المؤسسات العلمائية الشرعية تحت المجهر (المعوقات والحلول) مقال: د. أسامة عبد الله

الأخطاء المشتركة التي تقع فيها المؤسسات العلمانية

لا يخفى على الجميع الدور الريادي للمؤسسات الشرعية العلمائية وغيرها من العمل والدعوة ونصرة الدين؛ إلا أنها كلها _ دون استثناء _ تقع في شباك أخطاء عامة تكاد أن تكون من المتعارف عليها بين جميع المؤسسات لاشتراكها بنفس الأمر من خلال العمل الجماعي ؛ وهنا في هذا المقام حاولت حصر ما وفقني الله تعالى لتحديده من الأخطاء المشتركة التي تقع فيها المؤسسات _العلمائية تحديدا _ وبقية المؤسسات عموما.

خصوصية المؤسسات العلمانية في دورها الشرعي

وذلك لأن خصوصية المؤسسات العلمائية في دورها الشرعي ، وخطورة التعاطي من خلالها في حال انهيارها وحيدتها عن جادة الصواب، وبسبب عملي وقربي واطلاعي على كثير منها مباشرة ؛ ومع ذلك فإني أؤكد على ضرورة فهم مقالي هذا بأنه تحديد للخلل ومحاولة جادة لوضع اليد على الجرح للمعالجة والتداوي لا لزيادة الألم ، فالفرق بينهما كبير ؛ ولست هنا بصدد ذكر المآثر والعمل الصحيح إذ أنه هو الهدف والمبتغى وسيكون واضحا للناس ثماره، أما في تتبع الأخطاء وعلاجها _ وخصوصا إن كانت داءً منتشرا _ هو بمثابة الهدية في النصح أقدمها لإخواني جميعا في جميع المؤسسات العلمية .

وقد حددت ستة أسس مشتركة لا تكاد مؤسسة تخلو منها في الأخطاء، ذاكراً الأسباب فيها وطرق علاجها وهي:

  1.  الهيكلة الإدارية
  2.  الموارد المالية وطرق تصريفها
  3. الصلاحيات وحدودها
  4. الاستراتيجية والتخطيط
  5. العلاقات العامة
  6. الأهداف وهنا نفصل كل ما ذكر بالتفصيل وعلى الترتيب :

أولا: الهيكلة الإدارية

إن أغلب المؤسسات لا تبالي بالاجتماعات الدورية المقررة في نظامها الداخلي ، وذلك للتفرد بالقرارات بين أشخاص محددين بارزين، ولعدم فتح المجال للتغيير للمدير والنواب والتشكيلة الإدارية ؛ وهنا أعني بالهيكلة الإدارية: تحديد الأدوار الموكلة للأفراد البارزين العاملين في المؤسسة ، وهيكلة الإدارة فيها من الأعلى للأدنى وأدوار وصلاحيات كل فرد لتحقيق التكامل لا للتفرد بالقرارات، وتفصيلها كالآتي :

أ. المجلس الأعلى:

وهذا غالبا ما يكون فخريا وليس له دور بالعمل المباشر ، وله تسميات أخرى مثل ( الأمانة العامة ) او ( مجلس الأمناء ) أو ( الهيئة العليا ) وما إلى ذلك من مسميات إلا أنها فخرية وغالبا ما يكون أعضاؤها من الغير مهتمين بما يدور من عمل داخل المؤسسة كونهم فخريين أو استشاريين ولا دخل لهم بمعتركات العمل وتفاصيله، وفي الغالب يكونون من المقبولين اجتماعيا ومن الصادقين الأتقياء ، وهذا مما يحسب للمؤسسات بالذكر الحسن.

ب. المدير أو الرئيس:

وهو الشخص العملي في المؤسسة وصاحب صلاحيات التوقيعات والمخاطبات والاتفاقيات ، والمدير الفعلي للأفراد العاملين ، وصلاحياته مرتبطة بقرارات مجلس الشورى أو الهيئة الإدارية ؛ إلا أننا سنرى الكثير من الأخطاء المتعارضة بين قرارات الهيئة العامة والرغبات او الآراء الشخصية المنفردة ، ومهما حاول ضبط الأمور فإنه تدريجيا يتجه نحو القرارات الفردية بدعوى المصلحة والمفسدة ، وبدعوى تسيير الأمور ، وبتبريرات كثيرة يعلمها جُلُّ العاملين.

أضف لما سبق بأن مسؤول المؤسسة ومديرها ورئيسها في بعض الأحيان يقع في خطأ التوريث للمؤسسة لأحد أبنائه ، أو توزيع المهام بحسب المحسوبية والمنسوبية والمناطقية أو العائلية ، فلدينا نماذج (( لمؤسساتٍ تعوئل وعوائلَ تؤَسّس )) وعلى هذا جرى الفساد العلمي والمالي والإداري .

