الاتجاه الفلسفي في الفكر التربوي الإسلامي

إن جميع الفلسفات لا يمكن فهمها إلا بعد الرجوع إلى نوع الثقافة التي كانت صدى لها، و التفكير الفلسفي ما هو إلا تعبير عن وجهة نظر فيلسوف أو أكثر تجاه المؤسسات والقيم والأحداث الاجتماعية والنظم التي تسود عصره والتي تقوم عليها ثقافته، وسواء كانت نتيجة التفكير الفلسفي لهذا الفيلسوف بالدفاع عن الثقافة، أو مهاجمتها، أو كانت النتيجة توفيقية بين مصالح متعددة، فهو في النهاية تعبير عما يسود هذه الثقافة. (النجيحي،1967م، ص 13)

ويعكس الفيلسوف دائمًا معتقدات عصره، وأطماع الناس، وآمالهم، وأنواع الصراع القائمة في هذا العصر، بأسلوبه الخاص وزاويته الخاصة في إطار المعارف العلمية والثقافية القائمة. (سمعان، 1962م، ص49). وعند النظر إلى التربية نجد أنها بحاجة إلى فلسفة تحدد لها المنهج، وترسم لها غايات السير والخريطة الكلية لما يسعى لتحقيقه بالنسبة للإنسان باعتباره الوحدة الأساسية في المجتمع. (علي، 1991م، ص172)، والآن يبقى التساؤل، ما هي طبيعة العلاقة بين الفلسفة والدين في الإطار الإسلامي؟

التفلسف من المنظور الإسلامي

في فترة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، كان القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة يلبيان حاجة الأمة الإسلامية، سواء كانت حاجة اعتقادية أو تشريعية أو خلقية، وكانت الأسئلة توجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فتارةً يجيب عنها الوحي، وتارة أخرى تجيب عنها الأحاديث النبوية الشريفة، وكانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، فأسئلة المجتمع في ذاك الوقت لم تكن تنتهي إلى حد. (مدكور، 1983م، ج2، ص10)

وعندما احتكوا مفكري المسلمين بحضارات وثقافات الأمم الأخرى، وخاصةً الحضارات التي كانت حافلة بالنظرات الفلسفية، والإبداع الفلسفي، فقد قبلتها عقولهم، لكن شعروا بأن ما قبلته عقولهم لربما يتعارض مع عقيدتهم الدينية، ومع إيمانهم، وهذا الذي جعلهم يسعون بكل طاقتهم إلى التوفيق بين الدين والفلسفة، وهذا التوفيق نتج عنه تناول للمسائل الفلسفية فأصبح هناك نتاج فلسفي بصبغة إسلامية، ومحاولة المؤمن المفكر، أو المؤمن الفيلسوف إلى هذا التوفيق يعتبر واجبًا إلى حد كبير، حتى يحقق الانسجام بين المعتقد الديني العامر به قلبه، والذي هو فوق كل شيء عنده، والنظر العقلي الصحيح. (موسى، 1959م، ص46)، ومن العوامل التي أوجبت على الفلاسفة المسلمين السير في هذا الطريق:

  1. مهاجمة الكثير من رجال الدين لجميع الأبحاث العقلية التي لا تتقيد في نتائجها بالعقيدة الإسلامية.
  2. بعد شقة الخلاف في كثير من المسائل بين الإسلام وفلسفة أرسطو.
  3. رغبة الفلاسفة في أن يكونوا بمنجاة من هذا، حتى يستطيعوا العمل في هدوء، وحتى لا يخافهم الناس حين يظنون أنهم على غير وفاق مع الدين.

