أن يحسن التعامل في الحالتين: الصبر عند وقوع الضر والرضا بالقضاء والقدر وعدم التضجر؛ بل يحتسب ويستحضر حكمة الله من المصائب والابتلاءات، قال تعالى:” فأصابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون” [آل عمران:153]، أما في السراء والنعماء فعلى المؤمن أن يشكر الله عز وجل على ما حل عليه من النعم، والشكر لا يقتصر على القول فقط بل يكون الشكر بالفعل أيضا، فنعمة المال شكرها الصدقة وحسن التصرف والانفاق ، والصحة شكرها العمل فيما ينفع المرء وأهله ومجتمعه، ونعمة العلم باستغلاله فيما ينفعه ويرفع قومه، ونعمة الوقت شكرها يكون بأداء العبادات في وقتها وعدم إضاعته فيما لا فائدة فيه، والمتأمل يدرك أن التعامل في الابتلاء بالسراء أشد وأصعب ؛ فقد صح عن عبد الرحمن بن عوف رضيَ الله عنه أنّه قال: “ابتُلينا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بالضَّرَّاءِ فصَبَرنا، ثمَّ ابتُلينا بالسَّرَّاءِ بعدَهُ فلم نصبِرْ”، وقد يظن المبتلى بالسراء أنه من باب النعيم ولكنه في الحقيقة من باب الامهال أو الاستدراج، ويقول ربنا في هذا المعنى عندما أخبر عن قصة أصحاب الجنتين:” ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا….وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا” [الكهف35-42].

أهم الصور المشرقة التي ذاقت صنوف الابتلاء وصبرت عليها كما ذكرت في القرآن والسنة.

ولا يفوتنا هنا ذكر بعض النماذج المضيئة التي رفعت شعار الصبر عند الابتلاء، ومن أبرزها:

1.صبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على الابتلاء:

فلقد ابتلي عليه الصلاة والسلام باليتم، ثم الفقد بوفاة الأم الحنون فالجد الرؤوف، وابتلي عليه الصلاة والسلام بوفاة الأبناء والبنات في حياته وتعييره بذلك من قبل الكفار، وابتلي بتكذيب قومه له واتهامه بالسحر، وابتلي صلى الله عليه وسلم بالبعد عن وطنه ومكابدته عناء الهجرة وملاحقة الكفار له لقتله، وابتلي عليه الصلاة والسلام بالخوف، وابتلي بالجوع؛ فكانت تمر الأيام والليال ولم يكن في بيته ما يأكله أو يطعم منه أهله، وابتلى عليه الصلاة والسلام في عرضه فقد أشاع المنافقون حادثة الإفك في المدينة والتي نزل فيها قرآن يتلى إلى يوم القيامة يبرئ فيها أمنا عائشة رضي الله عنها، وذاق عليه الصلاة والسلام صنوفا من الابتلاءات في سبيل توصيل الدعوة ونشرها.

2.صبر سيدنا أيوب عليه السلام على الابتلاء:

