المادية التاريخية؛ نحو قراءة مبسطة للفكر الماركسي

بقلم: محمد بوداس

مقدمة

إن تاريخ أي مجتمع حتى الأن ليس سوى تاريخ صراعات طبقية[1]، بهذه الكلمات تم افتتاح أحد أهم وأكثر الكتب مبيعا في العالم ذات عصر، حيث افتَتَح كل من كارل ماركس وفريدريك أنجلز بيانهما الشيوعي  الذي صدر عام 1848م، هذا الكتاب الذي يحوى حوالي 28 صفحة فقط، لكن غزارة أفكاره ربما تفوق هذه الصفحات القليلة.

إن الكتاب في ظاهره هو بيان، ولكن في جوهره هو تحليل عميق لمسار تطور تاريخ المجتمعات البشرية. فالمادية باعتبارها أساس تحريك التاريخ والمتحكمة في كل الأشياء[2]، وبالتالي فهذه الرؤية قد حاولت دراسة التاريخ بمعزل عن ما هو ميثولوجي غيبي، فالصراع هو أرضي لذلك فكل شيء يمكن دراسته بشكل عقلاني من خلال البحث عن أسباب الصراع الذي يكون غالبا ذو مصدر اقتصادي حسب الرؤية الماركسية.

إن الاقتصاد حسب الفلسفة المادية هو صانع رؤية أي مجتمع، فهو المتحكم في السلوكيات والعلاقات الاجتماعية والمبادلات وحتى النمط الثقافي السائد والفكري كذلك، وبالتالي فمن أجل دراسة ومعرفة أي مجتمع على حقيقته يجب أولا قبل كل شيء دراسة نمط انتاجه وعلاقة انتاجه كذلك (البنية التحتية على حد قول ماركس).

إن المادية كرؤية فلسفية هي جد قديمة، فمنذ الحضارات القديمة والعريقة؛ الحضارة الصينية الحضارة اليونانية…والتفكير والرؤية المادية للأشياء موجودة، لكن الفلسفة المادية ورؤيتها الماركسية مختلفة أشد الاختلاف مع نظيرتها اليونانية[3]، فماركس حسب الباحثين حاول العمل على اكتشاف قانون مادي عملي شامل لأجل معرفة المحرك الفعلي للتاريخ.

ومن هذه الأرضية يمكن أن نطرح التساؤلات التالية: ما  هو السياق العام للفلسفة المادية؟ وكيف نضجت وتطورت هذه الرؤية الفلسفية؟ وماهي أبرز أرائيها؟ وماهي أهم الانتقادات الموجهة إليها؟

1) المادية التاريخية في سياقها التاريخي

كيف كان علم التاريخ قبل المادية التاريخية؟ وكيف كان المؤرخون يكتبون تاريخ المجتمعات قبل المادية التاريخية؟

إن التاريخ كفن[4] أو كحقل معرفي له عمق تاريخي لا يستهان به، لكن طريقة تدوين أو دراسة التاريخ اختلفت باختلاف العصور(اختلاف المنهج والطريقة)، فهذه أوربا في العصور الوسطى كانت الكتابة التاريخية تحت توجيه الفكر الكنسي، حاله كحال جميع المشارب المعرفية. إن التطور الذي أحدثه اقحام أبحاث الدراسات الاقتصادية في حقل التاريخ مع مدرسة حوليات التاريخ الاقتصادي والاجتماعي، هذه المدرسة التركيبية ظهرت بفرنسا عام 1929م. لقد ناد رواد الحوليات بضرورة العمل على دمج نتائج مختلف الحقول المعرفية في الدراسات التاريخية (الجغرافيا، الأنثروبولوجيا، الاقتصاد…)، وقد استفاد مؤسسي الحوليات بما وصلت إليه العلوم في القرن 20م خصوصا الاقتصاد، فقد عرف هذا الحقل تراكم مجموعة من الأبحاث وكذلك عرف تطورا على المستوى المنهجي.

إن انفتاح رواد الحوليات في التاريخ على نتائج الأبحاث الاقتصادية جعلهم يتعرفون على مزايا المدرسة المادية، فهذا فرناند بروديل أحد أعمدة مدرسة الحوليات يشيد بدور العامل الاقتصادي في الدراسات التاريخية  الأمر الذي جعل المؤرخون الفرنسيون[5] يعملون على اقحام أفكار اقتصاديين في الدراسات التاريخية[6].

إن مدرسة الحوليات، باعتبارها ظهرت في سياق أزمة العالم  الرأسمالي سنة 1929م، أولت أهمية كبيرة للعامل الاقتصادي في الأحداث التاريخية الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه للتأثير الذي سوف تحدثه المدرسة المادية في علم التاريخ، فسوف يظهر العديد من المؤرخين الذين سوف يعتمدون على المنهج المادي في دراسة التاريخ[7]، وكذلك لا يخفى على أنه حتى يومنا هذا ولازال المنهج المادي في الدراسات التاريخية له كلمته.

