الحملة الفرنسية على مصر وانعكاساتها على العلاقات المغربية الفرنسية

بقلم: محمد بــوداس/ زين العابدين سحيسح

1)مُلخص:

جاء اهتمام نابليون بُونبارت بِمصر في سياق حرب فرنسا وبريطانيا، وكان هدف هذا الاهتمام هو مُحاصرة بريطانيا من خلال قطع طريقها بالهند. فبعد الانتصارات المُدوية التي حققها نابليون في إيطاليا، جاء إلى مصر وهو يُحاول استثمار دهاؤه السياسي والعسكري من أجل خلق تكتل هو وسكان مصر لقطع دَابِر الإنجليز، فنشبت إثر ذلك معارك طاحنة راح ضحيتها خَلق كثير، وانتهت بفشل الحملة الفرنسية، ولكن الشيء الأساس هو اقاظ العقلية العربية من سُبات دام سنين، فبعد عودة نابليون إلى فرنسا، وانهزام جيوشه من بعده، ستظهر بوادر النهضة العربية خلال القرن 19م. لكن نحن ما يهمنا من هذا البحث هو انعكاسات هذه الحملة على العلاقات المغربية الفرنسية ، وردود فعل المغربة تجاها هذ الحملة.

2)الكلمات المفتاحية:

نابليون بُونبارت، الثورة الفرنسية، مِصر، بريطانيا، الهند، الحملة الفرنسية على مصر، معركة الأهرام…

3)مُقدمة:

وقعت الثورة الفرنسية سنة 1789م، نتج عنها تغير نظام فرنسا السياسي من ملكية إلى جمهورية، كما جاءت هذه الثورة بمفاهيم جديدة تتعلق بمنظومة حقوق الإنسان والمواطن، كما نادت بإسقاط الملكيات الاستبدادية وجعل السلطة في يد الشعوب، ذلك تحت شعار الحرية والمساواة والأخوة.

لم تكن الملكية الفرنسية معزولة عن نظيرتها الأوربية، وسقوط الملكية الفرنسية يُشكل تهديدا واضِحا لباقي الملكيات، لهذا تدخلت الملكيات التقليدية في شؤن فرنسا إبان الثورة فوقعت حرب طاحنة بين فرنسا وباقي دول أوربا ذات الأنظمة الملكية، وكانت ابرزهم بريطانيا ذات الإرث التاريخي على مستوى النظام الملكي وعلى مُستوى التُراث الاستعماري. وبعد الثورة الفرنسية مباشرة حَمِية طُبُول حرب قديمة بين فرنسا والامبراطورية البريطانية، لكن هذه المرة بِشراسة مُنقطعة النظير، واتخذت هذه الحرب رقع جُغرافية مُختلفة؛ تَارة في أمريكا الشمالية وتَارة أخرى في الهند. وفي هذا السياق جاءت الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م، هذه الحملة التي ستجعل من دخول المغرب على الخط أمر وشيك جِدا، ذلك نظرا لاستهداف فرنسا لِمصر التي تُمثِل للمغرب خاصة وبُلدان شمال إفريقيا عامة مَعبرا للأراضي المُقدسة للحج (الرحلات الحجية)، ونظرا لكون مصر أرض تجمعها بالمغرب علاقة مُعْتقَد وأُمة وعلاقة ارث تاريخي، لذلك سنجد المصادر التاريخية تُورِد أقوال حول تَحرك المغرب بعد الحملة الفرنسية على مصر، وكذلك الأحدث التي ستقع منذ سنة 1798م تُبين وبِجلاء تدخل المغرب على مسرح الأحداث بعد الحملة الفرنسية على مصر.