وذكر البهي (1982م، ص 288) أن الفلاسفة المسلمين قد اتخذوا نمطين من أنماط التوفيق بين الدين والفلسفة وهما:

  1. النمط الأول: يذهب هذ النمط إلى شرح الحقائق الدينية المحملة بالآراء الفلسفية والتي من شأنها أن تكون مفصلة، فابن سنا في (رسائله في الحكمة والطبيعات)، والفارابي في كتابه (فصوص الحكم)، وإخوان الصفا في (رسائلهم) قد وفقوا بين الدين والفلسفة، فشرحوا الحقائق الدينية بالآراء الإغريقية.
  2. النمط الثاني: يعرف هذا النمط بنمط التأويل، وهو أعمق وأدق من النمط الأول، والمراد به إخضاع تلك الحقائق للآراء الفلسفية، أو تأويل الحقائق الدينية بما يتفق مع الآراء الفلسفية، وهذا النمط موجود عند الفارابي وابن سينا، لكنه غير موجود عند إخوان الصفا.

القيمة الفكرية والتربوية

أصبح في حكم المسلم به، وأيضًا بالنسبة لعدد غير قليل من المستشرقين المعاصرين أن للفلسفة الإسلامية كيان خاص يميزها عن مذهب أرسطو وكذلك مذاهب مفسريه، وفيها عناصر استمدت من مذاهب يونانية غير مذهب أرسطو، وعناصر ليست يونانية من الآراء الفارسية والهندية وغيرها، وفي الفلسفة الإسلامية أيضًا عبقرية أهلها، فقد ظهرت تلك العبقرية في تأليف ونسق فلسفي قائم على أساس من مذهب أرسطو، وبالتخريج والابتكار وتلافي ما في هذا المذهب من النقص عن طريق اختيار من مذاهب أخرى، كما وظهرت في أبحاثهم الصلة بين الدين والفلسفة. (عبد الرازق، 1944م، ص25)

أحدثت الفلسفة الإسلامية ثورة فكرية كبيرة، ظهرت آثارها في صور ثقافية مختلفة، وهذا بسبب أن المجتمع ذي دين، وظهور الفلسفة في مجتمع ذي دين يعتبر إعداد لموقف صراع ثقافي، وقد ينتهي النزاع بين الدين والفلسفة عند بعض الناس بالشك، ويحمل الآخرين على الاستمساك بالعقائد، وربما دفع هذا قومًا إلى مهاجمة الفلسفة ومحاولة اجتثاثها من أصولها، وقتالها في معقلها، وفي مثل هاتين الحالتين الأخيرتين تضعف قوة الفلسفة كمنافس للدين، أو يتفرق أنصارها وتزول هيبتها، وقد ينحل الصراع بشكل آخر، كالتمسك بالتفكير، والاندفاع في شعاب البحث العلمي والفلسفي دون خوف، فيصبح التفكير أسلوب المعرفة العام. (اللبان، 1950م، ص173)

لكن هذه النهضة الفكرية لم تنحرف عن الحياة الدينية، فكانت حياة الشعب تخضع لثقافة مطابقة لدينها، على سبيل المثال كان علم التوحيد يقدم لها العقائد الدينية، وهو علم إسلامي بحت في مادته فلسفي في صورته، وكان الفقه الإسلامي يقدم أصول الحياة الدينية والعملية، ويقدم القانون الذي يفصل بين الناس في منازعاتهم على اختلاف أنواعها.

ولا يمكن إنكار ضعف تأثير الفلسفة على حياة الفرد المسلم العادي لما اتصفت به من الأرستقراطية، وبسبب عوامل قللت من القيمة التربوية للفلسفة الإسلامية، على سبيل المثال، الذين نقلوا أصول الفكر الفلسفي إلى العالم الإسلامي هم من العناصر غير الإسلامية في الغالب، ولم تكن هذه العناصر تملك الحس الإسلامي الذي يلتزم الروح السائدة في كل ما هو مشروح وكل ما هو منقول. (النقيب، 1984م، ص15)

وكان هناك أثر كبير لهجوم الفقهاء الشديد في إضعاف قيمة الفلسفة التربوية، وكانت تسمى علوم الأوائل (علوم القدماء) التي نفذت إلى البيئة الإسلامية بتأثير المؤلفات التي أُخذت من الكتب اليونانية، في مقابلة العلوم الشرعية وعلوم العرب والعلوم المحدثة. (تسهير، 1965م، ص123)