إن اقحام النظرة المادية للتاريخ جعل دراسة التاريخ تأخذ منحا واقعيا وعقلانيا أكثر، فالأحداث التاريخية (حروب، تأسيس دول، انهيار دول…) يكون للعامل الاقتصادي دور الحسم فيها، طبعا إلى جانب عوامل أخرى، لذلك فقبل المدرسة المادية كانت الأحداث تفسر بنوع من المثالية والغموض، أما عند مجيء ماركس الذي سيجد أنداك  التاريخ والدراسات التاريخية تفسر بنوع من النقص الناتج عن إغفال العامل الاقتصادي في صناعة التاريخ. ولا يخفى على الجميع  أن الأحداث التاريخية في بعض الأحيان تكون تتحرك نتيجة أهداف اقتصادية محضة، وهنا سوف يظهر الدور البراق للمدرسة المادية في التاريخ التي عملت على إزالة الحجاب على محركٍ للتاريخ وللبشر ظل مخفيا منذ قرون. إن هذا الأمر يدفعنا لطرح مجموعة من التساؤلات من قبيل؛ كيف ظهرت المدرسة المادية؟ ومن مؤسسها؟ وكيف أثرت الرؤية المادية في الواقع الاجتماعي لأوروبا والعالم إبان ظهورها؟

أ) كارل ماركس في سطور

عاش ما بين 1818م-1883م فيلسوف وسياسي وعالم اقتصاد ألماني[8]، ولد في مدينة TREVE-تريف في أسرة يهودية اعتنقت المسيحية، درس القانون في جامعة بون والفلسفة في جامعة برلين، حاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة سنة 1841م حول موضوع فلسفة ديمقريطس وأبيقور، كان هدف ماركس الالتحاق بكراسي الجامعة للتدريس، لكن تعلقه المبكر بالآراء الديمقراطية وجهره بالانتماء إلى الهيجليين الراديكاليين حال دونه وهذا المنصب واضطر إلى مزاولة مهنة الصحافة[9].

لقد عمل كارل ماركس في البداية في الصحافة وقد فجرت عليه مقالاته وأنشطته غضب السلطات التي منعت مجلة الرين GAZETTE RHENANE وطاردته إلى خارج ألمانيا وتحاملت عليه وهو في باريس كما لا حقته وهو في بلجيكا[10].

لقد تعرف ماركس على رفيق دربه الفيلسوف فريدريك أنجلز الذي قاسمه السراء والضراء وبادله الرأي وشاطره فكره واغناه[11]. لقد شكلت سنة 1848م السنة التي تأججت فيها الحركات الثورية العمالية في أوربا وقد ساهم كل من ماركس و أنجلز بشكل كبير في هذه الثورات من خلال تأسيس جمعيات ذات خلايا سرية ك”عصبة العدول”، في سنة 1848م أصدر ماركس و أنجلز بيانهما المعرف بالبيان الشيوعي والذي يحتضن ويؤسس لآراء حول التغيير المنشود[12].

شكلت سنة 1867م سنة صدور الجزء الأول لكتاب يعتبر من أهم أعمال ماركس وهو كتاب “الرأسمال” وبعدها تول أنجلز مهمة نشر الجزأين الثاني والثالث بعد وفاة ماركس سنة 1883م، وما كان لهذا الكتاب أن ينجز لولا مثابرة ماركس على الاطلاع على مؤلفات رواد الاقتصاد السياسي بالمتحف البريطاني[13].

إلى جانب نضالاته الثورية ومؤلفاته في الاقتصاد السياسي[14]، لقد عرف ماركس برفضه القاطع للاهوت والأشياء فوق الحسية، كما أنه رفض النظرية المثالية للوجود، فالطبيعة عنده هي الأساس الأول والشرط المنطقي لوجود الفكر والحياة الروحية بأسرها[15].

ب) ميلاد الفلسفة المادية عند ماركس

تأثر ماركس في شبابه بآراء الفيلسوف الالماني هيجل (1770-1831)[16]، وقد كان جورج هيجل من بين الفلاسفة الأكثر تأثيرا في الفلسفة الغربية منذ إيمانويل كانت[17]، ويعرف هيجل بفلسفته المثالية القائمة على مبدأ أن التاريخ في تغير وتطور مطردين، فالتحول والتطور شرط أساسي في فلسفة هيجل، فالتاريخ أو الوجود عند هيجل يسير وفق المتتالية الآتية: الفكرة ثم نقيض  الفكرة وبعده المركب من الفكرتين، تولد الفكرة حسب هيجل وهي تبحث عن الوعي بذاتها وهذا الأمر يجعلها تتصادم مع نقيضها الذي يتولد عنه فكرة أو تصور جديد، وهكذا تسير الأمور إلى ما لانهاية حسب فلسفة هيجل.

والفكرة عند هيجل عبارة عن “شيء مطلق” له وجوده المستقل المنبعث عن حركة العقل البشري. وكل فكرة توجد إلا وكان لها تأثيرها على الحياة وانعكاساتها على الواقع المادي، فالفكرة أو الأفكار حسب هيجل هي أساس كل شيء[18]، فالمؤسسات والأنظمة الموجود في الحياة والتاريخ ما هي إلا تجليات الفكرة[19].

إن الدولة باعتبارها مؤسسة ومجتمع في رقعة جغرافية معينة، لكن في الفلسفة الهيجيلية ليس هذا كل شيء، فالدولة حسب هيجل قبل أن تكون مؤسسة في الوجود يجب أن تكون فكرة ذات سياق عقلي معين، لذلك فهو يعرف الدولة كما يلي: “الدولة هي الروح أو الله في التاريخ”؛ والله في فلسفة هيجل هو الروح المطلق الذي يتكون من مختلف الأفكار وتجمع الأضداد.