عندما بلغ أيوب عليه السلام الخامسة والعشرين، كان من التجار المهرة، أميناً في معاملاته، عطوفاً على الفقراء والمساكين، يكثر من إخراج الصدقات والتقرب إلى الله. لكن شاءت إرادة الله تعالى أن يبتلي أيوب عليه السلام بلاء شديداً في أهله وماله وبدنه ولكنه كان مثالاً للعبودية الحقة لله الواحد القهار، فصبر على ذلك حتى أصبح يضرب به المثل في الصبر على الأذى فيقولون: “صبر كصبر أيوب” وقد مدحه الله وأثنى عليه قائلاً: “إنا وجدناه صابراً نعم العبد أنه أواب”، فابتلى الله عبده الصالح أيوب عليه السلام ابتلاء لا يستطيع أن يتحمله بشر، فأذهب الله المال وأهلك الأولاد ثم سلط الله سبحانه وتعالى المرض والبلاء الشديد على جسمه فصبر أيضاً، وكان الشيطان كلما رأى أيوب عليه السلام شاكراً لله يزداد غيظه، فبعد انحدار أيوب من قمة الثراء إلى شدة الفقر، شكر ربه وخر ساجداً له وقال: إن الله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، فلم يجد الشيطان أمامه إلا أولاد أيوب فأباحهم الله له لكي يثبت له أن أيوب عبد مؤمن خالص الإيمان، فمات أولاد أيوب جميعاً، وهنا سجد لله، وقال: له الحمد معطيها وسالبها، وعاد الشيطان يدعو الله ويقول: “إن أيوب لم يزل صابراً لأنه معافى في جسده ولو أنك سلطتني يا رب على بدنه فسوف يكف عن صبره . ونزل المرض على جسد أيوب وظل على صبره وشكره لله تعالى، يحمد الله على أيام الصحة ويحمده سبحانه وتعالى على بلاء المرض، فهو يشكر الله في الحالتين”. وذات مرة مر عليه قومه فقالوا: ما أصابه كل هذا إلا أنه ارتكب الذنوب العظيمة فقال لهم أيوب إن بي قلبا شاكراً وحامداً لله وجسداً على البلاء صابراً”

والله يختبر العبد بالمصائب تارة وبالنعم تارة أخرى، وقد اختبر أيوب عليه السلام بالنعمة في ثرائه وصحته وماله وولده، فشكر وأراد الله عز وجل أن يختبره بالمصائب أيضاً، فأفقده المال والولد فصبر ثم ابتلاه في جسده وصحته، فصبر أيضاً لأنه كان يؤمن أن ابتلاء الله لعباده ليس تعبيراً عن سخطه عليهم أو غضب منهم ولكنه ليصل بعبده إلى أفضل الدرجات يوم القيامة، فالابتلاء يكون اختباراً لأحباب الله وأولى طاعته. ويقول في هذا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم “أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الامثل فالأمثل، فالرجل يبتلى على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه”، ويئس الشيطان من نفاد صبر أيوب على البلاء، فذهب إلى زوجته ووسوس لها فجاءت إلى أيوب وفي نفسها اليأس والضجر مما أصاب زوجها فقالت له: إلى متى هذا البلاء يا أيوب؟ فغضب سيدنا أيوب منها وقال: لها كم لبثت في الرخاء؟ فردت عليه زوجته قائله لبثت ثمانين عاماً فقال: لها وكم لبثت في البلاء؟ فقالت: سبع سنين، فرد عليها سيدنا أيوب رد الأنبياء: إني استحي من ربي أن أجعله يرفع البلاء عني وما قضيت فيه مدة رضائي ثم قال لها والله لئن برئت من مرضي هذا لأضربنك مئة سوط.

وأخيراً دعا سيدنا أيوب عليه السلام الله أن يشفيه، فقد نادى ربه متضرعاً خاشعاً متوسلاً إليه، قال تعالى: “وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت ارحم الراحمين” فمد الله إليه يد مساعدته وأرشده إلى أن يضرب الأرض برجله فضربها فتفجرت أمامه عينا ماء فأمره الله بأن يغتسل من عين ويشرب من الأخرى، وهنا استجاب الله سبحانه وتعالى لعبده الصابر على البلاء أيوب السلام فذهب ما كان بجسده من أمراض وشفي ظاهره وباطنه ومتعه الله بصحته وماله وقواه حتى كثر نسله وذلك جزاء لصبره، قال تعالى: “وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ، وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ”، [ ص: 41 – 44]،  وكان قد أقسم أن يضرب امرأته مئة ضربة بالعصا عندما يشفى، وها هو قد شفي، ولكيلا يرجع في قسمه أو يكذب فيه، أمره الله بأن يجمع حزمه من أعواد الريحان عددها مئة، ويضرب بها امرأته ضربة واحدة، وبذلك يكون قد نفذ قسمه ولم يحنث.