التربية الأخلاقية

أشار النقيب (1984م، ص91) أن ابن سينا عرف الخلق بأنه “ملكة يصدر بها عن النفس أفعال ما بسهولة من غير تقدم روية” والذي يستوقفنا هنا أن الفضيلة عادة لا تحتاج أن يفكر الانسان قبل سلوكها فهي ليست أمرًا عارضًا، ومن ثم ليس من المقبول وصف إنسان بسمة خلقية إلا إذا كانت عمل يتردد في سلوكه في جميع الأحوال، والسلوك الفاضل يمكن توصيفه إجرائيًا بأنه يتسم بعدد من السمات منها: العفة، القناعة، الشجاعة، العلم، السخاء، الصبر، الحلم، كتمان السر، رحابة الباع، البيان، إصابة الرأي، الصدق، الحزم، الفطنة وجودة الحدس، الرحمة، عظم الهمة، الحياء، التواضع، حسن العهد والمحافظة (النقيب، 1984م، ص92-94).

ولا بد من وقفة مع النفس إذا كانت هذه السمات يجب أن يتحلى بها الإنسان كي يكون شخصًا فاضلًا، فلا بد من المراجعة الشخصية والنقد الذاتي من أجل البحث عن العيوب والأخطاء الخاصة للابتعاد عنها وتلافيها، وتعتبر هذه الخطوة الأولى التي لا بد من القيام بها من أجل التحلي بالسمات الفاضلة، وهذه المهمة ليست سهلة فالإنسان لا يستطيع أن يرى عيوبه لأنه يتصور نفسه بأنه أفضل من الآخرين، وهذا يستوجب الاستعانة بأخ فاضل يثق في صدق كلامه.

ويؤكد ابن سينا أن الاخلاق هي نتاج التعلم والتربية والخبرة، فالله وهب الإنسان القدرة على أن يأتي بالفاضل من الأعمال والمرذول منها، والقدرة على أن يترك خلق ليتحلى بآخر، وهذا بعد تربوي يتيح للمربي التبديل والتغيير في سلوك المتعلم، ويبقى الضابط الأساسي للسلوك الأخلاقي المطلوب هو سيطرة العقل الذي يتغذى على المعرفة، واهتم ابن سينا وغيره من الفلاسفة بحرية الإرادة والتي تعطي المتعلم القدرة على الاختيار بين فعل وآخر، مما يجعل المربي قادرًا على ممارسة الثواب والعقاب، (علي، 1991م، ص201).

وتنقسم الفضائل عن الكندي إلى قسمين، الأول أساسي يكون في النفس وهو معرفة وعمل، أما الثاني فهو ليس في النفس، إنما ثمرة ونتيجة لفضائل القسم الأول، وتتمثل هذه النتيجة في العدل، وينقسم القسم الأول لثلاث فضائل وهي الحكمة والنجد والعفة، وهذه شديدة الشبة بما قاله أفلاطون حين قسم النفس إلى قوى ثلاث وهي: الحكمة، والتي تعتبر القوة العقلية التي تعني من الناحية النظرية “علم الأشياء الكلية بحقائقها” وتعني الحكمة من الناحية العملية بأنها “استعمال ما يجب استعماله من الحقائق”، أما القسم الثاني فيتمثل في النجدة وعرفها بأنها عبارة عن توطين النفس على الاستهانة بالموت في أخذ ما يجب أخذه ودفع ما يجب دفعه”، وأما القسم الثالث فيتمثل في العفة وهي ” تناول الأشياء التي يجب تناولها من أجل تربية البدن وحفظه” (محمود، 1989م، ص230).