وعلاج هذا الأمر: استدامة العمل بالطريقة الأولى المتفق عليها وهو ( جعل القرارات _بصورة عامة _ صغيرة أو كبيرة تعود للجنة الشورى بالتهميش عليها والاطلاع ثم الاجماع باتخاذ القرار وتوقيع المدير أو الرئيس هو كونه أحد أعضاء هذه اللجنة لا أكثر.. فالنصف + 1 هو المعتمد ) وعدم السماح لاستغلال موقع الرئيس من قبل المقربين له عائلياً، وذلك بإبعادهم عن قراراته والتأثير عليه .

ج. النوّاب:

وهم الأشخاص الأقل فاعلية في هيكلة الإدارة إذ أن دورهم لا يكاد يخلو من الفخرية في أغلب نشاطات عمل المؤسسة ، مع دورهم في عضوية مجلس الشورى أو الهيئة الإدارية .
وعلاج ذلك يكمن: ( بتفعيل دورهم لبعض صلاحيات الرئيس ومحاسبتهم من قبل مجلس الإدارة بأخذ دورهم والعمل الجاد للتشارك بالرأي وممارسة الصلاحيات المنوطة بهم ) فكل ذلك يدفع بعجلة المسير نحو التموضع الصحيح لأفراد المؤسسة، والتماسك لعدم ترك الفراغ ليُملأ من قبل المدير للاستفراد بالعمل والقرار .

د. الهيئة الإدارية واللجان:

وهنا هو الدور الحقيقي للأفراد العاملين من مفكرين ومبدعين وعلماء يشغلون أنفسهم بالصغيرة والكبيرة لوضع الخطط الاستراتيجية والعمل المتناسق _ كل بحسب اختصاصه _ فتوزع بينهم اللجان والأدوار ؛ وهؤلاء من المفترض أن يكونوا أصحاب القرار وخصوصا فيما يوكل إليهم من عمل فهم أدرى وأعرف بمقتضياته لدراستهم المباشرة للعمل المنوط بهم ومعرفتهم بما يصلح من عدمه ؛ وقد نجد دور هؤلاء مهمّش أو مدثور _ إن صح التعبير _ لأن العمل سيصب في الناتج لمصلحة من هو بارز ومتصدر للمشهد.

وعلاج ذلك يكمن ( بأن يتولى هؤلاء دورهم بالكامل في العمل الموكل لهم ومن اختصاص لجنتهم ولهم كامل الصلاحيات للتعامل مع الحدث والقرار لهم وملزم للجميع ) فمتى ما أحسوا بأن ثمار عملهم قد تجلت وهم لهم الدور الأكبر فسيكونوا أكثر إنجازا وحرصا على الإرتقاء والعمل الدؤوب دون كلل او تذمر.

ومن العلاج أيضا: ( تفعيل الاجتماع الدوري المقرر بالنظام الداخلي للمؤسسة ، لتقييم العمل وسيره على أن لا يقل ذلك عن مرة واحدة في الشهر ؛ وكذلك الإجتماع السنوي العام ؛ والإجتماع الكبير للهيئة العمومية للمؤسسة لإجراء الإنتخابات الدورية للهيئة العليا والرئيس ونائبيه في كل اربع سنوات، أو تجديد الثقة لهم في حال كونهم قد التزموا بالعمل ولم تحصل لهم خروقات كبيرة )

ثانيا: الموارد المالية وطرق تصريفها 

وهنا يأتي الجانب الأكثر صعوبة بالنسبة للمؤسسات الشرعية ففيه من المحاذر ما فيه لأنها أمانات يجب المحافظة عليها وصرفها في المحل الصحيح الممنوحة له ؛ وفي الحقيقة أكتب هذا والقلب يعتصر لشدة الأمر وصعوبته والخوف على من بأيديهم الأمر فلم يكونوا أهلا لذلك وتذرعوا بذرائع شتى تعجب حتى إبليس لمهارتهم في تبرير ذلك !!! .

المؤسسات في الأمور المالية على قسمين

القسم الأول

من لهم دعم مالي معلوم من جهة معينة سواءً كانت سياسية أو غيرها ، ولكنها تعلم _ كما يعلم الجميع _ أن أغلب قراراتها تصب في مصلحة الداعم لا فيما يُبتغى من الحق !! ؛ ولذلك لا يُعوَّل على تلك المؤسسات وإنما إن جاء منها الخير شكرناه ، وإن جاء غير ذلك ذكرناه وأنكرناه.

