المرأة في ظل غياب قانون رادع أصبحت سلعة للاتجار بها وتعددت الأشكال والصور

آثار التعنيف ضد المرأة 

مع تزايد حالات العنف ضد المرأة وتعدد أنماط العنف الموجه ضدها ومصادره نجد اليوم الكثير من النساء اللاتي يواجهن عنفا نفسيا وجسديا واقتصاديا من قبل ذويهن او ازواجهن يلتزمن الصمت ويتبعن ما وجدن عليه سابقاتهن من الصبر والخضوع ولعل ذلك يعزى الى عدم وجود قانون رادع يحمي المرأة من اشكال التعنيف الموجهة ضدها إضافة الى غياب وضعف التوعية الاجتماعية والقانونية التي تحتاجها المرأة لتمكنها من الالمام بالطرائق والمواد القانونية التي تضمن حقوقها.

هنالك من يجد ان التعنيف لابد ان يكون تعنيفا جسديا لنطلق عليه مصطلح (التعنيف) ولكن في الحقيقية تتعدد اشكال التعنيف الموجهة ضد المرأة فتكون بأشكال شتى كالتعنيف الجسدي، التعنيف اللفظي، التعنيف الاجتماعي والتعنيف الاقتصادي، ونضيف الى ذلك كافة اشكال التمييز ضد المرأة (التمييز السلبي) في مجالات شتى كالعمل ومواقع صنع القرار و فرص التواجد والأنشطة المحددة للنساء والأهم من ذلك هو فرص ابداء الرأي حيث تتعلم الفتيات منذ الصغر على الصمت والخنوع و عدم الولوج في اية نقاشات او حوارات وربط ذلك الخنوع بكينونة الانوثة وفي الحقيقة هذا تعريف وتأطير للأنوثة بطريقة مشوهة يتم توريثها للأجيال جيل بعد اخر.

المرأة أصبحت سلعة للمتاجرة بها 

اما اليوم فقد أصبحت المرأة تواجه تحديا من نوع مختلف فبالإضافة الى التعنيف بكافة اشكاله والتمييز السلبي بكافة طرائقه تواجه النساء اليوم تحديا اخر وهو تسليعها حيث أصبحت المرأة كسلعة يتم الاتجار بها مع تعدد اشكال هذه التجارة وتوسعها يوما بعد يوم، فبعد العام 2003 استفحلت ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق وكان للنساء والأطفال حصة الأسد في هذه التجارة وفيما يلي سيتم مناقشة اشكال هذه التجارة التي تقوم في اغلب اشكالها على النساء والفتيات صغيرات السن وسيتم التطرق لأمثلة وتجارب حية لنساء عراقيات قاسين تجربة الاتجار بهن .

ما المقصود بالاتجار بالبشر؟

يُقصد بالاتجار بالبشر ووفقًا لبروتوكولات باليرمو “تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم، عن طريق التهديد بالقوة أو استخدامها أو غير ذلك من أشكال الإكراه، أو الاختطاف، أو الاحتيال، أو الخداع، أو إساءة استخدام السلطة أو وضع ضعف أو إعطاء أو تلقي مدفوعات أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر، بغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال بغاء الغير أو غيره من أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمات أو العبودية أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء.

أساليب وصور الاتجار بالبشر عامة والنساء خاصة

هناك العديد من أشكال الاتجار بالبشر حول العالم حيث يواجه العالم اليوم تحديًا كبيرًا في محاولته لمكافحة الاتجار بالبشر. اما في العراق فنحن نواجه الاتجار بالبشر والاستغلال البشري بأشكال وسبل مختلفة ولعل نسبة النساء والاطفال كانت النسبة الأكبر من بين ضحايا الاتجار بالبشر في العراق، حيث يتم بيع الأطفال وخاصة الفتيات واستعبادهم وتجنيدهم للتسول كما يتم استعباد النساء لأغراض جنسية، وعلاوة على ذلك يتم بيعهن كسلعة من سمسار لآخر، وأحيانا أخرى يتم سرقة الأعضاء البشرية بالرضا أو الإكراه بمقابل مادي وفي أحيان كثيرة يتم تقديم وعود مالية وفي نهاية المطاف لا تستلم الضحية أي بديل مالي.