4)الإشكالية:

سبق وذكرنا أن الحملة الفرنسية على مِصر سنة 1798م، جاءت في سياق حرب فرنسا وبريطانيا، هذه الحرب التي اشتعلت بعد الثورة الفرنسية، لتصبح مصر أرض تصفية حسابات قديمة بين بريطانيا ذات النظام الملكي وفرنسا الجمهورية الحديثة. ومصر بالنسبة للمغرب بلد شقيق وأرضه بوابة حُجاج المغرب (الرحلات الحجية)، لذلك فالاستيلاء على مصر يعني تعطيل للرحلات الحجية وتهديد مُباشر لركب الحجاج، كما أن الاستيلاء على مصر من طرف فرنسا يُشكل تهديد مباشرا بالنسبة للمغرب، الذي قد يتعرض في أي لحظة لاستيلاء مُشَابِه لما وقع لمصر؛ خاصة وأن المغرب أقرب لفرنسا جُغرافيا. لذلك فالمغرب ستكون له كلمة حول مسألة الحملة الفرنسية على مصر، وعلاقة فرنسا والمغرب ستعرف تَقَلُبَات نتيجة هذا الحدث. لذلك فقد حاولنا في هذا البحث الإجابة عن الإشكاليات الأتية:

  • كيف أثرت الحملة الفرنسية على مصر على علاقة المغرب وفرنسا؟
  • ما هي ردود فعل المغاربة تجاه هذه الحملة؟

) تأثير الحملة الفرنسية على مصر على العلاقات المغربية الفرنسية

لقد شكلت مصر أهم المراكز الحضارية على مر التاريخ، وهذا بشهادة كبار المؤرخين والرحالة، وهنا المقصود هو هيرودوت  الذي أطلق عليه الخطيب الروماني سيسرون لقب ” أب التاريخ “، وقد أُعجب هيرودوت بالحضارة المصرية[1]، ثم نجد الرومان مهتمين بالتاريخ المصري وبتأريخ له (سترابون، بليني…) وهذا دليل على أن للمصريين دور في صناعة أمجاد العالم القديم.

لم يكن إعجاب الرحالة والمؤرخين بالحضارة المصرية هو الاعجاب الوحيد، بل هناك إعجاب اخر تمثل في إعجاب القادة السياسيين بهذا البلد، حيث رغب الجميع في السيطرة عليه، وإن تحدثنا عن ذلك، لابد من ذكر دور الموقع الجغرافي في ذلك، فمصر بمثابة نقطة اتصال بين قرتي إفريقيا وأسيا.

إن الدول القوية دائما ما تطمع إلي مزيد من المواقع كي تزداد قوة، وكي تساير متغيرات العصور، باعتبار العصور في تغير مستمر (يقول رواد المدرسة الفينومينولوجيا الألمانية: كانط، هايدغر، هوسرل “الماضي لا يتوقف عن المضي والحاضر ما يفتئ ويحضر )

فلكل عصر خصوصيات ومتغيرات، والأمة الأكثر استجابة هي الأمة القادرة على المواصلة والريادة، وعلى حد تعبير الفيلسوف البريطاني  أرنولد توينبي الحضارة تنبع من خلال استجاب شعب معين للتحديات (مبدأ التحدي و الاستجابة CHALLENGE-REPONSE)[2]

لقد مثلت الإمبراطورية البريطانية النموذج الأمثل لدولة سيطرت على البحار، حيث كانت المحيطات المصدر الأول لقوتها. لقد ذهب المؤرخ تايلور ألفريد ماهانT-M-MAHAN  إلي دراسة النموذج البريطاني في ترسيخ الإمبراطورية في أشهر كتبه الذي صدر عام 1890تحت عنوان “دور البِحار في ترسيخ الإمبراطورية 1660-1783the inefluence of seo power upon history 1660-1783″، فمنذ القضاء على الأرمادة الإسبانية (الأسطول المسلح)  عام 1588 وبريطانيا سيدة المحيطات، فأصبحت كما يقال “امبراطورية لا تغيب عنها الشمس”، عبرامتداد نفوذها  لِكافة المعمور من خلال شبكة أنشأتها شركات عملاقة مثل شركة الهند الشرقية البريطانية، والتي تأسست بموجب مرسوم ملكي (إليزابيث الاولى)، وبعدها أصبحت سيدة الشرق، مُنافسة الشركات الفرنسية والهولندية. لقد كانت شركة الهند الشرقية حالها حال الشركات الأخرى أنداك ذات صبغة احتكارية، كما دخلت شركة الهند الشرقية الفرنسية في صراع مع نظيرتها البريطانية حول النفوذ والنقط الجيواستراتيجة.