في هـذا الإطـار تعيِيِنـا، نجد أننا أمـام تنظيرٍ مشـهود مـن جانب هيجل حـول الدولة العقلانية كما عرضها في مؤلفه «مبادئ فلسـفة الحـق». فقـد ركّـز عـلى فكـرة الإتيقـا الاجتماعيـة  sittlichkeit التـي تتوحـد في إطارهـا الأبعـاد الذاتيـة والموضوعيـة للجماعة، عـبر ثلاثيـة متلازمـة: العائلـة والمجتمـع المـدني والدولـة. وهذه الأبعـاد مترابطـة ّ داخـل الوجـود الاجتماعـي، لكنهـا متسلسـلة بشـكل تدريجـي، حيـث تعتـبر الدولـة هـي الحـد النهـائي لمسـارها. وبهـذا المعنـى، يمكـن أن تحـدد الإتيقـا الاجتماعيـة بوصفهـا حركـة منطقيـة ّ للتحقـق الـذات للدولـة، ويمكـن لهـذه الأخـيرة أن تُحَـدد بوصفهـا تحققـا للفكـرة الإتيقيـة، أي باعتبارها عقلانيـة ّ متحققـة[20].

لقد استقطبت النظرية الهيجيلية القائمة على مبدأ العقل المطلق أنظار مجموعة من المفكرين، وقد كان كارل ماركس في البداية من أنصار الفلسفة الهيجيلية لكنه فيما بعد سوف ينقلب عنه ويؤسس لمدرسة جديدة مختلفة عن المدرسة الهيجيلية في جوهرها، فماركس لم يكن يرى أن الفكرة سابقة على المادة بل العكس[21]، بمعنى أن المادة سابقة عن الفكرة أو العقل والوعي.

يقال في بعض الأحيان أنه عندما جاء ماركس وجد الجدل يمشي على رأسه، حيث أن الفكرة هي صانعة الواقع الاجتماعي والمادي للإنسان، لكن حسب ماركس فالعكس فقد أوضح أن الجوانب الفكرية والثقافية والفنية تخضع لأوضاع الانتاج القائمة كيفما كانت الأشكال والصيغ التي تتخذها[22].

الجدل حسب المادية التاريخية يسير وفق مسار تاريخي تطوري، لكن هذا المسار تتحكم فيه الظروف الانتاجية (الاقتصاد) وليس العقل المطلق (الفكرة والوعي)، وبالتالي فالاقتصاد دائما هو المحدد الأساس للتاريخ وهو الذي يشكل حدث ما أو مجموعة من الأحداث في الزمكان، ولكي نفهم تاريخ مجتمع معين أو عقليته يجب أن ندرس أولا طبيعة اقتصاده؛ هل هي بدائية؟ أم إقطاعية؟ أم رأسمالية؟… فمثلا خلال العصور الوسطى التي عرفت نمط اقتصادي مغلق مرتبط بالأرض وما تنتجه من خيرات، فقد وجدنا طبيعة تفكير هذه المجتمعات تتمشى وهذا النمط الانتاجي المغلق والمرتبط بالأرض.

إن المرحلة الصناعية في اوروبا هي المرحلة التي عرفت فيها المجتمعات الغربية انقساما طبقيا؛ البروليتارية والبورجوازية[23]، وهذا الانقسام نتج أساسا عن التوزيع الغير المتساوي لوسائل الانتاج التي احتكرتها طبقة واحدة (البورجوازية) في حين ظلت الطبقة البروليتارية تعتمد على قوتها البدنية للحصول على قوت يومها. وعلى مستوى الفكر والأدب فنجد في أوربا ظهور لتيارات أدبية انسجمت والظروف التاريخية أنداك (الثورة الصناعية)، حيث نجد في بريطانيا خلال القرنين 18-19م وجود ثلة من الأدباء الذين حاولوا تصوير الواقع الاجتماعي للطبقة العمالية، ولعل نموذج أدب “تشارلز ديكنز” لنموذج حي على ذلك[24]. كما ظهرت على المستوى الفلسفي مدارس ذات توجه اشتراكي، والتي توزعت حسب ثلاث مدارس أساسية؛ الطوباوية، الأناركية أو (الفوضوية) ثم الاشتراكية العلمية.

عموما يمكن أن نقول أن الماركسية جاء خطابها الفلسفي والاقتصادي/ السياسي على صهوة مادية ٍ تاريخية َّ جامحة[25]، وأن الجدل تطور من المثالية إلى المادية نتيجة عوامل وظروف تاريخية معينة.

2) الطابع التاريخي لعلاقات الإنتاج وبنيات الإنتاج

كتب ماركس في “بؤس الفلسفة” (1847م)ردا على برودون أن علاقات الإنتاج ترتبط كلها بقوى الإنتاج، وحينما يحصل الناس على قوى إنتاجية جديدة فإنهم يغيرون نمط إنتاجهم وطريقة كسب عيشهم، أنهم يغيرون كل علاقات الإنتاج، فالطاحونة اليدوية تعطينا مجتمعا فيوداليا أما الطاحونة البخارية فتعطي رأسماليا صناعيا[26].

إن بنية أي المجتمع حسب ماركس مقسمة إلى طبقتين أساسيتين، أما الطبقة الأولى أو البنية الفوقية فهي المُشكلة أساسا من الدين، الأخلاق، الفنون، العادات والتقاليد، في حين نجد الطبقة السفلى أو البنية التحتية تتكون من علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج. وهنا السؤال المطروح: من هي المتحكمة في هذه الطبقتين أو البنيتين؟ ومن هي الطبقة أو البنية الأكثر سيادة؟ هل البنية السفلى هي المتحكمة في البنية العليا؟ أم أن البنية الفوقية هي ذات السبق وهي المتحكمة في صياغة مبادئ المجتمع؟

إن البنية الاقتصادية في تعريف ماركس تشكل علاقات الإنتاج القائمة بين الناس في ارتباطها مع مستوى نمو قوى الإنتاج[27]، وقوى الانتاج هي تلك الوسائل التي يتم توظيفها في الإنتاج (عمال، عربات…)، لذلك فحسب ماركس كلما تطورت قوى الإنتاج إلا وتغَيَر نمط الإنتاج. أما مسألة البنية فهي حسب ماركس تخضع لطبيعة الإنتاج، فالبنية التحتية (الاقتصاد) هي المسؤولة على البنية الفوقية (الدين، الفكر…)، فكلما تغيرت البنية التحتية (الاقتصاد)إلا وتغيرت طبيعة وبنية المجتمع كلها.