القسم الثاني

المؤسسات التي ليس لها داعم مباشر ، وإنما تمويلها بحسب الهبات والتبرعات الواردة إليها من محسنين وفاعلي الخير أو مصرّفي الزكاة والصدقات ، أو الداعمين لمشاريع معينة ( كمراكز تحفيظ القرآن ) (ومراكز العناية بالسنة ) وما إلى ذلك بقدر تعلق الأمر بمن يتبنى مشروعها فتدعمه قدر القرب من المشروع .
وأيا يكن ذلك فما نريده من القول بأن هذه المؤسسات ليس لها دعم كامل أو مفتوح ؛ ومعضلة هذه المؤسسات ( ماليا ) تكمن فيما يأتي:

  • أ. عدم وجود لجنة مالية ، أو عدم تفعيلها إن كانت موجودة ، فترى العجب العجاب مهما أحسنت النية والتمست العذر لذهاب الأموال يمنة ويسرة فيما يعني العمل وفيما لا يعنيه !!! .
  • وعلاج ذلك ( اختيار لجنة من الأمناء تكون متحكمة بصرف الأموال الواردة في محلها وصاحبة القرار في مناقلة الأموال بين المشاريع الخاصة في العمل بحسب قناعتها الشرعية والمقاصدية ، أو بأخذ إذن الجهة المتبرعة، والمحافظة على المال من الإختلاس أو تكييفه للمنافع الشخصية .
  • ب. صرف الأموال والمناقلة بين المشاريع أو التحكم بالأموال خارج ضوابط العمل المطلوب ، تذرعا بحجج وأعذار ، وذلك لأن المال بيد الشخص الواحد ، ولا يؤمَن الأخ على دينه في ذلك ، فالإغراءات كثيرة والأموال من الفتنة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ، ومن يريد السلامة لدينه فلا يجعل للشيطان عليه سبيلا فيخلوا بمحارم الله؛ وليجعل عليه رقيبا من الناس إن سهى او غفل نبهوه ونصحوه . وعلاج هذا الأمر _علاوة على ما ذكرناه من جعل الرقيب من الناس ومحاسبة النفس_ هو ما تقرر في علاج النقطة السابقة .

ثالثا: الصلاحيات وحدودها

إن معرفة الأدوار والصلاحيات لجميع العاملين في أفراد المؤسسة لهو الضابط العام لمعرفة حدود الفرد وإمكاناته وأَبعاد مسؤولياته، وإن الكثير من الأخطاء التي تقع ضمن عمل المؤسسات الشرعية نتيجة لعدم المعرفة بالصلاحيات الممنوحة ، فترى مثلا أن مدير المؤسسة يظن أنه يمتلك كافة الصلاحيات والقرارات ، فيضرب عرض الحائط القوانين الداخلية للمؤسسة إما تعمدا ، وإما جهلا ؛ وفي الحالتين يكون قد أصبح من أكبر المعرقلين للعمل المؤسسي الناجح ، ولا يخلو الأمر من دكتاتورية يعاني منها جل المتصدرين للمشهد.

وعلاج ذلك : ( أن يتم الاجتماع العام لتقرير القوانين الداخلية للمؤسسة ، ويتم توزيع الصلاحيات بحسب المسؤولية ، ووضع بند خاص لمعاقبة المتجاوز على الصلاحية بعزله من منصبه مثلا او ما شابه ذلك ليكون رادعا للجميع بعدم التداخل في العمل وتعطيل أدوار الآخرين وتهميشهم .

رابعا: الاستراتيجية والتخطيط 

إن من أكثر ما يشتت عمل المؤسسات هو ضعفها في تحديد استراتيجيات عملها وتنظيمه ؛ وكذلك الضعف في التخطيط وعدم التدرج في الأولويات أو تحديد الأوقات للإنجاز ، وذاك متحصل بسبب عدم اختيارا الكفاءات لذلك التخطيط ! ، أو لضبابية العمل في حال كان ذلك تحصيل حاصل لوجوب عمل مدعوم (ماديا) فترى أن من المهم أن تنجز المؤسسة عملا دون المبالاة بأهميته وهل هو نافع أم لا !؟ وهل هو مُنَظَّمٌ ضمن أعمال تعضده وترتقي به أم لا!؟.

وعلاج ذلك : ( أن يسند التخطيط لأصحاب كفاءة علمية وأصحاب رؤية واضحة المعالم من الذين ينظرون إلى أهداف إنشاء تلك المؤسسة والغاية المرجوة من عملها فيضعون الخطط والأهداف ويجعلوها منظّمة تحت أوقات زمنية محددة تناسب الواقع والتطلعات .

