من الأفضل في التربية الأب أم الأم ؟

لا يمكنُ أن نجيب بكلمةٍ واحدة على هذا السؤال، فكُلٌّ منهُما لهُ مزايا وعُيُوب، ولهُ إيجابيَّاتٌ وسَلبيَّات، ولهُ تصرُّفاتٌ مُختلِفة عن الآخر.

من الأَولى في الاعتناء بالطفل؟

ولكن إذا قُلنا من حيثُ الاهتمامُ في الطِّفل والعنايةِ به وتوفير لهُ مستلزماتُهُ ومتطلَّباتُهُ اليوميَّة وتدريسُهُ ومساعدتُهُ بإكمال واجباتهِ المدرسيَّة والاهتمام بنظافتهِ وإحضارِ الطعام لهُ وتنظيم حياتهِ الدَّاخليَّة، لَرُبَّما نقول: إنَّ الأم هي الأَولى بهذا الأمر والأفضلُ لهذه المسؤوليَّة من الأب، نسبةً لِما هي عليهِ من فَراغٍ كبير وتواجدٍ في البيت لمُعظم يومِها على عكسِ الأب.

إلى من يميل الطفل الرضيع؟

خُصَّ لو أنَّها لم تكُن موظَّفة أو ليسَ لديها عملٌ، والطِّفلُ نوعًا ما يَميلُ إلى الأم غالبًا، خصوصًا لو كان الطِّفلُ رضيعًا، فالأمُّ بهذا المجال لديها القُدرةُ المُعتبرة والمسؤوليَّةُ الكافية للاهتمام بطفلِها، وإنَّها تكونُ أهلًا لذلك، والطِّفلُ لم ولن يستطيعَ العيشُ براحةٍ من دون أُمِّهِ وأن تكون بجانبهِ ليلًا ونهارًا تُلبِّي لهُ ما يُريد، أو امرأةً غيرَها تهتمُّ بهِ وتأخذُ دَورَ الأم لأجلهِ، الأمُّ مهمةٌ جدًّا بحياةِ الطِّفل وهِيَ سببٌ كبيرٌ في إنتاجِ شابٍّ خَلوقٍ مُهذَّبٍ ذي منظرٍ جميل وإطلالةٍ رائعة، وهِيَ المُحفِّزة لابْنِها وجعلهِ متفائلًا في الحياة، وتُعطيهِ جُرعةً من السَّعادةً.

من المسؤول عن تربية الطفل أخلاقياً وأدبياً؟

أمَّا من الجانب التَّربوي للطِّفْل الشَّامِل لتعليمهِ الأخلاق والآداب والاحترام وحُسنِ الكلام والمُعامَلة الحَسنة مع الآخرين، وتأديبهِ وتهذيبهِ ومساعدتهِ في أمورِهِ الحياتيَّة الخارجيَّة وقضاء مشاكلهِ المتعلِّقة مع الآخرين، مباشرةً يجبُ أن نقول: هنا يَكْمُنُ دَورَ الأب، هو المسؤول على ذلك، هو القادرُ على إكمال وقضاء كُل هذهِ الأمور الَّتي يحتاجُها الابْن، وهُوَ المُتمكِّنُ لها، والأمُّ بهذا الدَّور تَكُن مساعِدة لزوجِها في هذا الدَّوْر، وممكن أن يقول بعضُهم: إنَّ الأب هو قاسٍ وشديدُ التَّعامُل مع ابنهِ ويرفع صوتَهُ عليه ولا يحترمهُ وربَّما يقومُ بضربِهِ أحيانًا ولا يُبيِّنُ حُبُّهُ لهُ كما تُبيِّنُهُ الأم، والحقيقةُ أنَّ ليس كُلُّ الآباءِ هكذا، ومَثلُ هذا البعض من الآباء كمَثَلِ البعضِ الآخَر المشابَهُ من النِّساء أيضًا.