دخلت فرنسا في منافسة مع  بريطانيا حول نفس الهدف وهو المصالح، ولم يكن الصراع الفرنسي البريطاني مسألة غربية، فالمنافسة بينهما متجذرة في العمق التاريخي للبلدين ذلك زمن الاكتشافات الجغرافية (زمن الانفتاح العظيم على حد تعبير رائد مدرسة الحوليات بيير شينو)، فقد دخلت بريطانيا في حرب السنوات السبع التي انتهت بهزيمة فرنسا وفقدانها لمستعمرتها في أمريكا (المقصود هو كندا)،و بعد ثَورة 1789م التي رأت فيها بريطانيا مصدر شقاء الشعوب، أراد الفرنسيون الانتقام من خلال استعمار مصر، وبذلك كانت الحملة الفرنسية على مصر لأجل قطع الطريق بين بريطانيا ومستعمراتها في الشرق (الهند).

جاءت الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م لتؤكد وتُزكي فِكرة السلطان المغربي المولى سليمان، الذي دشن لمشروع الاحتراز، فقد تمكن المغاربة من الاطلاع عن أخبار الحملة وتطوراتها من مصادر مُتعددة، عن طريق الحجاج والتجار والرسائل التي وردت من الشرق وتركيا[3]، كما كان للدول الأوروبية دور كبير في إخبار المغرب بهذه الحملة، فقد تابعها المغرب بواسطة مُمثلي الدول الأوروبية القاطنين على أراضيه، خاصة القناصل الذين كانوا مقيمين أنداك في مدينة طنجة[4]. لقد ساعد تنوع مصادر الاطلاع المغرب على تتبع كافة مراحل الحملة وكذلك حيثيات الصراع البريطاني الفرنسي في مصر، هذا الصراع دفع بهم إلى البحث عن حلفاء وكان للمغرب دور كبير لأجل ترجيح كافة الصراع لأحد الطرفين، فبريطانيا طمحت لجعل المغرب إلي جانبها وذلك من خلال تشهيرها بأفكار الثورة التي تُعادي للملكيات والدين، وكذلك رَوَجَت لفكرة الأطماع الفرنسية في شمال إفريقيا، هذه الافكار التي ستنضج بعد الاجتياح الفرنسي لشبه الجزيرة الإيبيرية فيما بعد.

لقد حاول الفرنسيون تفادي أي تكتل إسلامي وإبقاء بعض الحلفاء لأجل أهداف ومصالح خاصة، هذا الأمر جعل رواد الحملة المُمثلين في شخصية نابليون بونابرت باعتباره قائد الحملة، فقد أصدر مجموعة من التوصيات لأجل معاملة مسلمي مصر برفق وكذلك الحجاج المغاربة المَارِين على الأراضي المصرية أثناء الذهاب والعودة من الحج، وكان ذلك بمثابة غطاء سطحي لأجل تبرير أهداف الحملة، فبعد الترويج لفكرة مفادها التبشير بالحضارة وقيم الثورة الفرنسية، وأن الجنود فرنسا أرادوا تعليم المصريين الحرية ومبادئ ثورة 1789م،وبعدها ذهب بونبارت إلي إصدار نداءه الشهير لأجل نصرت المسلمين حيث يقول:

باسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك فمـن قديم الزمان يرجي لهذا الوقت تعذيب جميع بايات مصر وأصلهم مماليك جاءوا مـن جبـل كْرَج ْستَان ونيتهم وقصدهم خراب البلدان الجميلة ومن قديم الزمان يقصدون الهجوم علـى الجـنس الفرنصـاوي والوثـوب علـيهم ويظلمـون تجـارهم بــأي نـوع شـاءوا واليـوم بونبـارطي القائــد الكبيـر للجمهوريـة الفرنصـاوية وقاصـد الحريـة جـاءهم هـو والله تعــالى رب الـدنيا والآخرة ثم حكومة البايات أيا سكان مصر إذا قالوا لكـم البايـات إن الفرنصـاوية جـاءوا لخـراب ديـنكم فإنـه مــنهم كــذب فــلا تــأمنوهم وواجبــوهم  أجيبــوهم[ بــان الفرنصــاوي ] الفرنســيين[ لــم يكــن قصـــدهم مـــا زعمـــوه واتيـــانهم إنمـــا هـــو ليقبضـــوا حـــق المســـكين مـــن يـــد الظـــالمين والفرنصاويون يعبدون الله ويكرمون النبي ويعظمون القرءان المقدس وبين يدي الله تعالى يكـون الانسـان مـن حيـث هـو مسـتويا ] متسـاويا[ مـا عـدا من هو من أهل الموهبات ] المواهب[ كالعالم والصـالح والعاقـل والحكـيم والبايـات لـم يكـن فيهم وصف من هذه الأوصاف والذي لم يكـن فيـه واحـد منهـا فكيـف يسـتهل الحكومـة على الناس فـي هـذه البلـد وقـد أخـذوا لكـم الارضـين ]الأراضـي[ الكثيـرة وحـازوا الحبشـيات المستحسنات والخيل المسـومات والسـريات العظمـى هـل خصـهم الله بهـذه النعمـة وحـدهم فإذا زعموا ذلك فليبينوا لكم الحجـة بـل الله تعـالى الكـريم ] أكــرم [ الأكـرمين وهـو سـبحانه الكريم على كل إنسان ويحب الحـق سـبحانه واليـوم أراد الله تعـالى أن يكـون النـاس كلهـم سـواء فـي الصـعود والمرتبـة العظمـى وأردنـا حضـور جمـوع مـن العلمـاء والصـالحين وأهـل الخير ويكون جمعهم ان شاء الله تعالى بالسعادة واليقين بأن الفجـور والظلـم الـذي كـان في مصر من باياتهم من قديم الزمان قد أذهبه الله عنهم ولا يكون في المستقبل وترجـع حراثة مصر كما كانت قبل البايات ويكثر الخصب الفرنصــيص مســلمون َحقيقَــة لا َمحالَــة ففــي الفــارط عــن قريــب ذهبــوا لرومــه وهدموا كرسي َّ الباب ّ الكذاب الذي يزعم أنه نائـب المسـيح وكـان دائمـا يحـرض النصـارى على كل من يتبع مذهب الإسلام والإسلام هـو ديـن سـيدنا محمـد…[5]

شكل هذ النداء الذي أصدره بونابرت صدمة للأوروبيين عامة، فقد اعتبروه (بونبارت) مخالف للعادة فهو يقول على أنه ذاهب لمصر لنصرة الإسلام، وكذلك أعلن إسلامه وإسلام جنوده الذين أطلق عليهم جنود الله، وإن كان ذلك كله خدعة لأجل إعطاء نوع من المشروعية للحملة الفرنسية وأهدافها. لقد أراد الفرنسيين إعطاء شرعية لمشروعهم بكافة الوسائل لأجل هدف واحد وهو المحافظة على نوع من الود مع الدول الإسلامية والمغرب من بين هذه الدول، فالدولة العثمانية، بعد دخولها على الخط، أرادت استغلال الدين الاسلامي كي تقحم المغرب إلى جانبها.

لم يكن المغرب موافقا على ما فعله الفرنسيين، حيث الخوف من أن يتكرر المشهد على شمال إفريقيا والمغرب قريب من فرنسا جُغرافيا، وقد كان المغاربة معارضين لما لحق بالعالم الإسلامي خصوصا مصر بوابة الحجاج، فبالرغم من الاحترام الذي تلقاه المغاربة من معاملة حسنة من طرف الفرنسيين في مصر إلا أنهم لم يروا في الحملة إلا صدمة تعبر عن ضعف العالم الإسلامي خصوصا الدولة العثمانية التي أصبحت تدخل مرحلة الضعف.