انتشرت ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق بعد عام 2003، مما دفع مجلس النواب العراقي إلى تشريع قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012، وعلى الرغم من صدور هذا القانون، إلا أنه لم يأت بنتائج كافية حيث وضع القانون تعريفات للجرائم وعقوبات لها ولكن ما ساهم في استفحال ظاهرة الاتجار بالبشر هو ان الجهود لم تكن كافية لتفعيل وتطبيق هذا القانون بحزم، وبحسب التقارير انتشر الاتجار بالبشر في العراق وبلغ ذروته بين العامين الماضيين.

أوكــــــــار  الدعارة

تعتبر هذه الصورة من أخطر وأهم صور جرائم الإتجار بالبشر وأكثرها انتشارا، لما تحققه من ثروة كبيرة، واستمرارية السلعة المستعملة لفترة طويلة حسب وجهة نظر المتاجرين بها، تستهدف هذه الصورة الأطفال (ذكور وإناث) والفتيات والنساء. تعد تجارة الجنس في النساء والفتيات صغيرات السن من أكثر أنواع التجارة غير المشروعة سرعة في النمو حيث استفحلت هذه الظاهرة بدرجة كبيرة في السنوات الاخيرة عالميا ، فنجد العشرات من النساء والأطفال الذين يتم إغراءهم وترغيبهم لدخول عالم تجارة الجنس التسول.

هنالك شبكات دعارة متخصصة حيث تستخدم هذه الشبكات الأنماط الحديثة عبر الإنترنت لإيقاع الفتيات بإضافتهن على مواقع التواصل الاجتماعي ومن ثم الاقتراب منهن وتقديم وعود كاذبة كالحب والزواج، ويتم استدراجهن من خلال مطالبتهن بإرسال صور مخلة بهدف توريطهن في السلوك الجنسي، ثم تقوم هذه الخلايا بتهديد الفتيات وابتزازهن ومن ثم إجبارهن على العمل ضمن شبكات الدعارة الخاصة بهم.

فقد استفحلت ظاهرة الاتجار بالبشر تحت صورة “الدعارة ” في السنوات الأخيرة لدرجة كبيرة، ومما لا شك فيه فقد كان للحرب نتائجها حيث ان ضحايا الحروب والنزاعات وما لحق بها من فقر وبطالة وغياب لرب الاسرة المعيل من جهة  والعنف الاسري وغياب القوانين الرادعة التي تحمي وتحفظ حقوق المرأة من جهة أخرى جعل من المرأة فريسة سهلة يتصيدها تجار وسماسرة الدعارة، ولا بد من ان تبذل الجهات الحكومية المختصة ومنظمات المجتمع المدني جهدا اكبر لمعالجة هذه الظاهرة والقضاء عليها من خلال تفعيل القوانين الرادعة ومن بين اهم القوانين هو قانون العنف الاسري فلا يخفى عن الجميع بان كثير من حالات الاختفاء والهروب لعدد كبير من النساء والمراهقات كان بسبب تعرضهن للعنف الاسري وكان نتيجة هذا الهروب هو انخراطهن في شبكات الدعارة حيث اصبحن فريسة سهلة لسماسرة الاتجار بالبشر ،  ومن ناحية أخرى يتوجب على المعنيين والمهتمين بشؤون المرأة في الجهات الحكومية والمنظمات المدنية تقديم التوعية والإرشاد الكافي للفتيات والنساء بصورة عامة وتوفير الرعاية النفسية والتأهيل لضحايا هذا النوع من الاتجار بالبشر ومساعدتهم في محاولة الاندماج في المجتمع.

التــســــــــــول

يكاد لا يخفى عن الجميع مدى استفحال ظاهرة التسول في الدول النامية ومن بينها العراق، فيكفيك ان تقف في أحد التقاطعات لبضع دقائق لتجتذب عددا لا بأس به من المتسولين حولك فيخبرك أحدهم بانه يتيم الاب وتخبرك الأخرى بان والدها مقعد وهي المعيلة الوحيدة للعائلة وتضيف الأخرى بانها نازحة وليس لديها ما يسد رمقها، في ذاك الجزء من الرصيف تجد فتاة صغيرة بشعر ذهبي مبعثر تقف خجلا وهي تنتظر هبات المارة ، هنالك وفي وسط ضوضاء المركبات ومع بدأ غروب شمس النهار يشب شجارا بين فتاتين متسولتين ، يقف الجميع متفرجا ويحاول بعض زملائهم من المتسولين حل النزع وهنالك طفل صغير يقف على مقربة منهم مبتسما رغم مظهره الرث ووضعه المؤسف لكنه لايزال يبتسم ، فاحزر في قرارة ذاتي بان ذاك المشهد ليس غريبا عليهم وهم معتادون كثيرا على هذا النوع من الشجارات مع اقتراب موعد انتهاء عملهم النهاري في التسول ، فلعله شجارا حول اقتسام ما كسبوه في النهار من الاموال.