إن البنية الاقتصادية حسب ماركس هي الأوْلى عن البنية الاجتماعية، كما تجمعهم كذلك علاقة جدلية، فكلما تغير الواقع والوضع الاقتصادي إلا وتغير الواقع الاجتماعي معه. لقد بين ماركس أن البنية الاقتصادية تشكل الركيزة أو الأساس الذي تقوم عليه البنية الفوقية السياسية والقانونية والتي ترتبط بذهنيات معينة وتتوافق مع تصورات محددة[28].

3) المنهج الجدلي

يعتبر الجدل كفكرة في تاريخ الحضارات البشرية جد قديم، حيث وجدنا أن الحضارة الصينية القديمة كانت تؤمن بمبدأ المتناقضات؛ فكرة اليينغ واليانغ. كما كانت الديانة أو الفلسفة الهندوسية والبوذية تحتوي هذه الفكرة (التناقض).

لقد كانت الديانة الزرادشتية أشهر ديانة عُرِفت بمبدأ فصل الخير عن الشر، وهذا دليل على وجود نظرة جدلية في هذه الفلسفة (الزرادشتية)[29]، فهي تؤمن أن العالم مزيج بين الخير والشر، وأن الشر والخير في صراع دائم وأبدي ولكن في النهاية الغلبة دائما تكون للخير.

لقد جاء الفلاسفة اليونانيين كي يأخذوا بالمنهج الجدلي ويطوره في سياقات فلسفية مختلفة، حيث عمل أفلاطون بهذا المنهج في معالجة مجموعة من القضايا الفلسفية. إن الفلسفة الحديثة التي وُلدت مع ديكارت وتطورت مع جون لوك وبعده إيمانويل كانت، حيث سيظهر المنهج الجدلي مع مجيء المدرسة المثالية بألمانيا، والتي ستنضج وتتطور مع كل من فيشته[30]، شلنج[31] وجورج هيجل، حيث ستبلغ أوجها مع هذا الأخير.

إن المنهج الجدلي مع هيجل كان منهجا تطغى عليه المثالية، لكن مع مجيء ماركس سوف ينتقل الجدل من ما هو فكري مثالي إلى ما هو مادي محض. إذن فما خصائص المنهج الجدلي مع هيجل؟ وكيف نقل ماركس الجدل من المثالية إلى المادية؟

أ) الجدلية المثالية مع جورج ويليام فريدريك هيجل

قبل الغوص في فحوى الجدل عند هيجل، دعونا نقدم لمحة بسيطة عن المدرسة المثالية الألمانية؛ أي ما المقصود بالمثالية الألمانية؟ وهل هناك ترابط بين المثالية الأفلاطونية والمثالية الألمانية؟ وما هي الخاصيات والمميزات  المرتبطة بالمثالية الألمانية؟.

يؤكد أغلب مؤرخي الفلسفة أن المدرسة المثالية الألمانية سوف تظهر لأول مرة عام 1771م، فهذه هي السنة التي سوف يُنشر فيها أحد أعظم الكتب في تاريخ الفلسفة المثالية الألمانية، وهو كتاب “نقد العقل المحض-CRITIQUE DE LA RESON PURE” للفيلسوف الألماني إيمانويل كانت.

لقد أثرت أفكار كانت التي تقول أن الحقيقة في جوهرها لا يمكن الوصول إليها أبدا، وأن المعرفة البشرية تقتصر فقط على ظواهر الأشياء لا غير.

لقد كانت الفلسفة الكانتية (نسبة للفيلسوف إيمانويل كانت) ترى أن العقل البشري عاجز لإدراك جواهر الأشياء. ومن هنا ففلسفة كانت وضعت العقل والمعرفة البشرية في أزمة وزعزعت بعض المسلمات التي كانت موجودة أنداك منذ زمن روني ديكارت. لكن هل هذه الأزمة ستبقى ثابتة في الفلسفة الغربية؟ وهل فكرة كانت القائلة باستحالة بلوغ العقل للحقيقة المطلقة سيطرت على الواقع الفكري الغربي؟.

بعد انتشار فلسفة إيمانويل كانت وضربها لأركان الأكاديميات الغربية كلها، جاءت فلسفة هيجل المغرقة في المثالية كي تواجه نظيرتها الكانتية. حيث خُلق هيجل ليواجه أستاذه الروحي كانت.

إن هيجل الذي كان متأثرا بفلسفة إيمانويل كانت ذات يوم، أراد أن يؤسس لمشروع فلسفي نسقي مغاير كل التغيير  لمشروع كانت الفلسفي. لقد قُلتُ أن فلسفة إيمانويل كانت تقسم المعرفة إلى نوعين؛ المعرفة الظاهرية والمعرفة الباطنية، أما المعرفة الظاهرية للأشياء فيمكن إدراكها من طرف العقل البشري، في حين يستحيل على العقل بلوغ المعرفة الباطنية للأشياء، ومن هنا انطلق هيجل ليدمر  أركان فلسفة إيمانويل كانت.

