أميركا.. يوم أسود وحكمة بالغة

ما طار طير وارتفع.. إلا كما طار وقع..! فمن الثابت، أن دوام الحال من المحال. مثل شهير لكنه حكمة بالغة، ينطبق على كثير من الحالات، فمن انهيار برجي التجارة العالمي 11 سبتمبر إلى انهيار أخر مُماثل دون خسائر بالأرواح لكنه إنهيار لاقتصاديات نمت بسرعة فائقة من 2012 لتنهار كالبنكين بسرعة كبيرة عبر الأموال قصيرة الأجل المقترضة من المودعين ممن يمكنهم السداد في أي وقت، واستثمارها في أصول طويلة الأجل، والضامن والمنظم هنا الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لكلا البنكين بانهيار بنك وادي السيليكون وبعد 48 ساعة جاء ثاني أكبر فشل لمؤسسة مالية في التاريخ الأميركي، وهو أكبر اختبار للهندسة التنظيمية في إجبار البنوك على الحد من الأخطار ومراقبتها عن كثب، ليكون السؤال المُحير: أين كان المنظمون في الولايات المتحدة عندما تحطم البنكان؟. وإلا فكيف يفشل بنك بقيمة 200 مليار دولار بسبب السيولة؟!. وهنا أورد شهادة المدير المساعد لأبحاث الإيداع في “جيني مونتوغومري سكوت أل إل سي” تيموثي كوفي بإن المنظمين كانوا على دراية بأن: “الخسائر غير المحققة في محافظ الأوراق المالية للبنوك قد تؤدي إلى مشكلات، لكنهم لم يتخذوا خطوات محددة لمعالجة المشكلة، وهذا شيء يتم تداوله في الصناعة لأشهر عدة لكنهم لم يفعلوا شيئاً لمساعدة سيليكون فالي”.

عوامل أدت إلى انهيار بنك وداي سيليكون فالي

إذاً تسجيل الزيادة الكبيرة في الأصول والودائع في موازنتيهما العمومية، هوى بهما في حُفر حيازات السندات والملاحظات على بياناتهما المالية.. في أكبر فشل مصرفي منذ 15 عاماً أي الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ليطال الهلع الأسواق الدولية والعملات المشفرة وقطاع التكنولوجيا والأسواق الناشئة في مأزق صعب، فمثلاً تقلصت الودائع في البنوك البريطانية والقارة العجوز بنحو 36 مليار دولار، وتسبب في حدوث أزمة في أسهم البنوك الأميركية، كما تعرضت السندات الحكومية أيضاً لضغوط في جميع أنحاء العالم لرفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، الذي نشأ من تضاعف الودائع في أقل من عام واحد، بإجمال أصول مجموعة سيليكون فالي المالية (SVB Financial Group)، إلى 211 مليار دولار نهاية عام 2021، في مقابل 116 مليار دولار في العام السابق.. حتى صار بنهاية عام 2022 البنك الـ16 بين أكبر بنوك الإقراض في الولايات المتحدة، ولم يكن “سيليكون فالي” الوحيد الذي انخفضت أسهمُ مجموعته المالية وبنك “سيليكون فالي” 60.41 %، وسهم “سيلفيرغيت كابيتال كورب” بنسبة 11.27 %، وهو ما يدل على وجود مشكلة إشرافية كبيرة، فحوال 90 % من ودائع بنك “سيليكون فالي” كانت غير مؤمنة، كما أن قواعد السيولة لكل من بنك “سيليكون فالي” وبنك “سيلفيرغيت” كانت أقل إرهاقاً من البنوك الكبرى، وبالتالي فالنمو السريع يجب أن يكون دائماً علامة صفراء على الأقل لهؤلاء.. إذ تعرضت الصناعة المصرفية ككل لخسائر غير محققة على الأوراق المالية بنحو 620 مليار دولار نهاية 2022، وهناك مسألة تنظيمية أخرى تتمثل في قواعد المحاسبة ورأس المال التي تسمح للبنوك بتجاهل خسائر السوق على بعض الأوراق المالية التي تحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق، ولهذا فإن ضوابط الأخطار والمخازن الوقائية ضد الخسائر المحتملة لا تنمو في كثير من الأحيان بما يتماشى مع الأخطار الجديدة التي تتعرض لها البنوك سريعة النمو، لتتأثر بالانهيار اقتصاديات دول فما بالك بالشركات التابعة والصغيرة في الأسواق، ففي نوفمبر 2022، كشف بنك “كريبتو بلوك في”، عن تقديمه طلباً للإفلاس، وذكر أنه يحتفظ بـ227 مليون دولار مع بنك وادي السيليكون ليوقف عمليات السحب بعد أن واجه “تعرضاً كبيراً” لبورصة “أف تي إكس” التابعة لشركة “سان بانكمان فرايد”، وكذلك صندوق التحوط الشقيق ألاميدا، كما أن شركة “روكيت تاب” العاملة في قطاع صناعة الطيران تمتلك ما يقرب من ثمانية في المئة، أو ما يقرب من 38 مليون دولار، من إجمالي السيولة النقدية في البنك المنهار، وفقدت منصة “يو أس دي كوين” ربطها بالدولار وتراجعت إلى أدنى مستوى لها، ثم شركة “سيركل”، الأميركية التي تقف وراء العملة المشفرة، لها 3.3 مليار دولار من احتياطاتها البالغة 40 مليار دولار من دولارات الولايات المتحدة في بنك سيليكون فالي المنهار.