من الأكثر عاطفة الأم أم الأب؟

نعم، من الممكن أن يرى الابْنُ أباهُ أحيانًا ليسَ كما يرى أُمَّهُ، يراهُ لا يُبادرُ بإخراج كلماتٍ عاطفيَّةٍ لهُ، وممكن أنَّهُ يَظُنُّهُ لا يُحبُّهُ والعكسُ صحيحٌ تمامًا، إنَّ الأب لا يُزاوِدُهُ أحدًا على حبِّ ابنِهِ قَط، ولا يَسبِقُهُ بذلك أحدٍ قَط، نظرًا لما يحملُهُ من عطفٍ وحُبٍّ كبيرٍ تجاه أولادهِ، ولكِنَّهُ ليسَ بشديدِ العاطفة مِثْلُ الأم.

الأب هو رجلٌ قويٌّ شديدٌ شجاعٌ وهُوَ الوحيدُ الذي يُريدُ لابْنِهِ فوقَ ما يُريدُهُ لنفسِهِ لأنَّهُ أكبرُ طموحًا يحملُهُ هو أن يجعل ابْنَهُ رجلًا معتمدًا على نفسِهِ لا يحتاجُ أحدًا غير اللّٰه، لا يبتغي مساعدةً من أحد، لا يتوسَّلُ لأحدٍ إلا لِلّٰه، أن يقضي ما يُريدُ بنفسِهِ، أن يكون ناجحًا لا فاشلًا، شاطرًا لا كسولًا، شاكرًا لا ناكرًا، مادحًا لا عائبًا، طيَّبًا لا خبيثًا، مسامحًا لا مُتزمِّتًا، قويًّا لا ضعيفًا، كريمًا لا بخيلًا، وفيًّا لا خائنًا، مُقدِّرًا لا مُقتِّرًا، أمينًا لا ماكرًا، فرِحًا لا حزينًا، صادِقًا لا كاذِبًا، نزيهًا لا فاسدًا، وأخيرا: أنْ يكونَ رجلًا قويًّا شُجاعًا كاملًا لا يَنقُصُهُ شيئًا، والأمُّ أيضًا تريدُ ذلك لابْنها ولكن بمفردِها يكون شيئًا صعبًا، فهُنا يَحِلُّ مكانَ الأب، هو صاحبُ الدَّور الرَّئيسي لهذا المِنوال، وزوجتُهُ هِيَ المساعِدة لهُ.

لماذ يُشدّد الاب على أبنائه؟

لذلك لأنَّ الأب يُريدُ أن يكونَ ابنُهُ صاحبًا لهذهِ الصِّفات، يكُن صارمًا معَهُ بالتَّعامُلِ ويقسي عليهِ أحيانًا، والأب هُوَ ليسَ بطاغيةٍ لكنَّهُ لا يُحِبُّ أن يُكرِّرَ كلامُهُ أكثرَ مِن مرَّة، واختلافُهُ مع الأم هو أنَّ الأم هِيَ عاطفيَّةٌ جدًّا، أحيانًا ورُبَّما كثيرًا تتصرَّفُ مع أولادِها بعاطفتِها لا بعقلِها، وعاطفتِها مُسيطِرة على عقلِها بشدَّة، لذلك أنَّك تراها وقتًا تُدلِّع ابْنها وتتكلَّم معَهُ كلامًا شفَّافًا رقيقًا نقيًّا بكُلِّ استرخاءٍ وهُدُوء، وفجأةً تراها مُتعصِّبة معهُ وترفعُ صوتَها عليهِ وتَشتُمُهُ وتسخرُ مِنْهُ ورُبَّما تلعنهُ أيضًا!

وهذا الأُسلوب مُنتشرٌ عندَ كثيرٍ من النِّساء الأمَّهات، وذلك بسبب عاطفتِهِنَّ الكبيرة الَّتي تغلب عقلَهُنَّ وتُمْحِي تصرُّفَهُنَّ الشَّفَّاف مع أولادِهِنَّ في وقتٍ ما، وبعد ذلك ترى الأم قد عادت لطبيعتِها وحنانِها وكلامِها الشَّفَّاف مع ابْنها بعد أن طَغَتْ عليه بأُسلوبٍ خارجٍ عن حُدُودِ الأُمُومة جدًّا، وتراها أيضًا بعد حين أنَّها نادِمةٌ وحزينةٌ لِمَا تصرفتْهُ معهُ من تصرُّفٍ غيرِ موفَّق وغيرِ مقبول، وهذا يختلفُ باختلافِ تصرُّفَ الأب مع ابْنهِ، وذلك لِما يحملهُ الابْنُ من مهابةٍ واحتسابِ الشأنِ لأبِيهِ ومخافةً مِنْهُ، لذلك ترى أنَّ الأب إذا تكلَّم مع ابْنهِ يقفُ الابْنُ وكُلُّهُ آذانٌ صاغيةٌ لأبيه.