فهيجل يرى أن المعرفة هي واحدة، هي فقط شيء واحد وليس كما يقول كانت أنها منقسمة إلى ظاهرية وباطنية، المعرفة عند هيجل واحدة، والوجود واحد. لكن هنا ستبدأ المشكلة، حيث سوف يربط هيجل كل شيء بالعقل المطلق، حسب هيجل هناك فقط عقل مطلق؛ الذي يتجسد في الأشياء، ويتطور من خلال ثلاثية المنهج الجدلي (فكرة، نقيض الفكرة، المركب). وأنه يمكن بلوغ المعرفة الباطنية للأشياء عن طريق استعمال العقل، فطالما أن هناك عقل مطلق واحد، فيمكن بلوغ المعرفة الباطنية شريطة استعمال العقل والوعي.

من خلال ما تم ذكره عن هيجل، يتبين أنه كان فيلسوفا ذو توجه عقلي مطلق، وأنه يرى أن الأشياء كلها تدين لأصل واحد هو العقل أو الروح المطلق كا يسميها هيجل. حسب هيجل الروح المطلق يتجسد في الأشياء والطبيعة، وهذه الأشياء تكون أولا عبارة عن أفكار تتطور وفق المنهج الجدلي؛ الفكرة والنقيض ثم المركب.

إن الجدل عند هيجل، ببساطة هو؛ الفكرة ثم نقيض الفكرة وبعدها يأتي المركب لكي يجمع الفكرتين، ومع مرور الزمن يتحول ذاك المركب إلى فكرة جديدة وهكذا دواليك إلى ما لانهاية.

أ) الجدلية المادية مع كارل ماركس

لقد تناولنا في ما سبق المنهج الجدلي المثالي عند هيجل، ونعود إلى هذه النقطة ثانية لتوضيح أصالة المنهج الماركسي وتمايزه غن المذهب المثالي. فعند هيجل كل شيء يتحكم فيه العقل وأن الجدل يكون مرتبط بالأفكار والمفاهيم وبما هو عقلي.

لكن ماركس يتميز عن هيجل بالتركيز على الأساس المادي للمسلسل الجدلي. فعند هيجل ينبني هذا المسلسل على تجاوز التناقض خلال مرحلة تشمل كذلك رواسب وبقايا المرحلة السابقة لها. أما ماركس فقد ذهب إلى وحدة هذه التناقضات وأوضح أن المسلسل الجدلي لا يفهم إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود عناصر متناقضة أو تناقضات متلازمة في كل مرحلة.

فحسب ماركس التناقضات التي تنتج عن انقسام المجتمع إلى طبقتين يؤدي إلى تطور التاريخ. عند هيجل تناقض المفاهيم والأفكار، أما ماركس فالعكس تناقض الطبقات. ففي العصور الوسطي بأوروبا، حيث شهد المجتمع تناقض طبقي تمثل في وجود طبقتين؛ الأسياد الإقطاعين والأقنان، بعده سوف تظهر البورجوازية التي سوف تشكل طرف متناقض للإقطاعيين الأسياد، هذا الأمر سوف ينتج عنه تطور المجتمع وبروز طبقتين في أوروبا خلال العصور الحديثة. فالبورجوازيين الذين سيطروا على وسائل الإنتاج شكلوا طبقة، أما العمال الذين لم يتوفرا إلا على قوة عملهم فهم كذلك شكلوا طبقة متناقضة مع البورجوازيين.

إن الجدل المادي على عكس المثالي، فهو يركز على التناقضات الطبقية التي تؤدي إلى تطور التاريخ، وليس تطور العقل المطلق كما كان يرى الفيلسوف هيجل.

4) الانتقادات التي وجهت للمدرسة المادية

لقد بينتُ فيما سبق أن المدرسة المادية تركز أساسا على الاقتصاد، فهي تؤكد على دور هذا العنصر باعتباره هو المسؤول على تطور التاريخ. فالانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى مرتبط أساسا بالصراعات الطبقية داخل مجتمع معين. فأوروبا عرفت صراعا بين السادة الإقطاعيين والبورجوازية خلال العصر الوسيط، حيث نشبت على إثر ذلك الثورات البورجوازية؛ الثورة المجيدة في انجلترا عام 1688م والثورة الفرنسية الكبرى عام 1789م[32]. الأمر الذي جعل المجتمع الأوروبي يدخل الفترة الحديثة بصورة جديدة للصراع بين البورجوازيين من جهة والعمال من جهة أخرى… وهكذا سيبقى التاريخ إلى أن يصل وتحل المرحلة الاشتراكية التي سوف تمهد للمرحلة الشيوعية حسب الرؤية الماركسية، وهذا ليس موضوعنا الأن.

دعونا نعود لذكر بعض التيارات الفلسفية التي انتقدت المدرسة الماركسية. فقد كان الفيلسوف وعالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر[33]، من أبرز من انتقد الماركسية على مستويات عديدة، والتي يمكن تقسيمها كما يلي:

أ) الخلاف حول البيات الاجتماعية

على عكس كارل ماركس الذي يرى ويؤكد أن البنية التحتية (علاقات الإنتاج، وسائل الإنتاج ونمط الإنتاج) هي التي تتحكم في البنية الفوقية (الدين، الأخلاق، الفلسفة، الفن والأدب…). لكن ماكس فيبر يرى العكس من ذلك، فهو يقول أن البنية الفوقية (الدين، الأخلاق والعادات…) هي التي تتحكم في البنية التحتية وفي المجتمع ككل. لقد نبه ماكس فيبر إلى دور الدين، فقد اعتبره عنصر أساسي في المجتمعات وفي سير التاريخ، ومن ثم تكوين العقليات لدى المجتمعات.

