عندما تغيب الشمس

يقولُ أحدهُم أن غياب الشمسِ هو غيابٌ للنشاط، فهي تُعطيه جرعةً من همةٍ لا حدود لها. ويقول آخرٌ أن غيابها بدايةٌ لاستيقاظ الذكريات المؤلمة التي تركد ساكنةً مع ضياء الشمس وتصحو بعد رحيلها، أما ثالثٌ فلا يرى فرقاً بين غروبها أو شروقها، فما غيابها إلا انتهاء لساعات النهار وولوج ساعات الليل، ليقوم بروتينه اليومي المُمل. ويأتي رابعٌ مُتيقناً أن غيابها منبهٌ لإتيان ساعات الراحة والاسترخاء بعد شقاء يوم طويل.

حال الناس مع غروب الشمس

ولغيرهم نظرتهم وفكرهم الخاص للشمس وغيابها. فهناك مَنْ يرى في غيابها مشكلة كبيرة إن قضى ساعات طويلة في عمله بعيداً عن عائلته التي تستحق منه ساعات نهارية تحت ضوء الشمس. وهناك من يعشق غيابها، فهي لحظات الرومانسية التي يعيشها مع من يحب أو يتمنى أن يكون معه. بينما في عالم التجارة والبورصة لا يهم غياب الشمس بقدر أهمية ارتفاع أسعار البورصة والمكاسب التي تجلبها ساعات النهار أو الليل.

هل تتغير نظرت الإنسان لغياب الشمس؟

وهذا لا يعني أن النظرة تثبت عند نقطة معينة أو تخص شخصاً دون الآخر. فكل النظرات السابقة قد تجتمع في الفرد في يوم واحد أو عبر الأيام أو الأشهر أو حتى السنوات. تتغير تبعاً لظروف الحياة بحلوها ومرها. أنا أحد أمثلة البشر الذين تغيرت رؤيتهم لغياب الشمس. أتذكر نفسي قبل عقدين من اليوم. لم أكن أرى في غيابها إلا ليلاً حزيناً ترافقه نغمات وكلمات الأغاني الحزينة التي كانت تفاقم شعوري بالألم والوحدة.

لم أكن أعلم أن القلب يتألم من تلك الكلمات باستحضاره الذكريات الأليمة التي لا تخلو حياةُ أي منا منها. لم أكن أدرك أن الأيام تتبدل لتتغير طريقة تفكيرنا عنها. تعلمت خلال السنوات المُنصرمة أن في شروق الشمس أملاً يحمل في طياته تصميمٌ على تطوير الذات والرقي بالعقل لتعلم خبرات جديدة تصقل من نظرتي للأمور كافة ليس فقط شروق الشمس أو غيابها. بات حزن الماضي في غيابها كالهباء المنثور، بل منحَ غيابها العقل والجسد راحة من ضغوطات ساعات النهار.

الشمس ودورها في تجديد الطاقة

ومما لا شك فيه أن أفكارنا هذه لم تأتِ من فراغٍ. بل توارثتها الأجيالُ جيلٌ تلو الآخر. ولم يقف أيُ جيل عند حدود التفكير وكأنها بصمةٌ تخص الشمس ولا يجوز التخلي عنها حتى وإن تنوعت واختلفت. لا شك أن أشعة الشمس الذهبية تعلن قدوم نهارٍ آخرٍ يمنح البشر كافة طاقة متجددة مهما كانت أجسادهم أو قلوبهم مُنهكة. والسؤال الآن…ماذا يعني لك غروب الشمس؟ وهل تعتقد أن نظرتك لغيرها من الأمور يقف عند محطةٍ ما؟

هل تتشابه أهداف البشر؟

أود أن أقول في هذا المقام أننا كبشرٌ خُلقنا لنختلف في رؤيتنا لجوانب الحياة المتنوعة، فأنا وأنت لا نتشابه في كثير من الأمور حتى وإن كانت أرواحنا متآلفةً. هناك من يرى في الألم أملاً يعلمه الإصرار على الشفاء والسير نحو أهدافه المنشودة، يردد في قلبه كلمات غاندي الأمل موجود دائماً، حتى في أشد اللحظات ضيقاً.

لتتحول إلى قاعدة راسخة في عقله. فلا يبكي على أطلال الأمس ولا يتمسك بلحظات الحزن والخسارة وكأن حياته برمتها توقفت عند ذلك الحد. يتفاءل بالنظر إلى النقطة البيضاء في صفحة أحزانه السوداء، يحاول أن يغير مسار تفكيره بالبحث عن بدائل وخططٍ يُرتب بها أولوياته المرجوة. وهناك من يرى في الماضي سواد اليوم والغد. يعمم تجاربه الأليمة على كل اللحظات. فتُعمى بصيرته عن رؤية لحظات الفرح التي يمر بها اليوم حتى أنه يخاف الفرح مترقباً ألماً وشيكاً.

العظماء وتحديهم لظروف الحياة

ولا يخفى على أحدنا عظماء غيروا نظرة العالم عنهم بإصرارهم على تحدي ظروف الحياة وذلك الظلم الذي التهم شبابهم. أولئك الذي رسموا المستقبل بأيديهم عندما غيروا نظرتهم للأمور. كان غاندي يُؤمن بأنّ اللا عنف ليس ضعفاً أو عجزاً، لذا غيرَ سياسة العنف إلى التعامل السلمي. حيث قام بالدفاع عن الهنودِ الذين يعملون في الشركات البريطانيّة في جنوب أفريقيا بطريقة سلميّة.

وحتى يومنا هذا يقتدي العالم بكل ما قاله ((إننا سوف نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصومنا، ولكن بمقدار ما نقتل في نفوسنا الرغبة في القتل)). فهو من اعتبر أن قتل الرغبة في القتل أهم مفتاح لكسب الخصم. ولا ننسى تغيير ابن النفيس نظرة العالم عن الدورة الدموية عندما أثبت بدراساته الدؤوبة كيفيّة انتقال الدم بين القلب والرئتين بصورة صحيحة مكّنته من دحض تصورات الطبيب والفيلسوف اليوناني جالينوس فيما يخصّ هذه القضيّة.

أين أنت الآن في نظرتك للأمور ولغروب الشمس؟

وإذا عدتُ بك للنظرة عن غياب الشمس وحاولتُ وإياك اكتشاف العلاقة بينها وبين تغيير النظرة لكثير من أمورنا الحياتية. نكتشف أننا نعيش في عالم استمراري متغيرٍ لا تتجزأ فيه الأمور، ولا تثبت عند نقطة معينة، بل وتتغير مع مرور الوقت كتغير أشكالنا وتبدل مشاعرنا بنضج عقولنا التي تتعلم كل يوم من تجاربها السابقة.

كُن شعلةً لا تعرف الانطفاء مهما جرت الظروف… كُن متوهجاً أينما وحيثما كنت…

ختاماً لتلك الكلمات البسيطة أسألك مرةً أخرى؟ أين أنت الآن في نظرتك للأمور ولغروب الشمس؟ وأخيراً أوجه لك نصيحة أرددها لنفسي بين الحين والآخر كلما استسلمت للحزن ولغروب الشمس الحزين

فيديو مقال عندما تغيب الشمس

 

أضف تعليقك هنا