قبل رمضان: المال الحلال طريق للسعادة 

اختلفت الآراء في مفهوم السعادة، وهل المال من أسباب السعادة؟ أم السعادة في الإنجاز؟ وهل تعتبر أهم من المال في تحقيق السعادة؟

ما الذي يحقق السعادة؟

لا يكاد يختلف اثنان على أن المال من مقومات الحياة السعيدة، فقد روى الحاكم وأبو نعيم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربع من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم (887) .

متى يكون المال مصدراً لجلب السعادة ؟

فالمال له وجوه جلب ووجوه صرف إذا أحسن الإنسان جلبها وصرفها كان ذلك سببا من أسباب السعادة، وهو رزق من الله تعالى يمنحه لعباده، وهناك رزق آخر يحدث من سعي الإنسان واجتهاده كالبحث عن الكسب الحلال، وتحدث فيه البركة لما يحدثه الانسان من أعمال خير، قال تعالى في سورة الكهف: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)). قال بعض المفسرون أن الآية نزلت في نفر من الكفار يتكبرون على نفر من الفقراء بمالهم ونسبهم، فبين الله تعالى أن ما يصبوا إليه الإنسان من الأعمال الصالحة هي الباقية، وما غير ذلك تكون حسرات عليه. 

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَهَذَا حَدِيثُ قُتَيْبَةَ – أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُور ِبِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ ، فَقَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً قَالَ أَبُو صَالِحٍ : فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الْأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وروي عنه صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا إِلَى آخِرِهِ) 

أين تتجلى سعادة المسلم؟

فمما سبق نرى أن السعادة تتمثل في إنجاز معروف أمره الله تعالى خالص لوجه؛ فيتذوق الإنسان حلاوتها في الدنيا: 

  • فللحاج فرحتان الوقوف بعرفة وفرحة عيد الأضحى المبارك، فكيف لا؟! والله تعالى يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً» فما أعظم هذا الإنجاز. 
  •  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ فالمسلم يقاوم الجوع والعطش في رمضان لينال سعادة رضا ربه فياله من انجاز عظيم يسعد به المرء عند اكتمال صومه 
  •  وإن ذكرنا حال الفقير اليوم وقياسه بالمال، فقد يحدث له ضنك من العيش كما وردنا سابقا بأن المال أحد مقاومات الحياة الكريمة ولكنها حكمة ربانية تتجلى في قول الله تعالى في سورة البقرة : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالجُوْعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَـٰـبـِرِيْنَ)155.ولكن تأتيه البشرى ليسعد ويهنأ ويطمئن وتمثل ذلك في قول النبي عليه الصلاة والسلام  (عجبًا للمؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابتْه سرّاء شَكَرَ فكان خيرًا له وان أصابتْه ضرّاءُ صبر فكان خيرًا له) رواه “مسلم”  
  • فالإيمان بالله تعالى له حلاوة معنوية يجعلها الله تعالى في قلوب عباده الصالحين كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم : (ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً). أخرجه أحمد 1/208(1778) و\”مسلم\” 1/46(60). 

وقد يسأل القارئ فالكفار والعاصون – هداهم الله تعالى – يعيشون بسعادة. فنقول: الكثير منهم يعيشون في قلق من المستقبل وعلى المستقبل، وهي سعادة دنيوية لا خير فيها مالم يشعر الإنسان بشوق للقاء ربه،، فالدنيا للجميع والآخرة تختص لمن أعد لها خالصا لوجه الله تعالى. وأخيرا وليس آخرا فإن ترك الهوى واتباع الهدى يجعل الإنسان ينعم بما يهوى وينال الرضا، والسعادة المنشودة أن كل سعي للإنسان ابتغاء وجه الله هو طريق السعادة. 

فيديو مقال قبل رمضان: المال الحلال طريق للسعادة 

 

أضف تعليقك هنا