ب) الخلاف حول أصول نشوء النظام الرأسمالي والفكر البورجوازي

إن تغَيُر الأنظمة والعصور حسب الفلسفة الماركسية ينتج عن الصراعات الطبقية داخل المجتمع، فأوروبا انتقلت من الإقطاعية إلى الرأسمالية جراء الصراع الذي كان بين الإقطاعيين والبورجوازيين، وهذ الرأي يضع التاريخ في تقدم وتطور مطردين. لكن السؤال المطروح هنا. هل النظام الرأسمالي في أوربا ظهر فقط نتيجة الصراعات الطبقية بين أطراف المجتمع أنداك؟ أين دور الدين والبنية الفوقية في تطور المجتمعات؟.

إن ماركس، وكما قلت، قد جعل من الدين عنصرا ثانويا وذو تأثير بسيط في البنيات الاجتماعية، فهو يعتبر أن الدين ليس فقط سوى انعكاس لطبيعة الإنتاج السائدة داخل مجتمع معين.يُعتبر ماكس فيبر من أبرز المعارضين لفكرة ماركس التي تقول أن النظام الرأسمالي ظهر نتيجة الصراعات الطبقية.

يقول ماكس فيبر “الرأسمالية ما كان لها أن تنجح في أوروبا لولا الأخلاق البروتستانتية”. لماذا الأخلاق البروتستانتية، النظام الرأسمالي ما كان لينجح في أوروبا لولا دعامات الأخلاق البروتستانتية، بمعنى أن الأخلاق البروتستانتية تقوم على أن البروتستانتي رجل زاهد (لا ينفق ولا يستهلك ويكسب المال) هذه الاخلاق اخدتها البرجوازية واستطاعت ان تكتسح الأسواق.
التجارية”. هذا القول يؤكد ويبين أن الرأسمالية لم تظهر نتيجة الصراعات الطبقية بين أطراف المجتمع، بل كان سبب ظهورها وتطورها شيء أخر وهو “الأخلاق البروتستانتية”[34]. لكن السؤال، ما علاقة الأخلاق البروتستانتية بالنظام الرأسمالي؟.

إن مسألة العلاقة بين النظام البروتستانتي والنظام الرأسمالي، تتجلى في روح الأفكار التي جاء بها الإصلاح الديني في أوروبا، وعندما نتحدث عن الإصلاح فلا نتحدث عن جل المصلحين بل فقط تيار ومذهب واحد. إن المذهب الكالفيني حسب ماكس فيبر هو سبب ظهور الرأسمالية في أوروبا، فجان كالفن دعا إلى الزهد في الدنيا وجمع المال من أجل بلوغ الجنة. الجنة عند كالفان غير مرتبطة بالصلاة أو الزكاة أو حتى مسألة شراء سكوك  الغفران التي عارضها بشدة. أبدا، فهو يدعو إلى العقلنة في الاستهلاك ، يدعو إلى مراكمة المال والعمل على جمعه من كل بقاع المعمور. وهكذا تطورت العقلانية في أوروبا الغربية، لتتطور الرأسمالية بسبب أفكار دينية دعا صاحبها (جان كالفن) المسحيين إلى التعامل تجاريا مع بني إسرائيل. عكس مارتن لوثر الذي وصف بني إسرائيل (اليهود) بألفاظ جد سيئة.

إذن الرأسمالية وليدة الأفكار البروتستانتية (الكالفينية خصوصا). لذلك فماكس فيبر حدد أثناء دراسته للمجتمع الحديث وجود خصيتين أساسيتين هما: العقلانية والبيروقراطية.

خاتمة

إن تاريخ أي مجتمع حتى الأن ليس سوى تاريخ صراعات طبقية، هذه الكلمات بها افتُتِح أحد الكتب الأكثر مبيعا في العالم ذات عصر، حيث افتَتَح كل من ماركس وأنجلز البيان الذي صدر عام 1848م، هذا الكتاب الذي يحوي حوالي 28 صفحة فقط، لكن غزارة أفكار الكتاب ربما تفوق الصفحات القليلة. إن الكتاب في ظاهره هو بيان ولكن في جوهره فهو تحليل عميق لمسار تطور تاريخ المجتمعات البشرية. فالمادية باعتبارها أساس تحريك التاريخ والمتحكمة في كل الأشياء، وبالتالي فهذه الرؤية قد حاولت دراسة التاريخ بمعزل عن ما هو ميثولوجي غيبي، فالصراع هو أرضي لذلك فكل شيء يمكن دراسته بشكل عقلاني من خلال البحث عن أسباب الصراع الذي يكون غالبا ذو مصدر اقتصادي حسب الرؤية الماركسية.

إن الاقتصاد حسب الفلسفة المادية هو صانع رؤية أي مجتمع، فهو المتحكم في السلوكيات والعلاقات الاجتماعية والمبادلات وحتى النمط الثقافي السائد والفكري كذاك، وبالتالي فمن أجل دراسة ومعرفة أي مجتمع على حقيقته يجب أولا قبل كل شيء دراسة نمط انتاجه وعلاقة انتاجه كذلك.

إن المادية كرؤية فلسفية هي جد قديمة، فمنذ الحضارات القديمة والعريقة؛ الحضارة الصينية الحضارة اليونانية…إلخ والتفكير والرؤية المادية للأشياء موجودة، لكن الفلسفة المادية ورؤيتها الماركسية مختلفة أشد الاختلاف مع نظيرتها اليونانية، فماركس حسب الباحثين حاول ونجح في اكتشاف قانون مادي عملي شامل لأجل معرفة المحرك الفعلي للتاريخ. 

