استراتيجيات إدارة الموارد البشرية في ظل العولمة

بقلم: شيرين إبراهيم سالم الجوجو

تمهيد

تهدف إدارة الموارد البشرية وفق النظرية الحديثة للإدارة الى تكوين قوة عمل مستقرة وفعالة لأي مجموعة من الأفراد القادرين والراغبين على العمل ويتميزون بدرجة عالية من التفاهم والرضا فيما بينهم.وتعد استراتيجيات إدارة الموارد البشرية أحد أهم عناصر نجاح استراتيجيات المنظمة، فمن غير الممكن ايجاد استراتيجية لمنظمة ما دون تضمنها لاستراتيجية الموارد البشرية حيث لا يمكن تحقيق الميزة التنافسية وتحقيق الاهداف إلا من خلال العنصر البشري كقادة او كمرؤوسين في المنظمة.

أضف الى ذلك، فإن المنظمات في ظل العولمة وتحدياتها الحالية لا تعاني من نقص المعلومات وتوفر التكنولوجيا الخاصة بها، بل صعوبة تشغيلها وتحليلها وتوظيفها. وهذا لا يتم الا عبر العنصر البشري وتبني استراتيجية تواكب وتحاكي متطلبات هذا الوضع الجديد، وتكون اطارا منهجيا يستهدف تعظيم قدرات الموارد البشرية لدى المنظمة وتمكينهم من تحقيق استراتيجياتها واهدافها العامة (المحمود،.(2016

اولاً: تعريف استراتيجيات إدارة الموارد البشرية

مصطلح الاستراتيجية هي المقابل العربي لكلمة الانكليزية (Strategy) التي يعود أصلها الى الكلمة اليونانية المكونة من كلمتين Stratos و Agos ، والتي تعني قائد الجيش). وهذا يتفق مع ما ورد في تعريف قاموس المورد بأنها علم او فن الحرب او وضع الخطط وادارة العمليات الحربية والتي ترسم المسارات المختلفة للحملات وتنظيم المعارك (فهمي،2014).
وقد تطور هذا المفهوم عبر عصور التاريخ مع نمو المجتمعات البشرية وتطورها وتعقدها وانتقل من المجال العسكري الى المجالات الاخرى والتي منها العلوم الاجتماعية ، كعلم السياسية والاقتصاد والادارة…. الخ، وقد اخذ حصته الكبيرة في حقل العلوم الادارية (حاروش وحروش،2015).

ونتيجة لوجود العديد من المؤثرات الداخلية والخارجية التي تؤثر في إدارة الموارد البشرية فإن ذلك يتطلب الاهتمام بهذه الإدارة في ظل التنافسية والعولمة، ليس فقط من خلال تحقيق استراتيجيات أدارة الموارد البشرية من استقطاب وتدريب وتنمية ولكن أيضاً لابد من وضع استراتيجيات ملائمة للمنظمات الأمر الذي يتطلب منها وضع استراتيجية مناسبة تحقق الأهداف والرؤى لهذه المنظمات (العساف،2016 ).

إن المدخل الاستراتيجي لإدارة الموارد البشرية يقوم على إجراء تحليل للفرص والتهديدات في بيئة المنظمة الخارجية والداخلية، حيث إن المنظمات الناجحة في ظل العولمة والتغير المستمر تقوم بشكل مستمر بتعديل استراتيجياتها الحالية وتتبنى استراتيجيات جديدة وذلك من أجل المحافظة على ميزاتها التنافسية وهذا التغير يؤثر على الاستراتيجيات الوظيفية لكل وظيفة أو نشاط ومنها ما يتعلق بالموارد البشرية2018 ) ,Cascio).

ثانياً: أهمية استراتيجية الموارد البشرية

يمكن اجمال اهم اهتمامات وعمل كل من ادارة الموارد البشرية واستراتيجية أدارة الموارد البشرية على النحو الاتي.
ففي مجالات عمل ادارة الموارد البشرية فإن أهم ما تتسم به تلك المجالات هي: الاهتمام بالبناء المادي للمورد البشري، تنمية العمل والاداء الفردي تركيز التنمية البشرية على التدريب المهني واكتساب الفرد مهارات يدوية، التركيز على الجوانب المادية في العمل والاهتمام بقضايا الاجور والحوافز الاداء الآلي للمهام دون تفكير ومشاركة في اتخاذ القرار، تحسين بيئة العمل المادية).

بينما في مجالات عمل استراتيجية إدارة الموارد البشرية فإن أهم ما تتسم به تلك المجالات هي: الاهتمام بالبناء العقلي والفكري والمعرفي للمورد البشري، تركيز التنمية البشرية على تنمية الابداع والابتكار وتنمية المهارات الفكرية واستثمارها تنمية العمل والاداء الجماعي، البحث عن آليات استثمار القدرات الفكرية الاهتمام بالحوافز المعنوية الاهتمام بمحتوى العمل المشاركة الايجابية في اتخاذ القرار وتحمل المسؤوليات) (2017, Gold & Bratton ).