وقد انعكست تلك المبادئ على علاج الكندي للحزن، فكتب رسالة صغيرة بعنوان “الحيلة لدفع الأحزان” وذكر فيها أن “الحزن ألم نفساني يعرض لفقد المحبوبات أو فوت المطلوبات” فهو ينشأ عن أمر حصل في الماضي وهو الفقدان أي فقد المحبوبات، أو شيء سيحدث في المستقبل وهو عدم الحصول على الرغائب أي فوت المطلوبات، وبهذا يدخل الزمان في الحزن (الأهواني، 1945م، ص253). كذلك أشار الأهواني (1945م، ص256) أن الطريق إلى مغالبة الأحزان يكون باتخاذ أمرين وهما:

  • الأمر الأول: يكون بتحرير النفس من الشهوات، وسلوك سيرة تبتعد عن الاسراف فتكون أ دنى إلى الزهد، والانغماس في مباهج الحياة من المأكل والمشرب كالمأثور لقدماء الفلاسفة كسقراط وأفلاطون.
  • الأمر الثاني: يكون بتدبر المرء لما يقوم به من أفعال، وأن ينظر في عواقبها حتى لا يقع في مكروه يصيبه منه ألم يتبعه حزن.

وفي هذه الدنيا لا دوام لشيء فنحن نعيش في عالم الفساد الذي قد يسرق منا كل عزيز في أي لحظة، ولذلك يجب علينا الاقبال على تقوى الله، وعلى خيرات العقل الدائمة، وعلى طلب العلم وصالح الأعمال. وفي نظر الفارابي تعتبر السعادة هي الغاية القصوى التي يتمناها الانسان، وتنال السعادة بممارسة الأعمال المحمودة عن فهم وعن إرادة مقصودين، وبإمكان كل إنسان فعل الخير، فالإرادة عنده هي دعامة الاخلاق، كما ويرى الفارابي بأن السعادة هي أفضل الكمالات لأنها تتصل بالقوة العاقلة وهي أفضل القوى الإنسانية.

كما ويؤمن الفارابي بأن الفضائل والرذائل يمكن أن يكتسبها الإنسان بالتمرس والخبرة، ومن غير المقبول أن نقول بأن الإنسان يفطر على الخير أو على الشر، وإنما نقول بأن الإنسان لديه الاستعداد لهذا أو لذاك، فإذا تعود الإنسان على الفضيلة أو الرذيلة يصبح تغيير هذه العادة أمرًا صعبًا، لكن يبقى ليس مستحيلًا، ويلعب التوسط دور رئيسي في نظرة الفارابي إلى الفضائل بخلاف أرسطو والذي يعتبر الفضائل “هيئات نفسية وملكات متوسطة بين هيئتين كلتاهما رذيلتان، إحداهما أزيد والأخرى أنقص” (وافي، 1986م، ص77).

وربما تكون جماعة إخوان الصفا أكثر فرقة ارتبطت بالأخلاقيات، ويظهر ذلك جليًا من اسم الجماعة: إخوان الصفا وخلان الوفا، فهم لم يقصدوا جعل الفضيلة علمًا على جماعتهم فحسب بل اسمهم يشير إلى فكرة مرموقة سامية في الاخلاق قد بحثها أرسطو لكنها لم تلق أي اهتمام يذكر من فلاسفة الاخلاق من بعده، وللإخوان أخلاق مستفيضة في الصداقة أو المحبة وفي بيان ضرورتها، وقد وصفوا أنفسهم بأنهم عصابة تألفت بالعشرة واجتمعت على الطهارة والقداسة، وتصافت بالصداقة (صبحي، 1992م، ص301)

والأخلاق عند جماعة الاخوان والصفا عقلية وليست دينية، فهم يؤمنوا بأن الإنسان لا يعقل ما يفعل لأن ذلك مكتوب عليه منذ الأزل، كذلك هو ليس حرًا في إتيان كل ما يريد، فهناك عوامل تدفع الإنسان إلى نواحي معينة في سلوكه، وهم لا يجعلون أساس الأخلاق ما أمرت به الشرائع والأديان من غير أن يكون للتفكير في ذلك نصيب وسهم وافر، وهذا أهم ما يميز فلسفتهم، وهم يرون أيضًا بأن الأخلاق ليست شيئًا أكثر من أي عمل طبيعي صادر عن المخلوقات (علي، 1991م، ص 215).