في تقاطع منطقة الصليخ وبعد تقاطع منطقة الشعب في بغداد حيث زحام السير وضوضاء المركبات، يتجمع عدد كبير من المتسولين في هذا التقاطع لكونه مكتظا بالسيارات التي تتوقف لدقائق طويلة بسبب تزاحم حركة السير وكثرة المركبات، لن تحتاج ان تبذل جهدا كبيرا لتأخذ بضع معلومات من أحد المتسولين فيبدو لي انهم غير اّبهين بالمرة بما سيحدث لهم ولعلهم يقولون لذواتهم وتخبرهم عقولهم الصغيرة السن “ما حصل لنا كان كافيا فما الذي سيحدث أكثر ”

  • (ك ر) فتاة في الثالثة عشر من العمر ترتدي جلبابا ذو قماش اسود مهترئ تخبرنا بانها تعمل وعدد من اخوتها كما وصفتهم في مجال التسول منذ ان كانت في الثامنة من العمر ” يتم ايقاظنا منذ بكرة الصباح لنعمل ويمنع علينا ان نتوقف او نأخذ استراحة فهنالك من يراقب سير عملنا، باستمرار، يطلب منا يوميا مبلغا محددا وفي حال لم نتمكن من تجميع ذلك المبلغ سيتم معاقبتنا حتما ” واختتمت كلامها ” الله يخليج لشبابج انطيني ألف مو جاوبت سؤالج!” وبعد سؤال الفتاة ذاتها عما إذا كانت تعمل ليلا في مجال اخر بعيدا عن التسول، رفضت الفتاة الإفصاح أكثر، فمما لا شك فيه فإن الكثير من الفتيات صغيرات السن ممن يعملن في التسول نهارا يمتهن الدعارة ليلا.
  • (ع ح) هي امرأة في الخمسين في العمر تفترش الارصفة قرب تقاطع مدينة الطب في العاصمة بغداد حيث تجبرها ابنتها وزوجها على الخروج للعمل في التسول.

الكثير من أولئك النسوة والفتيات اللاتي يعملن في مجال التسول في الحقيقة قد تعرضن لعنف أسري بطريقة أو بأخرى فتم اجبارهن من قبل ذويهن على امتهان التسول، او تم بيعهن من قبل ذويهن لشبكات تسول ودعارة والبعض تم اختطفاهن.

ما السبيل للتخلص من ظاهرة تعنيف المرأة؟

وهنا نجد ان العنف الاسري قد يكون سببا في نهاية حياة فتاة ويجر بها نحو مصير مجهول، قد يكون هذا المصير التسول او الدعارة او سرقة الأعضاء او الانتحار، فنحن اليوم نواجه تحديا كبيرا ونلتمس من الجهات المختصة الحكومية وغير الحكومية بذل مزيدا من الجهد لتفعيل قوانين تحمي المرأة والطفل وتجرم وتحاسب من يثبت تورطه في قضايا الاتجار بالبشر والتي ترتكز وبشكل أساسي على النساء كالتسول او الدعارة او بيع الأعضاء.

وختاما نهيب بالمهتمين والمختصين بشؤون المرأة وحقوق الانسان والطفل في الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الى ضرورة توحيد الجهود وتكثيفها والبدا بحملات جادة وفاعلة لمحاربة ظاهرة تسليع النساء وجعلهن سلعة للاتجار بالبشر “الدعارة والتسول” من خلال حملات التوعية وتفعيل وتطبيق القوانين الرادعة التي تحمي المرأة والاسرة والمجتمع بشكل عام.

فيديو مقال المرأة في ظل غياب قانون رادع أصبحت سلعة للاتجار بها وتعددت الأشكال والصور

 

أضف تعليقك هنا

مريم فؤاد

كاتبة مهتمة بشؤون المجتمع