3.صبر يعقوب عليه السلام على الابتلاء:

رزق سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام بأولاد كثر فأحب ابنه يوسف أشد الحب، ولم يقدر على إخفاء ذلك مما أثار حفيظة إخوته عليه فأوصلهم شعور الغيرة من أخيهم للاتفاق على طريقة للتخلص منه ليخلو لهم وجه أبيهم، مدعين أنهم سيصبحون صالحين بعد ذلك، ظنا منهم أن صلاحهم سيشفع لهم عند ربهم فيما فعلوه في حق أخيهم، حتى جاءت تلك الليلة التي رجعوا فيها لأبيهم يصيحون كذبا بأن الذئب التهم يوسف وهم غافلون، ولكن أباهم عرف كذبهم وصبر واحتسب واستعان بحول الله وعلمه المسبق بالحكمة التي أرادها الله، يقول تعالى:” وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون” [يوسف:18]، وعاش بعدها سنوات طوال ينتظر عودة ابنه، وهو يعيش مع أبنائه الذي أجرموا في حقه وحق أخيهم بما اقترفوه ولم تتحرك ضمائرهم بالرغم مما عاينوه من لوعة أبيهم على ولده وفقدانه البصر من كثرة بكائه عليه، وهذا إن كان يدل على شيء فإنما يدل على أن هذه الحياة الدنيا لا تسوى عند الله جناح بعوضة ولو كانت لما سقى منها الكافر شربة ماء، ويعقوب عليه الصلاة والسلام صابر محتسب لا يشكو لوعته وحرقته إلا لخالقه:” إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون”، وتتوج القصة في النهاية برجوع يوسف لأبيه بعد أن وصل ذروة التمكين في الأرض.

4.صبر أولي العزم من الرسل على الابتلاء خلال دعوتهم أقوامهم:

  • فقد صبر نوح عليه السلام في دعوة قومه فلبث ألف سنة إلا خمسين عاما ولم يؤمن معه إلا قليل، وصبر على عدم ايمان زوجته وابنه.
  • وكذلك صبر سيدنا إبراهيم عليه السلام على إيذاء قومه وعدم ايمان أبيه وصبر مع من آمن من قومه على إيذاء النمرود، وصبره حتى أنعم الله عليه بنعمة الولد في كبره، وصبره عندما طلب منه أن يذبح ابنه إسماعيل بيديه، فما أن أسلم لأمر الله هو وابنه الصابر المحتسب حتى نزل الفداء من السماء، قال تعالى:” وفديناه بذبح عظيم” [الصافات:107].
  • وكذلك صبر موسى عليه السلام على تكذيب فرعون له وايذائه قومه بني إسرائيل، وكذلك ابتلائه في قومه ممن اتخذوا العجل فعبدوه من دون الله بعد أن فضلهم الله على العالمين، وصبره عليهم عندما طلبوا منه أن يروا الله جهرة، وغير ذلك من أنواع الابتلاء التي لاقاها سيدنا موسى في دعوته.
  • وكذلك صبر سيدنا زكريا على تأخر مجيء الولد، حتى أنعم الله عليه يحيى، ومن ثم قتل كفرة بني إسرائيل يحيى عليه السلام لإرضاء بغي من بغاياهم.
  • وكذلك صبر مريم البتول على التعبد من دون قومها، وصبرها على الابتلاء بالحمل دون ذكر، والرجوع بوليدها لتقف به أمام قومها، وصبرها على تتبع بني إسرائيل لولدها والسعي لقتله كما فعلوا بالكثير من أنبيائهم.
  • ولا تنتهي النماذج المشرقة التي صبرت على الابتلاء بانتهاء الحديث هنا، فهناك الكثير من الأنبياء والرسل ممن ذكروا في القرآن الكريم ومنهم من لم يذكرممن ابتلوا بتكذيب أقوامهم، وهناك نماذج لا عد لها ولا حصر على مر الأزمان لرجال صالحين ونساء صالحات ابتلوا وصبروا واحتسبوا.