المصادر والمراجع

  1.  كارل ماركس، فريدريك أنجلز، البيان الشيوعي، ص.4.
  2. في الرؤية المادية للوجود يتم اعتبار المادة أساس كل شيء. العالم أصله مادة ومن المادة انطلقت الحياة والمادية هي المتحكمة في سير التاريخ.
  3. لقد عُرف العديد من الفلاسفة اليونانيين برؤيتهم المادية للوجود، فقد كان الفيلسوف هيراقليتس من أشهر رواد المادية في الفلسفة اليونانية…أو كما يعرفون عادتا بالفلاسفة الطبيعيين. ولأجل التعمق في هذا الموضوع أنظر كتاب ول ديورانت، قصة الفلسفة، ترجمة فتح الله لمشعشع، الطبعة السادسة، مكتبة المعارف، بيروت.
  4. هناك العديد من المؤرخون الذين أطلقوا لفظ “فن” على حقل التاريخ، فهذا ابن خلدون في مقدمته يقول أن التاريخ فن. وكذلك فعل العديد من المؤرخين والباحثين الأخرين.
  5. المقصود هو أن الحوليات ظهرت لأول مرة في فرنسا وكان من أبرز مؤسسيها؛ ف-بروديل، لوسيان لوفيبر، جاك لوغوف، مارك بلوك…إلخ.
  6. وهنا يتجلى دور الاقتصاديين الألمان؛ غيورغي زيميل صاحب كتاب “البورجوازي” وكتاب “فلسفة المال” ،وكذلك ماكس فيبر صاحب كتاب “الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية”…إلخ
  7. لقد ظهر العديد من المؤرخين الغربيين في القرن 20م الذين عرفوا بالتوجه المادي للتاريخ؛ فمثلا الإيطالي كروتشي صاحب كتاب “فلسفة الروح”، لوي ألتوسير  الذي عمل على شرح مؤلفات كارل ماركس، ألبير سوبول الذي عمل على دراسة تاريخ الثورة الفرنسية. وكذلك ظهر مجموعة من المؤرخين العرب الذين كانوا متأثرين بالمدرسة المادية؛ الطاهر عبد الله صاحب كتاب “نظرية الثورة من ابن خلدون إلى ماركس”، حسين مروة صاحب كتاب “النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية”، وكذلك المغربي عبد الله العروي الذي حاول دراسة التاريخ الاسلامي بنوع من الشمولية، حيث نَحَت في ذلك العديد من المفاهيم ذات التأثير القوي في مشروعه؛ من قبيل قبيل الماركسية التاريخنية…إلخ.
  8. علي مولا، قصة الفلسفة من البدايات إلى يومنا، منشورات مكتبة علي مولا الرقمية، ص. 229.
  9. محمد لمرغدي، لمعطي سهيل،، مقدمات في علم الاقتصاد، الكتاب الأول، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، ص.157.
  10. محمد لمرغدي، لمعطي سهيل، المصدر مذكور، ص.157.
  11. المصدر نفسه، ص.157.
  12. نفسه، ص.157.
  13. نفسه، ص.157.
  14. تعتبر مساهمة كارل ماركس في الاقتصاد السياسي  جد قيمة، حيث حاول إعادة بناء لنظرية اقتصادية شاملة من خلال انتقاد أراء ومؤلفات رواد المدرسة الرأسمالية؛ أدم سميث، توماس مالتس، دافيد ريكاردو…إلخ، ويعتبر كتاب مارس “نقد الاقتصاد السياسي” من أهم الأعمال الاقتصادية التي أثرت في الفكر الاقتصادي.
  15. علي مولا، المصدر مذكور، ص. 229.
  16. محمد لمرغدي، لمعطي سهيل، المرجع مذكور، ص.158.
  17. إيمانويل كانت: فيلسوف ألماني عاش خلال القرن 18م، له عدة مؤلفات في الفلسفة، التربية، الجغرافيا والفلك ، ويعتبر كتابه “نقد العقل المحض” الذي ألفه عام 1771م بمثابة الإعلان الحقيقي عن مذهبه الجديد في الفلسفة؛ مذهب أو مدرسة الظاهريات أو الفينومينولوجيا la phénoménologie.
  18. محمد لمرغدي، لمعطي سهيل، المرجع مذكور، ص.158.
  19. يقول هيجل: “كل ما هو عقلي هو واقعي وكل ما هو واقعي هو عقلي”، ومفاد هذا القول أنه قبل وجود الشيء في الوجود يجب أن يكون أولا فكرة ومفهوم…إلخ، فالفكرة أولا بعده المادة، وهذا هو أساس الاختلاف بين الفلسفة المادية والمثالية، أما المادية فتقول بسبق المادة عن الفكرة والعكس بالنسبة للمثالية.
  20. محمد حيدر، الدولة: فلسفتها وتاريخها من الإغريق إلى ما بعد الحداثة، سلسلة مصطلحات معاصرة، ص.144.
  21. محمد لمرغدي، المعطي سهيل، المرجع مذكور، ص.158.
  22. نفس المرجع، ص.159.
