عصر نهضة ميجي وبناء دولة اليابان الحديثة من منظور مغربي 1868-1912

بقلم: محمود شرقي عيساوي

أثار التحدي الغربي الحديث العديد من التساؤلات وفتح مجالا واسعا أمام أنواع الآراء والاجتهادات داخل البلدان التي تعرضت للهجوم الغربي العنيف والمنظم خلال القرن التاسع عشر. كما شكل هذا التحدي صدمة حقيقية للذات من خلال الحملات التي اكتوت بنارها العديد من الأقطار العالمية كمصر والشام أثناء حملة نابليون أو اليابان في فترة ما يسمى بالسفن السوداء للكومودور بيري Perry سنة 1853، أو الصين من خلال حرب الأفيون.

ما هو سبب تميز عصر ميجي؟

وكذا المغرب من خلال معركتي ايسلي وتطوان. فكان ذلك في حالة المغرب باعثا للتفكير والتدبير في نوازل تحديثية مستجدة وعلى البحث في أسباب الغمة والتأسيس لمطلب الإصلاح، واللحاق بالغالب، وبإدراك أسباب تمدنه وقوته، وبالتأثيث المناسب للفعل التحديثي بطرق وأساليب معينة.

  • فبما يا ترى تميز عصر ميجي؟
  • ماهي مقومات النهضة اليابانية الحديثة؟
  • كيف استطاع اليابانيون بناء دولتهم والمضي قدما في طريق التحديث دون أن يفقدوا هويتهم الثقافية؟
  • عرفت اليابان والمغرب تحديات خارجية، متشابهة دفعتهما إلى إرسال بعثات تعليمية إلى دول الغرب الرأسمالي لتوظيف نتائجها في عملية الإصلاح الداخلي والتنمية، نجحت المحاولة اليابانية وفشلت مثيلتها المغربية، فما السبب إذن؟
  • هل نتيجة للبنية المجتمعية المختلفة في المجتمعين ؟
  • أم نتيجة البنية الذهنية ودور المدرسة والنموذج التعليمي في كلا البلدين؟

اليابانيين وانفتاحهم على الغرب

إن اليابانيين تواضعوا عندما قرروا الانفتاح على الغرب الذي انتصر عليهم، ومن هنا أتت فكرة ارسال البعثات إلى الولايات المتحدة وأوروبا لأخد عناصر القوة، الغريب في الأمر وربما هذا من الاشكالات التي تفسر الفرق بين المغرب واليابان من مآل البعثات التعليمية فهم المغاربة في إطار ما سمي بنظرية الاستعداد بعد معركة ايسلي وتطوان والضغوط التي تعرض لها المغرب خلال تلك الفترة أن الغرب قوه عسكرية وكفى، وهي فرضية خاطئة رغم أن الصفار في رحلته الى فرنسا تحدث عنها وعن مؤسساتها في مختلف أصناف المعرفة وليس فقط في القوة العسكرية.

لكن المخزن عندما أراد أن يؤسس التحديث من خلال البعثات نجد ان أغلبية المتعلمين الذين ذهبوا إلى جبل طارق وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وحتى امريكا تخصصوا في الجوانب العسكرية، لا نجد طالبا تخصص في العلوم السياسية أو في العلوم التقنية حتى الذين اشتغلوا في دار الماكينة بفاس التي تعد أبرز مؤسسة احتضنت اولائك الطلبة أغلبية تخصصاتهم كانت عسكرية، فمحمد الكعاب الشرغي  ترك مجموعة من التصاميم في الجانب العسكري ومحمد الكباص الذي تولى منصب وزارة الحربية كان تخصصه عسكري، وحتى الزبير سكيرج الذي تتلمذ في بريطانيا وكان نابغة من النوابغ كان تخصصه أيضاً عسكريا.

