لماذا قد يصاب أحدنا بالاضطراب النفسي؟..المنشأ الفعلي للمرض النفسي

بقلم: محمد منير حمدان

ما أسباب الاضطرابات النفسية؟

هناك دوماً سبب و في عقر السبب ألف سبب، تلك حكمة الله في الحياة ،و تتجلى حكمته في النفس البشرية و تعقيداتها التي ما زالت محل جدل بين العلماء حتى اليوم ،فالإنسان درس كل شيء تقريباً و إن كان علمه ما زال فقيراً لكنه اتخذ إجراءً فعلياً منذ قديم الزمان نحو كل الأشياء من حوله ،لكنه نسي أن يدرس نفسه ،ولذلك نشأ علم النفس متأخراً منذ حوالي مئتي سنة تقريباً ،و لهذا فعلم النفس ما زال طفلاً وليداً إذا قورن بغيره من العلوم ،و ما زالت الأغلبية العظمى من الناس لا تفهم علم النفس حق الفهم رغم توافر كافة وسائل البحث الإلكترونية و لعل من أهم أسباب المفاهيم الخاطئة لدى عامة الناس هو الإعلام و بالأخص السينما ،السينما التي كانت حتى فترة متأخرة تعرض المريض النفسي على أنه ممسوس أو معتوه مما يضع المريض النفسي في مفارقات كوميدية تجعله أداة للسخرية ،فكيف يعلم الناس أن هذا المريض المسكين يتلظى ألماً بينما المجتمع من حوله لا يأخذ الأمر على محمل الجد .سأحاول أن أتحدث جدياً  عن السبب الفعلي للإضطراب النفسي ،ليس سبباً واحداً ، بل عدة أسباب ،سأقوم بعرضها ثم أعرض وجهة نظري في الأمر . وهذه الأسباب هي :

1) الأسرة:

هناك طفل عاملته أسرته بدلال و حين كبر أصبح شخصية اعتمادية لا يستطيع اتخاذ القرار بمفرده ،فيضيق زرعاً لأنه لا يعرف كيف يتخلى عن أسرته و يتعمد على نفسه و تزيد المشكلة حين تفاجئه الأسرة بأنه قد كبر و يجب أن يعتمد على نفسه ،في  هذه الحالة قد يصاب بالإكتئاب لأنه لم يستطع أن يتوائم مع الوضع الجديد الذي فُرض عليه أو قد يصاب بالرهاب الاجتماعي و يأتي ذلك في صورة

تجنب للمناسبات الإجتماعية كالأفراج و التجمعات العائلية ،لأن لدية وساوس حول كونه فاشلاً ، أما النوع الأخر من الأطفال فهو الذي عومل في صغره بقسوة ،في الغالب يضربه الأب كثيراً و لأتفه الأسباب و في حالات أخرى تقوم الأسرة بنقده و مقارنته بغيره و لهذا تولد لديه حساسية شديدة للنقد ،لأن النقد ارتبط لديه بشيء سلبي ،و حين يبلغ سن الرشد قد يفاجئ بأنه أصبح عدواني دون سبب ،قد يصبح واثقاً من نفسه لدرجة التبجح أو على النقيض تماماً قد يصبح خائفاً مرتعباً من مواجهة أي شيء جديد ،و ما قلته حول الأسرة لا يعد شيئاً ثابتاً بل كل تلك الأسباب أحياناً ما تنتج إنساناً سوياً يستطيع مواجهة المجتمع بكفاءة و تلك حالات نادرة ،المهم أن ما يبدو أنه بسيطاً بالنسبة للآباء حول تربية أطفالهم هو في الحقيقة سبباً فعلياً للإضطراب النفسي .

 2) الاستعداد الجيني (الوراثي) :

قد تكون الجينات هي السبب في إصابة شخص دون غيره من الناس ،فإذا أصيب أحد الآباء بالفصام مثلاً تزداد احتمالية إصابة الأبناء بذلك عن غيرهم من الناس ،و لأوضح أكثر ،فالمرض لا يورث و لكن الذي يورث هو التهيئة للمرض و الاستعداد له ،فمثلاً إذا كان لدينا شخصين يعانيان من الضغوط الحياتية ،أحد هذين الشخصين والده مصاب بالفصام ،فإن نسبة إصابة هذا الشخص بالفصام تزاد عن الشخص الأخر ،و لكن هل هذا معناه أن الاضطرابات النفسية تورث بشكل جازم ؟ ..لا ..حيث أوضحت دراسات كثيرة أن الأمر نسبي ،فإذا أصيب أحد الوالدين بالفصام فإن نسبة إصابة الأبناء تكون 16.4 % ،أما إذا أصيب أحد التوائم فإن نسبة الإنتقال للأخ الأخر 10% ،و من هنا لا يمكن الجزم بأن الوراثة هي العامل الوحيد المسبب لإنتقال المرض النفسي .