ثالثاً: أبعاد استراتيجيات الموارد البشرية

ان وضع استراتيجية فعالة لاستثمار وادارة الموارد البشرية بصورة تحقق اهداف المنظمة وتستجيب لمتغيرات البيئة التنظيمية والتنافسية هو امر بالغ الاهمية ولتجسيد ذلك لابد من بناء استراتيجيات للموارد البشرية تتوافق مع استراتيجية العامة للمنظمة، وتحديد الملامح العريضة لأنشطة ووظائف ادارة الموارد البشرية التي تتماشى مع توجهات تلك الاستراتيجية العامة.

وقد تم اختيار أربع ابعاد لاستراتيجيات أدارة الموارد البشرية تمثل الانشطة والوظائف الرئيسية وهي (الاستقطاب والتعيين التدريب والتطوير، التحفيز ، تقييم الاداء. وهذه الوظائف المتعاقبة تمثل نظاما متكاملا ومتفاعلا لأنشطة ووظائف ادارة الموارد البشرية، وتعبر عن المنهج الاستراتيجي للاستثمار الصحيح للمورد البشري داخل المنظمة (هادف،2015 ).

1- استراتيجية الاستقطاب والتعيين

ان التوجه الحديث في هذا المجال هو استقطاب وتعيين الموارد البشرية التي تمتلك مهارات متعددة تمكنه من العمل في وظائف او مجالات مختلفة وممارسة مهام متنوعة وضمن العمل الجماعي. حيث لم يعد اسلوب تنفيذ الاعمال يأخذ الصفة الانفرادية حاليا بل جماعيا من خلال فرق عمل، وضمن هذا الفريق يمارس الفرد – وفي احياناً كثيرة – مهاماً متعددة او يتبادل المهام والمسؤوليات مع اعضاء الفريق.

هذه التوجهات الحديثة اوجبت على ادارة الموارد البشرية اعتماد برامج جديدة لاستقطاب هذه النوعية من العاملين، واستخدام اساليب متعددة في عملية الاختيار للكشف عن الفروق الفردية لدى المتقدمين، والمنسجمة مع حاجات الوظيفة والمنظمة.
وكل ذلك يكون ضمن رؤية مستقبلية تتجاوز الوضع القائم وتوقعات المستقبل ايضاً، وترتكز هذه الوظيفة على التحديد الدقيق للأعمال ومتطلباتها القدرات والمهارات والامكانات الواجب توفرها في الفرد) التي تمكنه من الاداء الافضل لها، ومن ثم تحديد الاعداد المناسبة من الافراد اللازمين لأداء حجم معين من العمل خلال فترة زمنية محددة (2017, Gold & Bratton ).

2- استراتيجية التدريب والتطوير

تهدف استراتيجية التدريب والتطوير الى التأكد من ان الموارد البشرية العاملة في المنظمة تمتلك المهارات والقدرات والمعارف الضرورية للتعامل مع متطلبات الوظيفة الحالية والمستقبلية، وزيادة معرفة العاملين وادراكهم بثقافة العمل واجواءه التنافسية لتعزيز جودة المنتج او الخدمة المقدمة للغير، اضافة الى تشجيعهم على استثمار فرص ومجالات التعلم الذاتي لضمان مرونة أكبر في تنفيذ الاعمال وتلافي الاحتمالات الطارئة.

وعليه فالنظرة الحديثة للتدريب تشتمل على ثلاث عناصر هي: التعلم الذاتي للفرد، تنمية القدرات والامكانات، اكتساب المهارات المهنية والتي تلازم مراحل حياة الفرد العملية لتبدأ من مراحلها المبكرة قبل توليه العمل والتعيين، وتستمر بمرافقته ضمن حياته الوظيفية حتى تركه للعمل، لتأخذ مساراً آخر ضمن نفس التوجه لما بعد احالته على التقاعد في كثير من الاحيان (عامر،2015 ).
فالتدريب والتطوير تعتبر اليوم وسيلة ناجحة وفعالة لجعل الفرد العامل أكثر انسجاماً وتكيفاً مع احتياجات ومتطلبات العمل ومستجداته الداخلية والخارجية.

وفي الوقت نفسه يكون قادراً على تحقيق مستويات عالية من جودة المنتوج الذي يحقق رضاء المستهلكين ويشبع رغباتهم، ومن ثم تقوية المركز التنافسي للمنظمة في سوق العمل.

وهذا يتفق مع الحقائق والمعطيات التي تحكم عمل المنظمات حالياً اقتصادياً – ادارياً). فالقيمة الاقتصادية للمنظمات لا ترتبط بنوعية وقيمة الاجهزة والآلات والمواد والموجودات الاخرى التي يعبر عنها بالرأس المالي، وانما بما تمتلكه تلك المنظمات من موارد بشرية عالية التأهيل، وحالات الابداع، ومستويات المعرفة، والنمط الاداري المتميز واخيراً السمعة التنافسية في سوق ).Larsen, 2017العمل

3- استراتيجية التحفيز

تمثل استراتيجية إدارة الموارد البشرية نظاماً متكاملاً يؤثر كل عنصر فيه على الآخر وبشكل تتابعي، فهي المسؤولة عن توفير الموارد البشرية بمواصفات معينة، ومدربة ومؤهلة، ومحفزة بشكل جيد لتقديم مستوى عالي من الاداء المتميز والمطلوب لتحقيق الفعالية التنظيمية وتعزيز المركز التنافسي المنظم وتحقيق اهدافها الاستراتيجية.