لقد أراد الفرنسيون كسب المغرب والمحافظة على نوع من التوازن في العلاقة بين البلدين، لكن هذا الهدف كان صعبا نوعا ما لأن المغرب مرتبط مع الشرق دينيا، فالمغرب لا يمكن أن يتخلى عن الدولة العثمانية باعتبارها، أولا، معادية لمبادئ الثورة الفرنسية (خصوصا مسألة إسقاط الملكية، ومبدأ فصل الدين عن الدولة…)، والشيء الثاني هو العلاقة المغربية العثمانية المتجذرة في التاريخ. لقد شكلت بريطانيا نقطة وصل لأجل حصار فرنسا وذلك عبر التنسيق بين الأطراف لأجل القضاء على فرنسا وإدخالها  من خلال حصار بحري في أزمة اقتصادية وجعلها تتخلى عن كل شيء.

لم يتأثر المغرب بأفكار بريطانيا ولم يقطع العلاقة مع فرنسا بشكل نهائي ، وإنما حاول أن يقلل من ودهِ تجاه فرنسا وذلك في حده تعبير عن الرفض القاطع لما وقع لمصر، حيث أثار هذا الأمر خوفا لدي المجتمع والسلطان من أن يتعرض المغرب لحملة مشابهة سواء من طرف فرنسا نفسها أو من الدول الأخرى المتربصة بالمغرب مثل إنجلترا وإسبانيا.[6]

لقد خرج المغرب عام 1801م من أزمة سببها الطاعون وأثاره شملت كل الميادين[7]، والأوضاع الكونية أنداك لم تكن مستقرة حيث الصراعات بين الدول التي حاولت كسب الأطراف الخارجية لأجل ربح الصراع،  كل هذه الأوضاع يمكن القول على أنها أتت لِتُبين سبب نهج المغرب لسياسة الاحتراز؛ الأوضاع الداخلية سيئة والخارجية أكثر سوء.

Ⅱ) استياء ومُعارضة المغاربة للحملة الفرنسية على مصر

إن وحدة الدين الإسلامي بين المغاربة والمصريين وكذلك المكانة التي تحتلها مصر لدى المغاربة، فهي تمثل بوابة الديار المقدسة للمغاربة وللمسلمين المتواجدين في شمال إفريقيا، لذلك نجد المجتمع المغربي قد سار على نفس منوال السلطة المغربية، حيث الرفض لهذا القرار وعدم قبول أي مناورة سواء كانت فرنسية أو أوروبية وذلك خوفا من العواقب المستقبلية، لذك سنجد المغاربة يخرجون بموقف معادي لفرنسا من خلال الإسهام في سياق المقاومة التي ستأتي كرد فعل من طرف المصريين على الحملة الفرنسية.

إن دراسة موقف المغاربة وردود أفعالهم تجاها الحملة الفرنسية على مصر يستوجب نوع من الشمولية والتوسع، بمعنى لا يجب الاقتصار على المغاربة في الرقعة الجغرافية المشكلة لدولة المغرب وإنما يجب الاطلاع كذلك على ردود فعل ووجهة نظر المغاربة المتواجدين أنداك في المشرق الإسلامي عامة وبلاد مصر خاصة، وقد خلف لنا المؤرخ ( الإخباري) المصري عبد الرحمن الجبرتي في حولياته مادة مصدرية جد مهمة تخص دور المغاربة المتواجدين في مصر في حمل راية المقاومة، حيث شارك المغاربة إلي جانب الشعب المصري في تشكيل فرقة مقاومة محلية حملت السلاح لأجل الدفاع عن حوزة البلاد.

لقد كان في بلاد مصر جاليات مغربية كثيفة، حيث الرحلات المغربية إلي مصر لها أهداف متنوعة من قبيل؛ لأهداف دينية المتمثلة في الحج وتلقي العلم[8]، هذا لأمر جعل مسألة الارتباط بمصر مسألة مسلمة والدفاع عنها حقيقة لا مفر منها لأنها مكان الإقامة وممارسة الأنشطة اليومية للمغاربة المتواجدين في مصر.

