أثار التحدي الغربي الحديث العديد من التساؤلات وفتح مجالا واسعا أمام أنواع الآراء والاجتهادات داخل البلدان التي تعرضت للهجوم الغربي العنيف والمنظم خلال القرن التاسع عشر. كما شكل هذا التحدي صدمة حقيقية للذات من خلال الحملات التي اكتوت بنارها العديد من الأقطار العالمية كمصر والشام أثناء حملة نابليون أو اليابان في فترة ما يسمى بالسفن السوداء للكومودور بيري Perry سنة 1853، أو الصين من خلال حرب الأفيون.
وكذا المغرب من خلال معركتي ايسلي وتطوان. فكان ذلك في حالة المغرب باعثا للتفكير والتدبير في نوازل تحديثية مستجدة وعلى البحث في أسباب الغمة والتأسيس لمطلب الإصلاح، واللحاق بالغالب، وبإدراك أسباب تمدنه وقوته، وبالتأثيث المناسب للفعل التحديثي بطرق وأساليب معينة.
إن اليابانيين تواضعوا عندما قرروا الانفتاح على الغرب الذي انتصر عليهم، ومن هنا أتت فكرة ارسال البعثات إلى الولايات المتحدة وأوروبا لأخد عناصر القوة، الغريب في الأمر وربما هذا من الاشكالات التي تفسر الفرق بين المغرب واليابان من مآل البعثات التعليمية فهم المغاربة في إطار ما سمي بنظرية الاستعداد بعد معركة ايسلي وتطوان والضغوط التي تعرض لها المغرب خلال تلك الفترة أن الغرب قوه عسكرية وكفى، وهي فرضية خاطئة رغم أن الصفار في رحلته الى فرنسا تحدث عنها وعن مؤسساتها في مختلف أصناف المعرفة وليس فقط في القوة العسكرية.
لكن المخزن عندما أراد أن يؤسس التحديث من خلال البعثات نجد ان أغلبية المتعلمين الذين ذهبوا إلى جبل طارق وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وحتى امريكا تخصصوا في الجوانب العسكرية، لا نجد طالبا تخصص في العلوم السياسية أو في العلوم التقنية حتى الذين اشتغلوا في دار الماكينة بفاس التي تعد أبرز مؤسسة احتضنت اولائك الطلبة أغلبية تخصصاتهم كانت عسكرية، فمحمد الكعاب الشرغي ترك مجموعة من التصاميم في الجانب العسكري ومحمد الكباص الذي تولى منصب وزارة الحربية كان تخصصه عسكري، وحتى الزبير سكيرج الذي تتلمذ في بريطانيا وكان نابغة من النوابغ كان تخصصه أيضاً عسكريا.
فعندما نضع المقابلة ونتحدث عن المئات من المتعلمين اليابانيين نجد أنهم تخصصوا في العلوم السياسية وفي الفلسفة وفي العلوم العسكرية والعلوم الدستورية وحتى في الفن والنحت، فبالتالي فهموا الغرب على حقيقته وكان ردهم عليه ردا معقولا، وهذا يجعلنا أمام إشكالين:
من جانب آخر اليابانيون عندما أسقطوا نظام التوكوغاوا سنة 1867م عملت الأسر الإقطاعية المتنفذة شوشو وساتسوما وهيزن على تغيير النسق الذي كان سائدا في اليابان والإطاحة بنظام التوكوجاوا وإقامة نظام جديد، وهذا النظام جاء شبيها بقرارات الثورة الفرنسية، فنجد أنها أرجعت السلطة إلى الإمبراطور ميجي وحل طبقة الساموراي التي كانت طبقه مهمة داخل المجتمع بمعنى إلغائها، وطرحوا أن الوسيلة الأساسية للترقي الاجتماعي هو التعليم.
وأن لا تكون هناك فوارق داخل المجتمع الياباني والفرق الوحيد هو على مستوى الكفاءة والتعليم، وبالتالي لا عجب أن نلاحظ أولئك اليابانيين الذين تسابقوا على الجامعات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية، من أجل الانفتاح على الخارج وامتلاك الداخل، وهم الذين سيمتلكون ناصية مخارج الدولة في اليابان وهم الذيـن سيؤسسون أول دستور في البلاد سنة 1889م.