وعليه فاستراتيجية التحفيز تمثل مفهوم عملي يصف القيمة المالية او المعنوية التي يحصل عليها الفرد العامل بصيغ واوجه متعددة خلال عمل ما أو أداء سلوكي معين يحقق متطلبات ما مكلف به ويزيد عن ذلك باتجاه ما تبتغيه وتطمح اليه ادارة المنظمة2015) ,Kepha).

4- استراتيجية تقييم الاداء

ان معيار النجاح الاساسي الذي تقوم عليه استراتيجيات أدارة الموارد البشرية ونتائج تنفيذها ومدى اسهامها في تحقيق فاعلية اعلى المستويات اداء العاملين فنجاح استراتيجية أدارة الموارد البشرية يعني اداء تنظيمي بشري عالي المستوى مما يؤدي الى تحقيق اهداف المنظمة واستراتيجيتها العامة.

وهذا يستدعي القيام بحالة تحقق لمستويات اداء العاملين من خلال عملية ممنهجة ودورية لتقييم ادائهم الوظيفي ومستويات انتاجيتهم. وذلك بالرجوع لمعايير موضوعة مسبقا تتوافق مع متطلبات العمل وظروفه. ومن ثم تقييم الاداء الفعلي قياسا بهذه المعايير ، لوضع تصور نهائي عن ما يمكن ان يكون عليه الاداء المستقبلي بصيغته المطلوبة للوصول الى اعلى درجات الكفاءة والفاعلية في الاداء (ابونا،2017).

دور تقييم أداء العاملين

وعلى هذا الاساس يعتبر البعض أن تقييم اداء العاملين له دور مؤثر في تحقيق التقدم الوظيفي وزيادة انتاجية الموظف، مما يؤدي بدوره الى زيادة الاداء التنظيمي، فضلا عن الاسهام في تحفيز العاملين على العمل ويرفع من الروح المعنوية والدافعية لديهم ، ويعدل من سلوكهم الوظيفي والتزامهم بمتطلبات العمل.
وفي الختام يمكننا اعتبار استراتيجية تقييم الأداء بمثابة التغذية الراجعة لمستوى النتائج المتحققة من تنفيذ الاستراتيجيات الثلاث السابقة وتأثيرها على الموارد البشرية في المنظمة.

المراجع العربية

  • ابونا، احمد ملاح السوسو (2017). أثر تقييم الاداء في رفع كفاءة العاملين / دراسة الحالة لجامعة كردفان الفترة من 2014-2016 . رسالة ماجستير، جامعة كردفان.
  • حاروش، نور الدين، وحروش، رفيقة (2015). علم الادارة من المدرسة التقليدية الى الهندرة. دار الايام للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.
  • الحربي، عمر بن راضي صالح (2017). فاعلية برامج التدريب على راس العمل في رفع كفاءة أداء العاملين بفرق التدخل في حوادث انهيارات المباني والزلازل : دراسة ميدانية على العاملين بقيادة قوات الطوارئ الخاصة للدفاع المدني وفروعها . رسالة ماجستير – جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
  • عامر، سعاد (2015). أثر التدريب على تحقيق التطوير التنظيمي لدى المورد البشري. مجلة الحكمة للدراسات الاجتماعية، (6)3 ، 123-112.
  • العساف، فلاح محمد (2016). أثر تطبيق استراتيجيات إدارة الموارد البشرية على الأداء الوظيفي: دراسة حالة في مطار عمان المدني. رسالة ماجستير، جامعة عمان العربية، الأردن.
  • المحمود، رفعت تاج السر الريح عبد (2016). أثر استراتيجيات إدارة الموارد البشرية في الإنتاجية: دراسة تطبيقية على مصنع اسمنت عطبرة في الفترة 2010-2015 . رسالة دكتوراه، جامعة أم درمان الإسلامية، السودان.
  • هادف، حيزية (2015) استراتيجيات تكوين وتنمية الموارد البشرية كمدخل فعال في زيادة القدرة التنافسية للمنظمات الاقتصادية. بحث منشور في مجلة دراسات وأبحاث، (16)6 ،86-58.

المراجع الأجنبية

  •  Bratton, J., & Gold, J. (2017). Human resource management: theory and practice. Palgrave.
     Cascio, W. (2018). Managing human resources.
  •  Kepha, A. O. (2015). Influence of Human Resource Management Practices on the Performance of Employees in Research Institutes in Kenya, Doctoral dissertation.
  •  Larsen, H. H. (2017). Key issues in training and development. In Policy and practice in European human resource management (pp. 107-121). Routledge.§

بقلم: شيرين إبراهيم سالم الجوجو

 

أضف تعليقك هنا