التربية عند الشيخ الغزالي

بقلم: محمد باسم سرحان أبو كلوب

 التربية عملية شاملة تساهم في إعداد المواطن الصالح، وتصقل شخصيته وتكسبه المهارات والأدوات التي تساعده في بناء شخصيته، فالتربية هي الركن الأساسي في بناء المجتمع التي توفر البيئة التفاعلية التأثرية المتبادلة بين أفراده وبين المجتمع، كما وتبني معتقداته وفقاً لفلسفة هذا المجتمع.

لذلك ينبغي تربية الفرد تربية سليمة قائمة على الايمان والتحلي بالأخلاق الحميدة وقيم المجتمع الإسلامي المحافظ على قيمه الروحية، والالتزام بالشريعة الإسلامية التي تحددت في القرآن الكريم والسنة النبوية فالتربية مسئولية تقع على عاتق الوالدين وكل تربوي، فالنبي صلى الله عليه وسلم حث أولي الأمر على حسن التربية وجعلها مسئولية يحاسب عليها الشرع في قوله: ” كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته”.

فالتربية يجب أن تحدد مظاهرها واتجاهاتها، كما أن الفكر يحمل طابعاً إنسانياً ناتجاً عن إعمال العقل والتصورات العمليات الإدراكية التي توصل الانسان للحقيقة وتحدد صبغة تفكيره وتحدد اتجاهاته وميوله.

الفكر التربوي هو دراسة آراء المفكرين الخاصة بالعملية التعليمية وأهدافها وفلسفتها ووسائلها. البحث في الفكر التربوي قد يتم من خلال المفاهيم والمعاني والأسس النظرية بشكل مجرد عن الواقع التربوي، والوصول الى حياة كريمة تضمن الرقي للإنسان في شتى مناحي حياته المهنية والاجتماعية، فالفكر التربوي منبثق آراء وتصورات العاملين والتربويين في مجال التربية والتعليم.فقد كان الامام الغزالي رحمه الله أحد التربويين الذين ساهموا في صقل الفكر التربوي في ميدان التربية والتعليم.

حياة الشيخ الغزالي

ولد في مصر قي محافظة البحيرة من قرية نكلا العنب في سبتمبر عام 1917 حيث نشأ   في أسرة متدينة، فقد كان والده من حفظة القرآن الكريم وقد حثه على حفظ كتاب الله. أتم حفظه للقرآن الكريم من كتاب قريته وهو في سن العاشرة، ثم التحق بالمعهد الديني في الإسكندرية وحصل منها على شهادة الكفاءة ثم الثانوية ثم التحق بالأزهر الشريف في كلية أصول الدين عام 1937 حيث كتب في العديد من المجلات عن الفكر التربوي وقد حصل على درجة العالمية، بدأت رحلته في الدعوة في مساجد القاهرة، كما وتأثر بالعديد من الشيوخ مثل الشيخ حسن البنا الذي صقل شخصيته والشيخ عبد العظيم الزرقاني والشيخ محمد أبو زهرة وغيرهم من علماء الأزهر المدني.

ساهم الغزالي في اثراء الفكر التربوي الإسلامي من خطاباته وكتبه ودروسه والعديد من  الأعمال الهامة حيث بلغت مؤلفاته أكثر من خمسين عملًا منها خلق المسلم وفقه السيرة وعقيدة المسلم، وكان لها تأثير قوي على الأمة الإسلامية التي ساهم فيها خلال حياته الدعوية ، حيث ساهم في بناء شخصية المعلم وتربيته كما وحدد الغزالي أساليب التربية التي تساهم في إعداد الفرد الإسلامي المتمسك بعقيدته وعلى هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم .

يرى الغزالي ان النفس لها أثراً كبيراً في اكتساب الاخلاق، فالخلق عنده ثابتاً يثير دافعية الانسان للخير بطريقة سهلة ولا تحتاج للتفكير الطويل.

كما يرى أن الاخلاق يكتسبها الانسان من خلال ممارستها في بيئته التي يعيش فيها، فالتربية السليمة لديه هي الابتعاد عن المنكرات والرذائل وتوضيح أثرها على الفرد والمجتمع وفق التحليل العقلي حيث يبني الانسان سلوكه على أسس علمية واقعية وواعية.

أساليب التربية عند الشيخ الغزالي

  1. التربية بالقدوة الصالحة

إن القدوة الصالحة هي أفضل الوسائل التربوية التي يمكن أن يكتسب فيها الفرد سلوكياته، فينبغي على المعلم أن يكون قدوة لطلابه فلابد للمعلم ممارسة سلوكيات حميدة تنعكس على طلبته، فعلى المعلم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان نبراساً في سيرته العطرة الذي كان مثالاً للخلق الذي يدعو اليه.

ويرى الشيخ محمد الغزالي أن العلم والذكاء لا يغنيان على النفس الطيبة، حيث كان يكره النفس الشريرة رغم ذكائها، وهنا تتجلى التربية بالقدوة في حرص الآباء والأمهات في غرس أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم والامتثال بها قبل غرسها في أبنائهم.

  1. التربية بالوعظ والتذكير

استناداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” كنتم خير أمة تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر” . هنا يتجلى أهمية الوعظ والإرشاد الذي نص عليه القرآن الكريم والسنة النبوية بأسلوب راقي يلامس قلب الانسان ويسيطر على مشاعره واهتمامه بمشاعره، فقد أكد الشيخ الغزالي أن التربية عملية مستمرة طوال عمر الانسان يمكن تعديل سلوكياته من خلال الوعظ والإرشاد المستمر.

