الصدق الموازي والصدق المحاسبي في المالية العمومية

بقلم: طارق ايسفولة/ طالب باحث بسلك ماستر العلوم الإدارية والمالية، كلية الحقوق السويسي_الرباط_

لقد كان سؤال الصدق الموازني والصدق المحاسبي من أهم الأسئلة التي سالت ميداد الكثير من الباحثين، ومن الأسئلة التي ما يزال النقاش الفقهي يقاربها من زوايا متعددة، إنه مبدأ قد نجده في مختلف المجالات القانونية وخاصة في الميزانية العامة إلى جانب المبادئ الأخرى التي هي مبادئ مبتذلة وتعتيريها استثناءات عديدة وطال عليها الأمد. إن هذا المبدأ نظر إليه البعض نظرة مبدأ حديث ويجب حقيقة أن يكون حاضرا في قانون المالية، لا لشيء إلا لأن المعطيات التي ترفق به يجب أن تكون صادقة، خاصة وأن الحصول على المعلومات هو مبدا دستوري وحق مكفول أكده المشرع في الفصل السابع والعشرين من الوثيقة الدستورية. وبناء عليه فقانون المالية هو ذلك الوعاء الذي يحتضن مجالات واسعة ومتعددة تحمل أفكارا في فلسفتها غالبا ما تكون اقتصادية، تنموية، مالية.. إنه لحظة لإعادة ترتيب حروف الديمقراطية وحصول كل طرف على المعلومات بشكل صادق.

لا شك على أنه مبدأ تردد القضاء الدستوري كثيرا في الاعتراف به، رغم كونه مبدأ قديما لطالما طعنت عن طريقه المعارضة البرلمانية في صدقية المعطيات التي تقدمها الحكومة، وعليه فموضوع الصدق موضوع قديم يتجاوز تعابير الباحثين المعاصرين الذين يؤكدون حداثته. فألكسندر كويك أشار في أطروحته تطور التصويت على ميزانية الدولة بفرنسا وانجلترا لسنة 2005 أن الصدق ليس موضوعا جديدا. وعليه فهو سلوك سليم، سلوك حكامة، عسل مصفى لا تشوبه شوائب.

الإشكالية:

ما مدى استجابة القضاء الدستوري لمبدأ الصدق والاعتراف به؟

هده المقاربة موجهة لكل باحث يهتم بالمالية العمومية والتي نطمح من خلالها إلى محاولة توفير مقدمة ميسرة واضحة لمبدأ عريق وقانوني بامتياز. لقد استطاع هذا المبدأ أن يجد لنفسه وبقوة مكانة في الدستور المالي خاصة في المادة العاشرة:

تقدم قوانين المالية بشكل صادق مجموع تكاليف وموارد الدولة. ولم يتأتى ذلك عبثا أو من قبيل الصدفة فأمام الضغط الذي تمارسه المعارضة البرلمانية فلم تجد طريقا للدفع بالمعطيات والأرقام التي تقدمها الحكومة إلا من خلال صدقيتها. لكن حقيقة سيقودنا هذا الفهم إلى تأويل هذا المقتضى القانوني خاصة وان إعداد الميزانية هو عمل توقعي، فمجهودات الفاعلين المكلفين بهده العملية ترتكز على طابع التقدير. الشيء الذي يجعل هذا العمل هو ذو طبيعة نسبية يرتبط بالمعطيات والظرفية الاقتصادية التي واكبت مسلسل الإعداد. إن هذا الفهم جعل مجموعة من الباحثين يعتبرون الصدق هو قاعدة مجاملة وهذا الفهم كان مقبولا قبل أن يعتد به في خانة القانون الوضعي.

وإذا كان الصدق الموازني عمل نسبي فقط، فإن الصدق المحاسبي هو عمل قانوني موكول إلى أعلى هيئة قضائية حيث تتولى مهمة مراقبة المالية العمومية. إنها مؤسسة تسعى إلى ضبط حقيقة الأرقام ومدى التزام السلطة الموكول لها تنفيذ البرامج التي هي بمثابة وعود ووتنبآت لا يمكن أن تتحقق وتخرج من كونها مجرد أفكار ونوايا إلى أعمال تم تجسيدها على أرض الواقع إلا من خلال وجود المالية العمومية.

هل هناك أزمة تواجه مبدأ الصدق في القضاء الدستوري؟

إن العودة إلى منطوق الفصل الواحد والثلاثين من القانون التنظيمي للمالية نجده ينص على ما يلي: يجب أن تكون حسابات الدولة مطابقة للقانون وصادقة وتعكس صورة حقيقية لثروتها ولوضعيتها المالية. حقيقة وأنا أغوص في شرح هذه المقتضيات القانونية تساءلت سؤال لطالما كان لحظة نقاشات حارقة، إنه سؤال يطرحه كل شخص يأمل في ان يتحقق الفهم الذي يدافع عنه. فهل هناك أزمة تواجه هذا المبدأ؟

إن هذا السؤال لم أطرحه لكي يكون خلاصة لتطبيق هذا المبدأ، وإن كان من اللازم طرح هذا المعنى، لكنني ارتأيت مقاربته من زاوية أخرى. لقد كان هدفي هو استفزاز كل باحث ينشغل بإشكالات ما يجب حقيقة أن يثيرها. بإشكالات كانت محطة الكثير من المقاربات، وطرحت في العديد من الندوات واللقاءات العلمية. طرحته لكي يستفيق الباحث من السقوط في مثل هذه الأخطاء والبحث عن مشكلات لم تمر على مجهر التحليل والتمحيص، تلك التي مازالت تنتظر من يفكك غموضها ويسائلها ويطرح أفكار قد تتجاوزها.

وختاما يمكن القول على أن هذا المبدأ من المبادئ النسبية بمعالم غير واضحة ولا يمكن الاعتداد به من أجل الطعن في قوانين المالية مدام أن العمليات المالية تبقى مبنية على التوقع والتقدير لذلك لا يمكن الأخذ به إلا إذا مس مضمون النواة الصلبة لقانون المالية وهذا لم يحدث بعد.

بقلم: طارق ايسفولة/ طالب باحث بسلك ماستر العلوم الإدارية والمالية، كلية الحقوق السويسي_الرباط_

 

أضف تعليقك هنا