تخصصات المتعلمين اليابانيين

فعندما نضع المقابلة ونتحدث عن المئات من المتعلمين اليابانيين نجد أنهم تخصصوا في العلوم السياسية وفي الفلسفة وفي العلوم العسكرية والعلوم الدستورية وحتى في الفن والنحت،  فبالتالي فهموا الغرب على حقيقته وكان ردهم عليه ردا معقولا، وهذا يجعلنا أمام إشكالين:

  • ماذا كان يريد المخزن من هذه البعثات؟
  • هل كان يريد إحداث تحديث داخل المجتمع؟ أم كان يريد إحداث إصلاح بعض الثقوب التي كان يعاني منها على المستوى العسكري وتكوين بعض الطلبة المتعلمين لملء تلك الثقوب؟

النظام الذي ساد في اليابان؟

من جانب آخر اليابانيون عندما أسقطوا نظام التوكوغاوا سنة 1867م عملت الأسر الإقطاعية المتنفذة شوشو وساتسوما وهيزن على تغيير النسق الذي كان سائدا في اليابان والإطاحة بنظام التوكوجاوا وإقامة نظام جديد، وهذا النظام جاء شبيها بقرارات الثورة الفرنسية، فنجد أنها أرجعت السلطة إلى الإمبراطور ميجي وحل طبقة الساموراي التي كانت طبقه مهمة داخل المجتمع بمعنى إلغائها، وطرحوا أن الوسيلة الأساسية للترقي الاجتماعي هو التعليم.

وأن لا تكون هناك فوارق داخل المجتمع الياباني والفرق الوحيد هو على مستوى الكفاءة والتعليم، وبالتالي لا عجب أن نلاحظ أولئك اليابانيين الذين تسابقوا على الجامعات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية، من أجل الانفتاح على الخارج وامتلاك الداخل، وهم الذين سيمتلكون ناصية مخارج الدولة في اليابان وهم الذيـن سيؤسسون أول دستور في البلاد سنة 1889م.

أسباب فشل البعثات المغربية

فبالنسبة للمغرب عندما نتحدث عن أولئك المتعلمين كالزبير سكيرج، فجاء إختياره ضمن بعثة 1874م خوفا عليه من التجنيد الاجباري الذي كان سيتخذه المغرب آنذاك، ولعل أهم عنصر يفسر بعض عناصر فشل البعثات المغربية هوغياب مدرسة حقيقية في المغرب والدليل على ذلك تلك الرسائل التي كانت ترد على السلطان الحسن الأول، بأن أولئك الطلبة كان يستقرون سنة او سنتين ويتم إرجاعهم إلى المغرب، وفي ختام الرسائل ترد عبارةقابليتهم للتعلم وهذا إشكال لا يتعلق بالمتعلمين بل يتعلق بالدولة لأننا لا نتوفر على مدرسة وطنية في هذه الفترة  تعفي المخزن من عملية الانتقاء .

اما بالنسبة لليابانيين فإنهم كانوا يمتلكون مؤسسات خاصة تشرف على تلك العملية وكان هناك نوع من التنافس داخل المقاطعات اليابانية .

كانت منطلقات المخزن معتلة لم يتم فهم الغرب على حقيقته فجاءت النتيجة عكسية عندما لم يدمج هؤلاء المتعلمون ضمن تخصصاتهم، فمحمد بن النجار ذهب للدراسة في ألمانيا وكان مهندسا عسكريا، نجد أن الوثائق تتحدث بأنه اشتغل في الفلاحة في آخر أيامه وهو الذي قال قولته الشهيرة “النْصٓارٓى يْعٓلْمُوا العٓقْل والمٓسلْمين  يْحٓفِيوْهْ” وهذا يشير إلى أزمة العقلانية المخزنية .

الثقوب المجتمعية

إذن نحن أمام مقدمات متباينة أدت إلى نتائج مختلفة، مقدمات على المستوى السياسي وعلى المستوى التربوي وعلى المستوى الاجتماعي، بل حتى المجتمع في المغرب لم يكن يحتمل أن يؤسس المغرب حداتثه وتحديثه، وبالتالي نحن امام ثقوب مجتمعية متعددة لا يمكنها أن تسعفنا في تحقيق التحديث من وراء إرسال هذه البعثات التعليمية إلى الغرب. قد نفشل أحيانا في إنجاز إصلاحات بنيوية تعيق التنمية المنشودة، لكن المحاولة تبقى مع ذلك نقطة مضيئة في تاريخ ذاكرتنا.

ستظل صورة الزبير سكيرج ومحمد بن الكعاب والطاهر الأوديي ومحمد بن النجار والحسين الزعري وأحمد العيدوني شاهدة على إمكانية نجاحنا في معركة التحدي الحضاري إن توفرت لأفراد مجتمعنا في المغرب كما في العالم العربي والإسلامي، المقدمات السليمة ذات النجاعة والفعالية التنموية.

بقلم: محمود شرقي عيساوي

 

أضف تعليقك هنا