مؤلفات استشراقية؛ كتاب “شمس العرب تسطع على الغرب” للمستشرقة الألمانية “زيغريد هونكه” نموذجاً

بقلم: محمد بوداس

1)عنوان الكتاب:

شمس العرب تسطع على الغرب (أثر الحضارة العربية في الحضارة الأوروبية)،الكتاب ترجمه إلى اللغة العربية كل من: فاروق بيضون وكمال دسوقي، راجعه ووضع حواشيه مارون عيسى الخوري. والشيء  الأساسي الذي يجب الإشارة له حول مسألة عنوان الكتاب؛ ترجمة عنوان الكتاب ليست دقيقة جدا، وليست علمية، وليست موضوعية.. لأن المفترض عنوان الكتاب “شمس الإسلام تسطع على الغرب”، وليس شمس العرب.. ولكن الإيديولوجيا في بعض الأحيان تفعل فِعلتها.

2)المؤلفة في سطور:

الدكتورة “زيغريد هونكه”، مُستشرقة ألمانية طائِرة الشهرة، صَرفت وقتها كله باذلة الجهد لدراسة التاريخ الإسلامي؛ من خلال دراسته وكذلك التأصيل له. تناولت الدكتورة “زيغريد هونكه” في رسالة أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة بِرلين، أثر الأدب العربي في الأدب الأوربي عامة. وفي عام 1955م صدر مؤلفها الأول “الرجل والمرأة”، وهو كتاب تاريخي، أكدت فيه الكَاتِبة على فَضل العرب على الحضارة الغربية. عاشت المستشرقة “ز-هونكه” مع زوجها الدكتور “شولتزا” عامين في مدينة مراكش بالمغرب، كما قامت بعدد من الزيارات للبدان العربية.

3)نبذة عن الكتاب:

كتاب “شمس العرب تسطع على الغرب”، هو ثمرة سنين طويلة من الدراسة الموضوعية العميقة، والمكتبة الألمانية لا تحتوي على دراسات غزيرة في هذا الموضوع الذي تناولته المؤلفة، فرغم المجهود الجبار للمدرسة الاستشراقية الألمانية[1]،  إلا أن المكتبة الألمانية حسب الباحثين  لا تتوفر سوى على عدد من المقالات المتناثرة في المجالات العلمية لا تشفي غليل الباحث، والتي تخص طبعا تأثير التاريخ الإسلامي وحضارته على المجتمعات الغربية.

كان لظهور الطبعة الأولى للكتاب سنة 1964م تأثير واسع على مسرح الساحة الفكرية العالمية، فقد تعرضت المستشرقة -وكما يقول المترجمان في الطبعة العربية- لنقد شديد من طرف الأوساط الفكرية الغربية؛ إتهام الكاتبة بالحياد للحضارة الإسلامية.

أ)تقسيم الكتاب:

يحتوي الكتاب على حوالي 576 صفحة، مقسمة على سبعة كتب أو سبعة فصول كبرى للكتاب؛ أما الفصل الأول فعنوانه: -لِرفاهية حياتنا اليومية: هذا الكتاب أو الفصل هو نفسه مقسم إلى عدد من الفصول الصغرى، أما الفصل الأول فعنوانه؛ أسماء عربية لحاجات غربية. تستعرض فيه المستشرقة أهم الأسماء ذات الأصل العربي، والتي ترسخت مع الزمن في القاموس اللاتيني بشتى لغته (الفرنسية، الإسبانية، البرتغالية والإيطالية…ألخ).

ماذا تضمن كتاب شمس العرب تسطع على الغرب ؟

يستمر الكتاب هكذا، تستعرض المُؤلفة في أقسامه السبعة تأثيرات الحضارة الإسلامية على التاريخ، الثقافة، الفن، الشعر والحضارة الغربية عامة، ودور الحضارة العربية في دخول الأوروبيين مرحلة الولادة الجديدة (النهضة). كل ذلك وفق منهج علمي رَسِين، توثيقي وكذلك المنهج المُقَارن بالاعتماد على ترسانة من النصوص المصدرية والمرجعية ذات العمق والثقل التاريخي، كل هذا وذاك في رؤية حيادية بعيدة عن النظرة الاستشراقية الناقصة، والتي ناقشها بشكل مفصل كل من الدكتورين الفلسطينيين؛ إدوارد سعيد[2] ووائل حلاق[3].

تناولت الكاتبة في القسم الخامس من الكتاب مسألة المعرفة، فقد كان عنوان القسم أو الجزء؛ سلاح المعرفة. بينت الدكتورة “هونكه” في هذا الجزء أهم المخلفات الإسلامية في المجال المعرفي؛ الطب، الفلسفة، الكيمياء، الرياضيات، التاريخ والجغرافيا…إلخ. كما قامت باستعراض أهم الشخصيات ذات الباع الطويل مع المعرفة في التاريخ الإسلامي، حيث تناولت أثار ابن النديم[4] كنموذج لعالم ومفكر وموسوعي برز وبرع في عدة حقول معرفية.