تداعيات انهيار بنك وادي السيليكون على الاقتصاد العالمي

إن أثر الانهيار على الاقتصاد العالمي أولاً، وعلى الشرق الأوسط خاصة، قد زاد النيران في الهشيم بانتقال الأزمة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما بعد مشاركة لقطة شاشة لرسالة بريد إلكتروني من “بنك SVB ” تداولها رواد الأعمال، بأن البنك الأميركي يلبي نظاماً بيئياً محدداً متماسكاً للغاية، ما قد يُساهم في انتشار العدوى بشكل سريع، وهو ما حدث، فقد هرع الأوروبيون إلى سحب ما يقرب من 30 مليار جنيه استرليني (36.1 مليار دولار) من حساباتهم بالبنوك، وسط توقعات تشير إلى تنامي عمليات السحب.. ليعبر الهلع للمُحيط الأطلسي وتراجع أسهم القطاع المصرفي بشكل حاد في الأسواق العالمية، وتراجعت أسهم كبرى البنوك البريطانية، وأبرزها سهم بنك “HSBC” بمقدار 4.6 %، في حين خسر سهم بنك “ستاندرد تشارترد” نحو 4.5 % من قيمته، وسهم بنك “باركليز” بنسبة 3.7 %، إلى جانب انخفاض سهم مجموعة “لويدز” المصرفية بنحو 3.3 %، وسهم بنك “نات ويست” بنسبة 2.5 %.. أما شركات التأمين فلم تنجُ من الانخفاض، إذ انخفض سهم “ليغال أند غنرال” بنسبة 4.3 %، وانخفض سهم “أفيفا” بنسبة 2.8 %.

تداعيات انهيار بنك وادي السيليكون على الشرق الأوسط

أما السوق الشرق اوسطي: إن الانهيار قد يكون له تأثير كبير في شركات التكنولوجيا العالمية، حيث أغلقت معظم أسواق الأسهم في الشرق الأوسط على انخفاض وفي مقدمها البورصة المصرية على خلفية هبوط الأسهم العالمية بسبب مخاوف من انتقال العدوى في أعقاب انهيار بنك “سيليكون فالي”. وقد ثارت اضطرابات في الأسواق العالمية وتركت مليارات الدولارات من ودائع الشركات والمستثمرين عالقة. وهبط المؤشر في قطر 1.6 % مع سلبية كافة الأسهم السوقية تقريباً، بما في ذلك سهم مصرف قطر الإسلامي الذي تراجع 3.9 %، كما تراجع المؤشر السعودي 0.8 % متأثراً بانخفاض سهم “مصرف الراجحي” 1.7 % وسهم “رتال للتنمية العمرانية” 0.8 %.

وأخيراً: “لن تغرق سفينتنا ما دمنا نأخذ على يد بعضنا البعض، ونحمد الله على ما نحن فيه من رفاهية ونعيم، متذكَّراً أن زمن الدلال انتهى: (وما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع). ولنعتبر من الافلاس المصرفي لبنكي سيليكون فالي وبنك “سلفرغيت” ..

فيديو مقال أميركا.. يوم أسود وحكمة بالغة

 

https://youtu.be/MTb2FgjrceY

أضف تعليقك هنا