خامسا: العلاقات العامة

الناس في هذا الجانب من أصحاب المؤسسات على جوانب متباينة تماما في العلاقات مع الآخرين :

  • بحسب الفكر أو الحزب: وذلك يتمثل بأنه إن كان هذا يتوافق مع أفكاري فإني سأتعامل معه وهو خير الناس؛ وإن لم يتوافق معي في الأفكار فإنه ممزق للجماعة ومنحرف وضال … وما إلى ذلك من اتهامات .، فتجد التقوقع في العلاقات مضمحل وساكن يُخشى عليه من الأُسونة .
  •  بحسب المصلحة المادية أو المعنوية: وذلك بأن تسعى المؤسسة _ أو بعض افرادها _لفتح العلاقات مع من تعتقد أنها ستنتفع منه ماديا ، حتى وإن كان المقابل له توجهات أخرى أو غايات وأهداف لا تنسجم مع وضع المؤسسة العلمائية ، إلا أن الهرولة نحوهم وفتح الابواب مشرعة بسبب العلاقة المادية والنفعية الشخصية، ولا مانع من الذوبان لمشروعه والتملق له او محاباته ومداهنته ورفع شأنه وتقزيم نفسي أمامه ، وذلك للإستفادة والمصلحة … وهذا من الكوارث التي تقع فيها المؤسسات وبعض أفرادها .

وعلاج ذلك أن تبنى العلاقات بحسب الهدف ، فتوسيع العلاقات مع المؤسسات والأفراد التي تقتنع بأهداف المؤسسة وتتوافق معها_ والعكس كذلك _لهو السبيل الأمثل للنجاح .

سادسا: الأهداف 

من المعلوم أن لكل عمل هدفا محددا يتناسب مع طبيعة ذلك العمل ؛ وإن من الخطأ أن تحدد المؤسسة الواحدة أهدافا كثيرة فإن ذلك مدعاة إلى تشتت الجهود وعدم القدرة للوصول إلى أي هدف من تلك الأهداف ، فمن الضروري أن تكمل المؤسسات بعضها البعض في الرؤية والأهداف ، وهذه دعوة لأن يجتمعوا ويناقشوا أهدافهم فيتقاسموا الأدوار فيما بينهم ويجعلوا لكل مؤسسة هدفا أو هدفين مخصصين ، إذ أن الهدف العام هو نصرة الدين وخدمة الإسلام وإرضاء الله تعالى ؛ ولكن يجب أن يكون للمؤسسة الواحدة هدف واحد ومحدد ، ولا مانع أن تتعدد الأهداف الجزئية الموصلة إلى الهدف الواحد المحدد ، فهدف اسبوعي صغير ، وآخر شهري ، وآخر سنوي ؛ كلها تصب في نتيجة واحدة للهدف المحدد للمؤسسة الواحدة ، فهذا أقرب إلى الواقعية وأنفع .

كل ما سبق ذكره هو كما اسلفت في بداية المقال ( محاولة جادة لتصحيح الأخطاء في العمل الجماعي ) ولإيماني الكبير بأن العمل الجماعي هو أفضل من العمل الفردي_ رغم الأخطاء التي يمكن السكوت عليها او تجاوزها _ نظرا لقيمة العمل وأهميته ، وأما في حال تكرار الأخطاء أو الإصرار عليها فإن قيمة العمل ستضعف ولا يمكن السكوت أو التجاهل أو المضي بنفس الطريقة ، فحينها تصبح عبئا ثقيلا وأمانة مخرومة تثقل كاهل الصادقين المخلصين في هذا العمل ، فإما أن يصححوا وإما أن يتركوا ؛ وأما الاستمرار رغم تحديد الخلل هو ((انتحار)) أو ((استغلال)) وكلاهما مصيره واحد وهو السَوق إلى المجهول !!!

وكل ما سبق هو موجه للمؤسسات التي تعمل بهذا النظام ، وأما من ينأى بنفسه عن كونه مؤسسة ويتذرع بهذا الإسم متى ما احتاج إليه ، ويهرب منه متى ما تم رصد خلل فيه، فلا قيمة لذلك كله لأنه سينتهي به المشهد وحيدا مستأثرا بهذا العمل لنفسه مرتكبا كل الأخطاء السابقة التي تم تحديدها ومثلها معها ، لحين ظهور الحقائق تدريجيا للناس من خلال كثرة تكرار الأخطاء والضعف في القرار الفردي وتخلي المقربين العاملين الناصحين ، فيكون قد خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين .اللهم بلغت .. اللهم فاشهد ..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فيديو مقال المؤسسات العلمائية الشرعية تحت المجهر (المعوقات والحلول) مقال: د. أسامة عبد الله

 

أضف تعليقك هنا