أنماط الغلو والتطرف في الميزان

بقلم: فايز عواض السعيدي

بدأ الغلو في الأمم السابقة ، وذلك في قوم نوح عليه السلام ، عندما غلو في الصالحين ، حتى جعلوا لهم تصاويراً وأصناما ، وعبدوهم من دون الله ، وكذلك اليهود والنصارى غلو في دينهم ، ولذلك حذرهم الله من الغلو فقال تعالى :”قل يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم غير الحق ” سورة النساء ١٧١ .

أسباب هلاك الأمم السابقة

وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الغلو ، مبينا أنه سبب هلاك الأمم السابقة ، عندما أمر ابن عباس -رضي الله عنه- بجمع الحصى وكانت من حصى الخذف ، فقال :”نعم بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين” أخرجه النسائي (3057)، وابن ماجه (3029)، وأحمد (1851) واللفظ له.

متى وقع الغلو؟

وقد وقع الغلو في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، عندما طعن ذو الخويصرة لقسمة النبي صلى الله عليه وسلم في تقسيم الغنائم، وقال عنه صلى الله عليه وسلم :” إن من هذا قوماً يقرؤون القرآن ، لا يجاوز حناجرهم ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون اهل الاوثان”. وكذلك الثلاثة رهطٍ الذين تقالوا عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ” رواه البخاري (٥٠٦٣).

هل يتكرر الغلو في كل زمان؟

وهكذا يتكرر الغلو في كل زمان ، حتى وقتنا الحاضر ، فقد ظهر الغلاة من الخوارج، والرافضة، والصوفية، والمعتزلة، وغيرهم.
وقد وقع الغلو في : العقائد كما حصل في الأولياء والصالحين، والتوسل ، والتبرك، وتكفير الحكام ، وغير ذلك. ووقع كذلك في العبادات من زيادة في الصلاة والصيام والحج ، وغيرها من العبادات ، مما أدى إلى إحداث بدع ما أنزل الله بها من سلطان.

أسباب ظاهرة الغلو

ومن أسباب ظاهره الغلو: الجهل بالكتاب والسنة ، ومنهج السلف الصالح ، والإعراض عن العلماء، وإتباع المتشابه وترك المحكم، وعدم الجمع بين الأدلة ، ولمعرفة الغلو : لابد من تحديد مرجع يرجع إليه الجميع ، في تحديد الغلو ، فالبعض يرى التمسك بالدين غلو ، ويريد التساهل وتمييع الدين ، ويسميه بالتطرف الديني .

المرجع في تحديد الغلو

والحقيقة أن المرجع في تحديد الغلو هو : الكتاب والسنة ، ومنهج السلف الصالح ، فالدين وسط لا إفراط فيه ولا تفريط ، ونصوص الشريعة وضعت لكلمة الغلو معناها. وعند الحكم على عمل من الأعمال ، أو قول من الأقوال ، بأنه من مظاهر الغلو لابد من النظر في النصوص ، وكذلك في الحكم على الغالي أنه غلا، وتحديد سبل التعامل معه ، لا بد من الرجوع إلى الشرع المطهر ، وأن يتولى معالجة هذه المشكلة العلماء العارفين، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ”

علاج ظاهرة الغلو

و يكون علاج هذه الظاهرة: في الإعتصام بكتاب الله ، وسنه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومنهج السلف ، ونشر مذهب أهل السنة والجماعة ، وبيان وسطية الإسلام، بلا تفريط ولا إفراط ، والإيمان بالمتشابه والعمل بالمحكم ، وطلب العلم الشرعي ، والتلقي على العلماء ورعاية حقوقهم ، وتوحيد الصف وإجتماع الكلمة ، وطاعة ولي الأمر ، والتعامل مع الغلاة يكون بالحوار ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكشف الشبهات والرد عليها.

فقد سطر السلف أروع الأمثلة في التعامل مع الغلاة ، ومنها : مناظرة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- للخوارج. ومناظرة عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- للخوارج ، وقد استجاب له عشرون ألف ورجعوا إلى الحق ، وبقي منهم أربعة ألاف وقتلوا ، وكذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عند معاقبة صبيغ ابن عسل وأمر بهجره .وهناك جملة من المؤلفات والرد على الغلاة منها: “الرد على الزنادقة” للإمام أحمد ابن حنبل، و “الرد على الجهميه” للإمام ابن أبي حاتم المروزي و “الرد على من يقول بخلق القران ” للإمام قتيبه ، و “منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية ” لشيخ الإسلام ابن تيميه.

وسائل الاحتساب في الوقت الحاضر

ومن وسائل الاحتساب في الوقت الحاضر: النصح والتوجيه، وإقامة الندوات والمحاضرات ، والتعريف بالدين الحق ، الذي أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم بلا إفراط ولا تفريط ، وتوظيف وسائل التواصل في توصيل رسالة للمجتمع ، بأن الدين الحق لا غلو فيه ولاتطرف، وتوضيح ما هو الغلو التحذير منه.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

بقلم: فايز عواض السعيدي

 

أضف تعليقك هنا