تناولت الكاتِبة كذلك مسألة الفكر الجغرافي القروسطي، حيث بينت تأثير الجغرافيين في حركة الفتوحات الإسلامية، وكذلك دور الفكر الجغرافي والمصنفات الجغرافية في التجارة بين أوربا (المظلمة) أنداك حسب رأي الباحثة، والعالم الإسلامي المزدهر إبان فترة القرون (الوسطى). كما عرجت الكاتبة على أهم رواد الفكر الجغرافي، التاريخي، التصوف والأدب بالعالم الإسلامي خلال العصر (الوسيط)، حيث تناولت تأثير الجغرافي “الشريف الإدريسي” صاحب كتاب “نزهة المشتاق في اختراق الأفاق”[5]، وعلاقة هذا الأخير بالملك النورماندي روجر الثاني[6].

لم تغفل المؤلفة دور” ابن حوقل”، صاحب كتاب “صورة الأرض”[7]، في ظهور الفكر الجغرافي أو الجغرافية الوصفية الإسلامية. ذكرت المستشرقة دور المؤرخين المسلمين الذين كان لهم باع طويل مع علم التاريخ، حيث ذكرت ابن خلدون صاحب كتاب “العبر وديوان المبتدأ وخبر العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من السلطان الأكبر”[8]، وكذلك دور ابن خلدون في التصوف، منهجه وفكره[9]. ذُكرت كذلك في ثنايا الكتاب  محمد بن لحسن الوزان (ليون الإفريقي)[10]، ابن بطوطة صاحب كتاب “عجائب الأمصار وغرائب الأسفار[11]، ابن الخطيب[12]…..إلخ

في القسم الخامس من الكتاب، صفحة 341، كتبت المستشرقة هذه الكلمات كعنوان للفصل؛ طلب العلم عبادة، وقالت في السطر الأول من الفصل ما يلي: “لقد أوصى محمد كل مؤمن رجلا كان أو امرأة بطلب العلم، وجعل ذلك واجبا دينيا”[13]. في الفصل السابع من الكتاب أو القسم السابع، صفحة 385، خطت الكاتبة هذه الكلمات عنوانا للفصل؛ الشغف بالكتاب، وتكتب في السطر الأول من الفصل ما يلي: “لقد أقبل العرب على اقتناء الكتب إقبالا منقطع النظير..”[14].  وتبين كيف كان المسلمون يشترون الكتب، رجالا ونساء، عامة وحكام.. وكيف كانت البلاطات السلطانية تعج بالعلماء.. المفكرين.. والمترجمين. (شاهد فيديو موقع مقال على اليوتيوب)

المراجع

[1]  المدرسة الاستشراقية الألمانية ذات باع طويل مع تاريخ الحضارة الإسلامية، فقد ترك لنا مجموعة من الباحثين الألمان، من قبيل “كارل بروكلمان”، تيودور نُولدكَه و“ماكس مولر” مؤلفات ودراسات قيمة تخص تاريخ الأدب والشعوب الإسلامية.

[2]  ادوارد سعيد، مفكر، فيلسوف وناقد أدبي أمريكي ذو أصول فلسطينية، عُرف ادوارد كأحد أهم رواد الدراسات ما بعد الكولونيالية، كما وجه ادوارد نقدا لاذعا للمدارس الاستشراقية، في كتابه الشهير “الاستشراق (المفاهيم الغربية للشرق)، وقد نتج عن صدور هذا الكتاب ضجة واسعة على المستوى الأكاديمي.

[3]  مفكر فلسطيني، يهتم بالدراسات ما بعد الكولونيالية، صاحب كتاب “الدولة المستحيلة”، وجه حلاق في هذا الكتاب نقدا لاذعا لمفهوم الدولة الحديثة وللأسس التي تقوم عليها الدولة الحديثة، خصوصا العربية، كما اعتبر حلاق أن الدولة الحديثة فكرة غربية محضة منذ أيام النهضة ومن المستحيل أن تطبق على العالم الإسلامي.

[4]  أبو الفرج محمد بن اسحاق عاش خلال القرن 10م (ت سنة 995م)، صاحب كتاب الفهرس الذي جمع فيه مجموعة من المصادر والمقالات…(للمزيد أنظر كاتب شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه).

[5]  نزهة المشتاق في اختراق الأفاق لأبي عبد الله محمد الإدريسي (1154م)، ألفه بطلب من الملك النورماندي روجر الثاني حاكم صقلية، بعد أن تمكن من الطواف بأنحاء العالم الإسلامي والعالم الأوروبي، حيث رسم الإدريسي صورة أو خريطة للعالم المعروف أنداك على دائرة فضية يوضح فيها معالم وصور العالم التي وجدها  في رحلته، وقدمها للملك روجر حاكم صقلية. نشر الكتاب هنري بيريس سنة 1958م.