رجاحة عقل الأب

والأب يكونُ ذو عقلٍ كبيرٍ يحتسِبُ لكُلِّ أمرٍ مع أولادهِ وكُل تصرُّفٍ معهُم ويُفكِّرُ ويحتسبُ نتائجَ تصرُّفهِ معهُم، نظرًا لِما قلناه: إنَّ الأب هو صاحبُ عقلٍ كبيرٍ وحكمةٍ بالغة، والأب أحيانًا إذا ضربَ ابْنَهُ، أوَّلًا: يتوجَّعُ هُوَ قبلَ ابْنهِ.
ثانيًا: سيشْعُرُ بعدها بأنَّ تصرُّفَهُ كانَ خاطئًا ويعودَ لهُ ويُلاعبُهُ ويُمازحُهُ ويتكلَّم معهُ كلامٌ شفَّافٌ ولطيفٌ مُعبَّئٌ بطاقةٍ مُعيدة لحالةِ الطِّفْلِ النَّفسيَّة الَّتي قَدْ تأذَّت من التصرُّفِ الأوَّل للأب مع ابْنهِ.

وكذلك الأُمُّ أيضًا إذا أساءت التَّصرُّف مع ابْنِها، تشعُرُ بالذَّنبِ بعد ذلك وتراها مُهلَكةً بالتَّفكير بحالةِ ابْنها بسبب تصرُّفِها الخاطئ معهُ، ولكِنَّ الرَّجُلَ بشكلٍ عام هُوَ عصبيًّا على عكسِ المرأة، وذلك لِمَا يحملُ من عبئٍ ثقيلٍ مُتعِبٍ ومُرهِقٍ للنَّفس، وهَمٍّ وتفكيرٍ طويل واحتسابٍ كبير لعائلتِهِ لتدبيرِ احتياجاتِها ومُستلزماتِها وجعلِها عائلةً كاملةً لا تَنقُصُها شيء، وأيضًا لِمَا عليهِ من مَشاكِلٍ خارجيَّةٍ أُخرى.

دور الأبناء في تربية ذواتهم

والابْنُ يجبُ عليهِ أن يعتمدَ على نفسهِ نوعًا ما وأن يُساعدَ أباهُ وأمَّهُ بالبحثِ عن العِلْمِ والدِّراسةِ والعملِ والاجتهاد، وأن يكونَ مُثابِرًا ومُجاهِدًا وجادًّا في عملهِ، ولا يكونُ كسولًا وجاهلًا ومُعاديًا للفِكْرِ والثَّقافاتِ الحضاريَّة، فالإنسانُ مَهْمَا كان عمرُهُ بمُجرَّدِ أنَّهُ بَلَغَ عقلًا، وَجَبَ عليهِ تعليمُ الذَّات بذاتِ نفسه، وأن يكونَ هو مُربِّي نفسهِ ومُنمِّيها ومُوعِّيها ومُعلِّمها ومُثقِّفها ومُؤدِّبها (تربية وتنمية تكميلية “مساعِدة”).

فمَهْمَا عملوا الآباءِ والأمَّهات من أعمالٍ تربويَّةٍ وتعليميَّةٍ للأبناء، وحتَّى إذا قَسَوا عليهِم أحيانًا فهُم يفعلونَ ذلك لِصالحِ أبنائِهم لا غيرِهم، ولكن إذا الإنسانُ أهملَ نفسَهُ وصارَ لا يُبالي لِما يفعلُ ويعملُ سواءٌ كان يفعلُ أفعالًا صالِحةً أم سيِّئة، وطَغَتْ عليهِ أعمالَ السُّوء ومُمارسة ما يضُرُّهُ جسديًّا ونفسيًّا وصحيًّا وعقليًّا واجتماعيًّا، فلا فائدة كاملة لتربيةِ الأب والأم لابْنِهِم، لأنَّهُ أساسًا يطمحُ ويفعلُ ويعملُ لغيرِ ذلك! وهذا يعني أنَّهُ أصبحَ إنسانًا بِلا عقل، جسدًا بِلا روح، جِسمًا كجهازِ روبوت يُسيِّرُهُ المُسيِّر بما يَشاءَ ويهوى! كلَّا، نحنُ لم نُخلَق لهذا، لم نُخلَق لكي نُذِلَّ أنفسَنا ذَلًّا، ونُهيْنَها مَهانةً، ونُبعدَها عن مِلَّةِ اللّٰهِ ورحمتهِ الواسعةِ ورِضوانهِ عنَّا، بَلْ خُلِقنا لكي نَعبُدَ اللّٰهَ أوَّلًّا، عِبادةٌ موحِّدةٌ صالِحةٌ سليمةٌ لا مُنحرِفة، ثُمَّ الباقي يأتي…