شكلت التجارة أهم عنصر، بعد العنصر الديني (طريق الحج)، يجذب المغاربة إلي الديار المصرية، حيث المغاربة يمارسون التجارة من خلال الإقامة في المدن والمراكز ذات الأهمية الاستراتيجية كالإسكندرية والقاهرة مثلا، ذلك لأن المغاربة لم يعيشوا في هذه الموانئ معزولين عن مجتمعها وإنما كان لهم في كل مدينة تنظيم خاص[9]، وقد اختلفت أنشطة التجار المغاربة بين عدة أنواع من السلع التي كانت رائجة وتمثل مصدر الثروة أذاك، فنجدهم يشتغلون بتجارة البن والقماش والمرجان بمختلف أنواعه[10].

إن وصول الفرنسي إلي مصر عام 1798م يشكل تهديدا بالنسبة للمغاربة المتواجدين في الشرق الإسلامي ومصر، هذا الأمر جعلهم ينخرطون في مسلسل المقاومة والثورة المحلية، فبالرغم من الدعاية الفرنسية التي حاولت التغطية وإعطاء نوع من المشروعية لأهداف فرنسا في مصر، إلا أن هذا لم ينفع حيث الأصوات تعالت لأجل حمل السلاح والدفاع عن حوزة البلاد خصوصا من طرف المؤسسة الدينية في مصر وهو جامع الأزهر، فقد كان له دور كبير في التأثير على المجتمع المصري، ذلك من خلال الأدوار التي لعبها منذ تأسيسه على يد الفاطميين خلال القرن العاشر الميلادي.

لقد كان للمغاربة تواجد مُكثف في المؤسسة الأزهرية حيث الطلبة يتلقون الدروس الدينية، الأمر الذي سهل مسألة الانخراط في الأوساط الشعبية والاحتكاك مع كافة أفراد المجتمع المصري وهذا ما يؤكده الجبرتي في حولياته حيث خصص فقرات للإشادة بالمغاربة خصوصا مسألة المشاركة في المقاومة المحلية وكذلك مسألة الواسطة بين المصريين والفرنسيين، فبعد الهزيمة التي تلقاها المماليك الذين أرادوا الدفاع على مصر في معركة الأهرام، اختار جامع الأزهر فريق لأجل التفاوض مع الفرنسيين وذلك لتجنب أي صراع دامي وقد كان الفريق الذي تم اختياره يضم أفراد من المغاربة المتواجدين في بلاد مصر، يقول الجبرتي “حضر منهم جملة إلى البولاق، وذلك قبل وصول الفرنسيين بيوم أو بيوميين ومعهم منه عدة نسخ وهم مغاربة ويعرفون باللغات”[11]، لم تكن مسألة الوساطة وحدها التي سعى المغاربة للقيام بها وكذلك لم يقتصر دور المشاركة المغربية في أحداث المقاومة منحصرا فقط في مصر وإنما توسع كذلك إلي كافة المشرق الإسلامي، فقد شارك المغاربة السكان المحليين نفس الشعور وانخرطوا معهم إلي جانب الأتراك العثمانيين.

لقد كان الحجاز الرقعة الجغرافية التي تفاعلت فيها أفكار الشيخ محمد الجيلاني والسكان المحليين، حيث اجتمع على الجيلاني نحو ستمائة من المجاهدين مع ما انضم إليه من أهل ينبع وخلافه[12]، إن المقاومة التي قادها السكان المحليين والمغاربة المتطوعين لم تكن إلا تعبيرا عن رد فعلهم تجاه الحملة الفرنسية على مصر ، فقد كان الرفض القاطع هو شعارهم والمقاومة رغم  البساطة التي تميزت بها نظرا لعدة أسباب أهمها نقص العتاد الحربي في مُقابل التفوق الفرنسي، ثم هناك شيء آخر ساهم في إضعاف المقاومة وهو تعاطف بعض الأفراد مع الفرنسيين بشتى الطرق والوسائل.