[6]  ملك صقلية، بدأ الحُكم سنة 1105م، توفي سنة 1154م… …(للمزيد أنظر كاتب شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه).

[7]  صورة الأرض لأبي القاسم محمد بن علي الموصلي المشهور بابن حوقل (977م)، وصف خلاله بلاد المغرب والأندلس وصقلية، ووصف أحوالها وصف شاهد عيان، ويعتبر ابن حوقل من الجغرافيين المشارقة القلائل الذين تحدثوا عن المغرب وأحوازه.

[8]  العبر لابن خلدون (1405م)، يتكون الكتاب أساسا من ثلاثة أقسام رئيسية هي: المقدمة، كتاب العبر وكتاب التعريف.  أما القسم الأول أي المقدمة فهي تطلق الأن على المجلد الأول من المجلدات السبعة لكتاب العبر (حسب الطبعات)، وقد عرض المؤلف لبحوث المؤرخين من قبله ووجه النقد لهم في العديد من القضايا التي وجد فيها ابن خلدون النقص، كما تحدث في المقدمة (المجلد الأول) عن فضل علم التاريخ؛ فوائد التاريخ، منهج التاريخ…إلخ. أما القسم الثاني فيضم الموسوعة البحثية التي تخص التاريخ؛ تاريخ أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدأ الخليقة إلى عهده…إلخ. أما القسم الثالث من الموسوعة فيضم الترجمة الذاتية لابن خلدون، وأطلق عليه ابن خلدون اسم التعريف، وهو يحتوي على ترجمة مفصلة لحياة ابن خلدون، ذكر فيها ما أحاطه من حوادث وأحوال للمجتمعات والنظم التي كان له علاقة بها أيام زمانه…ذكر كذلك عبد الرحمن بن خلدون في هذا الجزء من الموسوعة، تراجم لمعظم الشخصيات التي عاصرها وكان لها تأثير في العصر الذي عاش فيه ابن خلدون.

[9]  عُرِف عبد الرحمن بن خلدون في التصوف بكتابه “تهذيب السائل في شفاء المسائل”، كما عرف بمواقف كانت سببا في دخوله في صراع فكري مع الإمام الشاطبي وكذلك لسان الدين بن الخطيب.

[10]  وصف إفريقيا للحسن الوزان- ليون الإفريقي، يمثل هذا الكتاب القسم الثالث من كتاب الجغرافيا العامة الذي ألفه الوزان باللغة العربية، ثم ترجمه المؤلف إلى اللغة الإيطالية، أو اعتمد عليه في كتابة كتابه الشهير وصف إفريقيا بالإيطالية، أتمه سنة 1526م. نشر الكتب لأول مرة من طرف العالم الإيطالي راميزيو سنة 1550م بمدينة البندقية، بعدها ترجم إلى اللاتينية من طرف فلوريان سنة 1556م، ثم ترجم إلى الهولندية سنة 1665م، ثم إلى الإنجليزية من طرف جون بوري سنة 1600م،، وإلى الألمانية سنة 1805م، وإلى الفرنسية من طرف لويس مانسيون سنة 1906م، وإلى الإسبانية من طرف معهد فرانكو، وأخيرا إلى العربية من طرف محمد حجي ومحمد الأخضر سنة 1978م وأعيد طبعه من طرف دار الغرب الإسلامي ببيروت.

[11]  تحفة النظار في غرائب الأسفار وعجائب الأسفار لابن بطوطة (1377م)، تناول فيها ابن بطوطة أسفاره التي دامت زهاء ثلاثين سنة، طاف واتصل بكثير من الملوك والأمراء، ولما عاد إلى المغرب وبناء على طلب من السلطان المريني أبي عنان، بدأ في كتابة رحلته، واصفا الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي اكتشفها أثناء رحلته (على فكرة ابن بطوطة لم يكتب رحلته بيده، بل اكتفي بتقديمها على شكل مذكرات فقط، ليعمل الأديب الغرناطي ابن جري على صياغتها بالشكل الذي هي عليه).

[12]  ابن الخطيب، صاحب كتاب: “الإحاطة في أخبار غرناطة” (1375م)، يتناول لسان الدين ابن الخطيب في هذا الكتب كل ما يتعلق بغرناطة (مدينة أندلسية) من أخبار ومعالم وجغرافيا ورجال ودول…نشر هذا الكتاب أول مرة من طرف عبد الله عنان، في جزأين قبل أن يتممه فيما بعد، لينشر في ثلاث مجلدات.

[13] زيغريد هونكه،  شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون وكمال الدسوقي، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ص.369.

[14]  زيغريد هونكه،  شمس العرب تسطع على الغرب، ص.385.

بقلم: محمد بوداس

 

أضف تعليقك هنا