  23. البورجوازية عبارة عن طبقة لها خصائصها؛ ألقاب، ثقافة…إلخ، وترجع أصولها إلى القرن 15م عندما ظهرت طبقة تجارية في أوربا خصوصا المدن الإيطالية (البندقية، نابولي…إلخ)، وهذه الطبقة التجارية سوف ترِاكم ثروة مالية جعلتها طبقة قادرة على الحصول على مكانة مرموقة داخل المجتمع الأوروبي الإقطاعي أنداك، حيث بدأت الطبقة البورجوازية تشتري الأراضي من الإقطاعيين لتعمل بعد ذلك هذه الطبقة (البورجوازية) على تطوير ذاتها وصياغة نموذج ثقافي خاص بها والبحث عن محاولات لأجل تغيير البنية الفكرية الأوربية؛ الإصلاح الديني الحركة الانسية…إلخ. وتبقى الثورات البورجوازية في كل إنجلترا عام 1688م وفرنسا فيما بعد عام 1789م أهم الأحداث التي أوصلت الطبقة البورجوازية لعتبات السلطة، وفي القرن التاسع عشر سوف تعرف هذه الطبقة (البورجوازية) تقدم وتطور مطردين نتج عنهما ظهور حركة صناعية شاملة مهدت لدخول أوربا في النظام الرأسمالي الصناعي، وبعده سوف تعمل هذه الطبقة (البورجوازية) على تطوير ترسانتها الصناعية الأمر الذي سوف ينتج عنها انقسام أوربا عمليا على طبقتين اجتماعيتين أساسيتين (العمال من جهة والبورجوازيين من جهة أخرى). ..للمزيد عن تطور البورجوازية وكيف حدث هذا التطور، أنظر؛ “البيان الشيوعي” لكارل ماركس وفردريك أنجلر، وكذلك كتاب؛ “الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية” لماكس فيبر، وكذلك كتاب “البورجوازي” لغيورغي زيميل”.
  24. يعتبر الأديب الإنجليزي “تشارلز ديكنز” من أشهر وراد المدرسة الواقعية، حيث عمل على تصوير المجتمع البريطاني خلال الحقبة الفيكتورية، وقد كانت أغلب أعماله الروائية بمثابة تسجيلات وحكايات عن الظروف المُزرية التي تعيشها الطبقة العمالية أنداك في اوروبا عامة وانجلترا خاصة، فأغلب الروايات التي كتبها “تشارلز ديكنز” تحكي عن أحداث وشخصيات تنتمي للطبقة العمالية، وتعتبر روايته “قصة مدينتين” من أشهر أعماله حسب النقاد، حيث حاول تصوير مدينة لندن التي كانت تنقسم أنداك تماشيا مع الانقسامية الاجتماعية -عمال بورجوازيين- للمجتمعات الأوربية الغربية إبان الثورة الصناعية..
  25. محمد حيدر، المرجع مذكور،ص.145.
  26. محمد لمرغدي، لمعطي سهيل، المرجع مذكور، ص.168.
  27. المرجع نفس، ص.168.
  28. المرجع نفسه، ص.169.
  29. للمزيد أنظر كتاب، أديان العالم، هوستين سميث، ترجمة سعد رستم، الطبعة الثانية، دار الجسور الثقافية، حلب، 2003.
  30. يوهان جوتليب فشته: (1762-1814) فليسوف ألماني من أبرز رواد المدرسة الرومنسية إلى جانب هيجل وشلنج، كان له دور كبير في تطور المدرسة المثالية الألمانية، كان فشته جد متأثر بفلسفة سبينوزا وفلسفة جون جاك روسو… للمزيد أنظر كتاب، تاريخ الفلسفة الحديثة، ويليام كلي رايت (الجزء الخاص بالمدرسة الرومنسية)، ، ترجمة محمود سيد أحمد، تقديم ومراجعة إمام عبد الفتاح إمام، الطبعة الأولى، التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 2010.
  31. فريدريك فلهلم جوزيف فون شلنج: (1775-1854) يعتبر من بين رواد المدرسة الرومنسية الألمانية، كان شلنج من بين الفلاسفة المثاليين إلى جانب هيجل وفيشته، تأثر شنلج بفلسفة إيمانويل كانت بشكل كبير…للمزيد أنظر كتاب، تاريخ الفلسفة الحديثة (الجزء الخاص بالمدرسة الرومنسية)، ويليام كلي رايت، ترجمة محمود سيد أحمد، تقديم ومراجعة إمام عبد الفتاح إمام، الطبعة الأولى، التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 2010.
  32. للمزيد حول الثورة الفرنسية أنظر مؤلفات المؤرخ “جون ميشليه”، فقد درس الثورة الفرنسية الكبرى. وكذلك أنظر مؤلفات المؤرخ “ألبير سوبول”.
  33. ماكسيميليان كارل إميل فيبر ، Max Weberهو عالم اجتماع ومؤرخ واقتصادي سياسي ألماني ويُعتبر من بين أهم المنظرين
    لتطور المجتمع الغربي الحديث .أثَّرت أفكاره بعمق على النظرية الاجتماعية والبحث الاجتماعي .على الرغم من الاعتراف به كواحد
    من آباء علم الاجتماع إلى جانب أوغست كونت وكارل ماركس وإميل دوركهايم، لَم َيعتبر فيبر نفسه عالم اجتماع بل وجد نفسهُ أكثر
    في علم التاريخ
  34. للمزيد حول مسألة تأثير الإصلاح الديني في ظهور النظام الرأسمالي بأوروبا الغربية، أنظر كتاب “الأخلاق البروتيتانتية وروح الرأسمالية” لماكس فيبر. وكذلك أنظر كتاب “استعباد العالم”، للمفكر الروسي فالنتين كاتاسونوف.

بقلم: محمد بوداس

 

أضف تعليقك هنا