3) الشخصية:

تبرز سمات شخصية الإنسان في مرحلة المراهقة ثم تتجلى في سن الرشد أي بعد الانتهاء من الدراسة الجامعية ،و الشخصية تكون نتاج خبرات الإنسان من البيئة و الموروث الأسري و الجيني ،و لكن كيف تكون الشخصية سبباً في الإصابة بالإضطراب النفسي ،أولا هناك أنماط كثيرة من الشخصية نذكر منها ،اضطراب الشخصية البارنويدية Paranoid وهو شخص شكاك و يشعر طوال الوقت بعدم الأمان و يأخذ كلام الناس بشكل شخصي مع صعوبة الثقة بالأخرين ،و لقد سُمي بالبارانويدية لأنه يحمل كثيراً من سمات مريض البارانويا وهو أحد أنواع الفصام ،نمط أخر من أنماط الشخصيات و هو الشخصية الحدية Borderline و تكثر بين النساء حيث تتميز بالإندفاعية و سرعة التحول المزاجي و الشعور الدائم بالخوف من ابتعاد الأصدقاء ،نوع أخر من الشخصيات و هو الشخصية التجنبية Avoident  و هو شخص منشغل بتصورات الناس عنه ،منسحب ،يشعر بالقلق الشديد في المواقف الإجتماعية لخوفه من النقد و الإحراج ،المهم أن السلوك المضطرب للشخصية قد يساهم بشكل كبير في إبراز الإضطراب النفسي .

4) كيمياء المخ:

لقد وهب الله لنا مجموعة من الموصلات العصبية التي تسهم في ضبط المزاج و إمداد الجسم بالحيوية اللازمة و منها السيرتونين و الدوبامين الذين يشعران الإنسان بالسعادة و المتعة ،الأدرينالين الذي يتعامل مع مواقف الخوف ،النورأدرينالين الذي يساهم في التركيز ،و الجابا الذي يشعرك بالتهدئة في مواقف القلق ،فإذا حدث خلل في الموصلات العصبية يؤدي ذلك إلى الإصابة بالإضطرابات النفسية أو العقلية .

5) البيئة:

لا يمكن استبعاد البيئة ،ففي الحارات الشعبية و العشوائيات تكون هناك مجموعة من التقاليد المختلة مثل الحشيش و البلطجة ،و في الغالب لا يكون هناك وازع ديني يحكم هذه التصرفات الغريبة و لهذا فالمجال المحيط بالإنسان يمكن أن يتسبب في الإصابة بالاضطراب النفسي .

بعد أن قمت الآن بإيضاح الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالإضطراب النفسي ،لنأخذ الأمر من ناحية أخرى ،ربما يكون الأضطراب النفسي هو نداء رباني لنفس آثمة ،ذليلة للخطايا ،نداء التطهر الجهري من كل ما يجيش في النفس و ما يعتمل في الصدر ،قد يأتي الإكتئاب فيجعلك تدرك أن الحياة ليست كما عهدتها بل بها بصيص من قسوة لم ترها من قبل ،قد يأتي الفصام فيُظهر لك بشكل جلي أن أفكارك مختلة و هواجسك مجرد سوء نية ،قد تأتي كل الإضطرابات منتظرة منك جملة بسيطة هي الحمد لله ،قد يُولد الإنسان و بداخله ميل لا إرادي بالتصديق على أن الأصل في الحياة أن يكون الإنسان سعيداً ..لا ..الأصل في الحياة أن يكون الإنسان راضياً .

لو تعمقت في أغلب الإضطرابات لوجدت أن المشكلة الأساسية هي عدم الرضا ..نفس الإنسان هشة ،ضعيفة ،تتآكلها شهوات و تستحوذ عليها رغبات ..و نحن الآن في عالم استهلاكي فأمام كل تلك الشدائد لا يكون أمام الإنسان إلا الضعف و القنوط . فأسأل الله تعالى أن يكون هذا المقال مفيداً لكل إنسان يعاني في صمت ..و السلام عليكم .

بقلم: محمد منير حمدان

 

أضف تعليقك هنا