والأخلاق عند الإخوان قسمين، قسم نظري مركوز وهو الطبيعة فالأخلاق تنطبع في الجنين وهو في الرحم وتصبح هذه الأخلاق مركوزة في طبيعته حتى يستكمل تسعة أشهر، والقسم الآخر مكتسب فاكتساب الأخلاق الطيبة والابتعاد عن السيئة ليس سهلًا على الإنسان، وذلك لأن طبائع الناس وأخلاقهم تتأثر بعوامل أربعة مختلفة وهي: نسب الأخلاط وهي التي تتكون منها أجسادهم، العامل الثاني وهو تربة البلد، والثالث هو نشوءهم على ديانات آبائهم ومعلميهم، والعامل الرابع وهو موجبات أحكام النجوم فيهم عندما يكونوا أجنة، وبرأي الاخوان أن العامل الأهم والأصل هو العامل الرابع، أما العوامل الثلاث الأولى فهم فروع (عبد النور، 1954م، ص47).

التربية العملية

فرق كتاب التربية في القرن التاسع عشر في الوطن العربي بين التربية النظرية والتربية العملية، فالتربية النظرية هي كل ما يتعلق بالعملية التربوية، أسسًا وتاريخًا وفلسفة، أما التربية العملية فهي ما يتصل بالعملية التربوية في مجال التطبيق.

وكان الفارابي يميز بين التعليم والتأديب، فالتعليم عنده إيجاد الفضائل (العلوم) النظرية والعمل على إكساب الآخرين المعرفة وسبيل تعليم العلوم النظرية عنده هي الطرق الإقناعية ولا يعقلها الإنسان إلا بعد أن يعقل معلومات كثيرة جدًا، أما التأديب فهو طريق إيجاد الفضائل العملية والصناعات العملية وطريق تعلمها هو التعويد أو الممارسة حتى يتمكن المتعلم من اكتساب مهاراتها، فالتربية عنده هي العمل على إكساب السلوك وهي وسيلة التعليم، أما إخوان الصفا فقد تأثروا بالفلسفة الأفلاطونية كثيرًا فعندهم النزعة الصوفية واضحة، فلا صلة عند الفارابي للعلم بالبدن، والذي يتعلم عندهم هي النفس والعلم غذاء لها، والعلم هو صورة المعلوم في نفس العالم، بعد ذلك يصبح التعليم انتقال للمعلومات والمعارف للآخرين، والتأديب عندهم هو تهذيب النفس وترويضها وهو الخطوة الأولى التي تسبق عملية التعليم، وبالرغم من تأثر الإخوان بالفلسفة الأفلاطونية في جعل التعليم خاص بالنفس فقط، فقد خالفوه بعدم فطرية المعرفة (علي، 1991م، ص217).

وقد وضع الفارابي برنامجًا في التربية والتعليم، لإعداد المواطن الصالح وكذلك إعداد الزعيم الصالح في الدولة المثالية ويكاد هذا البرنامج أن يكون حديثًا بل معاصرًا، فيؤكد البرنامج على مبدأ انتخابات القدرات والذي أسماه الفطرة والطبيعة كأساس للتعليم، والآن نراه شائعًا في الفصول المدرسية ودوائر البحث الجامعية، كذلك يؤكد البرنامج على أهمية العلوم النظرية والعملية كالرياضيات والطبيعيات وما بعد الطبيعيات والعلوم السياسية والمدنية، ويؤكد على أهمية الفضائل الأخلاقية والفضائل العلمية.

أما بالنسبة للعلوم التي يحتاجها الطالب فنجد أن الكندي من أول الفلاسفة المسلمين الذين تطرقوا واهتموا اهتمامًا واضحًا بهذه القضية، وإن كان قد تأثر بأرسطو كثيرًا بالنسبة لتصنيف العلوم، ويشير الكندي إلى ثمرة تحصيل البشر بتفكيرهم وقواهم وتحصيلهم من رياضيات ومنطق وأخلاق وسياسة وطبيعة وما بعد الطبيعة وعلوم إنسانية، فكلها تعتمد على طريق خاص بالمعرفة تبدأ بالإدراك (إدراك الجزئيات والمحسوسات المادية) ثم التجريد ثم الانفصال التام عن المادة، وهذه العلوم تتطلب من الإنسان أربعة أمور وهي الطلب والبحث والأداة والزمان (الأهواني، 1945م، ص102).