ما القيم التربوية للابتلاء من منظور الفكر التربوي الاسلامي؟

للابتلاء دور في تربية النفوس، وتدريبها على تحمل المشاق، وتهيئتها لمواجهة أي ظرف، وسنشير فيما يلي إلى أهم الثمار التربوية لعملية الابتلاء كما ذكرها الحميد   (2014) في كتابه:

1-الابتلاء تربية بالخبرة:

يقول ابن القيم: المبتلى بالذنب يصبح كالطبيب المجرب الذي عرف المرض مباشرة، ومن ثم فهو يعرف كيف يعالجه علاجًا صحيحًا، فالمبتلى بالذنوب أو بالضراء يصبح لديه من الخبرة ما يمكنه من معالجة ذلك مستقبلا معالجة صحيحة، وهذا معنى قولهم: أعرف الناس بالآفات أكثرهم آفات، وتربية الإنسان وتأديبه يقتضيان في بعض الأحيان إذاقته بعض ما يكره من المصائب أو الآلام، وعندئذ تكون مصلحة الإنسان نفسه هي التي اقتضت أن يصيبه من اللّه عز وجل بعض الابتلاءات التي تتربى بها نفسه وتتهذب عن طريقها أخلاقه.

2-التدرب على الحذر وأخذ الحيطة:

يقول ابن القيم: من فوائد الابتلاء تحرز المبتلى من مصائد العدو ومكامنه ومعرفة من أين يدخل عليه اللصوص وقطاع الطرق؟ وأين تقع مكامنهم؟ ومن أين يخرجون عليه؟ وفي أي وقت؟ وهو بهذه المعرفة قد استعد لهم وتأهب للقائهم وعرف كيف يدفع شرهم وكيدهم، ولو أنه مر عليهم على غرة وطمأنينة لم يأمن أن يظفروا به ويجتاحوه جملة.

3-اكتساب القوة والشجاعة في مواجهة الأعداء:

إن التخلص من داء الغفلة يؤدي إلى استجماع القوى، والتشجع لمحاربة العدو من شياطين الإنس والجن، فقد ينشغل الإنسان عن عدوه اللدود وهو الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وبطانة الشر، فإذا أصابه منهم سهم استجمع قوته وحميته وطالب بثأره إن كان قلبه حرًا كريمًا، كالرجل الشجاع إذا جرح فإنه لا يقوم له شيء بعدها حتى تراه هائجا مقداما، أما القلب الجبان المهين إذا جرح فهو كالرجل الضعيف، إذا جرح ولى هاربًا فيفقد بذلك مروءته، ولا خير فيمن لا مروءة له يطلب بها الثأر من عدوه، ولا عدو أعدى للإنسان من الشيطان.

4-المعرفة المباشرة بأمراض النفس وكيفية علاجها:

كما أن للابتلاء أثره الفعال في مقاومة آفات الجسد والتغلب عليها، فإن له أيضا دوره الفعال في معرفة أمراض النفوس وكيفية معالجتها، وهذه هي حال المؤمن يكون فطنًا حاذقًا أعرف الناس بالشر وأبعدهم منه، فإذا تكلم في الشر وأسبابه ظننته من شر الناس، فإذا خالطته رأيته من أبر الناس، والمقصود أن من بلي بالآفات صار من أعرف الناس بطرقها، وأمكنه أن يسدها على نفسه وعلى الآخرين.

