بُقعة حِبر

بقلم: باسل راتب أبو ستة

هل فقد رامي شغفه بالمدرسة بعد طرده منها؟

كان يصرخ ويركض بين ممرات مدرسته، ويتحسس بيده الصغيرة نوافذ صفوفها، فاستيقظ من نومه فأدرك أنه حلم لا إلا، رامي طفل صغير في مقتبل عمره، صفعه المعلم ذات يوم على وجهه و قال له : أذهب إلى غرفة المدير وأخبره أنك الطالب الأغبى في هذه المدرسة، وبالفعل ذهب رامي و دموعه الحارة على خده، لم ينس كم كانت قاسية، كيف لا وقد خرج من المدرسة بعد هذه الواقعة مباشرة، توالت إخفاقاته الدراسية عاماً بعد عام، هذا ما أدى في نهاية المطاف إلى خروجه من المدرسة، لم يكن غبياً قط، بل وقع ضحية أسلوب تدريسي تقليدي لا يُراعى به الفروق الفردية بين الطلاب، كما أن المعلم كان جباراً بقوله وفعله، هذا ما زرع النفور في قلبه اتجاه مدرسته، (إن لم يشعر الطالب بالأمان في مدرسته فمن الطبيعي أن يبتكر حيل للهروب والانحراف عن المجال الدراسي والتعليمي) وبالتالي انعدام الدافعية لديه للتعلم وضعف تحصيله الدراسي، وبعد سنوات طويلة بقيت فكرة العودة إلى المدرسة بمثابة حلم يتوق رامي إلى تحقيقه، حتى أنه بات يحلم كل ليلة ويرى نفسه قد عاد لمدرسته و كأنه يتحسس أبواب ونوافذ صفوف المدرسة ودموعه تذرف حارة على خده، لكن هيهات هيهات قد مرت السنوات و توالت الأيام فهل لقطار التعلم من عودة ؟! ولأن التعلم عبادة و من خرج من بلاده يبتغي علماً نافعاً فهو في سبيل الله حتى يرجع، فقد سهل الله طريق العلم لمن أبتغى علماً.

عودة رامي إلى المدرسة بعد سنوات

وبفضل الله رجع رامي إلى مدرسة خاصة انشأتها وزارة التربية والتعليم، هذه المدرسة تستهدف من فاتهم قطار التعلم و تحتضن أحلامهم المشتتة، كانت هذه المدرسة الصغيرة المتواضعة بيته الثاني وكان المعلم بمثابة الأب الروحي له، عشق الدراسة و مزق ثوبه القديم و طوى به ذكرياته المؤلمة، وأخذ قاربه وبدأ رحلته، أجتهد بدروسه، وبدأ يضع النقط على الحروف بالشكل الصحيح، نجح وحقق ما كان يحلم به، ثم دخل الثانوية العامة وكانت هذه نقلة نوعية وفارقة في حياته و نجح في الثانوية العامة، رغم أنه أنقطع عن مقاعد الدراسة لسنوات طويلة إلا أنه نجح بفضل ربه ثم فضل جهده، كان ساهر الليل، لا يقصر في دروسه، يقدر العلم والتعلم،

كيف تخطى رامي الجامعة؟

دخل الجامعة و كان هذا حدث تاريخي له، حتى أن أحد أقاربه قال له: أنت يا رامي أصبحت طالب جامعي !!! هذا شيء عجيب. !!! دخل الجامعة و أختار أن يتخصص في مجال التدريس ويصبح معلماً، كان رامي فقيراً وهذا كان عائقاً كبيراً في طريقه، لكنه لم ينس أنه في سبيل ربه، فضرب نموذج للطالب المجتهد، وبدأ يجد و يسهر الليل، ويصارع نفسه من أجل بلوغ الهدف، وكانت بقعة الحبر التي انسكبت من القلم على سرواله رمزاً للطالب المثقف المُجد في دروسه الذي يعيش حياته المتواضعة، وفي يوم كانت السماء فيه ملبدة بالغيوم قال له موظف شؤون الطلبة بالجامعة : أنت نعم أنت هل اسمك رامي ؟ نعم أنا رامي . أنت معدلك 96.١ وبهذا المعدل أنت أصبحت الأول على الجامعة ، ضحك رامي و أخرج قطعة حلوى من جيبه وأعطاها لموظف شؤون الطلبة حلواناً له على هذه البشارة، ” يا الله كيف لطفل كان عاطل عن الدراسة لفترة طويلة من الزمن وقول المعلم له أنه الأغبى على الإطلاق أن يكون بهذه الحال اليوم ؟! ” خرج رامي عائداً إلى بيته، وفي الطريق رأى ذلك الحجر الذي كان يجلس عليه عندما كان يهرب من مدرسته قبل فترة من الزمن، جلس على الحجر ذاته و بدأت السماء تمطر واختلطت قطرات المطر بدموع فرحة نجاحه.

هل للمعلم دور في دفع الطالب لطلب العلم؟

هذه قصة واقعية وهي نموذج من عشرات القصص، حيث أن المشكلة الكبرى هي في النظام التقليدي في معظم مدارسنا، وإضافة إلى ذلك أعداد الطلاب الكبيرة في الصف الواحد، هذا ما يقف عائقاً في وجهه عملية الإبداع والابتكار بمراحلها المختلفة، ويؤثر بشكل مباشر على دافعية التعلم للطالب و يؤثر على تحصيله الدراسي حيث أن تحصيل الطلاب سيكون أعلى و تعلمهم أفضل كلما اشتدت رغبتهم في الدراسة وارتفعت دافعيتهم نحوها ولا شك أنه إذا قلت رغبة الطلاب في التحصيل والدراسة انخفضا دافعيتهم نحوها، وعلى المعلم أن يكون رؤوف حليم على تلاميذه وأن يحسسهم بالأمن داخل أسوار المدرسة ولا سيما في المرحلة الابتدائية .

من سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ ، حتَّى الحيتانِ في الماءِ ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ

بقلم: باسل راتب أبو ستة

 

أضف تعليقك هنا