وقد قسم ابن سينا العلوم النظرية إلى ثلاثة علوم وهي العلم الأسفل وهو ما يطلق عليه العلم الطبيعي، والعلم الأوسط ويسمى العلم الرياضي، والعلم الأعلى وهو ما يسمى بالعلم الإلهي، وقسم العلوم العملية إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول يعرف به الإنسان كيف يجب أن تكون أخلاقه وأفعاله حتى يكون سعيدًا في الحياة الأولى والآخرة، والقسم الثاني يعرف به الإنسان كيف يجب أن يكون تدبيره لمنزله المشترك مع زوجته وولده ومملوكه حتى يتمكن من اكتساب السعادة، والقسم الثالث الذي يعرف به الإنسان أصناف الرئاسات والسياسات والاجتماعات والمدينة الفاضلة وغير الفاضلة(علي، 1991م، ص244).

أما إخوان الصفا قسموا العلوم إلى ثلاثة أقسام وهي العلوم الرياضية (علوم الآداب التي وضعت لطلب المعاش وصلاح الدنيا) والعلوم الشرعية والتي وضعت لطلب الآخرة، والعلوم الفلسفية كالرياضيات والمنطقيات والطبيعيات والإلهيات. وهنا يتضح لنا أن إخوان الصفا لم يقتصروا على العلوم الفلسفية بل أضافوا لها العلوم الشرعية كالفقه والتفسير والسيرة والتأويل والسنن وكذلك العلوم الطبيعية التي تعتبر آلات للمعرفة الشرعية.

المراجع:

  • النجيحي، محمد. (1967م). مقدمة في فلسفة التربية. القاهرة: الأنجلو المصرية.
  • سمعان، صادق. (1962م). الفلسفة والتربية محاولة لتحديد ميدان فلسفة التربية. القاهرة: دار النهضة العربية.
  • مدكور، إبراهيم. (1983م). في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق. القاهرة: دار المعارف.
  • علي، سعيد. (1991م). اتجاهات الفكر التربوي الإسلامي. القاهرة: دار الفكر العربي.
  • البهي، محمد. (1967م). الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي. القاهرة: دار الكاتب العربي.
  • موسى، محمد. (1959م). بين الدين والفلسفة في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط. القاهرة: دار المعارف.
  • عبد الرازق، مصطفى. (1944م). تمهيد لتاريخ الفلسفة في الإسلام.
  • اللبان، إبراهيم. (1950م). الفلسفة والمجتمع الإسلامي. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية.
  • النقيب، عبد الرحمن. (1984م). فلسفة التربية عند ابن سينا. القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر.
  • تسهير، جواد. (1965م). موقف أهل السنة القدماء بإزاء علوم الأوائل في: عبد الرحمن بدوي. التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، دراسات كبار المستشرقين. القاهرة: دار النهضة العربية.
  • الأهواني، أحمد. (1945م). الكندي، فيلسوف العرب. القاهرة: المؤسسة المصرية العامة.
  • محمود، عبد الحليم. (1989م). التفكير الفلسفي في الإسلام. القاهرة: دار المعارف.
  • وافي، علي. (1986م). المدينة الفاضلة للفارابي. القاهرة: دار عالم الكتب للطبع والنشر.
  • صبحي، أحمد. (1992م). الفلسفة الأخلاقية في الفكر الإسلامي. دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع.
  • عبد النور، جبور. (1954م). إخوان الصفا. بيروت: دار المعرف.

فيديو مقال الاتجاه الفلسفي في الفكر التربوي الإسلامي

 

أضف تعليقك هنا