5-تدريب القوى العقلية وتنشيطها للقيام بمهامها على الوجه الأكمل:

ويتمثل ذلك فيما يلي:

أ-اليقظة:

إن صدمة الابتلاء -خاصة بالضراء-هي بمثابة صيحة النذير لقوم نيام تنبههم من سبات نوم الغفلة، وسكرة أحلام اليقظة، وهذه اليقظة هي -كما يقول ابن القيم-“أول منازل العبودية، وتعنى انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، وللّه ما أنفع هذه الروعة وما أعظم قدرها، وما أقوى إعانتها على السلوك، ومن اليقظة ينتقل الإنسان إلى منزلة العزم (وهو العقد الجازم على الشيء)، وبحسب كمال انتباهه ويقظته تكون عزيمته، وبحسب قوة عزمه يكون استعداده”، وبحسب استعداده يكون تذكره.

ب-التفكر والتأمل والاعتبار:

إذا ابتلى الإنسان واستيقظ بدأ مرحلة التفكر والتأمل وإعمال الخاطر في تجربة الابتلاء، ورددها قلبه معتبرًا، يقول ابن القيم رحمه اللّه: “أصل الخير والشر من قبل التفكر، لأن الفكر مبدأ الإرادة والطلب وأنفع الفكر هو الفكر في مصالح المعاد (ما يتعلق بالآخرة) وفي طرق اجتلابها، وفي دفع مفاسد المعاد، وفي طرق اجتنابها، فهذه أربعة أفكار هي أجل الأفكار، ويليها أربعة: فكر في مصالح الدنيا، وطرق تحصيلها، وفكر في مفاسد الدنيا، وطرق الاحتراز منها.

ج-التذكر:

إن وقوع الابتلاء هو في الحقيقة نعمة من اللّه وفضل منه، لأنه يذكر الإنسان ويثبته على صراط ربه المستقيم {وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} [الأنعام:126]. وعلى الإنسان أن يتذكر مصيره لو أنه ترك لهواه بدون تذكرة، وعند الابتلاء يتذكر الإنسان حاله في الدنيا وحاله في الآخرة، وينظر أيهما أفضل أن يبتلى هنا أم هناك، وعند ساعة الاضطرار والابتلاء يعرف العبد أنه لن يكشف السوء إلا اللّه، إن المرء إذا أفلح في الوصول بالتذكر بعد النسيان إلى هذه المرحلة من التدرج والارتقاء شيئًا فشيئًا، فقد أوتي حكمة من عند اللّه. ويتأكد هذا المعنى للابتلاء بقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201]. فالتذكر يورث البصيرة، والمقصود به هنا -كما يقول ابن كثير-أنهم تذكروا عقاب اللّه وجزيل ثوابه، ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا واستعاذوا باللّه ورجعوا إليه من قريب.

6-تمحيص القلب وتزكيته:

إن للابتلاء دورًا عظيمًا في تمحيص القلب أي تخليصه من الشوائب غير الإيمانية، فإذا تمحص القلب وخلص قويت فيه دواعي الخشية والخوف والرجاء ونحو ذلك من الأحوال المحمودة، وإذا قويت هذه ضعفت للتو واللحظة أحواله المذمومة من نحو الوسوسة والغيظ والكبر والنفاق ونحوها مما يعرف بأمراض القلوب، وهي أعظم من أمراض الجسم. وما يصيب المؤمن في الدنيا من المصائب (والابتلاءات) هي بمنزلة ما يصيب الجسم من الآلام التي يصح بها وتزول أخلاطه الفاسدة، فكذلك الابتلاءات يصح بها القلب وتزول عنه شوائبه

ما الفوائد التربوية للابتلاء من منظور الفكر التربوي الاسلامي؟

للابتلاء فوائد جمة على مستويات عدة وهي كما ذكرها معمر(2009):

فوائد الابتلاء على المستوى الروحي:

تكفير للذنوب، قربى من الله، تذكير بالنعم، تقليل من التمسك بالدنيا، الرفق بأهل الابتلاء، والتخلص من صفات الكبر والغرور وغيرها من الصفات الذميمة.

فوائد الابتلاء على المستوى الاجتماعي:

ترابط الجماعة، التخلص من المنافقين وأصحاب المصالح، تعرف الأمة على أعدائها.