  1. التربية بالترغيب والترهيب

ترفض التربية أساليب العقاب الجسدية وتعتبرها انتهاكاً لحقوق الإنسان لما له من ضرر نفسي على شخصية المتعلم، حيث أظهرت التربية الحديثة أهمية التعزيز في تعديل السلوك من خلال الترغيب بالثواب والترهيب في تعديل السلوك.

ويعبر الشيخ الغزالي عن ذلك بقوله: الترغيب هو الحث على فعل الخير وأداء الطاعات، وجاء في القرآن الكريم، والسنة مقرونًا ببشريات كثيرة، وحكم جليلة.

حيث عبر الشيخ الغزالي عن الترغيب بأهمية فعل الخير والإحسان وما يعود على هذه الأفعال من ثواب في الدنيا والآخرة وكذلك النهي عن المنكرات التي تقود صاحبها الى الهلاك. فالترغيب والترهيب متلازمان للحث على السلوك الايجابي بالترغيب والابتعاد عن السلوك السلبي بالترهيب.

  1. التربية بالقصة

تعتبر التربية بالقصة من أهم الوسائل التربوي التي تساهم في تعديل السلوك لما لها من أثر تشويقي يساهم في الامتثال لفعل الخير ولما تتضمنه القصة من أحداث تتبنى الدعوة الى الطاعة وتساهم في الامتثال للشخصيات القيادية التي تتناولها القصص كقصة أسامة بن زيد وتأثيرها على الأطفال وتدعم غرس القيم لديهم.

فالتربية عند الشيخ الغزالي هو كل ما يؤثر في حياة الانسان المسلم من أحداث تم الحديث عنها عبر القصص والسيرة للعديد من الأنبياء والصالحين ومدى تأثر الناس بهم وبأفعالهم.

  1. التربية بشغل أوقات الفراغ

عن النبي صلى الله عليه وسلم ” نعمتان مغبون بهما الانسان هما الصحة والفراغ ” فالفراغ فيه مفسدة للأخلاق وضياع للنفس وأرضاً خصبة للشهوات ، لذا على المعلمين والوعاظ وأولياء الأمور حث أبنائهم على استثمار الوقت في طاعة الله أو تعلم أمور الحياة التي تفيدهم وتقودهم للنجاح في حياتهم الدينية والدنيوية.

فقد أكد الشيخ الغزالي على أضرار الفراغ في قوله: آفات الفراغ في أحضان البطالة تولد آلاف الرذائل ٬ وتختمر جراثيم التلاشي والفناء. إذا كان العمل رسالة الأحياء فإن العاطلين موتى، حيث حرص الشيخ الغزالي على استثمار الوقت بالعمل والابتعاد عن الرذائل والمنكرات.

  1. التربية بالممارسة

الايمان يقوى وينقص لذا على المسلم ممارسة العمل الصالح ليصبح وحث النفس على الصبر في وجه الشهوات واغراءات الشيطان، فالنفس البشرية قائمة على التدريب المستمر والتعلم من المهد للحد.

يقول الغزالي: إن التربية ليست وضع البذور في أرض على أمل مطر يجيء، أو لا يجيء، ولا جهد وراء ذلك، كلاّ، إنها بذور وسقي وتعهد، ومطاردة للحشرات، والأوبئة، ومتابعة صاحية حتى أوان النضج، والحق أن الصحابة والتابعين كانوا نتاج تربية نبوية بشرية، جعلت منهم الجيل الذي حول الحضارة الإنسانية من حال إلى حال.

ومن هنا يتجلى أهمية التعلم بالممارسة حيث يتعلم الانسان ويكتسب مهاراته من خلال الممارسة والتدريب.

خاتمة

ومن خلال استعراض الأدب التربوي تبين أن الشيخ الغزالي اعتمد على العديد من الأساليب التربوية التي توصل الانسان الى طريق الخير وتضعه على المسار الصحيح في تكوين مجتمع مسلم قوي ومتماسك قائم على الاخلاق الحميدة والفضائل، والنهي عن الرذائل والمنكرات، بالإضافة الى طرد كل جسم غريب يتنافى مع الشريعة والعقيدة الإسلامية. فقد خلق الله الانسان ليعبده ويقر بربوبيته ووحدانية وخلقه ليعمر الأرض وليس لخرابها.

المراجع

  • الخطيب، محمد شحات وآخرون: أصول التربية الإسلامية، دار الخريجين للنشر والتوزيع، 1995م.
  • عويس، عبد الحليم: الشيخ محمد الغزالي تاريخه وجهوده وأراؤه، دار القلم، 2000م.
  • الغريب، رمضان خميس: الشيخ الغزالي حياته وعصره وأبرز من تأثر بهم، دار الحرم للتراث، 2003م.
  • الغزالي، محمد: تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل، دار الشروق، 2007م.
  • الغزالي، محمد: جدد حياتك، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 2005م.
  • الغزالي، محمد: خطب الشيخ محمد الغزالي في شؤون الدين والحياة، إعداد قطب عبد الحميد قطب، دار الاعتصام للطبع
  • والنشر والتوزيع، 1988م.
  • الغزالي، محمد: خلق المسلم، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 2005م.
  • الغزالي، محمد: معركة المصحف في العالم الإسلامي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 2005م.
  • الغزالي، محمد: نظرات في القرآن الكريم، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 2005م.
  • الغزالي، محمد: هذا ديننا، القاهرة، دار الشروق، 2009م.
  • مقالة بعنوان “البحث التربوي، المعنى، الإطار، الغرض، والصفات”، للدكتور رافي دالي.
  • https://tophat.com/marketplace/social-science/education/course-notes/oer-educationalresearch-meaning-scope-purpose-and-characteristics-dr-rafeedalie/1191/

بقلم: محمد باسم سرحان أبو كلوب

 

أضف تعليقك هنا