فبالنسبة للمغرب عندما نتحدث عن أولئك المتعلمين كالزبير سكيرج، فجاء إختياره ضمن بعثة 1874م خوفا عليه من التجنيد الاجباري الذي كان سيتخذه المغرب آنذاك، ولعل أهم عنصر يفسر بعض عناصر فشل البعثات المغربية هوغياب مدرسة حقيقية في المغرب والدليل على ذلك تلك الرسائل التي كانت ترد على السلطان الحسن الأول، بأن أولئك الطلبة كان يستقرون سنة او سنتين ويتم إرجاعهم إلى المغرب، وفي ختام الرسائل ترد عبارةقابليتهم للتعلم وهذا إشكال لا يتعلق بالمتعلمين بل يتعلق بالدولة لأننا لا نتوفر على مدرسة وطنية في هذه الفترة تعفي المخزن من عملية الانتقاء .
اما بالنسبة لليابانيين فإنهم كانوا يمتلكون مؤسسات خاصة تشرف على تلك العملية وكان هناك نوع من التنافس داخل المقاطعات اليابانية .
كانت منطلقات المخزن معتلة لم يتم فهم الغرب على حقيقته فجاءت النتيجة عكسية عندما لم يدمج هؤلاء المتعلمون ضمن تخصصاتهم، فمحمد بن النجار ذهب للدراسة في ألمانيا وكان مهندسا عسكريا، نجد أن الوثائق تتحدث بأنه اشتغل في الفلاحة في آخر أيامه وهو الذي قال قولته الشهيرة “النْصٓارٓى يْعٓلْمُوا العٓقْل والمٓسلْمين يْحٓفِيوْهْ” وهذا يشير إلى أزمة العقلانية المخزنية .
إذن نحن أمام مقدمات متباينة أدت إلى نتائج مختلفة، مقدمات على المستوى السياسي وعلى المستوى التربوي وعلى المستوى الاجتماعي، بل حتى المجتمع في المغرب لم يكن يحتمل أن يؤسس المغرب حداتثه وتحديثه، وبالتالي نحن امام ثقوب مجتمعية متعددة لا يمكنها أن تسعفنا في تحقيق التحديث من وراء إرسال هذه البعثات التعليمية إلى الغرب. قد نفشل أحيانا في إنجاز إصلاحات بنيوية تعيق التنمية المنشودة، لكن المحاولة تبقى مع ذلك نقطة مضيئة في تاريخ ذاكرتنا.
ستظل صورة الزبير سكيرج ومحمد بن الكعاب والطاهر الأوديي ومحمد بن النجار والحسين الزعري وأحمد العيدوني شاهدة على إمكانية نجاحنا في معركة التحدي الحضاري إن توفرت لأفراد مجتمعنا في المغرب كما في العالم العربي والإسلامي، المقدمات السليمة ذات النجاعة والفعالية التنموية.
بقلم: محسن العويسي (الحب الصامت يأتي بهدوءً قاتل ويذهب بجُرحٍ عميق) ومابين غسق الليل ونور… اقرأ المزيد
بقلم : قاسم الجهني يشهد العالم في الوقت الحالي ثورة تكنولوجية عظيمة، والتي صاحبها انتشار… اقرأ المزيد
بقلم: إبراهيم جلال أحمد فضلون تمثل الصيغة النموذجية لوثيقة تأمين المسؤولية المهنية لجهات تفتيش أعمال… اقرأ المزيد
بقلم: المستشارة زهراء التميمي إن أبعاد طوائف الأقليات عن الساحة السياسية والسلطة الحاكمة يمكن أن… اقرأ المزيد
بقلم: عادل عبد الستار العيلة شاء القدر اليوم أن أقرأ تلك السطور التاليه (لا اعرف… اقرأ المزيد
في عصر التكنولوجيا الحديثه والتطور الرهيب الذي نشهده في جميع القطاعات,تعد البرمجة أحد أهم المجالات… اقرأ المزيد