فوائد الابتلاء على المستوى الوظيفي:

تقوية شخصية الفرد، وزيادة خبراته، وتوسيع قدراته القيادية.

خاتمة البحث:

وفي ختام حديثنا عن سنة الابتلاء أذكر نفسي وأذكركم بذلك الهدف وتلك الحكمة الربانية التي أوجد الله عز وجل الانسان لأجلها ألا وهي خلافة الأرض، تلك الأمانة التي أبت أن تحملها السماوات والأرض والجبال وأشفقن منها، وقدر الله للإنسان حمل هذه الأمانة وسخر له هذا الكون بكل ما فيه لينجح في هذه المهمة؛ ومن ثم يفي بوعده الذي قطعه للمؤمنين، قال تعالى:” وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا” [النور: 55]؛ فالمتأمل في الآية السابقة يدرك أن التمكين يلي الابتلاء، بل هو ثمرة من ثماره، فلابد من الابتلاء لكل فرد ولكل أمة، قال تعالى:” وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين” [آل عمران:142-141]، وليس الابتلاء بالسراء علامة حب الله للعبد، كما أن الابتلاء بالضراء ليست علامة كره له؛ ولكن الله يريد لعباده الفلاح والرشاد وحسن التعبد.

وعلى صعيد أمتنا الإسلامية فقد طغى الابتلاء بالضراء وأصاب منها الأعداء، فإن رجعت لجادة الحق والصواب كان حقا على الله نصرتها وتحقيق الوعد، ومن هنا تأتي المسؤولية للعلماء والمسؤولين في كل المستويات وعلى كافة الصعد بالعمل الحثيث للنهوض بالأمة الإسلامية من جديد وإرجاعها لمجدها التليد، ولا يستثنى من هذا الواجب كبير ولا صغير، عالم أو عابد أو داع، ذكر أو أنثى؛ فالكل راع والكل مسؤول، والابتلاء سنة حتمية ترافقنا في هذه المهمة، يجب أن نستعد للقائه نفسيا وعقليا وروحيا وماديا ومعنويا، ولا ننسى أنه موقوت وزائل بأمر الله، فالذكي الفطن من يحسن الأداء والعمل، ويصبر في كافة الأمور ولا ييأس أو يفقد الأمل مهما طالت المحن، قال تعالى:” ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين” [الأنعام: 34].

وفي الختام أحمد الله تعالي أن وفقنا لإتمام هذا المقال والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المراجع والمصادر:

  1. القرآن الكريم.
  2. الأسمري، عامر. (2022م). الابتلاء سنة من سنن اللَّه الجارية في الأمم الخالية. موقع المسلم.
  3. الحميد، محمد بن عبد الله. (2014م). نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. الجزء الأول.
  4. أبو سخيل، محمد إسماعيل سيد. (2007م). الأبعاد التربوية لسنة الابتلاء في ضوء الفكر التربوي الإسلامي، الجامعة الإسلامية بغزة.
  5. الصلابي، علي. (2020م). مظاهر الحكمة في خلق الله سبحانه وتعالى. موقع الجزيرة.
  6. بن نبي، مالك. (2019م). شروط النهضة(73). دار الفكر المعاصر(160).
  7. المجالي، محمد. (2019 م). سنة الابتلاء، جريدة الغد.
  8. أبو محمد، سندس. (2021م). أنواع الابتلاء. موقع موضوع.
  9. معمر، حمدي سليمان. (2009م). التربية بالابتلاء دراسة تربوية لآيات الابتلاء في القرآن الكريم. مجلة جامعة الأقصى. 13(2)، 94-121.
  10. يشو، أبو نوفل حسن. (2020م). دراسة مفصلة في سنة الابتلاء. موقع حركة التوحيد والإصلاح.

بقلم: وسام عبد الله النجار

 

أضف تعليقك هنا