لقد استعمل الفرنسيون كل الطرق لأجل إرهاق المقاومة المحلية والقضاء عليها، فقد كانت بمثابة عائق خصوصا وأن بريطانيا لها أهداف في ذلك من خلال مساندة المقاومة ومحاصرة الفرنسيين، وهذا أمر طبيعي، فمنطق الاستعمار و الحرب والصراع يستوجب استغلال كل الوسائل لأجل الأهداف الخاصة وتحقيق المكتسبات بالرغم من المعاناة التي قد تنجم عن ذلك خصوصا السكان المحليين الأبرياء، فالتاريخ يثبت على أن كل دولة كيف ما حاولت تبرير أهدافها الاستعمارية سواء الترويج لأفكار الحرية أو العدالة لكن تبقى الطريقة لإدخال تلك الأفكار هي الحرب، والحرب حسب القائد والمنظر الألماني كلاوزفيتش “هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى”، أي السياسة بأسلوب العنف والتدمير.[13]

5)خاتمة

خلاصة لما تم ذكره يمكن القول على أن للمغاربة وجود مكثف في مصر ما قبيل الحملة الفرنسية، وكذلك كان لهم أدوار ريادية سواء على المستوى العلمي أو التجاري[14]، حيث اضطلعوا بدور مهم من خلال مشاركة السكان المحليين في الدفاع عن البلاد من الغزو الفرنسي وهذا تعبير عن رفضهم لحدث لعبت عدة أسباب في بروزه إلي الوجود. لقد تلقى الفرنسيون هذه المقاومة بنوع من الجدية لأنها كانت بمثابة نقطة تسرب مؤثرات بريطانيا التي أرادت إضعاف فرنسا وإفشال مشروعها، أما المغاربة سواء السلطة السياسية التي تلقت الحدث بنوع من الرفض وذلك خوفا من أن يتكرر الأمر على المغرب نفسه خصوصا وأن العصر أنداك قد تراكمت عليه أحداث يمكن القول على أنها تسير من سيء إلي أسوء، هذا السوء سوف يصبح أكثر جدية بعد تطور الأحداث في فرنسا وفشل الحملة على مصر ووصول بونابرت إلي العرش حيث بداية لنوع من الرؤية السياسية لفرنسا والتي ستؤدي إلي نشوب صراعات ستؤثر على العلاقات المغربية الفرنسية. وكذلك المستجدات التي ستظهر بعد فشل الحملة الفرنسية على مصر وبداية مشروع أخر وهو اجتياح الجزيرة الإيبيرية.

المراجع

  • [1]  يمكن الرجوع إلى كتاب هيرودوت المعنون، تاريخ هيرودوت أو التواريخ .
  • [2]  هوستن سميث، أديان العالم، ترجمة وتقديم سعد رسم، دار الجسور الثقافية حلب، الطبعة الثالثة، 2007، ص. 57.
  • [3]  أبحاث مؤتمر العلاقات المغربية المصرية عبر التاريخ ، نظم بجامعة حلوان بمصر، باشتراك كليتي حلوان وعين الشق  بالدار البيضاء، الجزء الاول، 2002، ص. 3.
  • [4]  المرجع نفسه، نفس الصفحة.
  • [5]  يمكن الرجوع إلى كتاب الجبري، مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس، عجائب الأثار في التراجم والأخبار.
  • [6]  أبحاث مؤتمر العلاقات المغربية المصرية عبر التاريخ، ص.12.
  • [7] المرجع نفسه، نفس الصفحة.
  • [8]  حمان، المغرب والثورة الفرنسية، ص. 101.
  • [9] عبد الرحيم عبد الرحيم عبد الرحيم، المغاربة في مصر في العهد العثماني 1715- 1798، دراسة في تأثير الجالية المغربية من خلال وثائق المحاكم الشرعية المصرية، منشورات المجلة التاريخية المغربية، الطبعة الأولى، 1982، ص. 62.
  • [10]  المرجع نفسه، ص. 102.
  • [11] عبد الرحيم  الجبرتي، عجائب الأثار في التراجم والأخبار، الجزء 2، ص.  182.
  • [12] المصدر نفسه، ص. 250.
  • [13]  فلاديمير أوليانوف لينين، حركة شعوب الشرق التحررية الوطنية، ص. 134.
  • [14] يمكن الرجوع لكتاب عبد الرحيم عبد الرحيم،  المغاربة في مصر في العصر العثماني (1517-1798) ، منشورات المجلة التاريخية المغربية.

بقلم: محمد بــوداس/ زين العابدين سحيسح

 

أضف تعليقك هنا