أعمدة العائلة

وأوَّلًا وآخِرًا: إنَّ الأب والأُم هُمَا عمُودا العائلة، وهُمَا اللذان كُل هدفهُمَا وطموحهُمَا أن يُبقِيا العائلة واقفةً لا تَسقُط، مُستقيمةً لا متمائلة، فاهمةً لا جاهلة، مُحترِمةً ومُحترَمة، فإذا سَقَطَ عمودٌ من العمودَيْن، مالت العائلةُ وانكسرَ ذِراعٌ من ذِراعَيها، وباتَ الحُزْنُ لا يُفارِقُهُم، واندفنت حسرةٌ بقلوبِهِم تدومُ معَهُم لا تخرُجُ أبدًا.

فالعائلةُ كالشَّجرة، الأب هو جَذرُها، والأم جِذعُها، والأبناءُ أغصانُها، فإذا ماتَ الأب انكسرَ الْجِذعُ وذَبَلت الأغصان.
وإذا ماتت الأم بقيَ الْجَذْرُ وحيدًا لا يعرِفُ لِمَن يُعطي الحياةَ والإِنبات ولا سندَ لهُ، وذَبَلت الأغصانُ أيضًا.

فالأب والأُم كِلاهُمَا مَن يُنعِشَا العائلة ويُدخلَا السُّرورَ إليْهَا، ويُبعِثَا الأَمَلَ فِيها، ولا يُمكنُ التَّخلِّي عن أحَدِهِمَا، وإذا حَدَثَ ذلك ستجد العائلةُ يَنقُصُها شيءٌ كبيرٌ وفَراغٌ مكشوفٌ لا يسدُّهُ أحدٌ قَط إلا مَن فُقِدَ وكان السَّببُ في ذلك.

ماذا يحصل إذا مات الأب والأم؟

إذا مات الأب، رحلَ السَّندُ والأمان، رحلَ الحِفظُ والاطمئنان، رحلتِ الخَيْمةُ والسَّكينة، رحلتِ المَهابةُ والهيبة، رحلتِ الرَّزانةُ والاستقرار.وإذا ماتت الأم: رحلَ الدِّفءُ والاهتمام، رحلتِ الْجَامعة لأفراد الأُسرة، والمُؤنسة لجلَساتِها، والمُطَمْئِنَة لَهَا، والمُمحِية لهُمُومِها، والمُبعِثة للحيَويَّة، المُمبعِدة لسلبياتِها والمُقرِّبة لإيجابياتِها.

فلا تنسَ أنَّ كِليْهُما يُجاهدان في هذِهِ الدُّنيا الواسعة الصَّعْبة المتعِبة لأجْلِ توفير ما تحتاجُهُ أنت، وما يَجعلُك مُرتاحًا لا مُنزعجًا، وعليكَ الاهتمامُ والاحتفاظُ بهِما وأنْ تُطِعْهُمَا ولا تَعْصِهِمَا، وعليكَ الالتزامُ بقولِ اللّٰهِ تعالى ورسولِهِ الخاتم الشَّريف وما يأمُرانكَ من طاعتهِم وعدم عِصيانهِم:

{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا}.الأحقاف 15

{سيد الابرار يوم القيامة رجل بر والديه بعد موتهما}. ميزان الحكمة 4/3675

فيديو مقال من الأفضل في التربية الأب أم الأم ؟

 

 

أضف تعليقك هنا